دلالات بيان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بعد غارات بيروت
22-9-2024

محمد نبيل الغريب
* باحث في العلوم السياسية

أعلن الجيش الإسرائيلي شن موجتين واسعتين من الغارات الجوية الكثيفة على مناطق وبلدات في الجنوب اللبناني مساء الخميس 19 سبتمبر 2024، تُعتبر الأعنف منذ بداية الحرب، وشملت الضربات وفق البيان العسكري الإسرائيلي 100 منصة إطلاق وبنى تحتية عسكرية لحزب الله تضم ألف فوهة لصواريخ كانت جاهزة فورا للإطلاق. واعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل ضابط وجندي على الحدود مع لبنان، في المقابل أعلن حزب الله شن 17 هجوما على جنود ومواقع وآليات عسكرية ومستوطنات شمالي إسرائيل في أكبر عدد هجمات يشنه الحزب منذ 3 أشهر ورابع أكبر معدل هجمات يومي منذ بدء الحرب قبل نحو عام.

وفي الوقت ذاته، بحسب بيان وزارة الدفاع الإسرائيلية، فقد أغارت طائرات حربية بشكل دقيق في منطقة بيروت وبتوجيه استخباري لهيئة الاستخبارات العسكرية، وقضت على "إبراهيم عقيل" رئيس منظومة العمليات في حزب الله والقائد الفعلي لقوة الرضوان في حزب الله([1]).

ومن ثم يمكن تحليل بيان المتحدث العسكري الإسرائيلي "دانيال هاغري" عقب الغارات التي نفذها الطيران الإسرائيلي على منطقة الضاحية الجنوبية للبنان واستهدفت إبراهيم عقيل، وذلك لفهم بنية البيان ســواء ما تعلق بالمضمــون أو الغايات والأهداف.

تحليل المضمون:

لعل الوظيفة الرئيسية لتحليل المضمون ترتكز على كشف "ما وراء النص" من خلال قياس المفردات بغرض تكثيف الدلالة في ذهن المتلقي نتيجة لسيطرة مفهوم معين على المنظومة المعرفية لمنتج الخطاب([2]).

وفي بيان دانيال هاغري، سنجد أنه تحدث بشكل واضح حول الضربات على ضاحية بيروت الجنوبية، وارتكزت كلماته بشكل مكثف حول مقتل "إبراهيم عقيل" قائد العمليات الخاصة في حزب الله، وهذا له دلالة عسكرية خاصة لدى إسرائيل حيث كان عقيل مسئولًا عن توجيه التعليمات في حزب الله بخصوص إطلاق الصواريخ على الجليل الأعلى ومناطق الشمال في إسرائيل.

فقد حاول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في سياق الحدث، عرض الحجج حول هذه الضربة للمتلقي والمستمع داخليًا، من خلال مقتل "عقيل" وذلك على خلفية التخطيط للهجوم على إسرائيل حيث قال؛ "كان الاغتيال في بيروت من أجل الدفاع عن إسرائيل".

 من ناحية أخرى، حاول تبرير الهجوم على بيروت للمجتمع الدولي، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، التي نفت علاقاتها بالهجوم على بيروت، من خلال تأكيد "جون كيربي" المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض بأن إسرائيل لم تخطر واشنطن بشكل مسبق بخصوص الهجوم على بيروت"[3].

وعلى هذا النحو،  فقد حاول دانيال هاغري تبرير هذه الضربة في بيانه بالقول  "إن عقيل كان مدرجًا على قوائم الإرهاب الأمريكية ومطلوبًا بتهمة التورط في تفجير مقر المارينز وسفارة واشنطن ببيروت عام."1983

ومن ثم، فمن خلال استدلال الاتجاه العام للمتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، فإن هذا الاغتيال قد حمل هدفين رئيسيين، الأول منهما هو واضح ومباشر هو وقف الهجوم على مناطق الشمال عن طريق قتل المسئول عن إعطاء التعليمات بإطلاق الصواريخ، والثاني منهما غير مباشر وهو مساعدة الولايات المتحدة في ملاحقة واغتيال إبراهيم عقيل.([4])

التلميح والتلويح:

حاول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أثناء قراءة البيان التلميح بأن الجيش الإسرائيلي جاهز وعلى استعداد ولكن لا يوجد أي تغيير في التعليمات على جبهة الشمال، وبعد الانتهاء من البيان وفتح الأسئلة للصحفيين، فقد تلقى دانيال، سؤالًا؛  لماذا يجب أن تتجهز القيادة الداخلية؟ وقام بالإجابة بشكل مكرر بأننا جاهزون وعلى استعداد لأي مفاجآت ولا يوجد أي تغيير على جبهة الشمال.

وفي هذا السياق، فإن هذا الرد بهذا التوجيه يعتبر تلويحًا بالاستعداد لحرب مفتوحة ورسالة غير مباشرة لحزب الله في حالة التصعيد والرد بشكل واسع النطاق على إسرائيل. وفي الوقت ذاته، يحمل هذا الرد رسالة أخرى مباشرة،  بعدم نية إسرائيل في توسيع الحرب مع حزب الله والاقتصار على استهداف واغتيال من يهاجم إسرائيل في الوقت الحالي من خلال ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن "لا تغيير على تعليمات جبهة الشمال". ومن ثم يمكن الاستدلال بأن هذا التصعيد مرتبط بتصعيد حزب الله.

مخاطبة الجمهور:

من خلال بيان المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي فقد حاول مخاطبة عاطفة الجمهور،  كما المعهود في خطابات المسئولين الإسرائيليين وذلك بعد السخط والمظاهرات التي اجتاحت شوارع تل أبيب نظرًا لعدم الرضى العام على سياسة نتنياهو والجيش فيما يخص الحرب واستعادة الأسرى، فقد أوضح أن "الجيش الإسرائيلي يقاتل الأعداء في كل مكان من غزة واليمن ولبنان، وأن الجيش سيستمر في العمل للدفاع عن مواطني إسرائيل في كل مكان".

تعدد أشكال الخداع والتلاعب

الخطـاب غالبـا مـا يكـون اسـتخداما ذكيـا للغـة فـي التعبيـر عـن الأفـكار والتواصـل ومحـاولات التأثيــر والإقنــاع، هــذا الــذكاء لــه تجليــات عــدة فــي العمــل الاجتماعــي والسياســي، وكلهــا تحــاول توظيــف قــدرة الإنســان علــى التلاعــب الذكــي لإحــداث قــدر مــن التأثيـر أو القبـول أو الإيضـاح أو التأكيـد، وربمـا يكـون توظيـف هـذا الـذكاء فـي تلاعـب غيـر مقبـول وربمـا فيـه قـدر مـن الخفـاء والتضليـل والخـداع والزيـف.([5])

وفي بيان دانيال، قام بالتأكيد على جملة من الخداع للجمهور الإسرائيلي حينما أكد بأن "إسرائيل ستقوم بتفكيك كتائب حماس في غزة"، عمليًا ونظريًا هذا غير واضح حتى الآن حتى يتيقن الجيش الإسرائيلي عن طريق المتحدث الرسمي من الوصول لنتيجة بأنه سيتمكن من تفكيك كتائب حماس في غزة، بل إن ما يحدث في ميدان الحرب يعكس خسائر إسرائيلية كبيرة، ثار من أجلها الإسرائيليون في شوارع إسرائيل على مدى الشهور الماضية.

وفي السياق ذاته، فقد أكد دانيال، بأن اغتيال العقيل قائد القوات الخاصة في حزب الله والمدبر الأول لإطلاق الصواريخ على مناطق الجليل الأعلى، ستمنع حزب الله من مهاجمة الشمال،  وبالتالي حسب قوله سيتم إعادة سكان الشمال لمساكنهم، وهذا أيضًا غير صحيح من حيث الحقيقة، فقد قام حزب الله بتوجيه جملة من الصواريخ على مناطق الشمال([6])، وتم تفعيل الإنذارات في صفد وكريات شمونة وعدة بلدات أخرى في الجليل، وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش طلب من سكان مناطق صفد والجولان والجليل الأعلى البقاء قريبين من الملاجئ، وسط تصاعد القصف المتبادل عبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وذلك بعد أقل من 12 ساعة من إصدار هذا البيان على لسان المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي "دانيال هاغري".

العلاقة بين المقدمة والخاتمة:

مهد المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي في بداية حديثه حول عملية مقتل قائد قوة الرضوان إبراهيم عقيل الذي كان يخطط لاحتلال الجليل الأعلى مثلما فعلت حماس في 7 من أكتوبر، وفي منتصف بيانه أوضح أن هذا الاغتيال هو للدفاع عن إسرائيل، وأنه ليس هناك أي تغيير على جبهة الشمال.

وفي نهاية بيانه كرر الكلمات نفسها بأن إسرائيل مستعدة لأي مفاجآت ولكن لا تغيير على خطة الشمال، لذا فإن هناك علاقة استدلالية مترابطة بين مقدمة وخاتمة البيان لإيصال رسالة معينة وهي الأهم في الخطاب، وهي التلميح لحزب الله، بجاهزية إسرائيل للتصعيد مقابل التصعيد.

المراجع:

 


[1]) بيان الجيش الإسرائيلي، موقع الجيش الإسرائيلي، تاريخ النشر 20  سبتمبر 2024، الرابط https://shorturl.at/rwr4N

[2]) وليد عبد الحي، لغة الخطاب السياسي، جامعة اليرموك،  الأردن،2013، الرابط http://surl.li/lltdat

[3]) إسرائيل تعلن اغتيال القيادي في حزب الله إبراهيم عقيل، الجزيرة، 20 سبتمبر 2024، الرابط  http://surl.li/bsaqiy

[4]) بيان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بعد ضربة بيروت، 20 سبتمبر 2024، الرابط http://surl.li/pafwpi

[5]) ياسر فتحي،  دليل بناء الخطاب السياسي وتحليله، الشرق أكاديميا.

[6]) تبادل مكثف للقصف بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، بي بي سي عربي، 21 سبتمبر 2024، الرابط  http://surl.li/kqkpzg

 


رابط دائم: