محفزات وتحديات الممر الاقتصادى العالمى الجديد (IMEC) فى ظل التكامل الخليجى - المصرى
15-8-2024

أ.د عصام الجوهري
* عضو الهيئة العلمية بمعهد التخطيط القومى، أستاذ م. نظم المعلومات وإدارة التحول الرقمى، الخبير بمركز دعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصرى، رئيس قسم المشروعات الصغيرة والمتوسطة - مركز التخطيط والتنمية

الممر الاقتصادى الفكرة والأهداف:

انضمت المملكة العربية السعودية والإمارات وذلك على هامش وجودهما فى قمة مجموعة العشرين التى عُقدت فى مدينة نيودلهى الهندية فى التاسع من سبتمبر 2023 للموقعين على مذكرة التفاهم الهادفة لتدشين ممر اقتصادى عالمى يمتد عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يعبر المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل قبل أن يصل إلى أوروبا . ولكن ما هذا المشروع ومستقبله؟ وكيف يمكن تطويره أو تطوير رؤية المملكة وكذلك الإمارات بالتعاون مع مصر لمزيد من التكامل الاقتصادى والاستراتيجى العربى؟

 ففى ظل تلك المساعى الحثيثة طفت على السطح العديد من التساؤلات فى العديد من الدوائر الاقتصادية والسياسية والفكرية بشكل عام حول طبيعة هذا الممر الاقتصادى ومساراته؛ والعوائد الاقتصادية المترتبة عليه؛ ومدى تشابهه مع ممرات العبور الأخرى الرابطة بين الشرق والغرب؛ والتحديات التى سيواجهها، فضلا عن مدى تعارضه مع خريطة الحزام والطريق الصينية التى وقعت عليها المملكة العربية السعودية من قبل كمسار تنموى عالمى أيضا؛ تلك التساؤلات وأكثر هو ما سنحاول أن نجيبعنه.

طبيعة الممر الاقتصادى ومساراته:

   وفقا لما أعلن عن المشروع فى قمة العشرين فإنه يهدف إلى تحفيز التنمية الاقتصادية وتعزيز التجارة، وتأكيد شراكة الولايات المتحدة المزدهرة مع الهند، ويعيد تشكيل الجغرافية السياسية بجنوب أوراسيا، من خلال توفير طرق إضافية تجارية عالمية بجانب طريق الحرير الصينى؛ وذلك لتسريع سلاسل توريد البضائع من الشرق إلى الغرب، وبالتحديد من الهند والدول التى يعبر من خلالها الممر الاقتصادى الجديد إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. كذلك يهدف المشروع إلى إنشاء خطوط أنابيب لنقل الهيدروجين الأخضر والكهرباء المتجددة عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنمية معطيات الاقتصاد الرقمى عبر الربط والنقل الرقمى للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.

أما فيما يتعلق بمسارات هذا الممر الاقتصادى العالمى الجديد فإن الرؤى الأولية المقترحة تذهب إلى أن  الممر يتكون من قسمين: القسم الشرقى، وهو خط ملاحى بحرى يصل بين الهند والإمارات، والقسم الشمالى المتضمن شق برى يصل بين الإمارات وإسرائيل، عبر السعودية والأردن، وشق آخر بحرى يوصل بين ميناءى حيفا الإسرائيلى وبيرايوس اليونانى. ويتشكل الممر من خطوط بحرية وخطوط سكك حديد للربط بين المراكز التجارية، وتسهيل تطوير وتصدير الطاقة النظيفة. ويشمل أيضا مد كابلات الألياف البصرية تحت البحر، وخطوط أنابيب الهيدروجين النظيف، وربط شبكات الطاقة الكهربائية وخطوط الاتصالات، وتعزيز التعاون فى  مجال تكنولوجيا الطاقة النظيفة.

   جدير بالذكر أن البنية التحتية لقطاع النقل فى منطقة الخليج ستساعد على تسريع الخطوات التنفيذية لهذا الممر الاقتصادى العالمى وذلك فى شقه البرى لأن شبكة قطار الشرق بالمملكة السعودية القادم من الدمام تلتقى مع شبكة قطار الشمال (سار) فى الرياض عبر مدينة حرض، الذى بدوره يمتد من الرياض إلى الحديثة على حدود السعودية مع الأردن. وسيحتاج مشروع الربط إلى إنشاء تكملة للخط بين الغويفات الإماراتيوحرض السعودية. فضلا عن ذلك، فإن مشروع السكك الحديد الوطنية الإماراتى يمتد لمسافة 605 كيلومترات من ميناء الفجيرة إلى منفذ الغويفات على الحدود الإماراتية مع السعودية؛ وباتت الحزمة الرابعة والأخيرة من المرحلة الثانية للمشروع (بامتداد 145 كيلومترا) على وشك الانتهاء.

عوامل النجاح المتوقعة للممر الاقتصادى:

 يشكل المسار التصاعدى للعلاقات الاقتصادية والتجارية للهند والخليج وأوروبا مرتكزا صلبا لنجاح مشروع الممر الاقتصادى، ذلك أن حجم التبادل التجارى بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجى فى  الفترة 2021-2022 وصل إلى نحو190  مليار دولار تقريبا، ويجرى مجلس التعاون الخليجى مفاوضات مع الهند لتوقيع اتفاق تجارة حرة حاليا. وخلال القمة بين ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى على هامش قمة العشرين، تعهَّد الجانبان بتسريع برنامج الاستثمارات السعودية فى الهند بقيمة 100 مليار دولار.من جهة أخرى، وصل حجم التبادل التجارى بين دول الخليج والاتحاد الأوروبى عام 2022 إلى حاجز 186 مليار دولار، بالتزامن مع تراجع تجارة التكتل الأوروبى مع روسيا على وقع حرب أوكرانيا.


هذا وفيما يتعلق بالإيجابيات التى يقدمها الممر الاقتصادى العالمى الجديد (IMEC) فإنه من شأنه أن يعزز المنافسة فى الاقتصاد العالمى بين ممرات ومحاور مختلفة، وبما يخلق مزيدا من الفرص والخيارات على طريق التنمية العالمية.

 فى السياق ذاته، تشير تقارير وتحليلات عدة إلى أن هذا الممر سيكون الرابط الأكثر مباشرة بين الهند والخليج العربى وأوروبا، وسيمثل جسرا أخضر ورقميا عابرا للقارات والحضارات، وسيجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة 40% لكن فى نمط البضائع غير النفطية والغذاء التى تطلب تكلفة رخيصة وعدد حاويات كبيرة، لذا يكون الشحن البحرى عبر السفن رغم طول الوقت إلا أنه أوفر فى التكلفة.

يضاف إلى ما سبق أنه سيساعد كلا من المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط فى العالم، والإمارات العربية المتحدة، المركز المالى المتميز فى الشرق الأوسط، على إبراز مكانتهما كمراكز لوجستية وتجارية رئيسية بين الشرق والغرب، وهو ما يعزز من جهودهما لزيادة تنافسية وتنوع الاقتصاد السعودى والإمارتى.

التحديات التى يواجهها الممر الاقتصادى العالمى الجديد (IMEC):

تبدو العقبات اللوجستية كثيرة أمام هذا المشروع، ولعل أبرزها عدم اكتمال بعض نقاط الربط اللوجستى  العابر للحدود؛ إذ تحتاج الأنابيب والكابلات إلى بناء جديد كليا. ومن ناحيتها، تحتاج خطوط السكك الحديدية إلى استكمال آلاف الكيلومترات منها؛ فعلى الرغم من كون هناك شبكة قيد الإنشاء تمتد بطول 605 كيلومترات من إمارة الفجيرة إلى مدينة الغويفات الإماراتية على الحدود السعودية بوصفها جزءًا من مشروع الاتحاد للقطارات، تبقى حلقة مفقودة بين الغويفات ومدينة حرض السعودية، التى تعد نقطة رئيسية فى  مسارات سكك الحديد حيث لم يتم بناؤها بعد؛ تلك الحلقة تربط الإمارات بميناء الرياض الجاف، الذى ينطلق منه خط بطول 1242 كلم، نحو مدينة القريّات الحدودية مع الأردن، وتديره السكك الحديدية السعودية.

من هناك، سيتعيّن بناء خط نحو مدينة بيسان داخل إسرائيل عبر الأردن، وهو واحد من مسارات محتملة ستنطلق من الإمارات، إضافة إلى طريق من ميناء جبل على بدبى إلى حيفا. وهذا الأخير يمتد على مسافة 1565 كلم ولم يتم توصيل 745 كلم منها حتى الآن.

أما فى المملكة العربية السعودية، فهناك مساران محتملان نحو حيفا: ينطلق الأول من ميناء الدمام إلى مدينة حرض ثم إلى حيفا، وذلك بطول يبلغ 2149 كلم، ولم يتم إنشاء 289 كلم منها بعد.من جانبه، ينطلق المسار الثانى من ميناء رأس الخير إلى حيفا مرورا ببريدة؛ لكن لم يتم ربط 269 كلم من أصل 1809 كلم حتى الآن.

يضاف إلى ما سبق أن نجاح المشروع بالأساس يتوقف على تعافى حركة التجارة العالمية، وزيادة الطلب على السلع الهندية فى الأسواق الخليجية والإسرائيلية والأوروبية. وإذا لم تتحول هذه الحسابات إلى واقع، فقد يفقد مشروع الممر جدواه الاقتصادية.

كما أن هناك عددا ليس بقليل من العوائق التى تمثل عثرات متوقعة لهذه الممر تتمثل فى ترتيبات التمويل إذ لم يُكشَف بعد عن الداعمين الماليين الرئيسيين؛ كذلك فإن الأولويات السياسية والاقتصادية المحلية الحساسة المتعلقة بالوصول العادل إلى الأسواق، والقوانين المنظمة لقواعد المنشأ، وآليات تسوية المنازعات، وحماية الصناعات المحلية. وتشكل هذه القضايا نقاطا شائكة فى المفاوضات التجارية فى  الهند والاتحاد الأوروبى (وهى قضايا عاقت فى السابق انضمام الهند إلى تحالف الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة فى شرق آسيا). إلى جانب ذلك، ينبغى أيضا مواءمة اللوائح الضريبية والإجراءات الجمركية.

أخيرا وليس بآخر، التحديات الأمنية التى حلت بمنطقة الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر 2023، واعتداء إسرائيل المتواصل على الشعب الفلسطينى المدنى؛ تلك الاضطرابات التى قادت إلى هجرة الكثير من سكان المستوطنات وعدم وجود عمالة من الفلسطينيين بتل أبيب، لقد فقدت إسرائيل أمنها فى دقائق وارتبك المشهد بها، فهل تكون إسرائيل ممرا آمنا للتجارة العالمية؛ أم أن التجارة المارة بهذا الجزء من الممر ستكون دوما تحت وطأة التهديدات الأمنية واللوجستية بما يضر بها ويُلحق بها خسائر ضخمة قد تصل إلى تهديد استثمارات بلميارات الدولارات، تلك التهديدات الأمنية تضع عبئا على شركاء هذا الممر أن يضعوا مسارات بديلة تتجنب بؤرة الصراع الإسرائيلى الفلسطينى لضمان نجاح واستمرارية هذا الممر التجارى، كأن يتم وضع ممر بديل متزامن مع الممر العابر بإسرائيل وينتهى بميناء حيفا؛ ذلك الممر الموازى المقترح هو بناء جسر الملك سلمان الواصل بين مصر والسعودية انتهاء بميناء العريش المصرى كما هو موضح بالشكل رقم (2) الذى يضمن مسارا حقيقا للتنمية والتنوع والتنافسية بل الأمان للاقتصاد السعودى والخليجى، ويربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، ويخلق بديلا متكاملا مع ممر التجارة العالمى عبر قناة السويس فى نقل البيانات والطاقة المتجددة، يمكن أن تستمر فيه المملكة والإمارات مع مصر عبر سكك حديدية بسيناء وتشغيل لميناء العريش العملاق الحديث، وهذا الطرح يجعل من الممر الاقتصادى ممرا متعدد المحاور ومتعدد المرتكزات متكاملا مع الماضى، ويستمر إذا ثبتت جدواه الاقتصادية لتحقق أهداف المستقبل للشرق الأوسط ويزيد من أهميته الجيوسياسية.


يتضح من متابعة السياسة السعودية أن المملكة العربية السعودية بصدد تنويع بدائل علاقاتها الدولية والاحتفاظ بعلاقات مع الغرب وروسيا والصين فى الوقت نفسه والإبقاء على المسارات الخاصة والمستقلة بالشراكة فى مبادرة الحزام والطريق الصينية على سياق متواز مع ممر التنمية الهندى الأوروبى، وهو ما نستطيع توضيحه من خلال المعطيات التالية:

أولا: إن "مبادرة الحزام والطريق" ومشروعات البنية التحتية العالمية للصين تخدم سلاسل التوريد الكبيرة الخاصة بالصين، ما يعنى أن مشروع ممر الهند الشرق الأوسط أوروبا لن يؤدى إلى تقويض مبادرة الحزام والطريق ولا من نفوذها البحرى المتزايد فى منطقة الخليج، كما لن يحد على الأرجح من تنامى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول المنطقة والصين التى تعد الشريك التجارى الأكبر للدول العربية بإجمالى 430 مليار دولار، بما فى ذلك السعودية والإمارات.

ثانيا: تداخل الممر الهندى الأوروبى مع مشروعات المبادرة الصينية فى عدة نقاط لوجستية مركزية. إحدى أهم هذه النقاط موانئ الهند؛ حيث تدير شركة "كوسكو"الصينية خطا بحريا رئيسيا للشحن من الهند إلى أوروبا. والنقطة الثانية هى الإمارات؛ حيث تشغّل الشركة نفسها محطة حاويات فى ميناء خليفة فى  أبوظبى. والنقطة الثالثة ميناء"خليج حيفا"الذى تديره مجموعة "شنغهاى للموانئ الدولية"، وتنافس ميناء حيفا الكبير المدار من قبل تحالف من مجموعة "أدانى" الهندية وشركاء محليين. والنقطة الرابعة ميناء بيرايوس اليونانى المملوك بنسبة 67%لشركة "كوسكو" الصينية. والنقطة الخامسة تتمثل فى استحواذشركة "أوشن ريل" التابعة لـ"كوسكو"، عام 2019، على 60% من شركة "بيرايوس أوروبا آسيا للسكك الحديد اللوجستية" المسئولة عن نقل البضائع من ميناء بيرايوس إلى جميع أنحاء أوروبا ودول فى آسيا. فضلا عن امتلاك شركات صينية خطوط قطارات نقل البضائع عبر أوروبا، ومن ضمنها خط "الصين -أوروبا السريع"، والخط "المجرى - الصربى السريع"، ذلك التداخل بين ممر التنمية الهندى الأوروبى والمبادرة الصينية يعزز المكاسب المتبادلة لجميع الأطراف.

ليس ثمة شك فى أن الممر الهندى  العربى المتوسطى سيعمل على إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية جنوب أوراسيا، من خلال توفير طريق إلى أوروبا بديل لـ"طريق الحرير البحرى"، وممر العبور الدولى بين الشمال والجنوب (INSTC) المتمركز فى إيران.

تلك المعطيات تفيد بميل كل من السعودية والإمارات إلى عدم الانحياز إلى المصالح الجيواقتصادية للصين أو للقوى الغربية، والبحث عن تحقيق أهدافهما فى تعزيز مكانتهما الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية إقليميا وعالميا من خلال استكشاف التكامل بين كل التكتلات والممرات الاقتصادية التى تخدم أهداف إقليم الخليج. ولكن نذكر أيضا أن تعاونهم مع مصر يؤمن مستقبلا تنمويا اقتصاديا واستراتيجيا لوجستيا عربيا.


رابط دائم: