دلالات خطاب نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي
29-7-2024

مازن محمد
* باحث فى العلوم السياسية

عاد نتنياهو إلى الكونجرس الأمريكي فى لحظة فارقة على كافة المستويات بعد تسع سنوات من آخر خطاب له فى الكابيتول هيل، عاد فى خطابه الرابع مدعوا من الجمهوريين فى أثناء ولاية رئيس ديمقراطى كما كان الحال عليه فى جميع الدعوات السابقة. بالنسبة إلى الكثيرين، تشير تلك الزيارة إلى لعبة لطالما أجادها نتنياهو، وهى إظهار أن نفوذه فى الولايات المتحدة يتجاوز البيت الأبيض، فحاول نتنياهو من خلال الخطاب الحصول على دعم واشنطن للعمليات العسكرية المستمرة داخل غزة.

العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل:

فى حقيقة الأمر، لا يمكن أن ننظر إلى خطاب نتنياهو إلا من خلال منظور رئيسى، وهو أن العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل فى الوقت الحالى تفوق بمراحل أى خلافات بين قيادات الدولتين، وأنه مهما بلغت ذروة الخلافات بينهما فإنه من غير المسموح به أن تؤثر فى العلاقات بين الدولتين وتصل إلى حد القطيعة، أو اتخاذ أى قرارات من الممكن أن تؤثر فى الأمن القومى الإسرائيلى، فتعد زيارة نتنياهو إلى الكونجرس فى ذلك الوقت بمنزلة خطوة رسمية من قبل الولايات المتحدة لتكريم رئيس الوزراء الإسرائيلى خاصة بعد تعرضه لكم هائل من الضغوط والانتقادات الداخلية منذ توليه الحكم فى ديسمبر 2022، بالإضافة إلى التداعيات السلبية للحرب الإسرائيلية على غزة التى بدأت منذ أكتوبر الماضى وخلفت وراءها واحدة من أبشع الكوارث الإنسانية فى التاريخ الحديث من تدمير للقطاع وسقوط آلاف من الشهداء والمصابين بالإضافة إلى الأوبئة والمجاعات، على الرغم من العلاقات الجيدة التى تمتع بها البلدان لفترات طويلة إلا أن نتنياهو كان سببا فى تذبذب تلك العلاقات، فمن الواضح أن نتنياهو لم يكن حريصا منذ بدء الحرب أن يتجاوب مع الجهود الأمريكية لوقف إطلاق النار أو البحث عن حل لتلك الأزمة المتصاعدة منذ أشهر، فقد رفض نتنياهو جميع المحاولات الأمريكية لوقف إطلاق النار أو الوصول إلى هدنة يلتقط فيها الجميع الأنفاس، حتى وصل الأمر بينه وبين الرئيس الأمريكى بايدن إلى توتر غير مسبوق، ونظرا لموقف رئيس الوزراء الإسرائيلى فقد تراجع دور الولايات المتحدة فى تلك الأزمة، فعلى الرغم من كل الدعم السياسى والعسكرى من جانب الولايات المتحدة فإن واشنطن لم تستطع أن تضغط عليه ولو لمرة واحدة للقبول بالهدنة.

الهدنة وحل الدولتين:

أما بخصوص الحرب على غزة فقد جاءت الفرصة لنتنياهو على طبق من ذهب للتأكيد أمام العالم كله استعداده لمواصلة الحرب حتى يقضى على حماس وعلى أى خطر أو تهديد من الممكن أن ينطلق من غزة إلى إسرائيل، وقد ركز فى خطابه إلى الثناء على العمليات العسكرية بوصفها الطريقة الوحيدة لاستعادة الأسرى، فى إشارة واضحة منه إلى الولايات المتحدة بضرورة مواصلات الدعم العسكرى لإسرائيل فقد أشار إليها، موضحا (أعداؤنا هم أعداؤكم، ومعركتنا هى معركتكم، ونصرنا سيكون نصركم)، أما عن موضوع التوصل إلى هدنة فقد تعمد نتنياهو عدم الدخول فى أى تفاصيل حتى لا يمنح لذلك الموضوع أدنى أهمية، أو أن يلزم نفسه علنا أمام العالم بأى التزامات قد من الممكن أن تمثل عليه قيدا فى المستقبل خاصة أمام حكومته، وكذلك ينطبق الأمر على مبدأ حل الدولتين الذى تجنب بشكل واضح مجرد الإشارة إليه.

المحور الإيرانى:

بذل نتنياهو جهدا لتوجيه الأمريكيين للنظر إلى الحرب من زاوية أوسع؛ حيث أكد نتنياهو فى خطابه أن الشرق الأوسط، متمثلا فى إيران، يمثل خطرا على الولايات المتحدة وإسرائيل، فتعد إيران مسئولة عن الاضطرابات فى الشرق الأوسط، وتطويرها للسلاح النووى يعد خطرا على إسرائيل وأيضا على المدن الأمريكية، فقد أكد أن هزيمتها وهزيمة أذرع إيران (حماس وحزب الله وأنصار الله فى اليمن) هى مهمة أمريكية – إسرائيلية، فقد طرح نتنياهو خلال خطابه فكرة تشكيل تحالف إقليمى جديد يسمى (التحالف الإبراهيمى) وهذا التحالف يتكون من الولايات المتحدة وإسرائيل والدول التى لديها علاقات وتطبيع معها من أجل مواجهة ذلك الخطر الذى يقف عقبة أمام إسرائيل فى تحقيق هدفها فى الحرب.

اليوم التالى للحرب:

فيما يتعلق باليوم التالى للحرب، قد أكد نتنياهو أن الحرب فى غزة يمكن أن تنتهى غدا إذا أعلنت حركة حماس استسلامها ونزعت سلاحها وأعادت جميع الرهائن، لكن إذا لم يفعلوا ذلك فقد أكد نتنياهو أن إسرائيل مستمرة فى الحرب، وسوف تقاتل حتى تدمر قدرات حماس العسكرية وحكمها داخل غزة وإعادة جميع الرهائن إلى الوطن مرة أخرى، فقد أكد أن هذا هو النصر الكامل الذى تريده إسرائيل ولن يقبل بأقل من ذلك، وأنه من الممكن أن تظهر فيما يعرف بـ (غزة جديدة) فى اليوم التالى لهزيمة حماس مباشرة، وأن رؤيته لهذا اليوم هى غزة منزوعة السلاح والتطرف، فى إشارة منه إلى أن إسرائيل لا تسعى إلى إعادة الاستيطان داخل غزة مرة أخرى، لكنه شدد أنه فى المستقبل القريب لابد أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية داخل غزة لمنع عودة الإرهاب مرة أخرى، وضمان بأن لا تكون غزة محورا لتهديد إسرائيل مرة أخرى.

 أضاف نتنياهو فى خطابه بأنه يجب أن تكون هناك إدارة مدنية فى غزة يديرها فلسطينيون، وهؤلاء الفلسطينيون لا يسعون إلى تدمير إسرائيل، وقد شدد على أن هذا الأمر يعد حقا شرعيا لإسرائيل، وقد أكد بأنه لابد أن يتعلم جيل جديد من الفلسطينيين بعد الآن ألا يكرهوا اليهود بل لابد أن يعيشوا فى سلام معا، فقد أشار فى خطابه إلى (نزع السلاح ونزع التطرف)، وأعطى مثالا على ألمانيا واليابان خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد فترة كبيرة من الحرب عاشتا بعد ذلك عقودا فى سلام وازدهار وأمن.

رد حركة حماس:

أكدت حركة حماس أنه لابد أن يتم اعتقال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلى نتنياهو بصفته مجرم حرب بدل إعطائه فرصة للخطاب أمام الكونجرس الأمريكى، ورأت حماس أن الكونجرس قد استقبل نتنياهو على الرغم من جرائمه فى قطاع غزة، فى إشارة إلى أن نتنياهو حاول قلب الحقائق والترويج لروايات كاذبة بشأن السابع من أكتوبر، فيما أكدت التحقيقات الإسرائيلية والدولية ارتكاب الاحتلال جرائم قتل جماعى للمدنيين الفلسطينيين، وأضافت الحركة أن خطاب نتنياهو يعكس مدى أزمته العسكرية والأمنية والدولية، ويروج لانتصارات وهمية بتحريره عددا من الأسرى، متناسيا المجازر المروعة التى ارتكبها فى حق المدنيين فى غزة.

قالت حماس أيضا إن حديث نتنياهو عن  جهوده المكثفة لإعادة الأسرى هى محض كذب وتضليل للرأى العام، فقد اتهمته بإفشال الجهود الرامية لإنهاء الحرب وإبرام صفقة لإطلاق سراح الأسرى على الرغم من مرونة الحركة وجهود الوسطاء، كما اتهمت حماس الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تقوم بمواصلة كل الدعم العسكرى والسياسى للاحتلال، ومنح حكومة الإرهابيين الغطاء اللازم للإفلات من العقاب وإتاحتها منبر الكونجرس لغسل أيدى مجرمى الحرب بدلا من محاسبتهم على جرائمهم خلال الشهور الماضية، مؤكدة أنها شريكة كاملة فى الانتهاكات البشعة التى يتم ارتكابها داخل قطاع غزة.

يذكر أن (سامى أبو زهرى) القيادى فى حركة حماس قد أكد أن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلى أمام الكونجرس يظهر بأنه لا يريد التوصل إلى (صفقة وقف إطلاق النار)، كما أكد أن خطاب نتنياهو ملىء بالأكاذيب، ولن يفلح فى التغطية على الفشل فى مواجهة المقاومة أو التغطية على جرائم الإبادة التى يمارسها الجيش الإسرائيلى داخل قطاع غزة.

 أما عن (أسامة حمدان) القيادى أيضا فى حركة حماس فقد أكد أن ذلك الخطاب هو خطاب أزمة يعبر عن أزمة كبيرة لدى نتنياهو؛ لأنه بدأ يدرك أن الرأى العالمى بأسره قد عرف حجم الجريمة التى تم ارتكابها فى غزة، فقد حاول تحقير هذا العالم الذى يقف إلى جانب المقاومة، وحاول أن يشرح ويوضح سلسلة من الأكاذيب ليبيض صورة الكيان الصهيونى، بالإضافة إلى محاولة نتنياهو أن يستعيد الدعم للكيان الصهيونى بالصورة التى يريدها الإسرائيليون.

المصادر:

 “Marwan Muasher”}. July 2024, The most glaring shortfall of.(1)Netanyahu’s speech to Congress. Carnegie Endowment for International Peace. https://carnegieendowment.org/emissary/2024/07/netanyahu-congress-speech-gaza?lang=en

Foran, C., Williams, M., & Hansler, J. (2024, July 24). Benjamin(2) Netanyahu labels Gaza War Critics “Iran’s useful idiots” | CNN politics. CNN.

https://www.cnn.com/2024/07/24/politics/benjamin-netanyahu-address-washington/index.html

Paris, G. (2024, July 26). Israel-hamas war: Harris makes her position(3) known after meeting with Netanyahu. Le Monde.fr.

https://www.lemonde.fr/en/international/article/2024/07/26/israel-hamas-war-harris-makes-her-position-known-after-meeting-with-netanyahu_6699607_4.html


رابط دائم: