هل ينهى "العمال" سيطرة المحافظين فى الانتخابات البريطانية المبكرة؟
3-7-2024

ألفة السلامي
* صحفية متخصصة في الشئون الدولية

لا توجد سوى قصة واحدة تترد على ألسنة الناخبين فى المملكة المتحدة منذ أن دعا رئيس الوزراء، ريشى سوناك، فى مايو الماضى إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة، ألا وهى أن حزب العمال المعارض سيفوز فى التصويت بأغلبية ساحقة. كما تؤيد هذه القصة استطلاعات رأى الناخبين فى المملكة المتحدة بشكل أو بآخر، والتى أظهرت تقدما لحزب العمال الذى ينتمى إلى يسار الوسط بنحو 20 نقطة على حزب المحافظين. فهل ينهى العمال سيطرة المحافظين على مقاليد السلطة لمدة 14 عاما؛ وما الذى اختلف هذه المرة ودفع نحو تغيير اتجاه الناخبين؛ وهل صعود العمال سيؤدى إلى تغيير فى السياسات البريطانية؟

يتوجه الناخبون البريطانيون، يوم الخميس الرابع من يوليو، إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثلين عنهم فى مجلس العموم لمدة خمس سنوات مقبلة، وسط توقعات بعودة حزب العمال إلى السلطة بعد 14 عاما من حكم المحافظين. وتشير مختلف استطلاعات الرأى إلى تقدم حزب العمال تحت قيادة السير كير ستارمر بنسبة تصل إلى 44% من الأصوات، فى مقابل تراجع شعبية حزب المحافظين إلى 23% فقط، ما يشير إلى نهاية سياسية محتملة لرئيس الوزراء الحالى ريشى سوناك وفريقه. وتزيد الشكوك حول مصير المحافظين بعد إحراز حزب الإصلاح اليمينى الشعبوى، بقيادة نايجل فاراج، المزيد من التقدم خلال الحملات الانتخابية؛ حيث حصل فى استطلاعات الرأى على نسبة 16% من احتمالات التصويت، مقتربا بذلك وبشدة من الأصوات المحتملة للمحافظين.

مخاوف حزب العمال:

رغم التوقعات المطمئنة لحزب العمال بالفوز المريح فإن قياداته حريصة على التقليل من أهمية استطلاعات الرأى، حيث قال متحدث باسمه لشبكة "سى إن بى سي" إن الحزب لا يعلق على التوقعات، "لأنها تختلف وتتقلب". وبدا "ستارمر" متخوفا من عدم ذهاب أنصاره إلى التصويت معتمدين على نتائج الاستطلاعات، وقال الاثنين "إن التغيير لن يحدث إلا إذا قمتم بالتصويت"، مطالبا أنصاره بالحشد حتى إغلاق صناديق الاقتراع يوم الخميس. وعلق على استطلاعات الرأى بأنها "لا تتنبأ بالمستقبل، وعلينا أن نذهب للانتخاب". تأتى تلك المخاوف فى ضوء علامات استفهام أظهرت فى الماضى عدم دقة استطلاعات آراء الناخبين البريطانيين، وكثيرًا ما اتضح أن الأخطاء كانت بسبب عدم كفاية أخذ العينات أو عوامل أخرى مثل كون الناخبين لا يعبرون عن موقفهم الحقيقى عند استطلاع آرائهم حول الحزب الذى يعتزمون دعمه.

القضايا المهمة للناخبين:

تتأثر الانتخابات العامة المبكرة بعدد من القضايا، ومواقف مختلف الأحزاب منها، مثل وضع الاقتصاد البريطانى الذى يعانى من الركود والتضخم بعد صدمات متتالية بدءًا من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى (بريكسيت)، مرورا بجائحة كورونا وتداعياتها السلبية، وصولا إلى الآثار السلبية للحرب فى أوكرانيا التى طالت مختلف أوجه الحياة فى بريطانيا، وأدت إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. إضافة إلى ذلك، يشغل ملف الهجرة الرأى العام البريطانى فى ضوء تسجيل المملكة المتحدة أرقاما قياسية فى تدفق المهاجرين منذ 2020، واتجاه الحكومة لفرض قيود للحد من أعداد الوافدين، شملت قيودًا على لم شمل الأسر للطلاب الأجانب، بالإضافة إلى قيود على تغيير تأشيرة الطالب إلى تأشيرة عمل، وصولا إلى اتفاق نقل المهاجرين إلى رواندا.

أما القضية الأخرى التى تشغل الرأى العام البريطانى فهى خاصة بالخدمات الصحية؛ حيث يعانى القطاع من نقص الطواقم الطبية وطول قوائم الانتظار ومحدودية الاستثمارات الموجهة لتطوير القطاع.

عودة قوية للإصلاح اليمينى المتطرف:

 نايجل فاراج، هو زعيم حزب الإصلاح اليمينى المتطرف الذى عادت إليه الأضواء بمناسبة السباق فى الانتخابات؛ وهو الذى رشحته استطلاعات الرأى ليفوز ثانيا بعد حزب العمال، ما يطرح احتمالا قويا بأن يقود "فاراج" المعارضة أمام حكومة العمال المتوقعة بعد انتخابات الرابع من يوليو. و"الإصلاح" حزب حديث العهد مقارنة بالأحزاب الكبرى فى البرلمان، ولكنه استطاع جذب الناخبين من أقصى اليمين البريطانى على اختلاف درجاته، وخاصة المتطرفة منه، واستقطب بشكل رئيسى المنتمين إلى تكتلات سياسية عدة لم يجدوا فيها ما يلبى تطلعاتهم. ويحذر المراقبون من أن حزب المحافظين الحاكم قد يكون أكثر المتضررين من صعود حزب "الإصلاح".

والمتابع لمسيرة "فاراج" جيدا يدرك أن أحلامه لن تتوقف عند حدود تزعّم حكومة الظل بل يحلم ويخطط لقيادة الحكومة البريطانية فى 2029. وقد كان هو نفسه "عرّاب" خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى فى 2014، كما قاد حزبه الذى كان يُسمى"بريكسيت" فى 2019، نحو دعم "المحافظين" ورئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، بأغلبية برلمانية مطلقة مكّنته فى ذلك الوقت من إتمام صفقة "الطلاق" بين لندن وبروكسل، وأسهم فى الخروج من التكتل الأوروبى مطلع 2020. وابتعد فاراج عن العمل السياسى بعد ذلك، وقضى عامين كمذيع لبرنامج إذاعى، ثم عاد إلى الواجهة السياسية قبل شهرين فقط من الانتخابات ليقود "الإصلاح"؛ حيث أطلق حملة تحت عناوين مثيرة للناخبين، أبرزها إعادة هيكلة الاقتصاد وتحسين الوضع الاجتماعى؛ لكن قضية المهاجرين هى أقوى الأوراق الانتخابية التى يراهن عليها الزعيم اليمينى الشعبوى ويهاجم حزبى المحافظين والعمال على حد السواء لفشلهما فى ضبطها وطرح سياسات مقنعة إزاءها، حيث ارتفع عدد المهاجرين بنحو 2.5 مليون مهاجر منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى قبل أربع سنوات. وفى حال قيادة حزب الإصلاح للمعارضة فى مجلس العموم فإن حكومة "العمال" المقبلة ستواجه تحديات كبيرة مهما تمتعت بأكثرية برلمانية، لأنها ستكون مجبرة أمام ضغوط التيار اليمينى الشعبوى على تغييرات عديدة فى سياساتها الداخلية، وهذا قد يسبب مشكلات كثيرة منها القلق فى الأوساط الاقتصادية ومجتمع الأعمال.

وجهان لعملة واحدة:

بقطع النظر عمن سيقود السياسة البريطانية فى السنوات الخمس المقبلة، فإن مراقبين يرون أن بريطانيا سواء تحت قيادة المحافظين أو العمال، فإنها أصبحت تخدم مصالح الطبقة الرأسمالية فى الداخل وتتبنى سياسات توسعية فى العالم، بعيدا عن العدالة والقيم الإنسانية، كما أن الحزبين يدافعان عن دولة الإبادة الجماعية فى فلسطين، التى كان قد رسخ أقدامها فى الماضى الانتداب البريطانى عندما أعطى "مالا يملك لمن لا يستحق".

يؤكد مراقبون للشأن البريطانى أن العمال كما المحافظين حاليا، وجهان لعملة واحدة: سلطة يمينية حاكمة وجماعة يمينية معارضة، والاثنان يحاولان اجتذاب أصوات الناخبين بالتعهد بخفض مستويات الهجرة، رغم الحاجة إلى اليد العاملة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، ويستخدمان هذه الورقة لتفسير الفشل فى الخدمات الحكومية بدعوى أن المهاجرين يضعون ضغوطا مفرطة على خدمات الصحة والإسكان والتعليم. وإذا كان هذا هو موقف المحافظين منذ عقود فإن هذا الاتجاه لحزب العمال أصبح واضحا أيضا، منذ انحرف الحزب عن توجهه الاشتراكى التقدمى فى عهد تونى بلير - كما يقول مراقبون - فابتعد عن مصالح الطبقة العاملة البريطانية والفئات الهشة، وأصبح معبرا عن مصالح الشركات الكبرى، مثله مثل المحافظين، ولا يسعى لتغيير مواقف بريطانيا، التى تسير وراء الولايات المتحدة الأمريكية لدرجة التبعية.

السياسة الخارجية "محلك سر":

من هنا، فحتى فى حالة فوز حزب العمال فى الانتخابات المرتقبة، فسيكون بسياسات محافظة، وسيخدم مصالح الرأسمالية والصهيونية كما خدمها المحافظون. ومن غير المحتمل فى صورة تشكيل حزب العمال للحكومة المقبلة أن تتغير مواقف السياسة الخارجية البريطانية، بما فى ذلك الموقف من الحرب على قطاع غزة وتجاه دول الشرق الأوسط. ومما يعزز هذا الاتجاه أن وزير خارجية حكومة الظل، ديفيد لامى، الذى من المُتوقع أن يشغل منصب وزير الخارجية بشكل رسمى حال تشكيل حزب العمال للحكومة، هو من الأعضاء البارزين فى مجموعة أصدقاء إسرائيل داخل الحزب. وبسبب هذه المواقف، لا يُستبعد أن تتجه أصوات العرب والمسلمين إلى مرشحين مستقلين، بعد أن كانت غالبيتهم يعطون أصواتهم للعمال. وقد أظهر استطلاع للرأى، أجرته مؤسسة سافانتا الشهر الماضى، أن 44% من المسلمين الذين صنفوا الصراع فى الشرق الأوسط كإحدى القضايا الخمس الكبرى يفكرون فى التصويت لمرشحين مستقلين مؤيدين للفلسطينيين. لكن دخول مستقلين لمجلس العموم لن يغير اتجاه السياسات البريطانية فى المدى القريب؛ لأن الدائرة الثنائية بين المحافظين والعمال تبقى هى التى تقود دفة المواقف دون أمل فى الإصلاح الحقيقى الذى ينشده المواطنون.


رابط دائم: