أصدقاء وأعداء سوريا 13-2-2012 أمين محمد أمين * من المؤكد أن الاجتماع الذى سيعقده وزراء الخارجية العرب اليوم الأحد بالقاهرة لبحث تداعيات الأزمة السورية خاصة بعد إخفاق مجلس الأمن فى تبنى المبادرة العربية لرحيل الرئيس بشار الأسد بعد الفيتو الروسى والصينى والذى يسبقه اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى سيحمل هذا الاجتماع الوزارى العربى العديد من القرارات من مجموعة أصدقاء الشعب السورى فى مقدمتها سحب السفراء العرب من دمشق والمبادرة بدأت من دول الخليج وفى المقابل ترحيل سفراء سوريا من الدول العربية خاصة بعد قرار تونس ترحيل السفير السورى وهو القرار الذى لا يزال يلقى جدلاً فى المجتمع التونسى الذى تجاوب مع المظاهرات الغاضبة على مقر السفارة السورية بتونس وانطلاقا من مواقف ’’تونس الثورة’’ التى تدعم الشعوب ولا يمكن أن توافق على استمرار موجات القتل اليومية للشعب السورى ومن المنتظر أن يرتفع سقف القرارات العربية إلى الاعتراف بالمجلس الوطنى السورى وتجميد عضوية سوريا فى الجامعة وذلك رداً على هجوم مندوبها بمجلس الأمن على عدد من الدول العربية وفى مقدمتها قطر والسعودية متهماً إياها بأنها دول غير ديمقراطية . هذا إلى جانب البحث عن صيغة جديدة للعودة بالمبادرة العربية للرحيل إلى مجلس الأمن على ضوء ما ستسفر عنه المباحثات الروسية السورية والتى كانت إحدى المبررات الروسية لاستخدام الفيتو ضد مشروع القرار العربى والذى وافقت عليه 13 دولة من أعضاء مجلس الأمن واستخدمت حق الفيتو ضده وإجهاضه روسيا والصين . فى المقابل بدأت تتضح معالم تحركات مجموعة أصدقاء الشعب السورى التى دعت واشنطن وباريس إلى تشكيلها بعد عجز مجلس الأمن الدولى عن إصدار قرار بدعم وتبنى خطة الجامعة العربية لحل سلمى للأزمة السورية بعيداً عن التدخلات العسكرية من حلف الناتو كما حدث مع الأزمة الليبية وتضم مجموعة الأصدقاء إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية الدول الأوروبية الأعضاء وغير الأعضاء بمجلس الأمن إلى جانب تركيا التى تسعى للانضمام للاتحاد الأوروبى وذلك انطلاقا من مواقعها المعارضة للنظام السورى بعد تحولها من حليف للنظام إلى صديق للمعارضة والشعب الثائر على النظام إلى جانب الدول العريبة ال21 الأعضاء بالجامعة العربية وعدد من الدول الإسلامية لتعمل جميعها من أجل فرض المزيد من الضغوط على النظام السورى، دبلوماسياً بسحب السفراء وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية على المؤسسات وأعوان النظام لتجفيف الموارد المالية للنظام السورى وعلى الجانب الاَخر والأهم فإن تحرك مجموعة الأصدقاء سيكون باتجاه المعارضة ودعم المجلس الوطنى السورى وجيش سوريا الحر بالمزيد من الأموال والأسلحة لمواجهة القوات النظامية والشبيحة التى تتلقى الدعم الإيرانى والروسى والصينى . هذه التحركات من جانب أصدقاء الشعب السورى هدفها تعظيم الضغوط على نظام الرئيس بشار الأسد وعزله لإجباره على التنحى لنائبه فاروق الشرع المختفى منذ فترة عن الأضواء، ورغم ذلك التحرك المكثف لمجموعة أصدقاء الشعب السورى بقيادة الرئيس الفرنسى ساركوزى والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل بالدعم الأمريكى ورفضهم لما حدث فى مجلس الأمن من فشل و شلل فى القدرة على التحرك السريع لإنقاذ أرواح الأبرياء من أبناء الشعب السورى الذين يتساقطون يومياً وأن الإجهاض الروسى الصينى لقرار مجلس الأمن هو بمثابة الضوء الأخضر للرئيس السورى للإجهاز على ما تبقى من المعارضة فى إطار من الحماية الروسية . على الجانب الاَخر نجد أن تحركات مجموعة أعداء المعارضة السورية بقيادة روسيا والصين ومن قبلهم إيران جميعها تنتظر ما ستفسر عنه زيارة وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف مع ميخائيل فراركوف مدير المخابرات الخارجية الروسية إلى دمشق بهدف إقناع الرئيس بشار الأسد بمساعدتها فى تحسين صورته وإجراء المزيد من الإصلاحات لتحسين صورته فى الخارج خاصة أمام نفاد الصبر الروسى لدعمه، ليس من أجل عيونه ولكن للحفاظ على مصالحها فى بقاء قواعدها العسكرية بسوريا المطلة على البحر الأبيض المتوسط، حتى لا تتاح الفرصة للأساطيل الأمريكية والأوروبية الاقتراب من مياهها الإقليمية . . وفى نفس الوقت والأهم هو حصولها على مقابل من أعوان دمشق وبالتحديد إيران نظير دعمها للموقف السورى واستخدام الفيتو فى مجلس الأمن لثانى مرة لإنقاذ رأس بشار الأسد من إسقاطه أو الرحيل وهو ما دعا المندوبة الأمريكية فى مجلس الأمن لوصف الموقف الروسى الداعم بالفيتو بأنه يدعو إلى الاشمئزاز، وهو ما دعا روسيا إلى تجديد دعوتها للمعارضة بقبول اقتراحها بالحوار مع النظام السورى فى موسكو وفى نفس الوقت دعوة بشار إلى الإسراع بإجراء الإصلاحات المطلوبة داخلياً بإلغاء الطوارئ والتخلى عن احتكار حزب البعث للسلطة والسماح بالتعددية الحزبية وحرية الإعلام وتشكيل حكومة وفاق وطنى مع إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ولكن إجراء هذه الإصلاحات يصطدم بارتفاع واتساع دائرة المعارضة وهو ما لا يعطى النظام الفرصة الكاملة لإجراء الإصلاحات كما أن المطلب العربى الدولى بدعم المبادرة لرحيل الأسد تعتبره روسيا والصين تدخلا فى الشئون الداخلية خاصة أن روسيا لا تريد تكرار مأساة حلف الناتو فى ليبيا عندما وافقت على توفير الحماية الجوية للمدنيين فى بنغازى ولكن حلف الناتو تجاوز المهمة بالعمل على قتل القذافى وإسقاط نظامه وهو ما دعاها إلى الالتزام بالحذر الشديد فى سوريا برفضها للتدخل العسكرى لإسقاط النظام السورى وهو ما لم يتم طرحه عربياً أو دولياً ولكن مشروع القرار العربى استعار النموذج اليمنى للمبادرة الخليجية لرحيل الرئيس وتنازله عن سلطاته لنائبه ولكن الجميع اكتشف أن سوريا غير اليمن، خاصة وأن الرحيل يهدد بحرب أهلية من وجهة النظر الروسية وذلك فى إطار الصراع الدينى والطائفى الدائر حالياً بين السنة والعلويين وتدخلات القاعدة وإيران وحزب الله، فالجميع يدلى بدلوه من أجل مصالحه وتوجه مجموعة أعداء الشعب السورى بقيادة روسيا اتهاما صريحاً لتركيا باحتضانها للمعارضة وتبنى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية رغم الانقسامات التى تشهدها المعارضة السورية وعدم توحدها إلى الاَن وهو ما أدى إلى صعوبة الاعتراف العربى بممثل شرعى للشعب السورى ليكون بديلاً عن نظام الأسد كما حدث مع نظام القذافى على المستوى العربى والدولى بالأ· المتحدة وفى إطار المخاوف من اتساع دائرة الحرب الأهلية السورية واتساعها إلى دول الجوار فى إطار حرب بين سنة وشيعة تقضى على الأخضر واليابس ومن أجل وأدها تدعو موسكو للإبقاء على الأسد لإجرائه الإصلاحات المطلوبة دون الرحيل من خلال الحوار بروسيا الذى ترفضه المعارضة، ومع ما نقلته روسيا من أن مباحثاتها مع الأسد هو خيار بين سرعة إجراء الإصلاحات لتحسين صورته أو الرحيل إلا أنها فى نفس الوقت لا تقدم هذا الدعم بلا مقابل ولكنها تطالب الرئيس السورى بالتدخل لدى طهران لتمويل صفقات الأسلحة الجديدة الروسية للجيش السورى إلى جانب دعم إيران للميزان التجارى وفى نفس الوقت الطلب من بشار استخدام علاقاته المميزة مع لبنان فى إعطاء حق التنقيب عن الغاز والنفط بالمياه الإقليمية اللبنانية للشركات الروسية والصينية أيضاً التى استخدمت الفيتو دون حساب للخسائر التى تنظرها من سوء علاقاتها مع دول الخليج والدول العربية لوقوفها ضد مبادرتها لإنقاذ أرواح الأبرياء ولكنها أولاً وأخيراً سياسة المصالح والغنائم للدول الكبرى على حساب مصالح وأرواح الشعوب . . ومابين سباق الأصدقاء والأعداء للشعب السورى إلى متى يستمر نزيف الدم خاصة بعد أن دخلت الأزمة السورية النفق المظلم والصدام والانقسام أيضاً فى المواقف واَخرها ما أعلنه أمين عام الجامعة العربية نبيل العربى فى مجلس الأمن الذى اعتبرته قطر إجهاضا للمبادرة بإعلانه بأن الدول العربية لا تريد رحيل الرئيس السورى ولكنها تسعى لوقف نزيف الدم والحوار . أمام هذا السباق بين فرض عقوبات مشددة وتجفيف مصادر تمويل وتسليح النظام السورى وعزله دولياً من مجموعة أصدقاء الشعب مقابل الدعوة الروسية للحوار مع المعارضة ودعوة الأسد تطبيق إصلاحات ديمقراطية سريعة أو إقناعه بالرحيل خشية اندلاع حرب أهلية . أمام الموقفين يظل الموقف العربى حائراً أمام المأزق الذى وصلت إليه أزمة الربيع العربى السورى وانحياز بيت العرب (الجامعة العربية) منظمة الدول إلى الشعوب وهو ما يستلزم أن تهب على الجامعة رياح التغيير فتسمح بالمشاركة الشعبية فى أعمالها وأن تشهد القمة العربية المأمول عقدها فى بغداد الشهر المقبل -إذا عقدت- تعديل ميثاق الجامعة بأن تكون جامعة للدول وللشعوب أيضا، خاصة فى ظل التغيرات التى تشهدها العديد من الدول العربية التى تشهد موجات من التحول الديمقراطى بالثورات على الحكام المستبدين أو رياح التغيير للدول الأخرى بالإصلاحات السلمية وهو ما يستلزم تغيير كامل فى خريطة العمل العربى المشترك الذى أجهضته الخلافات السياسية ولم يحقق الحد الأدنى المطلوب من التعاون المأمول لتحقيق التعاون بعد أن فقد الجميع أمل تحقيق الوحدة العربية الشاملة من المحيط للخليج وهو ماتسعى لتحقيقه دول مجلس التعاون الخليجى بعد نجاحها فى تحقيق التعاون بالانتقال إلى الاتحاد فى الوقت الذى تضيع فيه العديد من الدول العربية الكبرى بعد أن فقدت خريطة الإصلاح والتنمية والمخاوف من اندلاع الحروب الأهلية وتقسيم الدول الكبرى إلى دويلات نتيجة الخلافات الدينية والطائفية والمذهبية التى تدعمها قوى كبرى وإقليمية من أجل تحقيق مصالحها فى المنطقة على حساب مصالحنا القطرية والإقليمية. وعلى الجانب الاَخر لا بد من التحرك الدولى لتعديل ميثاق الأ· المتحدة ومجلس الأمن وإلغاء حق الفيتو الذى تستخدمه الدول الكبرى من أجل مصالحها فى إجهاض القرارات المنحازة لحقوق الشعوب فى الحياة الحرة الكريمة ولعل مأساة فلسطين واستخدام الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لحق الفيتو ضد الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة هو خير دليل على الظلم وتطبيق سياسة الكيل بمكيالين إذ تقف أمريكا والإاتحاد الأوروبي فى موقف المعارض الدائم لحق الشعب الفلسطينى وبينما يؤيد فى نفس الوقت حق الشعب السورى فى الحرية بينما تقف روسيا والصين فى موقف المعارض . مفارقات غريبة ولكن النظرة المتعمقة لكل ما يحدث تؤكد أن الجميع يسعى لتحقيق مصالحه على حساب حقوقنا المشروعة ومصالحنا فى ظل هذه الحالة من الضعف التى وصلنا إليها جميعاً وهذه الحالة التى تستلزم نوبة صحيان من الجميع حتى لا نفاجأ بأننا جميعاً من المحيط للخليج فى خبر كان . . فهل نتحرك ؟! . ------------- * نقلا عن الوطن الإثنين، 13/2/2012. رابط دائم: