توتر العلاقات المصرية- الأميركية 12-2-2012 جيمس زغبي * مؤسس ورئيس المعهد العربي – الأميركي بواشنطن. تمر العلاقات المصرية الأميركية في هذه الفترة بمرحلة من التوتر، ويحتاج الجانبان من أجل تجاوزها إلى تغيير مسارهما تجاه بعضهما بعضاً والانتباه أكثر إلى انشغالات الرأي العام في كلا البلدين، وخاصة أن كلاً منهما يحمل آراء وتصورات سلبية عن الطرف الآخر، فبعد مرور سنة على نزول المصريين بأعداد غفيرة إلى الشارع وانتفاضتهم الواسعة على النظام التي انتهت بإسقاطه ما زالت مصر غير مستقرة ومازال كثير من المصريين والأميركيين غير متأكدين مما يحمله المستقبل للبلاد، وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة زغبي بمصر أواخر شهر سبتمبر 2011 كان واضحاً أن الأولويات السياسية للمصريين لم تتغير منذ الاضطرابات التي عمت البلاد في شهري يناير وفبراير من العام الماضي، بل إنها لا تختلف كثيراً عن الأولويات التي حددها المصريون لأنفسهم في استطلاع آخر للرأي أجري في أواخر 2009، حين رتبوا انشغالاتهم على الشكل التالي: تطوير الخدمات الصحية المتدهورة، وتوسيع التوظيف ليستوعب الكم الهائل من العاطلين، وتوفير الفرص التعلمية الجيدة، ثم إنهاء الفساد والمحسوبية، وفي آخر قائمة الأولويات جاءت الديمقراطية والإصلاح السياسي. وبعد مرور سنتين على ذلك التاريخ وإطاحة نظام مبارك لم تتغير لائحة الأولويات عند المصريين كثيراً، بل ظلت على حالها تقريباً بالتركيز على مطالب التشغيل والتعليم والرعاية الصحية ووضع حد للفساد باعتبارها الانشغالات التي تهم المصريين أكثر من غيرها، وتحتل صدارة اهتماماتهم في حين ظلت الديمقراطية في مراتب متأخرة أيضاً. واليوم وفي خضم الاضطرابات المستمرة التي تهز مصر، والطريق المسدود الذي وصلته العلاقات بين الثوار والبرلمان المنتخب والسلطة العسكرية، فإن أول ما يريده المصريون هو حكومة خالية من الفساد تعمل على خلق الوظائف وتحسين الاقتصاد وتوفير الخدمات الأساسية، وهي المطالب التي ورثها المصريون من تداعيات أداء النظام الماضي، وستظل معهم في المستقبل دون تغيير. ولكن مع ذلك على رغم وطأة المشاكل ما زال المصريون متفائلين بأن التغيير قادم، وهو ما أكده استطلاعان للرأي أُجريا مؤخراً، وأشارا إلى أن أغلب المصريين متفائلون عموماً إزاء المستقبل، حيث يعتقد ثمانية من كل عشرة مصريين أن حياتهم ستتحسن خلال السنوات الخمس المقبلة، فيما يتحفظ نصف المستجوبين على المسارعة بانتقاد المرحلة، قائلين إنه من المبكر تقييم الفترة الحالية التي لم تتضح معالمها بعد وإن من المجازفة بالحكم عليها بالنجاح، أو الفشل في هذه المرحلة. غير أن الثابت الأساسي في آراء المصريين ومواقفهم هو النظرة إلى الولايات المتحدة، ففي صيف 2011 تبنى خمسة في المئة فقط من المصريين مواقف إيجابية من أميركا، مبررين الموقف السلبي منها بانحيازها السافر إلى إسرائيل وتدخلها في الشؤون العربية، مع نفي 89 في المئة من المصريين إسهام السياسات الأميركية في دعم السلام وتعزيز الاستقرار في العالم العربي. لكن اللافت ليس موقف المصريين من أميركا الذي ظل سلبيّاً طوال سنوات مديدة، بل موقف الأميركيين من مصر، فللمرة الأولى منذ عقدين من استطلاع آراء الأميركيين إزاء العالم العربي نسجل تغير موقف الرأي العام الأميركي تجاه مصر في اتجاه تبني تصورات سلبية، فمنذ تسعينيات القرن الماضي كانت مصر تحظى بموقف إيجابي في استطلاعات الرأي الأميركية تتراوح بين 50 في المئة و60 في المئة فيما لم تكن الآراء السلبية تتجاوز 20 في المئة، وعلى رغم تراجع شعبية مصر لدى الأميركيين في العام الأخير لحكم مبارك وتدني النسبة إلى 40 في المئة، إلا أن التغطية الإعلامية الإيجابية للثورة أعادت المواقف الإيجابية السابقة، ولكن استطلاعات الرأي الأخيرة التي أنجزت في شهر يناير المنصرم وقامت بها جامعة نيويورك بأبوظبي تظهر أن استمرار الاضطراب في مصر وتصرفات المجلس العسكري الحاكم والإشكالات المتعلقة بصعود "الإخوان المسلمين" إلى السلطة كلها أدت إلى تغيير مواقف الرأي العام الأميركي تجاه مصر نحو الأسوأ، حيث لا تتجاوز نسبة شعبية مصر لدى الأميركيين 32 في المئة فيما 34 في المئة يحملون آراء سلبية. ويكشف استطلاع الرأي أيضاً أن بعض الأميركيين لا يشعرون بالراحة من التطورات السياسية الجارية في مصر، فعندما سئلوا عن موقفهم من صعود الإسلاميين إلى السلطة قال 4 في المئة فقط إنه تطور إيجابي بالنسبة لمصر، كما أن 19 في المئة أكدوا أن ذلك نتاج صناديق الاقتراع والديمقراطية فيما اعتبر 26 في المئة منهم أن ذلك يشكل نكسة لمصر. والحقيقة أن هذه الأرقام تنطوي على أهمية كبرى، فتركيز المصريين على تحسين ظروفهم المعيشية ومشاعر التفاؤل التي يحملونها كلها تضغط على المجلس العسكري والبرلمان المنتخب، كما أنها تمثل تحذيراً لشباب الثورة بأن الشعب ربما يكون مع إطاحة مبارك وتقويض نظامه الفاسد، ولكن ما يريده اليوم هو الوظائف وتحسين مستوى الحياة، ومهما كانت الانتقادات التي يوجهها هؤلاء الشباب إلى المجلس العسكري الحاكم انتقادات صائبة ومشروعة إلا أن عليهم ألا يخسروا دعم الرأي العام، أو السماح لخصومهم بدق إسفين بينهم وعموم الشعب، وعلى المصريين أيضاً أن ينتبهوا إلى تدني مستوى التأييد الشعبي الأميركي لهم، فعلى رغم مستويات الشعبية المرتفعة في السابق، إلا أنها كانت هشة وغير مبنية على معرفة حقيقية بالشعب المصري، فالأميركيون لايعرفون في مصر سوى الأهرام وأبي الهول! كما أن دعم أميركا في السابق كان مبنيّاً على إدراك أن نظام مبارك يمكن الاعتماد عليه لتعزيز سياساتها في المنطقة، ولكن اليوم تغير كل ذلك في ظل التطورات على الساحة المصرية، وإذا أراد الجيش المصري والحكومة والشباب المجازفة بمواجهة واشنطن عليهم أن يعرفوا أنهم سيقومون بذلك في وقت تنحدر فيه شعبية مصر لدى الرأي العام الأميركي. والأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة، فإذا كان الأميركيون يضغطون من أجل الديمقراطية في مصر فعليهم أن يعرفوا أنهم لن يستطيعوا القيام بذلك فيما شعبيتهم متدنية إلى أدنى المستويات، فما يريدوه المصريون من أميركا ليس خطابات ديمقراطية، بل تغييراً ملموساً في سياساتها في بالمنطقة ومساعدتهم على توفير احتياجاتهم الأساسية الملحة. --------------------- * نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد 12 فبراير 2012. رابط دائم: