انتخابات الكويت: هل تفرز مجلساً مختلفاً؟ 1-2-2012 د. عبد الحميد الأنصاري * كاتب قطري متخصص في حقوق الإنسان والحوار الحضاري والفكر السياسي. كنت في الكويت بدعوة كريمة لحضور فعاليات انتخابات "أمة 2012" والمشاركة في الندوات والأنشطة المصاحبة لها. أن تكون في الكويت في هذا العرس الانتخابي الذي يمتد شهراً، فأنت من المحظوظين. التجربة الانتخابية الكويتية لها مذاق فريد قلَّ أن تجده في بلد آخر، ومظاهرها المصاحبة لها لون وسمة مميزين. هنا مجتمع يفيض حيوية وإبداعاً، لا سقف للحريات الفكرية والإعلامية. الكويت بلد المبادرات، والكويتيون خلاقون ومعروفون بالمبادرات الإيجابية سواء على مستوى القيادة السياسية أو الأفراد، فهم معروفون بالتجارة وسفنهم جابت البحار إلى الآفاق البعيدة. عشت أياماً وليالي لا تنسى بين دواوين الكويت العريقة والخيام الانتخابية الصاخبة، الكل ينتقد سياسة الحكومة والكل يقترح الحلول والكل يريد مجلساً أفضل، لكن لا حجر على حرية أحد في أن ينتقد أداء الوزراء ورئيسهم ويبين القصور في عمل الأجهزة التنفيذية. لا توجد شرطة أو رجال أمن في المقرات الانتخابية، لا يوجد أدنى إحساس لدى الحضور في الخيم الانتخابية بأن هناك من يراقب أو يتنصت عليهم، لذلك تجد فرسان المعارضة وهم على المنصة يشتطّون ويهددون ويتوعدون ويتلاعبون بعواطف الجماهير بخطبهم النارية. حضرت إحدى تلك الخيم التي تسمى المعارضة، فوجدت الخطباء يزلزلون الأرض من تحت أقدام الحضور، فأخذتني الحماسة فصفقت مراراً مع المصفقين وصرخت إعجاباً مع الصارخين المعجبين، كيف تستطيع أن تتملك عواطفك وأنت في هذا المكان؟! هؤلاء فرسان الخطابة أوتوا من البيان والبلاغة والتأثير لما لم يؤت كثيرون، ولا شك أن هؤلاء تعلموا وتدرَّبوا كثيراً في أعظم مدرسة وهي مدرسة الديمقراطية الكويتية، فهي التي أنتجت عباقرة في الخطابة السياسية، ديمقراطية الكويت ديمقراطية حقيقية وعريقة وراسخة، فقد أنشأت الكويت أول مجلس للشورى في منطقة الخليج كلها، كما اعتمدت عقب استقلالها أول دستور في المنطقة، وقد مضى على هذا الدستور الموثق خمسون عاماً وسيحتفل باليوبيل الذهبي للدستور الكويتي. الديمقراطية في الكويت لا تنحصر في صندوق انتخابات شفاف، ولا في مجلس كامل السلطات يملك حق استجواب الوزير ورئيس الوزراء ويمارس ذلك الحق فعلياً لدرجة التعسف أحياناً، لكن ديمقراطية الكويت تجدها مجسدة في مختلف الديوانيات وفي المنتديات العامة والتجمعات الشعبية وبين الأفراد أنفسهم. إن إحساس الناس واطمئنانهم إلي أنه لا يوجد من يحصي عليهم أقوالهم ولا يوجد من يراقبهم ويلاحقهم، هو المعنى الحقيقي للديمقراطية والمجتمع الحر. أعجبني ما كتبه المفكر الكويتي خليل علي حيدر، عندما قال: "إن الحريات الكويتية والمبادئ الدستورية فيها والمؤسسات التشريعية والإدارية والرقابية والصحفية غدت من الرسوخ والقوة والتلقائية في حياة المجتمع الكويتي بحيث أصبحت أقوى وأرسخ نظام حكم في العالم العربي". وهذا صحيح، فالديمقراطية في الكويت نظام حياة وليس مجرد نظام سياسي وعمليات انتخابية وخطب وشعارات حماسية. ومع ذلك فإن الكويتيين هم الأكثر نقداً لديمقراطيتهم والأكثر شكوى من حكومتهم، وتلك لعمري ظاهرة صحية لأنهم يريدون الأفضل، موالاة ومعارضة. لذلك لم أشأ هضم تلك التصنيفات التي تسمعها وأنت في الكويت من أن هذا المرشح محسوب على الحكومة وهذا من المعارضة، أو أن هذا النائب كان من الانبطاحيين وذلك من المؤزمين وثالث من القبيضة، في إشارة إلى اختلاف توجهات النواب في مجلس الأمة السابق بحسب مواقفهم من الحكومة. وما كان لمثلي وقد أتي من خارج المجتمع الكويتي أن ينشغل بهذه التصنيفات. ففي تصوري، وأنا مراقب من بعيد، أن الكل لا ينقصه الإخلاص ولا الحماسة ولا الرغبة القوية في أن يجعل من بلده نموذجاً في التنمية والتعليم وفي كافة المرافق والخدمات، وما هذه التصنيفات السلبية إلا إفرازات المنافسة الانتخابية بهدف الاستحواذ على أصوات الناخبين والوصول إلى المقعد الأخضر تحت قبة عبدالله السالم. الحكومة الكويتية جادة في حرصها على أن تتوافر لهذه الانتخابات كافة الضمانات التي تؤمّن نزاهتها وشفافيتها، لهذا أنشأت قبل شهر من الانتخابات مركزاً إعلامياً مجهزاً بكافة الإمكانيات التي تزود المراقبين والمتابعين والإعلاميين بأدق التفاصيل الانتخابية، بدءاً من الدستور والنظام الانتخابي والسير الشخصية للمرشحين والمقرات الانتخابية وكل صغيرة وكبيرة. كما عمدت إلى إنشاء المفوضية المستقلة للانتخابات، واللجنة الوطنية المستقلة للإشراف على مقرات المرشحين، وهيئة النزاهة، ولأول مرة يتم اعتماد مشاركة "جمعية الشفافية الكويتية" وجمعية الصحفيين وجمعية المحامين، لرصد وتلقي الشكاوى ومكافحة "الانتخابات الفرعية" والمال السياسي، إضافة إلى تفعيل مراقبة الصحف ووسائل الإعلام المختلفة للحملات الانتخابية وكشف أي خلل أو مخالفة للقانون الانتخابي علناً. رأيت الجميع -قيادة وحكومة وشعباً- منشغلين بهمٍ واحد هو إحسان اختيار المرشح القادم لمجلس الأمة الجديد، ولذلك تجد حملات توعوية نشطة في كل مكان هدفها الرئيسي دفع الناخبين لمزيد من المشاركة مع حسن الاختيار، وهناك بطبيعة الحال من لا يبدي تفاؤلاً بالمجلس القادم ويتوقع استمرار التأزم والمزيد من التعطيل لعمل الحكومة والعودة من جديد إلى سلسلة الاستجوابات المتعسّفة. لكن في المقابل هناك كثيرون يأملون ويتوقعون مجلساً نوعياً مختلفاً في ظل حكومة جديدة يعلق عليها الكثيرون آمالاً كثيرة، يتوقع هؤلاء تعاوناً أفضل بين الحكومة والمجلس القادم، لاسيما أن الحكومة الجديدة تبدو من خلال قراراتها أكثر جدية وحزماً في تطبيق القانون وعدم التهاون مع المخالفات. أكتب هذه المقالة قبل الانتخابات التي تجرى يوم الخميس القادم ولا أعلم نتائجها المرتقبة، لكني على ثقة تامة من نزاهتها، وعندي قلق خفي على حظوظ المرأة الكويتية في الفوز هذه المرة، إذ كما يقول الدكتور غانم النجار، الخبير بالوضع الانتخابي الكويتي وأسراره الدقيقة: "نحن مقبلون على انتخابات برلمانية تتعرض فيها المرأة المرشحة لحملة شعواء للتقليل من فرص فوزها، من خلال القول إنها فشلت في البرلمان ومن قبل أصحاب النظرة الدونية الذين يرددون القول بأنها لا تصلح للعمل السياسي، متناسين أن فشل العملية السياسية عندنا كان وما زال مسؤولية الرجل بالدرجة الأولى، فالمرأة لم تكن تشكل في المجلس السابق أكثر من 8 في المئة". ومهما تكن المثبطات والعراقيل فإني أتمنى وجوداً نسائياً في المجلس القادم إذ لا يستقيم مجلس لا يمثل إلا نصف المجتمع. اقرأ المزيد : وجهات نظر | انتخابات الكويت: هل تفرز مجلساً مختلفاً؟ | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=63903#ixzz1l9GKrFV8 ------------------------ * نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء 01 فبراير 2012. رابط دائم: