أفغانستان ...صعوبات التفاوض مع "طالبان" 17-1-2012 جيمس دوبنز * في 1968 بدأتُ مشواري الدبلوماسي كمساعد لـ"أفريل هاريمان" و"سايروس فانس"، اللذين كانا يترأسان محادثات السلام مع الفيتناميين الشماليين في باريس. وبعد أربعة وثلاثين عاماً على ذلك، أنهيتُ ذلك المشوار كأول مبعوث خاص لإدارة بوش الابن إلى أفغانستان، حيث عُينت بعد بضعة أسابيع فقط على 11 سبتمبر 2001. وعلى غرار "ريتشارد هولبروك"، الذي كان معي ضمن وفد باريس، وخلفني كمبعوث إلى أفغانستان، فقد فوجئتُ بأوجه الشبه بين الحربين وعمليتي السلام، التي انتهت أولاهما بالفشل وبدأت ثانيتها في التشكل للتو، ضمن ما يمكن اعتباره ثمرة الجهود المكثفة، التي بذلها كل من "هولبروك" وخلفه السفير "مارك جروسمان". وقد أصابت افتتاحية لصحيفة "واشنطن بوست" مؤخراً ("التفاوض مع طالبان"، 5 يناير الجاري) عندما لفتت إلى أن تفضيل "طالبان" التفاوض مع واشنطن بدلاً من التفاوض مع كابول يشبه تفضيل فيتنام الشمالي التفاوض مع الولايات المتحدة بدلًا من التفاوض مع الحكومة في سايجون. وجميعنا يعلم المآل الذي آلت إليه تلك العملية- مع الانسحاب الكامل للقوات الأميركية، وغزو فيتنامي شمالي، وانهيار المقاومة الفيتنامية الجنوبية، ثم اختفاء جنوب فيتنام. ومنذ ذلك الوقت نيكسون وكيسنجر يُتهمان بأنهما لم يسعيا من وراء تلك المفاوضات سوى إلى "فاصل محترم" بين الانسحاب الأميركي والانهيار الفيتنامي الجنوبي. ولم تخفِ "واشنطن بوست" تخوفها من أن يكون لإدارة أوباما هدف مماثل. والواقع أن هذا التخوف معقول ومبرر بما يكفي، غير أنه لم يصدر عن أوباما ما يعلل هذا الخوف. فاتفاقات 1973 التي أنهت حرب فيتنام رسمياً لم يتم الوفاء بها من قبل كل من فيتنام الشمالي والولايات المتحدة، فقد نقضها الأول من خلال غزوه "الجنوب"، ونقضتها الثانية من خلال قطعها المساعدة الاقتصادية والعسكرية التي كانت وعدت بها "الجنوب" قصد دفع "سايجون" إلى توقيع تلك الاتفاقات، علماً بأن تلك الوعود شملت حتى التزام أميركا باستئناف قصف فيتنام الشمالي في حال لم يفِ بنصيبه من الاتفاق. وبالمقابل، فإن مسؤولي إدارة أوباما أكدوا أن القوات الأميركية ستبقى في أفغانستان إلى أجل غير مسمى بعد تسلم القوات الأفغانية المسؤولية عن القيام بالعمليات الحربية الرئيسية في 2014. وقد قال كرزاي الشيء نفسه. وحالياً، ينكب المسؤولون الأميركيون والأفغان على التفاوض حول اتفاق رسمي بهذا الصدد. وقد ينظر البعض إلى التفاوض باعتباره طريقاً سهلاً وسريعاً للخروج من أفغانستان، ولكن الحالة الفيتنامية تشير إلى خلاف ذلك. ذلك أن محادثات باريس دامت أكثر من خمس سنوات، في حين أن العملية الأفغانية لم تبدأ بعد، ثم إن الانخراط الأميركي في فيتنام طوال تلك السنوات كان أكبر، وأعلى كلفة من الانخراط الأميركي الحالي في أفغانستان من حيث الأرواح والأموال. وطوال تلك السنوات، كانت المعارضة الأميركية لتلك الحرب أكثر قوة مقارنة مع أي شيء رأيناه خلال العقد الماضي. غير أن وجود المفاوضات كان خلال معظم تلك الفترة بمثابة سبب لاستمرار القتال، وليس لإنهائه، وأعتقد أن معظم المؤرخين سيوافقون على أنه في غياب محادثات باريس للسلام، فإن الانسحاب الأميركي من فيتنام كان سيحدث في وقت أبكر. ومن إحدى النواحي، يمكن القول إن عمليتي السلام مختلفتان إلى حد ما، وذلك على اعتبار أن مفاوضات فيتنام انبثقت عن مبادرة أميركية، إذ جاءت رداً على إكراهات سياسية داخلية وعلى خلفية اعتراضات متكررة من نظام "سايجون". هذا في حين أن العملية الأفغانية تمتد جذورها في أعماق ذلك المجتمع، وليس مجتمعنا، حيث تُظهر استطلاعات رأي متكررة دعماً كبيراً جداً عبر المجتمع الأفغاني لمحادثات سلام مع "طالبان". ورداً على ذلك، فإن "كرزاي" ينتصر لهذه الفكرة منذ سنوات، وإنْ لم يستطع تبديد تشكك إدارتي بوش وأوباما إلا قليلًا. صحيح أن "كرزاي" يفضل أن يكون في قلب العملية بدلاً من أطرافها، حيث تحاول" طالبان" أن تبقيه. وصحيح أيضاً أنه إذا لم تتغلب واشنطن بسرعة على مقاومة "طالبان" لمشاركة مباشرة للحكومة الأفغانية، فإن المحادثات لن تذهب بعيداً. ولكن مما لا شك فيه أن المسؤولين الأميركيين ينظرون إلى هذا باعتباره هدفهم القريب وسيربطون التقدم بشأن المواضيع الجوهرية بتوسيع المشاركة. الفشل الأميركي عام 1975 في فرض الالتزام باتفاق السلام، الذي كان فيتنام الشمالي قد وقعه قبل عامين يعزى في المقام الأول إلى التأثيرات السياسية الداخلية لفضيحة "ووترجيت"، واستقالة نيكسون، وما تلا ذلك من انهيار للسلطة الرئاسية ولو لفترة قصيرة. والواقع أن فشلاً مماثلاً قد يعقب عقد اتفاق سلام في أفغانستان. غير أنه في حال حدث ذلك، فإن الفشل سيحدث باتفاق أو من دونه، لقد انضممتُ في 2010 إلى عدد من المسؤولين السابقين في عملية جس نبض للرأي العام الأفغاني تمهيداً لعملية سلام أفغانية من خلال التحدث إلى كل المشاركين المحتملين، بمن فيهم وسطاء "طالبان"؛ فتوصلنا إلى أن الوقت مناسب للشروع في ذلك، ونصحنا الإدارة الأميركية بالمضي قدماً. ومما لا شك فيه أنه سيتعين على الولايات المتحدة، أن تكون مستعدة لتطبيق أي اتفاقات يتم التوصل إليها في مثل هذه المحادثات، غير أنه ما إن كانت واشنطن ستُثبت أنها مستعدة للقيام بذلك، فذاك أمر لا يتوقف على وجود اتفاق سلام أو غيابه، وإنما على قوة الدعم الأميركي لالتزام سيتطلب من دون شك قدراً أقل من الدعم في حال وجود اتفاق، وأكبر في حال غيابه. ----------------------- * نقلا عن الاتحاد الإماراتية الثلاثاء 17/1/2012. رابط دائم: