ازدياد الإضطرابات في جنوب السودان 3-1-2012 سيريل تاونسند * سياسي بريطاني ونائب سابق لم يراودني شعور بالفرح حين بات جنوب السودان بلداً مستقلاً يتمتع بالسيادة والدولة الـ 193 في الأمم المتحدة في 9 تموز (يوليو) الماضي. ومن الواضح أنّ البهجة غمرت كافة مواطني جنوب السودان فيما أشار الخبراء إلى أنه لم يكن ممكناً تفادي هذا الانفصال. لكن بموازاة ذلك، أملت الدول المجاورة في أن يكون جنوب السودان دولة قابلة للحياة لا سيّما أنّ العالم سيعاني في نهاية عام 2011 من وجود عدد كبير من الدول الفاشلة مثل الصومال. ويعدّ الاحتمال القوي بإمكان اندلاع القتال من جديد مع شمال السودان بعد خمسة أشهر على نيل الجنوب استقلاله أحد المشاكل الجديّة التي تواجه سلفا كير، رئيس جنوب السودان. ويشكّل انهيار اتفاق وقف إطلاق النار مأساة كبيرة، لا سيّما أنه أُقرّ عام 2005 عقب حرب أهلية دامت 22 سنة وأدت إلى مقتل حوالى مليوني شخص وإلى تشريد بين أربعة إلى خمسة ملايين شخص. لقد عادت طائرات النقل «أنطونوف» القديمة في شمال السودان التي استُخدمت كقاذفات خلال الحرب الأهلية الأخيرة إلى مباشرة عملها من جديد. ويُطلق الطاقم الذي على متنها القنابل من الخلف. وقد تمّ قصف مخيّم للاجئين في الجنوب في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. واعتبر سلفا كير أنّ الشمال يؤجّج النزاع. كذلك سُجّلت عدة توغّلات مسلّحة أخرى من الشمال. ويسعى الرئيس السوداني عمر البشير المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية إلى تعزيز موقعه في الخرطوم فيما الإبادة لا تزال مستمرة في بلده. فقد فرّ 23 ألف شخص إلى جنوب السودان، علماً أنّ 300 إلى 500 شخص يصلون في كلّ يوم إلى الجنوب. ويخشى البعض من أن يصبح الشعب في جنوب السودان الذي بقي يعيش في الشمال، عرضة للخطر. إذ تشهد حدود مقاطعة الوحدة في جنوب السودان اشتباكات عسكرية بسيطة. ويشكّل نقص التنمية في جنوب السودان التحدّي الثاني الذي يواجه سلفا كير. فقد صرّح جون هولمز، وكيل الأمين العام الأسبق للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة لقناة «بي بي سي» انه «يصعب وصف مدى النقص في البنية التحتية. فهم يبدأون من الصفر. ويجب أن يتخذ المجتمع الدولي إجراءات حازمة حيال البلد حتى لا يصبح دولة فاشلة». على رغم أنّ مساحة جنوب السودان أكبر من مساحة إسبانيا والبرتغال مجتمعتين ويضمّ 8 ملايين نسمة، فإن حوالى 64 كيلومتراً فحسب من الأراضي معبّد. واليوم، تبدو الأوضاع مختلفة في الخرطوم وفي جوبا، عاصمة جنوب السودان. ووصلت معظم الخدمات إلى حدّ الانهيار جرّاء سنوات الحرب الأهلية. ويُكمل 10 في المئة فقط من طلاب المرحلة الابتدائية، فيما تبلغ نسبة الأمية 92 في المئة. ويبدو جنوب السودان متأخراً عن عدد كبير من البلدان في أفريقيا علماً أنه يحتل المرتبة 154 من أصل 169 بلداً على قائمة مؤشر التنمية البشرية في الأمم المتحدة. وهناك فقط ثلاثة أطباء جراحين مؤهلين في كل أنحاء البلد، فيما تعتبر نسبة الوفيات بين السكان الأعلى في العالم. كما يفتقر جنوب السودان إلى المستشفيات والمدارس. وبات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدّة أساسياً حين تشح المحاصيل. وحصل جنوب السودان على أربعة أخماس إنتاج النفط في السودان في أهم المناطق. ويتعيّن على البلدين الاتفاق على كيفية تقاسم كافة أرباح آبار النفط. ويتمّ تصدير النفط من مرفأ السودان في الشمال، الأمر الذي يعدّ مشكلة بالنسبة إلى الجنوب. ولا نعرف بعد ما إذا ستكون مدينة أبيي التي تنتج النفط، تابعة للشمال أم للجنوب. وتشكّل الطريقة الأفضل لتقاسم ستة بلايين برميل نفط في السودان مشكلة قد تؤدي إلى قتال واسع النطاق. وقد تكون نية حكومة جنوب السودان المنتخبة لأوّل مرة حسنة إلا أن خبرتها معدومة فيما أعضاؤها غير مثقفين علماً أنّ نصف الموظفين المدنيين فيها لم يتجاوز تعليمهم المرحلة الابتدائية. ويسيطر حزب سياسي واحد على 90 في المئة من الحكومة ومن البرلمان أيضاً. فيما تسيطر قبيلة «الدينكا» المدججة بالسلاح على الجيش وعلى إنتاج النفط. يحتاج جنوب السودان في هذه المرحلة إلى دعم دولي كبير ولا عجب في أنّ المانحين وهيئات الأمم المتحدّة أبدوا استعدادهم للتحرّك عقب نيل الدولة الجديدة الاستقلال. وستستمر الخرطوم في اعتماد سياسات الإبادة إلا في حال تمّ فرض عقوبات دولية على مسؤولين أساسيين. وتبدو الخرطوم سعيدة بإجراء محادثات على مدى سنوات فيما تستمر في قتل الناس. لم تتمّ خسارة كلّ شيء بعد. وبوسع جنوب السودان أن يحظى بمستقبل زاهر وسلمي بفضل نفطه ومياهه وأرضه الخصبة. ------------------------ * نقلا عن الحياة اللندنية، الثلاثاء, 03 يناير 2012. رابط دائم: