عرض ومراجعة: نسرين جاويش، باحثة في العلوم السياسية
John Major Jenkins ,The 2012 story: The Myths, Fallacies, And Truth Behind The Most Intriguing Date In History,New York, Penguin Books; 2009
قد لا يمثل العام الجديد 2012 أهمية خاصة لعامة الناس أكثر من كونه عاما كبيسا بحيث يكون شهر فبراير 29 يوماً، ولكنه ذو أهمية خاصة لمعظم الكُتاب والباحثين في مجالات العلوم المُختلفة وبخاصة العلوم السياسية. ومن ثم، يثار التساؤل الآتي: ما أهمية هذا العام تحديداً؟ حيث يشهد هذا العام أهمية بالغة، كونه يُمثل نهاية " نظام العد الزمني الطويل في أمريكا الوسطى"، وهو نظام التقويم الذي تم تحديده سلفاً من قبل حضارة المايا بنحو 5,125 سنة، حيث سيشهد العالم وجود كل من الأرض والشمس ومركز المجرة (درب اللبانة) معاً في محاذاة كونية نادرة للغاية، وهو ما يعنى للكثيرين نهاية العالم.
ومن ثم، يُثار التساؤل الأهم في هذا السياق: ما هي أهمية هذا العام للعلوم السياسية؟ فعلى الرغم من كون العلوم السياسية هي علوما واقعية تتعامل مع أحداث مؤثرة في التطور التاريخي والسياسي للعالم أجمع ، فإنه برز منذ عدة سنوات اتجاه بالاهتمام بعام 2012 وما قد يمثله من أهمية على مجريات الأمور وسير الأحداث القادمة في العالم أجمع، خاصة مع توافر وجهات نظر متباينة حول أهمية تاريخ 21/12/2012 والذي يمثل للبعض نهاية العالم، ويدللون على ذلك بالكوارث الطبيعية والاقتصادية والحروب، وبداية انتشار الأمراض، وهو ما يمثل نهاية العالم بحق.
وفي حين يري آخرون أنه نهاية تقويم فقط، فإنه يعنى الكثير للدول الكبرى وسياساتها طويلة الأمد والتي ينتابها شيء من الغموض، في ظل عدم وضوح أو القدرة على تحديد ماذا يلي هذا التاريخ؟، ومن هنا، تأتى أهمية هذا الكتاب الذي على الرغم من مرور ما يقارب العامين على صدوره ، فإنه يمثل أهمية خاصة لكل المهتمين بحقل العلوم السياسية؛ تتمثل في مدى أهمية هذا التاريخ في مجريات الأمور الحالية التي يشهدها العالم أجمع سياسياً واقتصاديا، حيث يُقدم تفسيراً واضحاً لحضارة المايا، وكيفية توصلهم إلى نظام التقويم هذا، وما قد يستتبع هذا التاريخ من أحداث.
حضارة المايا القديمة:
يشير الكتاب إلى أن المايا هي حضارة قامت في أمريكا الوسطى وشرق وجنوب المكسيك، وقد بلغت أوجها سنة 700 ق.م، ثم ضعفت بسبب الأمراض والحروب والمناخ والمجاعات، إلى أن استعادت قوتها في سنة 1000 ق.م. ومن سنة 300 م إلى 900 م، أصبحت حضارة مُعقدة. وتبلغ السنة الماياوية 18 شهرا، وفى كل شهر 20 يوما، ويُضاف للسنة 5 أيام يُمارس فيها الطقوس الدينية. وقد قاموا بوضع تقويمين أولهما مدني، والآخر ديني، وقاموا بحساب مواقع الأجرام السماوية على امتداد مئات السنين لاعتقادهم بأن الأحداث الماضية يجب أن تتكرر في المستقبل. وقد اعتمد تقويم المايا على فكرة أن الزمن عبارة عن دوائر؛ وهو ما يعنى أن الزمن يُعيد نفسه. لذا فمن أحداث الماضي التي وقعت بالفعل، يمكنك التنبؤ بأحداث المستقبل.
ومنذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، بذل جون ميجور جهوداً حثيثة لدراسة تقاليد المايا وأسرارها المختلفة بالدراسة والسفر إلى المكسيك وأمريكا الوسطى ليقدم كتابه الأول المعنون "رحلة إلى عالم المايا السفلى في عام 1989"، ليستتبعه بعدد من الدراسات العميقة لتاريخ المايا، منها كتاب آخر بعنوان "نحو إعادة بناء إكسيل لتقويم فينوس" والذي تركز محتواه على توضيح مستوى المعرفة للمايا وعلم الفلك لديهم في أوائل عام 1992.
وبحلول عام 1993، توصل جون ميجور إلى فهم أعظم إنجاز فكرى للمايا، وهو ما يُطلق عليه "نظام العد الزمني الطويل في أمريكا الوسطى"، ليبدأ بذلك العديد من الدراسات المتأنية للتقويم الموضوع من قبل المايا، في محاولة منه لاكتشاف المزيد من الألغاز المتعلقة بإنجازات المايا الفكرية
.ويعد جون جينكنز أحد رواد حركة البحث في تاريخ المايا وعلم الكونيات على مدى أكثر من عقدين متتاليين، ليُصدر في كتابه الحالي تفسيرا نهائيا لإحدى الظواهر الأكثر شحذاً للفكر في عصرنا الحالي.ويحاول من خلال طيات كتابه الإجابة على عدد من الأسئلة التي تدور بخلد معظم المهتمين بمعرفة ماذا سيحدث للعالم في نهاية عام 2012، ومنها على سبيل المثال:
السؤال الأول: كيف ابتكر المايا التقويم الذي ينتهي في عام 2012؟ ، وكيف يعمل؟
السؤال الثاني: كيف تأتى إعادة اكتشاف الجدول الزمني وإعادة بنائه في العصر الحالي؟
السؤال الثالث: كيف تُرجمت فكرة عام 2012 ؟ وكيف أسيئت ترجمتها بواسطة الباحثين التقليديين، والوسطاء الروحيين، والثقافة العامة؟
السؤال الرابع: ما هي الخلافات والمؤامرات التي تحيط بهذا الموضوع؟، وعلى ماذا يأتي ذكر ووصف هؤلاء من جانب العلماء والباحثين؟
السؤال الخامس: كيف يمكننا تجنب الصخب الناتج عن إثارة موضوع نهاية العالم في 2012، واكتساب الحكمة الحقيقية من تعاليم المايا؟
قصة عام 2012:
يستهل جينكنز الجزء الأول من الكتاب، والمُعنون "قصة 2012"، بمحاولته تفسير دروس المايا، وكيف أنها تقوم على دوائر ذات بداية ونهاية خاضعة لبعض التقاليد الأساسية، والتي هي في حقيقتها خليط من المعرفة، والحكمة الروحية، وعلم الفلك. مؤكداً أنه بالدراسة المُستفيضة للتقويم لدى المايا، وجد أن المحاذاة لكل من الشمس والأرض ومركز المجرة هي ظاهرة كونية لا تتكرر طبقاً للمايا إلا كل 26,000 سنة، ويطلق عليها "المجرة المحاذاة"؛ وتم تفسيرها من قبل الفلكيين بأنها تحول في وضع الشمس، وانتقال من موضعها لتقع على التعامد مع الأرض وكذا المجرة.
ويؤكد أن التحول في موضع الشمس والمجرة تم حسابه بدقة متناهية من قبل المايا؛ وهو ما يدلل على توافر القدرات الفلكية لديهم، والتي توافرت في حضارات أخرى معاصرة لهم في مناطق أخرى من العالم مثل اليونان؛ والهند؛ وبابل؛ وأخيراً مصر.
ويضيف أن هذه الحسابات الدقيقة ليست وليدة المصادفة. وبقيامه بالبحث المتأني في أدبيات الفلك لدى المايا، عثر على ما يطلق عليه"Izapa"؛ وهو ما يعنى دراسة الطرق التي توصل من خلالها المايا إلى "المجرة المحاذاة"، ليستطرد جينكنز أن المايا قد حققت مستوى من الفهم الكوني التي لم يغتنمها بعد العلم الحديث، وكذا تحقيق نظام إحصائي متطور للغاية يعتقد أنه يتطلب من كهنة المايا عدة آلاف من السنين للوصول إلى هذه النتائج.
وبالبحث الدقيق وبالاستعانة بأبحاث علماء آخرين من أمثال "ليندا شيلى"، و"ميل هاملت"، تمكن جينكنز من تجميع التحليلات المختلفة، وإيجاد عوامل ربط بينها ليصطحب القارئ خطوة بخطوة، حتى يصل إلى أن"Izapa" تقوم على أسطورة البطل التوأم، وقد احتاج إلى سنوات عديدة للتمكن من فك وتحليل هذه الرموز، وأنها تعتمد على عدة مستويات، كل واحد منها يؤدى بفك رموزه إلى التوصل إلى المستوى الذي يليه، حتى تمكن جينكيز من الوصول إلى المستويات الأخيرة، التي بفك رموزها تتوصل إلى كيفية حساب "نظام العد الطويل"، ومن ثم التوصل إلى حقيقة نهاية نظام التقويم في ديسمبر 2012.
وينهى جينكنز الجزء الأول من الكتاب بتأكيد أنه استند في منهاجية الكتاب إلى التقييم المباشر والمعرفة واتباع الموضوعية في العرض والتحليل، ولكن لا يزال هناك شىء ما مفقود؛ وهو ما حاول البحث عنه في دراسات وتحاليل العلماء السابقين له، في محاولة منه لغبر أسوار تعاليم المايا التي تنتمي في جوهرها إلى الفلسفة الدائمة، والتقاليد البدائية، وتعدد المعرفة وتنوعها، والحكمة الروحية المشتركة، كما هو الحال في التقاليد الدينية الكبرى.
ويشير إلى أنه بالإضافة إلى الاسترشاد بنتائج علماء سابقين له، فقد استعان كذلك بمقارنات "جوزيف كامبل"؛ التي تقوم على أن دراسة الفلسفة التكاملية الدائمة لحضارة المايا تؤدى بالقارئ إلى الوصول إلى وجود أنماط من التشابه بينها وبين الأساطير العالمية؛ منها على سبيل المثال الهندوسية القديمة، وكذا تعاليم البوذية، هذا بالإضافة إلى أن حضارة المايا قد أوجدت العديد من النماذج الابتكارية التي أدت إلى الوصول إلى تقويم نظام العد الزمني الطويل.
عام 2012 والصورة الكبرى:
وينتقل جينكنز بعد ذلك إلى الجزء الثاني من الكتاب، مشيراً إلى أن هذا الجزء يشتمل على تحليل أعمق لفلسفة المايا، ويدعو القارئ إلى محاولة وضع الكتاب جانباً - بشكل فتراضى -والغوص معه في أعماق التعاليم الروحية والفكرية للمايا، ومحاولة تبصر الحقائق، ليتأكد للقارئ أن العالم سوف يواجه دائماً المخاطر، ولكن لا يعنى هذا أن النهاية بالضرورة وشيكة. ويساعد على فهم هذه الحقائق الفلسفية للمايا العديد من الصور والرسوم التوضيحية المفيدة في تتبع القارئ غير المتخصص للمعلومات الواردة تفصيلاً في هذا الجزء.
ويعرض الكاتب للعديد من التفسيرات الواردة من خبراء في دراسة الحضارات القديمة من خلال تقديم الوثائق المختلفة التي ساعدتهم على ذلك؛ وكذا يؤكد جينكنز أن هناك فارقا كبيرا بين نهاية التقويم ونهاية العالم، أو بمعنى أدق "يوم القيامة". فالمايا تعرضوا من خلال علومهم المختلفة إلى نهاية التقويم في الحادي والعشرين من ديسمبر عام 2012 ، والذي لا يعنى بالضرورة نهاية العالم.
ويقدم العديد من الرسوم التوضيحية على مدى الجزء الثاني من الكتاب لتفسير كيفية توصله إلى تفسير نهاية العد الزمني الطويل في أمريكا الوسطى، وكذا تعرض في أحد فصول الجزء الثاني لنهضة حضارة المايا، وبالتالي علومها الفلكية والروحية، ولكن دون التعرض لتفاصيل كثيرة، لتأكيده أن محاولة سبر أغوار حضارة المايا هي ما ارتكزت عليه كل الدراسات السابقة، ومحاولة تقديم تفسيرات مختلفة.
ويفرد جينكنز القسم الأخير في الجزء الثاني لمناقشة مدى ملاءمة هذه الثقافة لعصرنا الحالي، وكذا يُقدم بعض الاقتراحات لتقاسم الفرصة لتحقيق التحول الذي يلي نهاية كل دورة.ويُنهى عرضه بأن كتابه لن يكون الأخير في محاولة فهم وتفسير الحضارات القديمة، ومنها حضارة المايا، وكذلك الحال بالنسبة للعلماء الآخرين، مع الإشارة إلى أن هناك عددا من الباحثين الذين قد لا يهتمون بتفسير لغة الرموز التي تقوم عليها ثقافة المايا، في الوقت الذي تُعد فيه هذه الثقافة إحدى الثقافات التي تستحق الاحترام. هذا، ويفرد جينكنز ملحقاً متضمناً معجماً للمصطلحات، وجدولا زمنيا للكتاب، وقصة 2012.
وأكثر ما يشد الانتباه في تقويم المايا ادعاؤهم أن نهاية التقويم ستكون عام 2012 م ، فقد كان المايا يؤمنون بأن البشر يخلقون ويفنون في دورات تزيد قليلا على خمسة آلاف عام. وبما أن آخر سلالة بشرية ـ من وجهة نظرهم ـ ظهرت قبل 3114 من الميلاد، فإن نهايتهم ستكون عام 2012 (وتحديدا في 21 ديسمبر من هذا العام).