كوريا الشمالية إلى أين؟ 28-12-2011 يون يونغ كوان * وزير خارجية كوريا الجنوبية الأسبق، والمقال ينشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكيت" طبقاً للتلفزيون الحكومي في كوريا الشمالية، فإن النوبة القلبية التي قتلت كيم يونغ إيل بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، “عائدة إلى الإجهاد الشديد الذهني والجسدي بسبب الإفراط في العمل” . إن هذا التقرير أثار على الفور سؤالاً في ذهني: لو قبلنا تشخيص النظام، فلماذا قام كيم بالعمل بهذا الجد والاجتهاد على الرغم من صحته الضعيفة؟ إن وفاته المفاجئة إلى حد ما، تبدو أنها ترمز إلى قلة حيلة قائد يائس يواجه تحديات لا قبل له بها . إذا أخذنا هذا في الاعتبار، فإن السؤال الأهم هو ما إذا كان ابن كيم الذي يفتقد الخبرة وهو في العشرينات من عمره ويطلق عليه لقب “الخليفة الأعظم” كيم جونغ أون، قادراً على تعزيز سلطته وأن يخرج البلاد بطريقة أو بأخرى من أزمتها العميقة . يبدو أن الخلافة في بيونغ يانغ لغاية الآن تمضي قدماً بطريقة منظمة، ولكن بالرغم من المظاهر فإن القليل من الأنظمة السلطوية باستثناء أنظمة هتلر وستالين وماو، تمكنت من المحافظة على دائرة داخلية متآلفة تتولى السلطة، ومن غير المرجح أن تكون كوريا الشمالية استثناء لهذه القاعدة . إن شرعية مطالبة كيم جونغ أون بالسلطة ضعيفة بالرغم من رابطة الدم مع والده وجده، وهي السلالة التي حكمت كوريا الشمالية منذ إنشائها . إن “الخليفة الأعظم” لديه بالكاد سنتان من الخبرة العملية مقارنة بأربعة عشر عاماً أمضاها والده بالعمل بشكل مباشر مع كيم إيل سونغ . بالطبع فإن شقيقة كيم جونغ إيل كيم كيونغ، هي وزوجها جانغ سونغ تايك، سوف يتبوّأون دور الوصاية على الحكم، إذ سوف يلعبون دور الراعي للخليفة الأعظم، وكقوة لتعبئة القوات المسلحة للاتحاد خلف سلالة كيم . لكن من غير الواضح معرفة ما إذا كانت كيم كيونغ هي وجانغ سوف يبقيان على دعمهما لكيم جونغ أون وإلى متى، علماً أنه من الممكن أن يحاولا تنحية كيم عن طريق الاستيلاء على السلطة . إن التحدي الآخر قد يأتي من كبار قادة البلاد وخاصة العسكريين، فهل سيبقون موالين لكيم الذي يصغرهم بأربعين إلى خمسين سنة؟ من المعروف أن بعض كبار الضباط العسكريين كانوا ينتقدون بهدوء فشل كيم جونغ إيل في إدارة علاقة البلاد مع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان . ربما كانوا يتوقعون أن تقوم كوريا الشمالية بتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة مع احتفاظها بأسلحتها النووية مقابل عدم تطوير صواريخ طويلة المدى، فإذا كان بإمكان باكستان عمل ذلك، فلماذا لا تستطيع كوريا الشمالية عمل الشيء نفسه؟ لو حصل ذلك لكانت المساعدات الاقتصادية من الولايات المتحدة واليابان قد تدفقت على كوريا الشمالية بما يمكّن النظام من إدارة الاقتصاد المتهاوي بشكل أفضل، ومن دون البدء بإصلاحات يبدو أن العسكر يرونها خطرة، وعوضاً عن ذلك ومع استمرار تهاوي الاقتصاد، وخاصة إنتاج الغذاء حيث يعيش نحو ثلث البلاد في مجاعة، هل بإمكان كيم جونغ أون أن يعمل شيئاً أفضل؟ لقد قامت الصين في هذه المراحل المبكرة بالتصرف كما هو متوقع، وهي محاولة دعم النظام من أجل التحقق من استقرار جارتها المسلحة نووياً . فبادرت وزارة الخارجية الصينية إلى بعث رسالة دعم قوية لكيم جونغ أون، وتشجيع الكوريين الشماليين على الاتحاد خلف القائد الجديد . لكن العامل الخارجي الرئيس في التحقق من وجود خلافة سلمية ستكون سياسات كوريا الجنوبية والولايات المتحدة اللتين يجب أن تحددا ما إذا كان بإمكانهما العمل مع الشمال في مرحلة ما بعد كيم جونغ إيل . هل ينتظران ليريا ما سيحدث للقائد الجديد، وهكذا يستمرون في سياستهما وهي سياسة “الصبر الاستراتيجي” التي تركز بشكل أساسي على نزع الأسلحة النووية وعدم التحرك في مجالات أخرى حتى يتحرك الشمال أولاً؟ في مثل هذه الحالة سوف تزيد حالة عدم الاستقرار في كوريا الشمالية بشكل تدريجي على الرغم من دعم الصين، إذ سيقوض الانهيار الاقتصادي قيادتها . أو هل تحاول كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الاستفادة من وفاة كيم جونغ إيل بمزيد من المبادرات السياسية الجديدة؟ لو استطاعا تطوير إطار لسياسة من مسارين تستهدف تسهيل الإصلاحات الاقتصادية داخل كوريا الشمالية مع الاستمرار في الضغط الدولي من أجل نزع الأسلحة النووية، فإن الانخراط الإيجابي يمكن أن يكون ممكناً . للأسف، فإن السنة المقبلة هي سنة انتخابية في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وفي هذه الأجواء المشحونة التي عادة ما تصاحب ذروة الموسم السياسي، لن يكون من السهل على الإدارات الحالية أن تتبع سياسات جريئة، ولكن تنطوي على المخاطرة، وهذه من الأمور المؤلمة المتعلقة بالديمقراطية، ولهذا السبب فإن العام المقبل يمكن أن يشهد أخطر فترة من عدم الاستقرار خلال عقود في شبه الجزيرة الكورية وفي المنطقة . ماذا سيحصل لو اتجهت الأمور بالاتجاه الخاطئ؟ ماذا سيحصل على سبيل المثال لو فشل كيم جونغ أون في تعزيز قوته، وتصور أن الوضع السياسي المحلي يزداد سوءاً بسبب الصراعات على السلطة بين النخب والاستياء الشعبي، واعتبر أن العوامل الخارجية، وخاصة في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، أكثر عدائية؟ في تلك الحالة فإن كيم الثالث قد يستغل فرصة استفزاز بطريقة أو بأخرى، ويفعل كما فعل والده في السنوات الأخيرة وذلك بشن هجمات متقطعة على كوريا الجنوبية . لو ساءت الأمور بشكل أكبر، يجب على العالم سواء أحببنا ذلك أم لم نحبّ، أن يكون مستعداً لإدارة وحتى مواجهة سيناريو انهيار سلالة كيم ومعها الدولة الكورية الشمالية، وللأسف لو أخذنا في الاعتبار الوضع الحالي من سوء الاستعداد في ما يتعلق بالتنسيق الدولي، فسوف يكون هناك ارتباك وسوء فهم ومبالغة في ردة الفعل من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة والصين تجاه تصرف اللاعبين الآخرين، وعليه فلقد حان الوقت لجميع القوى الثلاث، إضافة إلى اليابان وروسيا، أن تبدأ بالتحدث والتخطيط للمستقبل بشكل مشترك، فكوريا شمالية فوضوية ومنهارة ليست في مصلحة أحد . --------------------------- * نقلا عن دار الخليج، الأربعاء 28 ديسمبر 2011. رابط دائم: