الخطر التركي؟ 15-12-2011 طارق الحميد * أمر غريب حقا، فرئيس الوزراء العراقي يقول في واشنطن إنه ليس قلقا على بلاده من إيران، بل من التدخل التركي، في الوقت الذي يقول فيه أحد مستشاري المرشد الإيراني إن النموذج التركي المتمثل بالإسلام العلماني - بحسب تعبيره - غير مناسب للعالم العربي، بل يحذر من خطورته! تحذيران من خطورة تركيا، أحدهما إيراني والآخر عراقي، في أسبوع واحد، أمر لافت بالطبع، خصوصا أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، مثلا، كان يروج، العام الماضي، لفكرة «التحالف الشاب» حيث سعى لخلق تحالف بينه وبين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وبشار الأسد، وسعد الحريري.. نعم سعى لإقناعه، وبالطبع معهم حسن نصر الله، الذي سبق أن قال - وعلى خلفية أزمة السفن التي توجهت وقتها إلى غزة - إن تركيا عربية أكثر من العرب أنفسهم، وأشاد نصر الله وقتها بأنقرة أيما إشادة. فكيف بعد ذلك كله تصبح تركيا خطرا على العراق وإيران، بل بلغ الأمر بمستشار المرشد الأعلى الإيراني علي أكبر ولايتي القول بأن أسلوب تركيا الإسلامي غير مناسب للعالم العربي، و«صحوته الإسلامية»! وبالطبع، سبب هذا التحول ضد تركيا، وتصويرها بأنها الخطر اليوم، من قبل إيران والمالكي وحزب الله، بسيط جدا، وهو موقف تركيا مما يحدث بحق السوريين العزل، بينما تحاول طهران، وحلفاؤها في المنطقة، إنقاذ بشار الأسد من السقوط، وبالتالي حماية مصالح إيران ونفوذها.. إنها الطائفية للأسف، ولذا نجد مثلا مستشار خامنئي يختار للمنطقة ما يناسبها، وما لا يناسبها من أنظمة حكم، وحتى نماذج إسلامية، ونجد المالكي يتطوع للقول في أميركا إنه لا يخشى على بلاده من نفوذ إيران، بل من التدخل التركي. وها نحن نستمع لمسؤول عراقي مثل السيد موفق الربيعي، الذي نعرفه جيدا، ونعرف كثيرا من أحاديثه عن المالكي وإيران وقاسم سليماني، لكنه فجأة خرج على قناة «العربية» محذرا من خطر السلفيين في سوريا، ومطالبا المعارضة السورية بالاستجابة لمبادرة بغداد تجاه الثورة السورية! وعليه، فالقصة ليست بالخطر التركي أو خلافه، بل هي قصة طائفية تتكشف يوما بعد آخر، وطائفيين يحاولون إطالة خطأ عمره أربعة عقود تقريبا وهو تحويل سوريا إلى مقاطعة إيرانية، بل إن إيران اعتقدت أن عمر نفوذها في المنطقة سيطول، خصوصا بعد أن باتت بغداد تحت سيطرة حلفائها. لكن المفاجأة جاءت هذه المرة من سوريا نفسها، وعلى يد الشعب السوري، ولذا فإن إيران تفقد صوابها اليوم وهي ترى مشروع تصدير الثورة ينهار أمام أعينها، كما باتت ترى خارطة تحالفاتها الطائفية وقد أوشكت على أن تتمزق بسبب الثورة السورية التي دائما ما تردد «لا إيران ولا نصر الله.. بدنا ناس تخاف الله». جمالية هذه المرحلة التي نمر بها، رغم قسوتها وخطورتها، أن اللعب فيها على المكشوف، فهذا العام 2011 هو عام كشف الكثير من الأكاذيب، والأوهام، والخرافات! --------------------------- * نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الخميس 15/12/2011. رابط دائم: