الرسائل المتوقعة من «المصريين» إلى «العالم» خلال الانتخابات 10-12-2023 ا. عبد المـحسن سـلامة * رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام أكثر من 65 مليون ناخب يحق لهم اعتبارا من اليوم، على مدى 3 أيام الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية المصرية الخامسة، موزعين على 11 ألفا و 963 لجنة انتخابية داخل 9 آلاف و 376 مركزا انتخابيا. انتخابات «هذه المرة» ليست «ككل مرة» لأنها جاءت وسط ظروف دولية وإقليمية مشحونة ومتوترة بعد اشتعال الحرب الإسرائيلية «الملعونة» على غزة، والتى تحولت إلى حرب للإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى مما أعاد ذكريات التهجير والنكبة من خلال محاولات إخلاء منطقة غزة تمهيدا لاستيلاء العدو الصهيونى عليها وزرعها بالمستوطنات، فى إطار مخطط إسرائيل الكبرى التى تمتد من النيل إلى الفرات. ما يحدث فى غزة هو تهديد صريح للأمن القومى المصرى، ومن هنا كان موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى صريحا وقويا وواضحا، حيث أعلن بوضوح منذ بداية الأزمة أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء ، وتصفية القضية الفلسطينية هو خط أحمر مصرى غير قابل للنقاش أو التفاوض أو المساومة. وسط هذه الأجواء «المشحونة» تجرى الانتخابات الرئاسية الخامسة لتضيف إليها «سخونة» إضافية، وتعبئة عامة لدى أفراد الشعب المصرى الرافض للممارسات الإسرائيلية العدوانية التى يمارسها جيش العدو الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى الأعزل فى غزة، لدرجة أنه لم يعد هناك مكان آمن فى غزة «شمالا أو جنوبا»، بل إن العدوان بات يستهدف المستشفيات، والمدارس، وسيارات الإسعاف فى ممارسات وحشية غير مسبوقة. للأسف.. كل يوم ترتفع حصيلة الشهداء ليصل العدد الإجمالى إلى أكثر من 17 ألف شهيد (أكثر من 70٪ منهم من الأطفال والنساء) وسط دعم أمريكى لا نهائى لهذا العدوان، وصمت غربى غريب مريب، وبيانات استنكار وإدانة غير مجدية من باقى الأطراف. ولأن الشعب المصرى طوال تاريخه هو الداعم الرئيسى لكل الشعوب العربية، وهو من يتحمل طوال فترات التاريخ الممتد الدفاع عن الأراضى العربية وتحريرها بدءا من الحرب ضد الصليبيين فى عام 1187ميلادية بقيادة صلاح الدين الأيوبى فى معركة حطين بعد أن أسس دولة قوية فى مصر بعد انهيار الدولة الفاطمية، ثم قام صلاح الدين الأيوبى بقيادة جيشه من القاهرة لينطلق إلى دمشق ثم عبر نهر الأردن حتى وصل إلى حطين وهزم الصليبيين وفتح بيت المقدس، وأعاد القدس إلى الحظيرة العربية. بعد ما يقرب من 100 عام، وبالتحديد فى عام 1260 ميلادية تكررت مأساة الصليبيين على يد التتار حينما احتلوا العراق ودول الشام وقتلوا وذبحوا مايقرب من المليون شهيد فى العراق ودول الشام، حتى اعتلى سيف الدين قطز عرش مصر، وأسس دولة المماليك لينطلق الجيش المصرى من منطقة الصالحية شرق مصر حتى وصل إلى عين جالوت، وأباد جيش المغول بأكمله وأعاد العزة والكرامة للعرب والمسلمين. بعد ما يقرب من 700 عام أعاد الجيش المصرى ملحمة النصر مرة أخرى إلى العالم العربى، حينما انتصر فى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، بعد أن نجح الرئيس الراحل أنور السادات فى استكمال بناء وتجهيز الجيش المصرى، ليسجل أروع انتصار على الجيش الإسرائيلى فى السادس من أكتوبر وينهى «أكذوبة» الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر. طوال هذا التاريخ الممتد وعبر ما يقرب من 1000عام لم يكن الجيش المصرى معتديا، ولا عدوانيا، ولم يهدف إلى الاستيلاء على أراضى الغير، لكنه كان دائما محافظا على أمن مصر القومى، ورافضا للعدوان الأجنبي، وهو ما دفع مصر إلى السلام بعد حرب أكتوبر المجيدة، تأكيدا لفكرة التعايش، وحفاظا على الأمن والسلم الدوليين. إسرائيل أعادت التوتر من جديد إلى المنطقة، وتدفع الآن باتجاه «التحرش» بمصر، وأمنها، وحدودها من خلال الضغط على السكان الفلسطينيين للتهجير إلى سيناء، وهو ما رفضه الرئيس عبدالفتاح السيسى بكل قوة ووضوح منذ اللحظة الأولى، معتبرا أن ذلك بمثابة خط أحمر ضمن محددات الأمن القومى المصرى. وسط تلك «العواصف» و«الأنواء» تأتى الانتخابات الرئاسية التعددية الخامسة، التى تجرى فى مصر منذ انطلاق الانتخابات الأولى فى عام 2005، إلا أن هذه الانتخابات هى الأهم والأخطر على الإطلاق، والتى تحتاج إلى تحويل التعبئة النفسية العامة ضد الغزو الإسرائيلى لقطاع غزة إلى استنفار كامل، وترجمة كل ذلك إلى حشود أمام صناديق الاقتراع للمشاركة فى تلك الانتخابات التنافسية، لتكون بمثابة رسائل عديدة إلى دول العالم المختلفة، خاصة تلك الدول الداعمة للعدوان الإسرائيلى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية، إلى جوار كل دول العالم، وكذلك الشعب الفلسطينى البطل والمكافح، ولعل أبرز تلك الرسائل ما يلى: أولا: تأكيد قدرة المصريين على تنظيم انتخابات تنافسية حقيقية يتنافس بها أربعة فرسان ينتمون إلى خلفيات سياسية وفكرية متنوعة وهم: المرشح الرئاسى الرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى، والمرشح الرئاسى فريد زهران رئيس الحزب المصرى الديمقراطى، والمرشح الرئاسى د. عبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد، والمرشح الرئاسى حازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهورى، وكل منهم له خلفية سياسية، ومساهمات سابقة فى العمل العام مما يضفى قدرا كبيرا من الحيوية والتنوع على تلك الانتخابات، التى جاءت فى أعقاب نجاح مبادرة الحوار الوطنى التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إفطار الأسرة المصرية فى رمضان قبل الماضى. ثانيا: الحشد، والإقبال، يعنيان رسالة اصطفاف وطنى ضد كل المخاطر التى تهدد الأمن القومى المصرى، والوقوف صفا واحدا مع الدولة المصرية، والجيش المصرى لصد أى محاولات للمساس بالأمن القومى المصرى، ورفض كل المخططات الإسرائيلية فى هذا الإطار. ثالثا: تأكيد الموقف المصرى فى مواجهة الراعى الأمريكى الرسمى للسفاح الإسرائيلى، بعد أن سقطت ورقة التوت عن مزاعم الديمقراطية الغربية، التى ساندت ودعمت قتل النساء والأطفال، فى أكبر مجزرة بشرية عرفها التاريخ الإنسانى الحديث بعد أن صدعت رؤوسنا بحق الإنسان فى الحياة، وحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية، والمساواة، والعدل، والكرامة الإنسانية، ليسقط كل هذا فى ظل وحشية وجنون الجيش الإسرائيلى الذى لايزال مستمرا فى حرب إبادة كاملة للبشر، والمنازل، والبنية التحتية، والمستشفيات، والمدارس، ووسائل النقل. رابعا: التأكيد على نضج وحيوية الضمير الجمعى المصرى فى مواجهة طوفان الشر والكراهية والحقد الإسرائيلى على كل ما هو فلسطينى، وتجاوز ذلك إلى كل ما هو عربى وإنسانى فى عودة إلى الأساليب النازية، والعنصرية، والفاشية، التى عفا عليها الزمن. خامسا: إثبات قدرة المصريين على الفرز، والاصطفاف فى مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، ليكون ذلك بمثابة رسالة إلى كل دول العالم بقوة مصر، وصلابة شعبها، وقدرته على تحدى الأزمات والصعاب مهما كانت. سادسا: طمأنة الشعب الفلسطينى والشعوب العربية بمساندة مصر الدائمة «شعبا وحكومة» للقضية الفلسطينية، واستمرارها فى القيام بكل ما يلزم حتى يتحقق النصر، وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧. أخيرا.. فإن وعى الشعب المصرى واصطفافه الوطنى فى الانتخابات الرئاسية، التى تنطلق اليوم وعلى مدى ثلاثة أيام، لا تتعلق فقط بالموقف الوطنى ضد المخاطر التى تهدد الأمن القومى المصرى فى غزة، لكنها تتعلق أيضا باختيار شعب لاستكمال مسيرة إنجازات غير مسبوقة خلال السنوات الماضية، وتأكيدا لقدرة هذا الشعب على اجتياز تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية، وصولا إلى بناء اقتصاد قوى وانتعاش اقتصادى دائم ومستدام، بعيدا عن الضغوطات الخارجية والمشكلات الإقليمية. رابط دائم: