"أوبنهايمر" .. مسئولية العلم بين الأخلاق والسياسة
11-10-2023

د. مريم وحيد
* مدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

كان تفجير القنبلة الذرية فى السادس من أغسطس من عام 1945 أحد أسوأ الأحداث التى مرت على البشرية أجمع. لم يكن هذا الانفجار وليد الصدفة، ولكنه كان نتاج جهود طويلة لعدد من علماء الذرة الأمريكيين وعلى رأسهم روبرت أوبنهايمر. كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت فى 16 يوليو 1945 العصر النووى بتفجير قنبلة ذرية وزنها 20 كيلو طنا تحت مظلة "مشروع مانهاتن"، كان الهدف الأصلى من التجربة هو تأكيد إمكانية تصميم سلاح نووى داخلى الانفجار. 

وقد أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين نوويتين على اليابان ما أنهى الحرب العالمية الثانية؛ واحدة على هيروشيما فى 6 أغسطس 1945، والأخرى على ناجازاكى فى 9 أغسطس 1945. أودت هاتان القنبلتان بحياة ما يقرب من 220.000 مواطن يابانى على الفور، كما لقى ما يزيد على 200.000 شخص مصرعه لاحقا من الجرعات الإشعاعية الفتاكة.

يدور فيلم "أوبنهايمر" حول حياة عالم الفيزياء الأمريكى روبرت أوبنهايمر مخترع القنبلة الذرية، أو كما يُطلق عليه أبو القنبلة الذرية Father of the atomic bomb. الفيلم هو أحد أفلام السيرة الذاتية biopic ويرصد حياته، من إخراح المخرج البريطانى كريستوفر نولان.

ولد أوبنهايمر عام 1904 بنيويورك، وتوفى عام 1967. كان مديرا لمعمل لوس ألاموس فى المدة بين 1943 و1945 فى أثناء تطوير القنبلة الذرية،  ومديرا لمعهد الدراسات المتقدمة فى برينستون Princeton فى المدة بين 1947 و1966.

يوضح الفيلم عبقريته العلمية وتأثير أفكاره السياسية والنظام السياسى الأمريكى، فى هذه المدة، فى توجيه أفكاره العلمية ثم انغماسه فى الحرب العالمية الثانية من خلال مشروع مانهاتن. فكان نجاحه فى هذا المشروع واختراعه للقنبلة الذرية واستخدامها فى الحرب السبب الذى جعله فى ذهن الأمريكيين بطلا قوميا. لكن سرعان بعد سنوات قليلة أن وُجهت مجموعة من الاتهامات المتعلقة بالولاء للدولة الأمريكية إلى أوبنهايمر لعدة أسباب، الأمر الذى أدى إلى انعقاد جلسة استماع حكومية أدت إلى إلغاء التصريح الأمنى لأوبنهايمر ومن ثم خسارة منصبه كمستشار علمى فى الحكومة الأمريكية. 

تعد هذه القضية من القضايا الشائكة فى العلاقة بين العلماء والسياسة وذلك فيما يتعلق بتبعاته المتعلقة بالقضايا الأخلاقية والسياسية التى ترتبط بدور العلماء فى السياسات الحكومية من خلال تأثير السياسة فى العلم وتأثير العلم فى السياسة.

الخطى الأولى لأوبنهايمر: 

كان أوبنهايمر ابن لمهاجر ألمانى زادت ثروته من خلال الاتجار فى النسيج فى نيويورك وكان يهودى الديانة. تأثر أوبنهايمر بصورة كبيرة بموقف هتلر تجاه اليهود ما كان له تأثير بصورة غير مباشرة فى اهتمامه بالسياسة وبدراسات الذرة. 

درس أوبنهايمر بجامعة هارفرد، وتميز فى دراسات اللغة اللاتينية، واليونانية، والفيزياء، والكيمياء، والشعر، والفلسفة الشرقية. بعد التخرج ذهب إلى كمبريدج، للعمل فى معمل كافندش Cavendish Laboratory وذلك تحت قيادة لورد أرنست رثرفور، وكان له باع طويل فى دراسات الذرة. 

وفى كافندش حصل أوبنهايمر على فرصة التعاون مع المجتمع العلمى البريطانى نحو التقدم العلمى فى دراسة الذرة. 

دعا العالم ماكس بورن Max Born أوبنهايمر لجامعة جوتنجن بألمانيا، وحينذاك قابل عددا من علماء الفيزياء منهم نيلس بوهر وديراك . 

وفى عام 1927 حصل على الدكتوراه، ثم ذهب فى زيارات قصيرة لمراكز علمية فى لايدن وزيورخ، ثم عاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتدريس الفيزياء بجامعة كاليفورنيا بركلى وفى المعهد التكنولوجى بكاليفورنيا. 

أوبنهايمر ومشروع مانهاتن:  

دفع الصعود القوى لهتلر أوبنهايمر للاهتمام بالسياسة للمرة الأول، وفى عام 1936 كان مساندا للجمهوريين فى أثناء الحرب الأهلية فى إسبانيا، وكان على صلة قوية بالطلاب الاشتراكيين. ومع وفاة والده وحصوله على ثروة كبيرة فى عام 1937 قرر مساندة المعادين للاشتراكية فى إسبانيا. وقد تغيرت وجهة نظره تجاه الاشتراكية مع إحساسه بمعاناة العلماء الروس من سياسات جوزيف ستالين، ولذلك انسحب من كل المؤسسات المتعلقة بالحزب الاشتراكى. ولكنه لم يكن عضوا فى الحزب الاشتراكى قط، ولذلك كان دوما ما يذكر أن توجهاته أقرب للفلسفة الليبرالية الديمقراطية. فى ذلك الوقت توطدت علاقة أوبنهايمر بجين تيتلوك الطالبة اليسارية العضو فى الحزب الشيوعى. ثم توترت العلاقة بعد ذلك بينهما بسبب انشغاله بأبحاثه العلمية وأيضا بسبب بعض الاختلافات الشخصية. 

وفى عام 1939 كان أوبنهايمر قد تعلق بامرأة أخرى هى كاثرين بيونينج وهى خريجة جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، كانت بيونينج فى ذلك الوقت متزوجة ثم حصلت على الطلاق من زوجها، وتزوجت أوبنهايمر عام 1940. 

وبعد غزو هتلر لبولندا عام 1939، حذر علماء الفيزياء ألبرت أينشتاين وليو سزيلاردن ويوجين فيجنر حكومة الولايات المتحدة من الخطر المعرض له الإنسانية من جراء جهود النازيين الذين يقتربون من تصنيع القنبلة النوووية. 

فى أغسطس من عام 1942 نظم الجيش الأمريكى مجهود علماء الفيزياء الأمريكيين والبريطانيين وحصلوا على طريقة تطوير القنبلة النووية للأغراض العسكرية لتطوير برنامج منهاتن. طُلِب من أوبنهايمر أن يُنشِىء معملا من أجل هذا الهدف فى عام 1943 واختار الموقع فى لوس ألاموس بنيو مكسيكو. 

فى ذلك الوقت أيضا دعا أوبنهايمر أخاه وأصدقاءه لزيارته، ولكن بسبب أن بعضهم كان على علاقة بالحكومة السوفيتية فطُلِب منه الابتعاد عنهم بصورة نهائية خاصة صديقه المقرب الذى كان يدرس معه فى الولايات المتحدة الأمريكية. 

وقد نجم عن أبحاث أوبنهايمر فى مختبر لوس ألاموس أول تفجير نووى فى عام 1945 فى موقع بنيومكسيكو بعد انسحاب ألمانيا من الحرب العالمية الثانية. وفى أكتوبر من العام نفسه استقال أوبنهايمر من منصبه مع إدراك التأثير البشع للقنبلة الذرية فى الإنسانية. 

وفى عام 1947 أصبح على رأس معهد الدراسات المتقدمة فى برينستون،  وحتى عام 1952، شغل أيضا منصب رئيس اللجنة الاستشارية العامة لهيئة الطاقة الذرية ، التى عارضت فى أكتوبر 1949 تطوير القنبلة الهيدروجينية.

فى 21 ديسمبر من عام 1953 صدر أول تقرير أمنى ضد أوبنهايمر يتعلق بعلاقته مع الاشتراكيين ودوافعه لمواجهة تطوير القنبلة الهيدروجينية. وكان قرار اللجنة أنه لن تُوجه تهمة الخيانة العظمى له، ولكن لن يتم تجديد التصريح الأمنى له فلن يكون من حقه الاطلاع على الأسرار العسكرية. 

يوضح الفيلم مجموعة من الإشكاليات التى واجهها بطل الفيلم؛ بطل الفيلم هنا هو بطل ليست به مميزات البطل الأخلاقية التى قد تراها فى أفلام أخرى وتدفع المشاهد للتعاطف معه. فهو يخسر حبيبته ويتزوج امرأة متزوجة، كما يخسر أخاه وأصدقاءه، وهو ما يؤكد أن الأخلاق لا يمكن تجزئتها، فهو يخسر حبيبته وأصدقاءه كما يكون السبب فى وفاة آلاف الأشخاص، ولكن كان على المخرج وكاتب السيناريو أن يحاولوا التوضيح للمشاهد لماذا يمكن تبرير موقفه.  

يوضح الفيلم أيضا إشكالية ندم البطل على ما اكترث، وأيضا يقدم مجموعة من التبريرات على ما قام به. منها أنه كان يقوم بصنع القنبلة النووية للردع بالأساس، ولم يكن يعلم أنها ستستخدم بالفعل فى الحرب وهو ما كان قرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فى هذا الوقت روزفلت. 

من المشاهد الرئيسية فى الفيلم التى يظهر فيها الصراع الداخلى للبطل بين شعوره بتحقيق إنجاز قومى للولايات المتحدة الأمريكية وهو الانتصار فى الحرب العالمية الثانية، وفى الوقت ذاته شعوره بالندم على ما فعله من تسببه فى موت آلاف اليابانيين وتشويه آلاف آخرين. 

وهى رسالة الفيلم الأساسية، فالفيلم قصته مقتبسة من كتاب السيرة الذاتية المعنون "برومثيوس الأمريكى: انتصار وتراجيديا روبرت أوبنهايمر" American Prometheus: The Triumph and Tragedy of J. Robert Oppenheimer

من الإشكاليات الأخرى هى مواجهة المجتمع بعدما عرف العالم ككل أنه مخترع القنبلة التى تسببت فى انتصار الولايات المتحدة الأمريكية وفى الوقت ذاته موت الآلاف وتشويه آلاف آخرين ، فكان أوبنهايمر دوما فى هذه الصراع بين الواجب والعاطفة، وهو ما تجسد فى الفيلم بين ما شعر أنه واجب تجاه بلده وبين عاطفته الإنسانية. 

جين تاتلوك.. الحب فى حياة أوبنهايمر:

قبل اختراع القنبلة الذرية وقبل قيادة مشروع منهاتن، كان كل تركيز أوبنهايمر منصبا على فتاة تُدعى جين تاتلوك، كانت تدرس علم النفس بجامعة يو سى بركلى عندما قابلت أوبنهايمر للمرة الأولى فى حفل، وقد أحبها لسنوات طويلة قبل أن يقرر أن ينفصل عنها ويتزوج كيتى. ولكن كان لتاتلوك تأثير فى أوبنهايمر خاصة بسبب علاقتها القوية بالحزب الشيوعى؛ حيث أثرت بشكل كبير فى توجهاته نحو الشيوعية واليسار، وشجعت تاتلوك أوبنهايمر على التبرع للجمهوريين الأسبان فى فترة الحرب الأهلية الأسبانية.

وقد قابل أوبنهايمر تاتلوك مرة واحدة بعد زواجه، وعندما علمت الأجهزة الأمنية بتلك المقابلة تسبب ذلك له فى مشكلات فى عمله فيما بعد، بالإضافة إلى تبرعه للأسبان فى أثناء الحرب الأهلية الأسبانية أيضا وهو ما تسبب له أيضا فى مشكلات جمة. 

أوبنهايمر .. عالم فيزياء فى فلك السياسة: 

طرح الفيلم وجهة نظر أبطاله من خلال مجموعة من المقولات لأوبنهايمر وشتراوس وأينشتاين منها:

"أحتاج إلى الفيزياء أكثر مما أحتاج إلى الأصدقاء"، مقولة لروبرت أوبنهايمر "I need physics more than friends."

فقد تخلى أوبنهايمر عن كثير من أصدقائه وذلك للوصول إلى هدفه.

"الهواة يسعون إلى الشمس ويُؤكلون أما القوة فتبقى فى الظل" .. مقولة لشتراوسAmateurs seek the sun. Get eaten. Power stays in the shadows

كان العالم شتراوس رئيس وكالة الطاقة الذرية الأمريكية بتعيين من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أيزينهاور فى عام 1953، ولم يكن على علاقة طيبة بأوبنهايمر. ذكرِت هذه المقولة لتبيان أن القوة السياسية الحقيقية دوما ما تظل خلف دائرة الضوء فهى لا تظهر إلى الواجهة. فكان أوبنهايمر وغيره من العلماء فى هذه الحقبة أداة فى يد الحكومة الأمريكية. أراد شتراوس أن يعزل أوبنهايمر عن طريق تحذير المسئولين منه وبالفعل نجح فى ذلك.

"عندما جئت إليك بهذه المعادلات.. فكرت أن نبدأ فى إنتاج تفاعل تسلسلى سيدمر العالم أجمع".. مقولة أوبنهايمر لأينشتاين.

"When I came to you with those calculations...we thought we might start a chain reaction that would destroy the entire world." 

كانت علاقة أوبنهايمر بأينشتاين علاقة شائكة، لم يرد أينشتاين أن ينضم إلى المشروع النووى مع أوبنهايمر، وعلى الرغم من أن خطاب أينشتاين للرئيس الأمريكى حينذاك روزفلت هو ما أقنع الأمريكيين للبدء بمشروع القنبلة النووية، ولم يكن أينشتاين منضما إلى مشروع مانهاتن. كانت الحكومة الأمريكية تنظر له كخطر أمنى بسبب ميوله اليسارية وعلاقته باليساريين والمتعاطفين معا.

السياسة والعلم والأخلاق:

يجعلنا الفيلم نتساءل: "ما تأثير العلم فى كل من الأخلاق والسياسة؟ وتأثيرهما فيه، وأيضا كيف يؤثر كل من الأخلاق والسياسة فى الاكتشافات العلمية؟ "ماذا سيفعل الإنسان عندما يملك هذه المقدرة العلمية؟ استخدم أوبنهايمر العلم بأسوأ صورة ممكنة من خلال التسبب فى مقتل الآلاف.

يوضح الفيلم أنه بعد سنوات من استخدام القنبلة الذرية فى الحرب العالمية الثانية رفض أوبنهايمر الاستمرار فى تطوير القنبلة الهيدروجينية وذلك من زاوية أخلاقية إنسانية. 

العلم واللعبة السياسية:

انضم أوبنهايمر إلى مشروع مانهاتن بتكليف من الحكومة الأمريكية، وفى الفيلم تجسد ذلك فى شخصية الممثل مات دايمون الذى أدى دور الضابط الأمريكى الذى كلف أوبنهايمر بالعمل فى مشروع إنتاج القنبلة النووية مع عدد من العلماء الآخرين. ينجح العلماء فى مشروع إنتاج وتفجير القنبلة الذرية، لكن بعد ذلك عندما أرادت الحكومة الأمريكية استكمال مشروع إنتاج القنبلة الهيدروجينية رفض أوبنهايمر، وهنا يأتى واحد من أهم مشاهد الفيلم والرئيس الأمريكي ترومان حين زاره أوبنهايمر في البيت الأبيض ليثنيه عن المُضِي قُدُمَاً في تطوير القنبلة الهيدروجينية لأن من شأنها إضرام حرب باردة من التسلح النووي مع الغريم السوفيتي وحين باحَ أوبنهايمر للرئيس أنه لا ينام لأن يده ملطخة بالدماء، أخرج الرئيس من جيبه منديلا كي يمسح يده قائلا "لن يتذكر الناس مَن اختَرَعَ القنبلة لكن سيتذكرون من أمر بإلقائها"، في إشارة إلى جدل دور العلماء كمجرد أدوات لتحقيق الأهداف السياسية.

 كان الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت قد أرسل خطابا إلى روبرت أوبنهايمر يشكره على البحث الذرى السرى فى 29 يونيو من عام 1943. فى منتصف الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة الأمريكية فى صراعمع ألمانيا واليابان، وكانت تعمل بشكل جدى على مشروع مانهاتن. هذا المشروع الذى كان قد بدأ فى يونيو من عام 1942 من أجل تطوير سلاح نووى يمكنه أن يُنهى الحرب. كانت رسالة روزفلت فى الخطاب واضحة للغاية فقد أنهى خطابه برسالة لرفع الحالة المعنوية بأن العلم الأمريكى سيواجه أى شىء يمكن للعدو أن يقدم. American science is up to anything the enemy can offer.

وقد نفذ أوبنهايمر التعليمات بشكل دقيق الأمر الذى نجم عنه نجاح أول تجربة للسلاح النووى فى مختبر لوس ألاموس 16 يوليو 1945 وإسقاط القنبلتين النوويتين على المدينتين اليابانيتين هيروشيما فى 6 أغسطس 1945 وعلى ناجازاكى فى 9 أغسطس 1945 ما أدى إلى انسحاب اليابان من الحرب.

ختاما:

على الرغم من طول الفيلم المبالغ فيه نحو ثلاث ساعات فإن إبداع المخرج وكاتب السيناريو ومونتير الفيلم جعل المشاهد لا يحس بالطول الشديد للفيلم. كما أن الفيلم انقسم إلى عدد من الأجزاء؛ ففى الجزء الأول نتعرف إلى الأسباب التى دفعت أوبنهايمر لدراسة علم الفيزياء وتحديدا التخصص فى دراسة الذرة؛ فقد ذهب أولا إلى ألمانيا للدراسة ثم إلى إنجلترا، ثم عودته إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبداية تدريس الطلاب هذا العلم، ففى أول محاضرة له لم يكن الطلبة الأمريكيون مهتمين بدراسة علم الذرة، فكان يحضر له طالب واحد فقط فى البداية ثم بعد ذلك زاد عدد المهتمين بهذا العلم، ثم تلا ذلك مجموعة من المشاهد حول علاقة أوبنهايمر بحبيبته وأصدقائه ثم زوجته وأبنائه. والجزء الأكبر من الفيلم حول مشروع مانهاتن واختراع القنبلة الذرية، ثم الجزء الأخير حول التحقيقات مع أوبنهايمر، وكان عنصر التشويق حاضرا فى هذه التحقيقات. 

مما لا شك فيه أن الفيلم يؤكد أهمية بحث علاقة السياسة بالعلم والتكنولوجيا، فعندما تمتلك القوة العلمية فهذا يعنى أنك تمتلك القوة السياسية. يذكرنا الفيلم بما ذكره ألفن توفلر Alvin Toffler فى كتابه "تحول القوة: المعرفة والثروة والعنف فى مطلع القرن الحادى والعشرين" (Power shift: Knowledge, Wealth and Violence at the Edge of the 21st Century)

:بأننا نعيش فى عصر تغير فيه مضمون وطبيعة القوة عالميا (Global shift of power)؛ حيث يذكر فى كتابه أننا فى منتصف تغير جذرى للقوة حيث ستتغير من خلاله العلاقات التقليدية بين العنف والثروة والمعرفة. يشير أيضا إلى أن المعرفة ستحل محل العنف، والثروة، والعمالة، والطاقة، والزمان، والمكان، وستمثل المعرفة موضع صراع عالمى للقوة فى المستقبل القريب. وأن المعرفة ستزداد أهمية كقوة ما سيؤدى ذلك إلى إعادة توزيع للقوة، ومن ثم إلى تغير ميزان القوة فى العالم. والفيلم يؤكد كيف أن سبق الولايات المتحدة الأمريكية فى امتلاك هذا السلاح الخطير واستخدامه فى الحرب بصورة مفاجئة قد أدى إلى انتصارها فى الحرب. 

بعد مشاهدة الفيلم يمكننا أن نطرح مجموعة من التساؤلات: هل كان أوبنهايمر بطلا قوميا أمريكيا أنقذ الولايات المتحدة الأمريكية أم كان مجرما تسبب فى مقتل الآلاف؟ هل كان استخدام القنبلة الذرية ضروريا لإنهاء الحرب خاصةً أن أوبنهايمر قد رفض الاستمرار فى مشروع القنبلة الهيدروجينية وتراجع عن كثير من مواقفه؟ هل يمكننا إنهاء الحروب بطرق أخرى غير الطرق شديدة الدموية؟ هل يمكن تبرير ما اقترفه أوبنهايمر حتى مع ندمه على قتل وتشويه آلاف الأبرياء؟ ليبقى الجدل حول أين تبدأ وتنتهى مسئولية العالم فى أي مشروع سياسي عسكري؟


رابط دائم: