فى هذا اليوم، قام العدو بتنفيذ هجمة جوية على مطارات الدلتا بغرض التأثير فى كفاءتها القتالية ومنع طائراتنا من التدخل ضد قواته بعد الخسائر الهائلة التى تكبدها فتصدت له مقاتلاتنا من قاعدتى المنصورة وأنشاص، ودارت اشتباكات متواصلة شارك فيها أكثر من 150 طائرة من الطرفين أظهر خلالها طيارونا مهارات عالية فى القتال الجوى. استمرت المعركة أكثر من 50 دقيقة، وتعد أطول معركة جوية، حيث تم إسقاط 18 طائرة للعدو، رغم التفوق النوعى والعددى لطائراته. ولم يكن أمام باقى طائرات العدو إلا أن تلقى بحمولتها فى البحر وتلوذ بالفرار، كما فعلت ذلك فى باقى أيام الحرب. من هنا، تم اختيار هذا اليوم عيدًا للقوات الجوية بعدِّه من أهم المعارك الجوية خلال حرب أكتوبر 73.
قوات الدفاع الجوى المصرية أحد الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة المصرية، وهى المسئولة عن حماية المجال الجوى المصرى ضد أى هجمات جوية معادية، وأنشئت طبقا للقرار الجمهورى الصادر فى أول فبراير 1968 الذى نص على «إنشاء قوات الدفاع الجوى كفرع رئيسى ثالث للقوات المسلحة بجانب القوات الجوية والقوات البحرية، وكقوة رابعة بعد القوات البرية والبحرية والجوية»، وعين الفريق محمد على فهمى كأول قائد للقوات حديثة النشأة.
أُعيد تنظيم القوات وتدبير الكوادر وتدريب الأفراد ورقع مستوياتهم التعبوية والتكتيكية والفنية، مع تكوين قاعدة تكنولوجية عريضة قادرة على استيعاب أسلحة الدفاع الجوى الحديثة فى أسرع وقت ممكن بهدف حرمان إسرائيل من تفوقها الجوى.
بدأ تطوير قوات الدفاع الجوى بإنشاء شبكة الكشف والإنذار، وتم توفير أعدادا كبيرة ومتعددة من وسائل الكشف والإنذار الرادارى واستخدامها فى تنسيق وتعاون متكاملين وتعزيزها بشبكة من نقاط المراقبة بالنظر وتجهيزها بشبكة اتصالات مرنة وحمايتها ضد الهجمات الإسرائيلية الإلكترونية.
إنشاء حائط الصواريخ:
دعمت القيادة العامة للقوات المسلحة الدفاع الجوى بأنواع حديثة من الأسلحة والمعدات الإلكترونية والصواريخ المضادة للطائرات التى تحلِّق على ارتفاعات منخفضة، وإقامة شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية. فى أثناء حرب الاستنزاف، ركزت القيادة الإسرائيلية ضرباتها الجوية على خط القناة لتدمير المواقع العسكرية المصرية، خاصة مرابض مدفعية الميدان، ومنع إقامة قواعد جديدة للصواريخ المضادة للطائرات فى منطقة القناة، وعزل المناطق والأهداف الحيوية على الجبهة المصرية، وشل أى تحركات تهدف إلى إدخال قوات أو حشدها فى المنطقة(7). لمواجهة تلك الضربات الجوية المركزة، قامت قوات الدفاع الجوى بالتحرك لإدخال الصواريخ المضادة للطائرات إلى منطقة القناة، وإنشاء حائط الصواريخ المضادة للطائرات باستخدام أسلوب الزحف البطىء على وثبات بالتتالى، وذلك بإنشاء تحصينات كل نطاق واحتلاله تحت حماية النطاق الخلفى له. أنشئت مواقع النطاق الأول شرق القاهرة، كما أنشئت ثلاثة نطاقات أخرى تمتد إلى منتصف المسافة بين القاهرة وجبهة القناة، ولذلك شُيدت التحصينات الميدانية اللازمة بعدد كبير من المواقع الرئيسية والتبادلية، وجُهزت مراكز القيادة والسيطرة والمواقع بوسائل الاتصال اللازمة، ومُهدت الطرق والمدقات، وتم تحريك قواعد الصواريخ واحتلالها لمواقعها ومعها وسائل الدفاع المباشرة المضادة للطائرات ووسائل الإنذار اللازمة. عقب إنشاء حائط الصواريخ، وبدءا من 30 وبدءا يونيو 1970، وخلال الأسبوع الأول من يوليو، تمكنت صواريخ الدفاع الجوى المصرى من إسقاط العديد من الطائرات طراز فانتوم، وسكاى هوك، وأسر العديد من الطيارين الإسرائيليين. كانت هذه المرة الأولى التى تُسقط فيها طائرة فانتوم من خلال قوات الدفاع الجوى، فأطلقت وسائل الإعلام المصرية على ذلك الأسبوع «أسبوع تساقط الفانتوم»، واتخذت قوات الدفاع ذلك اليوم عيدا لها.
معركة الدفاع الجوى فى عبور القناة:
تمثل الدور الرئيسى للدفاع الجوى المصرى فى خطة معركة العبور فى توفير الحماية للقوات البرية فى أثناء العبور ومنع دفاع العدو الجوى من مهاجمة القوات والمعابر، ولتأمين تدفق هجوم القوات المصرية على طول خط القناة، وعلى امتداد الساحل الشرقى لخليج السويس ودفعه فى عمق سيناء حتى مسافة 50 كم شرقا، بما يُضعف تأثير هجمات طيران إسرائيل، ويضمن الوقاية لجميع القواعد الجوية والمطارات والأهداف الحيوية فى عمق الدولة. فى يوم السبت، الموافق السادس من أكتوبر 1973، وعقب تنفيذ الضربة الجوية وتدفق القوات إلى شرق القناة، كانت قوات الدفاع الجوى فى انتظار الهجوم الإسرائيلى المضاد الذى ظهرت بوادره على شاشات الرادار اعتبارا من الساعة الثانية وأربعين دقيقة. قامت الصواريخ المضادة للطائرات بإسقاط الطائرات الإسرائيلية الواحدة تلو الأخرى، واستمرت الحال خلال الساعات التالية، حيث كانت إسرائيل تدفع بطائراتها على طول الجبهة لتحاول ضرب وإعاقة تقدم القوات المصرية وتدمير جسورها ومعابرها. وفى تمام الساعة الخامسة مساءً، أصدر قائد القوات الجوية الإسرائيلية أوامره لطياريه بتفادى الاقتراب من القناة لمسافة تقل عن 15 كم شرقا(8).
فى اليوم الثانى للمعركة، صباح السابع من أكتوبر 1973، خططت القيادة الإسرائيلية لتفادى حائط الصواريخ المصرى على جبهة القناة، وتوجيه ضربة جوية للطائرات والقواعد الجوية المصرية البعيدة عن هذا الخط الدفاعى الحصين. واقتربت الطائرات الإسرائيلية على ارتفاعات منخفضة فوق البحر المتوسط لتهاجم المطارات المصرية بشمال الدلتا، فوجدت الطائرات المعادية المقاتلات الاعتراضية المصرية فى انتظارها. ومن نجح من طيارى العدو وحاول التسلل على ارتفاع منخفض، واجهته نيران المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ المحمولة كتفا، فآثر من تبقى من الطيارين الإسرائيليين الانسحاب وألقوا بحمولاتهم من القنابل وعادوا القهقرى إلى قواعدهم. إن الدور العظيم الذى قامت به قوات الدفاع الجوى فى الدفاع عن سماء مصر شهد به العدو قبل الصديق، حيث أعلنت إسرائيل أنها خسرت 102 طائرة. ولكن بعد يومين، أعلن وزير دفاعها أن الخسائر بلغت 50 طائرة فقط، فيما قدرت بعض المصادر الغربية أن الدفاع الجوى المصرى دمر ما يتراوح بين 180 و200 طائرة، كما أعلن الاتحاد السوفيتى أن الخسائر بلغت 280 طائرة. وسواء أكانت تلك الارقام صحيحة أم لا، فيكفى أن قوات الدفاع الجوى استطاعت تحييد القوات الجوية الإسرائيلية ومنعها من تنفيذ مهامها القتالية على طول الجبهة.
الخلاصة:
يمكن القول إن لكل دولة وشعب سطورا مضيئة يكتبها الأبناء بدمائهم، ولم يبخلوا بأرواحهم، فطالوا العلا فى سبيل المجد لهم ولأمتهم المصرية العظيمة. ولذا، فإنه حق أصيل لكل مصرى أن يفخر بمجد بلاده وعزتها ومجدها. ولا يسعنا إلا أن نترحم على أرواح شهدائنا الأبرار، وأن نرسل تحية فخر وإعزاز إلى كل من شارك فى صنع النصر فى حرب أكتوبر المجيدة.
الهوامش:
1- الشبكة العنكبوتية: https://www.wikiwand.com/ar/ حرب_أكتوبر.
2- من حديث رائد طيار حسن راشد (اللواء طيار أ ح/ حسن راشد رئيس أركان القوات الجوية الأسبق), ص33، عن أسلوب التدريب والإعداد للطيارين خلال حرب الاستنزاف, كتاب الضربة الجوية «النسور يتكلمون», رقم الإيداع 2002/ 11818, ترقيم دولى ISBN977-236- 376- 3) ).
3-المصدر السابق , ص39.
4- الشبكة العنكبوتية:http://www.moqatel.com/Mokatel/data/Behoth/siasia-askria4/Istenzaf/Mokatel3_9-2.htm.
5- الشبكة العنكبوتية: https://group73historians.com/ /حرب-أكتوبر/167-حقيقه-الضربه-الجويه.
6- من كلمات الرئيس الراحل محمد أنور السادات: «عندما يتم ضرب كل هذه الأهداف فى وقت واحد، فلا بد أن يصاب الجيش الإسرائيلى كله بالشلل التام. ولذلك، صرحت بعد أربع ساعات من بدء المعركة بـ «أن إسرائيل قد فقدت توازنها تماما. ولكى تستعيد كل مراكز القيادة هذه وتبنيها من جديد، يكون الوقت قد مر فى غير صالحها، ونكون قد انتهينا من مهمتنا الأساسية الأولى، والفضل فى هذا كله يرجع إلى ضربة الطيران المحكمة الموفقة التى أذاقت إسرائيل لفحات الجحيم المستعر» أكتوبر 73.
7- الشبكة العنكبوتية: حائط الصواريخ (تقدير للمخابرات المركزية الأمريكية عن مواقع صواريخ سام السوفيتية فى مصر اعتبارا من مايو 1970)، https://www.wikiwand.com/ar/ قوات_الدفاع_الجوى_(مصر).
8- الشبكة العنكبوتية: https://www.wikiwand.com/ar/ قوات_الدفاع_الجوى_(مصر).
رابط دائم: