War! What is it good for?، الحرب .. ما فائدتها؟! بدأت تلك المقولة كعنوان لأغنية شهيرة مطلع سبعينيات القرن الماضى انتقد فيها المطرب الأمريكى "إدوين ستار" المغزى الكامن وراء الحروب ووصفها بمدمرة لحياة ملايين من الأبرياء فى سبيل مطاردة أهداف سياسية بحتة قد لا تخدم مصلحة المواطن فى المقام الأول. وقد لفتت تلك المقولة أو الأغنية فيما بعد أنظار العديد من محللى السياسة وعلمائها على مدى السنين التى أعقبتها؛ حيث أجريت ونشرت العديد من الأبحاث تحت ذلك العنوان لمحاولة تحليل الأسباب الحقيقية وراء بداية الحروب، وتداعياتها، وكيفية انتهائها. ومن ضمن تلك الجهود على سبيل المثال، كان كتاب المؤرخ الإنجليزى "يان موريس" الذى يحمل العنوان نفسه الذى سبق ذكره، وقد ناقش الكاتب فيه دور الحرب فى تاريخ البشرية وأثرها فى تطور الحضارة، وركز "موريس" فى كتابه على فوائد الحرب، وانتقد النظريات التى تنظر للحروب بصفة سلبية كاملة، ولكن بلا أدنى شك يظل مصطلح الحرب من أكثر المصطلحات غموضا فى عالم السياسة، وتستمر مسألة نتائجها أو إذا كانت ذات فائدة أم لا محل حيرة بين علماء العلوم السياسية ومحلليها(1). وعلى غرار هذه الأعمال، سيتم فيما يلى تحليل مصطلح الحرب بشكل مفصل وواضح، بما فى ذلك توضيح أسباب الحروب، وأنواعها، واستعراض ماضيها وتوقعات مستقبلها، وسيتم أيضا تسليط الضوء على الحرب الروسية - الأوكرانية كدراسة حالة.
- ماهية الحرب:
واجه مصطلح الحرب العديد من الاختلافات من حيث التعريف؛ نظرا لتشعب المصطلح وعمقه، وطبقا للشق التحليلى الذى سيتم تبنيه فى هذا المقال، يمكننا تعريف ظاهرة الحرب بنظرة عامة بأنها حالة من الصراع بين طرفين أو أكثر باستخدام الأسلحة والقوة البدنية، وتحدث بسبب وجود تناقض بين الأطراف؛ سواء فى حق حيازة الأراضى،أو الموارد، أو بصفة عامة اختلاف فى المصالح أو وجهات النظر. ويمكن أن تقوم الحروب على أسس مادية ملموسة، أو على أسس معنوية مثل تلك الحروب التى تقوم على الاختلافات الإثنوغرافية التى يندرج تحتها التناقض الدينى، أو العرقى، أو الثقافى. وفى الظروف الطبيعية تعد الحرب هى آخر وسيلة لحل أى نوع من الاختلافات التى سبق ذكرها، فيجب على الأطراف أولا اللجوء للوسائل الدبلوماسية، ومن ثم عرض القضية أمام المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية على سبيل المثال. ولكن تلك النظرية ليست دائمة التحقق، فالأمر يعتمد على الغاية المعنية، فهناك حروب على مدى التاريخ بدأت دون سابق إنذار أو مفاوضات، واختلفت الرؤى والآراء بين النظريات حول إشكالية اندلاع الحروب؛ فعلى سبيل المثال النظرية الليبرالية بطبيعتها الجماعية ترفض الحروب، وتغلب عليها التعاون والمصالح المشتركة فى العلاقات الدولية.أما على النقيض؛ فالمدرسة الواقعية ترجح نظرية "الصراع الحتمى" فترى أن الحرب لا مفر منها نظرا لتضارب المصالح بين الدول على مسرح السياسة الدولى، وقد تعددت التفسيرات من نظرية لأخرى. وفى المجمل يمكن وصف ظاهرة الحرب بأنها "صراع فى الرغبات" (2).
- أنواع الحروب:
مصطلح "حرب" هو مصطلح عام وواسع، كما قد تم التأكيد؛ فمن حيث التصنيف يوجد العديد من الأنواع والأشكال المختلفة للحروب، ولكن فيما يلى سيتم التركيز على الأنواع الأكثر شيوعا والأكثر حداثة إلى جانب عامل الارتباط بكل من الطابع الدولى والعسكرى؛ فهنالك حروب لا ينطبق عليها العامل الدولى مثل الحروب الأهلية التى تنشأ داخل دولة واحدة. وعلى الناحية الأخرى، هناك حروب لا تتضمن الجانب البدنى العنيف على غرار بعض من أشكال الحروب غير التقليدية، والحروب الاقتصادية، وحروب الإعلام والإنترنت إلى جانب الحروب الباردة.
ومن حيث المبدأ؛ تنقسم أشكال الحروب لنوعين رئيسيين:
1- الحروب التقليدية المباشرة، وهى النوع الأكثر شيوعا فى الأذهان حين يتم ذكر مصطلح الحرب، وهى الصراعات العدوانية التى تحدث بشكل مباشر بين الأطراف المعنية بالقضية، أو الذى يدور التناقض بينها، وتعد شكلا من أشكال الحروب المفتوحة الشاملة التى تهدف لردع الخصم تماما وإجباره على الخضوع والاستسلام، وفى بعض الأحيان قد تهدف لإبادة الطرف الآخر. وقد وصفها السياسى الأمريكى "مايكل والزر" بأنها ممارسة واسعة النطاق لحق الدفاع عن النفس أو عن المصالح، وعلى سبيل المثال يمكن تصنيف الحروب العالمية السابقة تحت إطار تلك الحروب، وهناك أيضا نوع متفرع من تلك الحروب وهى حروب الاستنزاف المباشرة، وهى تلك الحروب التى تعتمد على إضعاف العدو وإلحاق الأضرار المادية والخسائر العسكرية والبشرية به إلى جانب إلحاق الضرر بالبنية التحتية والمدن. وإذا كانت الحروب المباشرة تعتمد على المواجهة العسكرية فحروب الاستنزاف تعتمد على مبدأ الإنهاك، فهى تضع مسألة الوقت وقدرة التحمل تحت الاختبار وتحديدا الوقت؛ فهو يعد عنصرا جوهريا فى تلك الحروب نظرا لإمكانية امتدادها لفترات زمنية كبيرة، ومن أمثلتها حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل فى الفترة بين 1967 إلى 1970(3).
2- الحروب غير المباشرة أو الحروب غير التقليدية وهى الأكثر انتشارا خاصة فى العقود الماضية، فإذا صح القول إن العصور القديمة كانت مبنية على الحروب التقليدية، فمع التداعيات والأساليب التى فرضها النظام العالمى الجديد يمكننا القول إننا فى زمن الحروب غير المباشرة التى يمكن تعريفها بأنها الوسائل المتبعة من جانب ما لإضعاف أو استنزاف طرف آخر دون الانخراط فى مواجهات مباشرة، وتشمل تمويل طرف ثالث ليقوم بعملية الإنهاك العسكرى أو الاقتصادى بالنيابة عنه، ويتجلى ذلك بوضوح فى دور التنظيمات الإرهابية المتزايد على مدى العقود الماضية خاصة فى إفريقيا والشرق الأوسط التى تخدم مصالح كيانات أخرى. ويمكن أيضا أن يطلق على هذا النوع من الحروب اسم الحروب بالوكالة، وقد لمح الرئيس الأمريكى الأسبق "باراك أوباما" إلى تلك العقيدة التى تشير إلى التدمير الذاتى، أو كما صرح من قبل "دع الشرق الأوسط يخوض حروبه بنفسه"، فتنشأ الحروب والصراعات بين الأطراف المتنازعة، ولكن يكون المستفيد هو طرف ثالث خفى عادة يؤدى دور الممول السرى.
ومن الاختلافات الجوهرية بين هذا النوع من الحروب والحروب التقليدية يتجلى فى تباين القوة الشديد الذى يظهر عادة فى الحروب غير التقليدية، وعلى الناحية الأخرى يمكننا وصف الحروب الاستنزافية غير المباشرة كفرع من فروع الحروب غير المباشرة، فتلك الحروب مماثلة لحروب الاستنزاف التقليدية، لكن مع وجود اختلاف فى الأطراف، ففى الحرب التقليدية نرى على سبيل المثال عدوين يستنزفان قواهما، ولكن فى هذه الحالة نرى أطرافا بالفعل فى حالة حرب، ولكن هنالك طرفا ثالثا يدعم أحدهما سواء عن طريق تقديم الدعم المالى أو العسكرى. وما يميز هذا النوع عن الحروب بالوكالة هو الوضوح؛ ففى الحروب بالوكالة لا يعلن الطرف الممول نيته أو مساندته الفعلية لقوة ما أو لكيان ما، أما فى حالة الحروب الاستنزافية غير المباشرة فيعرب الطرف الممول أو المساند عن دعمه ومساندته لطرف ما وتكون مسألة معروفة، ويمكن الإشارة إلى موقف بعض الدول العربية فى أثناء حرب أكتوبر إلى جانب موقف حلف الناتو تجاه الحرب الروسية- الأوكرانية كمثل على هذا النوع من الحروب(4).
- الحرب الروسية – الأوكرانية.. صراع فريد من نوعه:
1- البداية والأسباب
تسببت الحرب الروسية – الأوكرانية منذ بدايتها فى فبراير ٢٠٢٢بأزمات وتداعيات عالمية سواء فى الشق الاقتصادى من جهة أو فى الأزمات الإنسانية من جهة أخرى، إلى جانب التوتر السياسى الذى يسيطر على المشهد العالمى طوال تلك الفترة، فقد تعددت الرؤى والأسباب التى تفسر الغزو الروسى لأوكرانيا. ولكن يمكننا تلخيص الأمر فى بعض الأسباب الرئيسية: أولها وأهمها هو التقرب الأوكرانى للغرب، ونية كييف فى الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطى، وقد حذرت موسكو لسنوات من عواقب الإصرار على تلك الرغبة، ومن الأسباب المطروحة كذلك رغبة أوكرانيا فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى إلى جانب مساعيها لامتلاك سلاح نووى. وترى موسكو كل تلك النيات والرؤى ما هى إلا مسارات موجهة من قبل الولايات المتحدة لكييف فى محاولة لتطويق روسيا ومحاصرتها؛ وقد صنفت الأخيرة تلك الرغبات بأنها لا تتوافق مع مصالحها الأمنية، فضلا عن شعور الروس العقائدى تجاه أوكرانيا؛ فمنذ تفكك الاتحاد السوفيتى واستقلالها عام ١٩٩١وروسيا تعد أوكرانيا جزءا لا يتجزأ من تاريخها وثقافتها. ومن حيث المبدأ يمكننا القول إن الوضع فى إقليم دونباس الأوكرانى يثير استياء موسكو؛حيث تقوم أوكرانيا بقمع السكان الناطقين باللغة الروسية، وهم الأغلبية، وتصفه روسيا بالعنصرى. إضافة إلى استمرار أوكرانيا، منذ ٨ سنوات، بقصف الإقليم واستهداف المدنيين، وعدم التزامها باتفاقات مينسك، ولكن يعارض بعضهم وصف تلك الإشكالية بالسبب بل يفضلون وصفها بالذريعة التى تتخذها روسيا لغزو أوكرانيا، ولكن ما يمكننا أن نستشفه أن موسكو لن تقبل بأى موقف أو إجراء يهدد مصالحها أو أمنها القومى، ولن تتردد فى مسألة الرد؛ فغزوها لشبه جزيرة القرم فى ٢٠١٤خير دليل على هذا (5).
2-تصنيف الحرب وموقف الدول
الحرب الروسية – الأوكرانية معقدة للغاية من حيث الشكل أو التصنيف؛ وهذا ربما من أكثر الأسباب الذى جعلتها حربا فريدة من نوعها، فهناك العديد من العوامل المتداخلة فى تلك الحرب؛ فعلى سبيل المثال، هذه الحرب من حيث التصنيف المكانى تعد نزاعا إقليميا، ولكننا نرى آثاره فى شتى دول العالم. ومن ناحية أخرى فالحرب بين موسكو وكييف تصنف على أنها حرب تقليدية مباشرة، ولكن من جهة أخرى نرى المساعدات والتمويل الاقتصادى والعسكرى الهائل من دول حلف الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة وإنجلترا لأوكرانيا، وقد عبر الناتو عن دعمه لكييف سواء كان معنويا، أو اقتصاديا، أو عسكريا. وهذا يأخذنا لإشكالية وصف الحالة من تلك الجهة بأنها حرب استنزافية غير مباشرة يهدف من خلالها الناتو إرهاق روسيا وإضعافها وتوريطها فى حرب طويلة الأمد وعقوبات اقتصادية ضخمة؛ فينتهى الأمر بعد الحرب بفقدان موسكو جزءا كبير من قواها ونفوذها داخل النظام الدولى (6).
3- حرب خالفت التوقعات
كانت إشكالية نهاية الحروب الكلاسيكية مطروحة وبشكل كبير من قبل المحللين وعلماء السياسة على مدى السنوات الماضية، فقد أشارت التوقعات إلى انتهاء تلك النوعية من الحروب، فمنذ الغزو الأمريكى للعراق فى ٢٠٠٣، ومن ثم الهجوم الذى شنته روسيا على جورجيا عام ٢٠٠٨، لم يشهد العالم حربا تقليدية، أى بين جيشين نظاميين، وتوقع الخبراء استمرار حروب الجيل الرابع، أو بصيغة أخرى الحروب بالوكالة مع بداية عصر حروب الجيل الخامس التى تشمل الحروب السيبرانية، والعمل العسكرى غير الحركى،إلى جانب استخدام التقنيات المستجدة مثل الذكاء الاصطناعى والأنظمة المستقلة تماما فى محاولة لتضليل العدو وإنهاكه، ولكن خالفت الحرب الروسية – الأوكرانية تلك المؤشرات، وأعادت فكرة الحرب الكلاسيكية للأذهان وإلى مجدها القديم، فقد شهد النزاع عودة الدبابات للساحة القتالية إلى جانب الخنادق والمشاة إلى جانب العديد من الأسلحة التقليدية التى سبق أن استخدمت فى الحروب منذ أكثر من مائة عام. ومن هذا المنظور، يمكننا أن نستنتج أن الحروب الكلاسيكية لا تزال لها مكانها وأهميتها فى المشهد العالمى، على الرغم من تطور الحروب البديلة والتكتيكات الحديثة (7).
4- السيناريوهات المحتملة لنهاية الحرب
بعد أن أشارت التوقعات إلى استمرار الحرب لأيام أو أسابيع معدودة، ها هى تكسر حاجز العام ونصف العام، فعدم وضوح العامل الزمنى أدى إلى صعوبة التنبؤ بمستقبل أو بنهاية الحرب، وفيما يلى سيتم استعراض أبرز السيناريوهات المطروحة لنهاية النزاع:
السيناريو الأول - التوصل إلى حل دبلوماسى أو تسوية:
هو سيناريو متوقع نظرا لطول مدة الحرب واستنزاف موارد الأطراف المشاركة، وتقضى تلك التسوية بوقف إطلاق النار، وإعادة ترسيم الحدود، أو الحفاظ على الوضع الحالى. ولكن يلقى هذا السيناريو رفضا أوكرانيا؛ حيث ترى حكومة كييف أنه يجب سحب جميع القوات الروسية كشرط أساسى لأى مفاوضات، وعلى الناحية الأخرى تشترط موسكو أن تكون أوكرانيا محايدة تماما، ومحدودة فى قوتها العسكرية، ومجبرة على الاعتراف بضم روسيا إلى جميع الأراضى المحتلة، وإتباع السياسات التى توافق عليها روسيا فقط ما يعنى تطبيق مبدأ "السيادة المشروطة". بناء على ما قد تم ذكره فيمكن استقراء أن هناك تباينا كبيرا بين رغبات الطرفين، ولكن قد تجبر الخسائر الوخيمة طرفا من الطرفين على الخضوع والقبول ببعض الشروط غير المرضية لهم.
السيناريو الثانى - وقف أو تقليل التمويل الغربى لأوكرانيا/ امتثال أوكرانيا لشروط روسيا:
على الرغم من أن هناك اعتقادا كبيرا بأن طول المدة الزمنية للحرب يخدم أوكرانيا والغرب على حساب روسيا، فإن مسألة التمويل المستدام من دول الناتو لأوكرانيا تبقى محل شك، فالمؤشرات تشير إلى أن الدول الممولة لأوكرانيا تستنزف وبشدة خصوصا مع استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية، إلى جانب رؤية شعوب تلك البلدان مثل إنجلترا والولايات المتحدة على سبيل المثال أن دولهم أولى بتلك الأموال؛ حيث يعارضون سياسات صناع القرار تجاه تلك القضية، ومما قد يعجل بهذا السيناريو هى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة؛ وفى حالة عدم فوز إدارة "بايدن" مرة أخرى فمن الوارد أن تقرر الإدارة الجديدة إما قطع الإمدادات أو تقليلها بشكل كبير، وبالتأكيد إجراء مثل هذا سيؤثر فى أوكرانيا بشكل كبير وقد يجبرها على الامتثال لشروط روسيا التى ستنص على ضم بعض من أو كل المناطق التى زحفت إليها الجيوش الروسية فى الجنوب الشرقى لأوكرانيا التى تشمل لوغانسك، دونتسينك، زاباروجيا، خيرسون إلى جانب الاحتفاظ بشبه جزيرة القرم مع وضع بعض الاشتراطات العسكرية والدبلوماسية على كييف (8).
السيناريو الثالث - استمرار الحرب كحرب استنزاف لسنوات طويلة:
يرجح المحللون هذا السيناريو بحكم استمرار الأوضاع على ما هى عليه فى ظل عدم قدرة أى طرف من الجانبين على إجراء عملية حاسمة تنهى الحرب، وما يدعم هذا السيناريو هى السياسة التى اتبعتها الدول الغربية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية منذ بداية الحرب التى تمثلت فى الموازنة بين ضرورتين: مساعدة أوكرانيا فى مواجهة الهجوم الروسى لكى لا تسقط بيد الروس، وتجنب المواجهة المباشرة مع روسيا إلى جانب استنزافها. وتأمل دول الغرب فى استمرار ذلك السيناريو لأطول فترة ممكنة، ولكن قد يؤدى عامل الإرهاق المتبادل دورا حاسما فى عدم تحقق هذا السيناريو (9).
السيناريو الرابع - اقتراب هزيمة روسيا.. مسألة رضاء:
من السيناريوهات المطروحة كذلك، إضعاف روسيا بشكل كبير ما يؤدى إلى اقتراب هزيمتها فى الحرب، ما قد يدفعها إلى حلين: الأول يتمثل فى قبول الهزيمة والامتثال أمام شروط أوكرانيا والغرب، أما الثانى وهو الأكثر ترجيحا فهو استخدام روسيا لكل السبل المتاحة لتجنب تلك الهزيمة، فقد صرح بوتين من قبل أن روسيا لن تنهزم تحت أى ظرف، ولمح بأنه إذا توقف الأمر على استخدام الأسلحة النووية فلن يتردد، وبالطبع يعرف زعماء الغرب أن هذا التهديد حقيقى وقابل للحدوث؛ ولذلك يهدف الغرب لاستنزاف روسيا وإضعافها بدلا من هزيمتها كليا فى تلك الحرب؛ فالغرب يدرك جيدا معنى هزيمة روسيا أو استخدامها لترسانتها النووية والتأثيرات السلبية التى ستتركها مثل هذه المتغيرات فى النظام الدولى، فهذا السيناريو مطروح لكنه يعد مستبعدا حتى وقتنا هذا (10).
ختاما:
بعد تحليل لمفهوم الحرب وأنواعها يمكننا أن نستنتج تعدد وجهات النظر حول مسألة معضلة الحروب؛ فيمكن القول بشكل عام: إن الحرب هى ظاهرة سلبية ذات آثار مدمرة فى البشرية، حيث تتسبب فى الخسائر البشرية والمادية الكبيرة، كما أنها تؤدى إلى زعزعة الاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى.وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك بعض المؤرخين والباحثين الذين يجادلون فى أن الحرب قد تكون لها بعض الفوائد فى بعض الحالات؛ فعلى سبيل المثال يمكن أن تؤدى الحرب إلى تغييرات سياسية واجتماعية إيجابية، مثل سقوط الديكتاتوريات أو تعزيز الديمقراطية، كما يمكن أن تؤدى الحرب إلى توحيد الشعوب وتعزيز روح الوطنية إلى جانب طرح النظرية التى تزعم أنه لا يوجد سلام إلا بسبب الحرب (11).
تعد الحرب الروسية- الأوكرانية صراعا فريدا من نوعه فى العديد من النواحى، فإن الحرب تعكس المواجهة بين روسيا والغرب على النفوذ والهيمنة فى أوروبا الشرقية؛ فقد رأت روسيا أن انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسى سيهدد أمنها القومى، فيما رأت الولايات المتحدة وحلفاؤها أن توسع الحلف هو رد فعل دفاعى لتهديدات روسيا. ومن حيث النتائج، فإن الحرب تسببت فى دمار هائل فى أوكرانيا، وأثرت سلبا فى الاقتصاد العالمى، كما أنها أعادت رسم خريطة التحالفات فى أوروبا، وأعادت للأذهان فكرة الحروب التقليدية، وعززت من التوتر بين روسيا والغرب.
أما من حيث السيناريوهات المحتملة لنهاية الحرب، فإنها تبقى غير واضحة حتى الآن؛ فمن الممكن أن تنتهى الحرب بالتفاوض والتوصل إلى تسوية، أو أن تستمر كحرب استنزاف طويلة الأمد، أو أن تنتهى بهزيمة روسيا، أو حتى تأخذ اتجاه الحرب النووية. وبغض النظر عن السيناريو الذى سيتحقق، فإن الحرب الروسية- الأوكرانية ستترك آثارا عميقة فى النظام الدولى لسنوات عدة مقبلة.
- الهوامش :
1- Morris, I. (2014). War! What Is It Good For? Conflict and the Progress of Civilization from Primates to Robots.Farrar, Straus and Giroux.
2- Wright, Q., & Wright, L. L. (1984). A Study of War. The university of Chicago press
3- Benbaji, Y. (2008). A Defense of the Traditional War Convention. 118(3), 464–495. https://doi.org/10.1086/533506
4- Janos, A. C. (1963). Unconventional Warfare: Framework and Analysis. World Politics, 15(4), 636–646. https://doi.org/10.2307/2009460
5- BBC News عربي. (2022a, February 22). روسيا وأوكرانيا: ما سبب الأزمة بين البلدين؟https://www.bbc.com/arabic/world-60471536
6- NATO’s response to Russia’s invasion of Ukraine. NATO.https://www.nato.int/cps/en/natohq/topics_192648.htm
-7 الحرب الروسية - الأوكرانية تعيد للحرب الكلاسيكية مجدها القديم. اندبندنت عربية. (2023, February 26). https://www.independentarabia.com/node
8_https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/e/e6/Annexation_of_Southern_and_Eastern_Ukraine-ar.svg
9 - المركز الديمقراطى. (2023, May 18). مستقبل الحرب الروسية الأوكرانية: تحليل السيناريوهات https://democraticac.de/?p=89702
10- NBCUniversal News Group. (2023, June 20). Putin nuclear weapons threat is “real,” Biden warns. NBCNews.com.https://www.nbcnews.com/news/world/putin-nuclear-weapons-threat-real-biden-warns-rcna90114
11- Luce, S. B. (1891). The Benefits of War. The North American Review, 153(421), 672–683. http://www.jstor.org/stable/25102290