من هنا جاء اجتماع الرئيس عبدالفتاح السيسى، الأحد الماضى، مع د. مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، والمهندس أحمد سمير، وزير التجارة والصناعة، لمتابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لتنمية الصناعة، والرؤية المستقبلية التى تتبناها الدولة، لرفع معدلات نمو قطاع الصناعة، وزيادة نصيبه من الناتج المحلى الإجمالى.
الاجتماع شهد توجيه الرئيس بإطلاق حزمة من الحوافز للمشروعات الصناعية، بغرض توطين الصناعات التى تحتاجها الأسواق المصرية، للحد من الاستيراد وزيادة الصادرات.
وقد تم إطلاق حزمة ضخمة من الحوافز التى من المتوقع أن يكون لها مردود إيجابى ضخم على ملف توطين الصناعة، وتحقيق ذلك الحلم فى كل المجالات الصناعية بلا استثناء، خاصة تلك المجالات الإستراتيجية والأساسية التى تحتاجها الأسواق المصرية.
صحيح لدينا قاعدة صناعية ضخمة فى العديد من المجالات، لكن لابد من الاعتراف بالحاجة إلى المزيد من برامج توطين الصناعة، لأن المشكلة أن هناك قطاعا كبيرا من الصناعات القائمة عبارة عن «تجميع»، وليس تصنيعا بالمفهوم الحقيقى والشامل.
على سبيل المثال، صناعة السيارات مثلا مازال معظمها قائما على «التجميع»، بدءا بالبطاريات و«الكاوتش» و«الشاسيه»، وانتهاء بالموتور، مما يسهم فى تضاؤل نسبة المكون المحلى، مقارنة بالمكون الأجنبى، وارتفاع فاتورة هذه المستلزمات.
ليست صناعة السيارات وحدها، بل الأمر يمتد لصناعات أخرى كثيرة مثل صناعات الأدوية والأعلاف والهواتف المحمولة والقطارات، وغيرها من أنواع الصناعات المختلفة.
بعض هذه الصناعات ضرورى ومطلوب، والبعض الآخر يأتى فى مرتبة تالية، ومن هنا كان توجيه الرئيس بحزمة الحوافز الجديدة التى شملت الإعفاء من جميع أنواع الضرائب لـ5 سنوات باستثناء ضريبة «القيمة المضافة»، وإمكان مد سنوات الإعفاء ومضاعفتها، وكذلك إمكان استعادة 50٪ من قيمة الأرض المقام عليها المشروع إذا تم تنفيذه فى نصف المدة المحددة له، إلى جانب التوسع فى منح «الرخص الذهبية» لجميع المشروعات التى تستهدف تعميق التصنيع المحلى.
هذه الحزمة الهائلة التى تم إطلاقها لتشجيع الصناعة الوطنية سوف تستهدف، على وجه الخصوص، الصناعات الإستراتيجية التى تحتاجها الأسواق المصرية، وفقا لحجم الاستثمار الخارجى أو الداخلى فيها، والضوابط التى سوف يحددها مجلس الوزراء.
أتمنى أن يسارع مجلس الوزراء فى إعلان هذه الضوابط بسرعة، لتحفيز المستثمرين المحليين والأجانب، على السواء، ونشر قوائم تفصيلية بالصناعات المستهدفة خلال المرحلة المقبلة.
لابد أن تكون الأولوية للصناعات الإستراتيجية، وأن تتحول مصر إلى قلعة صناعية ضخمة للصناعات العالمية والمحلية، لتكون البوابة الرئيسية للتصدير إلى الدول العربية والإفريقية بحكم موقعها الإستراتيجى.
نجاح ملف توطين الصناعة، كما حدث فى ملف استصلاح واستزراع الأراضى، يعنى ببساطة حدوث تغيير هيكلى فى الاقتصاد المصرى، وتحويله من اقتصاد شبه ريعى، تعتمد مصادره الرئيسية على الخدمات والسياحة، إلى اقتصاد إنتاجى تعتمد مصادره الرئيسية على الإنتاج الزراعى والصناعى، إلى جانب المصادر الأخرى.
المؤكد أن مصر تشهد تحولا ضخما وإستراتيجيا فى كل ملفاتها، خاصة ما يتعلق بالملف الاقتصادى، والاستفادة من المحن والأزمات التى هبطت على العالم دون إرادة من أحد، لتتحول إلى «منحة» دائمة تسهم فى تحصين الاقتصاد المصرى من الأزمات الطارئة وغير الطارئة، أو تلك المتوقعة أو غير متوقعة، بعد استكمال خطط التحول الهيكلى للاقتصاد المصرى إلى اقتصاد إنتاجى خلال الفترة القليلة المقبلة - إن شاء الله.