القمة الروسية - الإفريقية الثانية.. دلالات متعددة وآفاق واعدة
31-7-2023

نورهان أبو الفتوح
* باحثة فى العلوم السياسية

انطلقت القمة الروسية - الإفريقية الثانية التى عقدت على مدى يومى ٢٧ و٢٨ من شهر يوليو الجارى 2023 بمدينة سان بطرسبرج والمنتدى الاقتصادى والإنسانى روسيا–إفريقيا، تحت شعار "مع السلام والأمن والتطور"، لتؤكد عمق العلاقات الروسية الإفريقية التى تطورت فى السنوات الأخيرة، وتلقى الضوء على أهمية تعزيز التعاون بين روسيا والقارة الإفريقية ما تجلى من خلال عدة مؤشرات يمكن استعراضها فيما يأتى:

أولا- القمة الروسية الإفريقية الثانية.. قراءة فى الدلالات:

عقدت القمة فى ظل عديد المؤشرات والدلائل التى تؤكد عمق العلاقات بين روسيا والقارة الإفريقية، فقد جاءت القمة فى توقيت وظروف تختلف عن سابقتها، خاصة أن طرفى القمة يواجهان عديد الصعوبات على مستويات مختلفة؛ حيث يشهد العالم تحولات عدة بداية من التأثيرات الاقتصادية إثر جائحة كورونا إلى آثار الأزمة الأوكرانية، فضلا عن القضايا المختلفة من تغيرات مناخية وغيرها، إلا أن ذلك لم يحل دون امتداد علاقات الصداقة والتعاون بين روسيا ودول القارة الإفريقية بانعقاد القمة الثانية التى شارك بها نحو٥٠ دولة إفريقية.

كما يدل الاهتمام الكبير من الجانب الروسى فى مؤسساته وقطاعاته المختلفة بإقامة المنتديات، متانة العلاقات الروسية الإفريقية، ما تجلى من اهتمام روسى بإقامة المنتديات الدولية على هامش القمة التى جاء منها مؤتمر جامعة الصداقة بين الشعوبRUDN(المسماة فيما بعد باتريس لومومبا) من خلال استقبال وفد مكون من ممثلى 11 دولة إفريقية وممثلين عن 32 دولة إفريقية عبر الإنترنت لمناقشة أهم موضوعات التعاون بين روسيا وإفريقيا، فى المدةبين 24 يوليو و26 يوليو 2023؛ حيث عقد المنتدى الإعلامى الروسى الإفريقى الشباب فى مجال الإعلام، فضلا عن مشاركة مئات الإعلاميين من الدول الإفريقية لمتابعة وتغطية أعمال القمة.

ثانيا- روسيا – إفريقيا.. تعاون مستمر:

شهدت العلاقات الروسية الإفريقية تطورا ملحوظاخلال السنوات الأخيرة؛ حيث يسعى الجانبان لتعزيز التعاون السياسى والاقتصادى والعسكرى، وفى سبيل ذلك أبرمت عديد العقود فى مختلف المجالات مثل الطاقة والتعدين والبنية التحتية، فضلا عن تقديم روسياللدعم فى مجالات التعليم والصحة والتكنولوجيا.

وعلى المستوى السياسى يعمل الجانبان على تعزيز العلاقات الثنائية من خلال الدعم المتبادل فى المحافل الدولية، فضلا عن الرؤى المتقاربة فى عديد القضايا مثل توطيد التعاون فى مكافحة الإرهاب.

وقد وصل حجم التبادل التجارى بين روسيا والدول الإفريقية إلى نحو 18 مليار دولارعام 2022،وقبل جائحة كورونا تجاوز حجم التبادل التجارى بين الجانبين الـ20 مليار دولار عام 2018، وتعد موسكو أكبر مورّد للأسلحة إلى إفريقيا فى اتجاه جنوب الصحراء، وتأتى بعدها الصين وفق إحصاءات معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام حول صادرات الأسلحة عالميا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.

كما تتمتع روسيا بعلاقات متطورة مع الدول الإفريقية، وهناك حضور لافت للشركات الروسية الكبرى فى السوق الإفريقية، من بينها شركة "روساتوم" التى تتولى مشروع محطة الضبعة النووية فى مص، فهناك 470 شركة روسية عاملة فى مصر، باستثمارات تبلغ ثمانية مليارات دولار، وقد تجاوز حجم التبادل التجارى بين البلدينعام 2022 ستة مليارات، وبلغت قيمة الصادرات الروسية نحوخمسة مليارات.

ثالثا- روسيا – إفريقيا.. قراءة فى مخرجات القمة الثانية:

استكمالا لمسيرة التعاون بين الجانبين، تناولت القمة ملفات عدة؛ حيث قدمت اقتراحات ومبادرات عدة لتعزيز التعاون، تتراوح من توسيع العلاقات الاقتصادية إلى تعزيز التبادلات الثقافية وحماية السلام الإقليمى جاء على رأسها:

١- التعاون الاقتصادى.. ركيزة أساسية:

جاء التعاون الاقتصادى على رأس القضايا المطروحة على القمة، وأحد أبرز مخرجاتها؛ حيث طرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الانتقال لاستخدام العملات المحلية بالروبل، وإزالة الحواجز وإعادة الصادرات الروسية بما فيها السيارات والكيماويات، لافتا إلى تقديم الدعم للبنية التحتية والمشروعات المشتركة الخاصة بمجال المعلومات.

وفى هذا السياق، أكد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عمق التعاون بين روسيا وإفريقيا فى مجال التصنيع، الأمر الذى له أهمية خاصة؛ حيث تعرف القارة روسيا بسلعها الصناعية، بما فى ذلك السيارات ومعدات البناء والعديد من المنتجات الأخرى، والتى تتمتع بطلب مرتفع ومعروفة بجودتها وموثوقيتها وسهولة استخدامها. وتقدم مراكز الخدمة الخاصة فى إفريقيا خدمات الصيانة للمعدات والآلات الروسية، فضلا عن تطوير أدوات جديدة لتقديم قروض تفضيلية لتمكين الأفارقة من شراء السلع الروسية الصناعية وتسليمها إلى القارة، والاستفادة من خدمات ما بعد البيع.

وتقوم الوكالة الروسية لائتمان الصادرات وتأمين الاستثمار بدور كبير فى القارة لتوفير التأمين لهذه القروض، ويعد القدوم على إنشاء صندوق استثمار مخصص للتمويل المشترك لمشروعات البنية التحتية فى مصر أحد أبرز تصريحات الرئيس الروسى الذى تبشر بمستقبل واعد ينتظر العلاقات الاقتصادية الروسية المصرية.

٢- الثقافة والتعليم قاطرتا التعاون:

يتجلى من عنوان القمة وشعارها فى دورتها الثانية أهمية الدور الذى تضطلع به العلاقات الثقافية والتعليمية فى تعميق العلاقات الروسية الإفريقية وهو ما تم تأكيده من خلال ضرورة تبادل الخبرات الخاصة بالشباب والرياضة، واستمرار توفير المنح الدراسية لطلبة وطالبات القارة الإفريقية، فقد كان التعاون الإنسانى والاجتماعى فى مجالات التعليم والثقافة والرياضة وتمكين المرأة والشباب أحد أبرز مخرجات القمة؛ حيث شهدت العلاقات الروسية الإفريقية عديد الاتفاقات والزيارات المتبادلة من أجل تعزيز التعاون فى مجال التعليم إلا أنه لا تزال القارة الإفريقية فى حاجة إلى نقل التجارب الروسية فى مجال التعليم العالى والتعليم المهنى وتكنولوجيا التعليم للدول الإفريقية، فضلا عن أهمية التعاون بين الجامعات الروسية والإفريقية، وزيادة عدد المنح الدراسية خاصة فى ظل وجود عديد الجامعات الروسية الرائدة فى التعامل مع الدول الإفريقية من خلال تخريج عديد الطلاب الذين وصلوا إلى مناصب كبرى فى دولهم، ويأتى على رأسها جامعة الصداقة بين الشعوب التى شاركت بجناح معرض التعليم.وهنا تجدر الإشارة إلى التجربة الرائدة من خلال المنتدى الذى أقامته الجامعة على مدى يومين، وعلى هامش القمة بمشاركة أكثر من 200 إعلامى وباحث إفريقى تناولت خلالهم تجارب الدول الإفريقية فى ملفى التعاون الإعلامى والتعليمى مع روسيا بمشاركة وفد مصرى، وتعد هذه التجربة إحدى التجارب التى يمكن نقلها فى الجامعات المصرية.

٣- الصحة والتنمية ركيزة أساسية فى تعميق العلاقات:

طرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إطلاق مشروع مكافحة الأمراض المعدية حتى عام 2026 بتكلفة مليار و200 مليون روبل.

وقد جاءت قضية الأمن الغذائى على رأس الطاولة الأمر الذى أثار مخاوف عديد الدول منذ انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب التى كانت إحدى أبرز القضايا المطروحة على الساحة فى الآونة الأخيرة، وفى هذا السياق أكد الرئيس الروسى أن روسيا ستزيد من إمدادات الحبوب، على "أساس تجارى ومجانى"، ما يعد إجراء شديد الأهمية فى ظل ارتفاع أسعار الحبوب إلى مستويات غير مسبوقة بسبب الانسحاب الروسى من اتفاقية الحبوب، منوها بأنه فى العام الماضى ٢٠٢٢ كان حجم التصدير للحبوب 11 مليون طن، فيما بلغ حجم الإمدادات فى النصف الأول من هذا العام 2023، 10 ملايين طن.

وأضاف أن روسيا مستعدة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة تقديم، بالمجان، من 25 إلى 50 ألف طن من الحبوب لكل من بوركينافاسو، وزيمبابوي، ومالي، والصومال، وإفريقيا الوسطى،وإريتريا، وأيضا نقل مجانى لكل تلك الشحنات.

كما نجحت القمة فى الوصول إلى اتفاق من أجل العمل فى مجلس الأمن على تخفيض وتخفيف العقوبات الأحادية، والعقوبات الثانوية، وتجميد أرصدة الذهب والاحتياطيات النقدية المفروضة على الدول الإفريقية، ما يسهم فى دعم مسارات التنمية لهذه الدول، وتفعيل مسارات التنمية الاقتصادية، بالتركيز على قطاعات البنية التحتية والتصنيع الزراعى والتحول الصناعى، بالاستفادة من التكنولوجيا الروسية.

وترسيخا للعلاقات القوية التى تجمع بين الجانبين الروسى والإفريقى ودعما لمسار التنمية فى الدول الإفريقية اتفق على نقل التكنولوجيا فى الإدارة العامة والقطاع المصرفى إلى الدول الإفريقية.

 

4- الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب.. خبرات متبادلة وتوافقات عدة:
أكد القادة خلال القمة تعاون روسيا ودول إفريقيا فى مكافحة الإرهاب، والتصدى لانتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب. ويعد اتخاذ موقف موحد بالقمة الإفريقية الروسية على تحدى النظام الاستعمارى ومحاولات القضاء على القيم، أحد أهم مخرجات القمة الثانية التى تؤكد التعاون الاستراتيجى بين الجانبين لترسيخ الأمن والاستقرار العالمى.

وتناول البيان الختامى للقمة تأكيد القادة الحاجة إلى تعزيز الإطار القانونى الدولى القائم المتعلق بتنظيم أنشطة الفضاء الخارجى لمنع حدوث سباق تسلح فى الفضاء الخارجى، ووضع أسلحة فى الفضاء، والتهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد الأجسام الموجودة فى الفضاء الخارجى أو معها، ومنع تحول الفضاء الخارجى إلى ساحة للمواجهة العسكرية، وفى هذا السياق تمت دعوة جميع الدول، وفى مقدمتها الدول ذات القدرات الفضائية الكبرى، لاتخاذ تدابير عاجلة لمنع نشر أسلحة فى الفضاء الخارجى والتهديد باستخدام القوة أو استخدامها فى الفضاء الخارجى، ومن الفضاء ضد الأرض ومن الأرض ضد الأجسام الموجودة فى الفضاء الخارجى؛ والانضمام إلى المعاهدة الدولية بشأن منع نشر الأسلحة فى الفضاء الخارجى والتهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد الأجسام الموجودة فى الفضاء الخارجى، حيث قدمته الصين والاتحاد الروسى فى مؤتمر نزع السلاح فى عام 2008، وقُدمت نسخته المحدثة فى عام 2014.

وتناولت مخرجات القمة تعزيز التعاون بين الدول لمواجهة التحديات والتهديدات، لا سيما الإرهاب والتطرف، بما فى ذلك التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود،  والاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية والقرصنة، والسطو المسلح فى البحر، ما يدل على الامتثال الصارم لمبادئ وقواعد القانون الدولى المعترف بها بشكل عام، وفى المقام الأول ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مع مراعاة استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب.

5- روسيا – إفريقيا.. رؤى متقاربة بشأن المنظمات الدولية:

تناول البيان الختامى للقمة الثانية عددا من القضايا التى من شأنها إصلاح المنظمات الدولية والتعاون فى المحافل الدولية من خلال تعزيز التعاون داخل المنظمات الدولية الأخرى والنظر فى توسيع ممارسة تقديم الدعم المتبادل فى الانتخابات لهيئات إدارتها وفى صنع القرار بشأن القضايا ذات الأهمية للاتحاد الروسى والدول الإفريقية وفقا لمصالحها الوطنية والتزاماتها الدولية، فضلا عن المساهمة فى فعالية أمانات المنظمات الدولية والإقليمية مع تأكيد أهمية تجنب تسييس أنشطتها والعمل معا لضمان امتثال الدول التى تستضيف مقار المنظمات الدولية امتثالا كاملا لالتزاماتها حتى يتمكن ممثلو الدول الأعضاء من ممارسة صلاحياتهم.

وتعد مجموعة البريكس التى أبدت عدد من الدول الإفريقية فى الآونة الأخيرة اهتمامها بالانضمام إليها أحد محاور الاهتمام المشترك بين روسيا وإفريقيا، وقد أكد البيان الختامى ضرورة المساعدة فى تعزيز الشراكة بين دول البريكس وإفريقيا وإقامة حوار بين منظمة معاهدة الأمن الجماعى والاتحاد الإفريقى، فضلا عن الحوار بين منظمة شنغهاى للتعاون والاتحاد الإفريقى.

وتعد الأمم المتحدة إحدى المنظمات الدولية المهمة التى تجمع روسيا بدول القارة، وتحتاج إلى زيادة تعزيز الدور التنسيقى المركزى للأمم المتحدة بوصفها الآلية العالمية المتعددة الأطراف الرئيسية لمواءمة مصالح الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة وإجراءاتها لتحقيق أهداف ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك ضمان احترام ما هو معترف به عالميا، من مبادئ وقواعد القانون الدولى المنصوص عليها فيه.

ختاما، يمكن القول إنه على الرغم من عمق وتاريخية العلاقات التى تربط روسيا وإفريقيا فإن هذه القمة تعد قمة استثنائية؛ حيث إنها الأولى من نوعها التى تجمع بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وقادة أكثر من 50 دولة إفريقية فى ظل ظروف عالمية متغيرة ودلالات متعددة تحتم عليهم اتخاذ المزيد من الخطوات الجادة لتعزيز العلاقات وهو ما ستشهده الأيام المقبلة خاصة فى ظل التأكيد خلال القمة على انعقادها كل 3 سنوات، فضلا عن تبنى حزمة من الوثائق المشتركة والتعاون على المدى البعيد، مع الالتزام ببلورة النظام الدولى المتعدد القطبية، واعتماد خطة عمل مشتركة حتى عام 2026 بهدف زيادة التبادل التجارى وبنيته التحتية والانتقال للتسويات بالعملات المحلية ما يؤكد الرؤية الموحدة والمتقاربة بين البلدين الأمر الذى سيضمن تفعيل العلاقات ومتابعة تنفيذ الاتفاقات المبرمة.


رابط دائم: