الوضع الاقتصادى إلى أين؟! 18-6-2023 د. أحمد عرفان * استشارى تكنولوجيا المعلومات تعليق سمعته من أحد الزملاء الذين يطلق عليهم لفظ النخبة فيما كنت أتحدث عن الوضع الاقتصادى، كان مفاده أن الدولة لا تحرك ساكنا فيما يرتفع الدولار والوضع من سيئ لأسوأ! فماذا بعد؟! وقتها جال بخاطرى النظرة القاصرة التى لا يمكنها رؤية الصورة كاملة، فحدثت نفسى إذا كانت هذه هى وجهة نظر أصحاب الرأى فما بالك بغير المتخصص! لذا، دعونا نلقِ نظرة عامة شاملة حول ما يجرى فى العديد من قطاعات الدولة المصرية فى محاولة للربط بين الخيوط واستدراك النتائج المستهدفة، وما إذا كانت الدولة غارقة فى الأحلام ولا تحرك ساكنا فعلا!؟ تكلمنا فى معرض حديثنا سابقا عن بعض الإنجازات عما يسمى الفجوة التمويلية، وهى الفرق بين الإنفاق المطلوب والتدفقات النقدية المتاحة. وبينما يعمل البنك المركزى، من خلال سياساته، على توفير العملة الأجنبية، وتحجيم والقضاء على السوق الموازية، تحول الدولار من وسيلة دفع إلى كونه سلعة تباع وتشترى، ومن ثم تتبع قوانين العرض والطلب، ونظرا لقلة المعروض فليرتفع سعر الدولار مقابل الجنيه المصرى، ليس بسبب فشل اقتصادى ولكن لكونه أصبح سلعة يتم الاتجار بها! من هنا، نتطرق لمحاولة توضيح الإجراءات التى يتخذها مجلس الوزراء مع البنك المركزى للتحكم فى الأسواق لمنع المضاربة على الدولار التى تضر حتما بالاقتصاد المصرى! أولا- الإجراءات المنوط بها زيادة الوارد من العملة الأجنبية، منها: 1- قرار مجلس الوزراء بإعفاء واردات الذهب، التى ترد بصحبة الركاب القادمين من الخارج من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى للذهب غير المشغول على أن تدفع الضريبة على القيمة المضافة على قيمة المصنعية فقط بالنسبة للذهب المشغول. 2- البنك المركزى فى سبيله لإصدار شهادة ادخارية دولارية بعائد مرتفع لمدة ثلاث سنوات تدفع وعائدها فى نهاية المدة بالدولار الأمريكى. 3- زيادة الاحتياطى الذهبى بما يعضد العملة المحلية مقابل التقلبات الاقتصادية، وكذا يمثل حائط صد للاقتصاد المصرى ضد التغيرات العالمية. ويمثل المعدن الأصفر مخزنا للقيمة، ومن ثم فإن التحوط به نهج معمول به من جميع البنوك المركزية فى العالم، التى تقوم بعمليات شراء الذهب ضمن مكونات الاحتياطيات النقدية لديها، للتحوط على المدى الطويل إزاء أى متغيرات اقتصادية قد تحدث. 4- تقليص حدود السحب من البطاقات الائتمانية خارج مصر مع زيادة مصاريف السحب، فقد تفتق ذهن البعض عن السفر إلى الخارج وبصحبتهم عدد كبير جدا من بطاقات الائتمان بأسمائهم وأسماء أخرى يتم بها شراء سلع ثمينة مثل الذهب، ويتم خصم قيمة المشتريات من البطاقات الائتمانية بالجنيه المصرى طبقا لسعر الدولار بالبنوك العاملة بمصر، ويتم هذا بمبالغ ضخمة قدرت بأكثر من خمسين مليون دولار يوميا!! ثم يقوم الطرف صاحب البطاقة فى مصر بتغطية المبلغ المسحوب من حسابه بالجنيه المصرى ليعيد الشخص المسافر الكرة مرة ثانية وثالثة وعاشرة.... إلخ، ومن ثم، يتربح من فرق السعر بين سعر البنك وسعر السوق الموازية من ناحية، ويتربح ثانية من فرق سعر الذهب بين مصر والخارج، وكذا يقوم بالسحب من رصيد الدولار لدى البنوك المصرية بما يضر بالاقتصاد المصرى حيث تزداد الفجوة التمويلية ليتكسب البعض!!! ثم نتساءل: لماذا يقوم المركزى بتضييق الخناق علينا؟ وماذا نفعل؟ ولماذا يفعل بنا هذا؟ ثانيا - محاولات الدولة لزيادة الصادرات: ومن ثم توفير عملة أجنبية تقلل من الفجوة التمويلية، فقد قفزت الصادرات بنسبة ١٩.٥% لتصل إلى ٥٣.٨ مليار دولار مقابل ٤٣ مليارا العام السابق. ثالثا- تخارج مصر من اتفاقية الأمم المتحدة للحبوب:حيث تعد مصر إحدى أكبر الدول المستوردة للقمح فى العالم، ونقوم باستيراد القمح من دول عدة أبرزها روسيا؛ حيث نستورد منها ما يوازى ثمانية ملايين طن سنويا. وتعد هذه هى المعاهدة الدولية الوحيدة التى تغطى تجارة الحبوب منذ ١٩٩٥، وطبقا للمعاهدة تلتزم الدول الاعضاء التعامل بالدولار، وقد تقدمت مصر فى فبراير الماضى بطلب للانسحاب اعتبارا من ٣٠ يونيو ٢٠٢٣. رابعا - قام البنك المركزى بعمل اتفاقات مع كل من روسيا والهند لتفعيل التعامل بالعملة المحلية: وفى الطريق اتفاقات أخرى قادمة، فبماذا يفيدنا هذا الإجراء؟ بناء على هذه الاتفاقات يمكننا استيراد ما ينقصنا من القمح بالجنيه المصرى ما يخفض الطلب على الدولار لتغطية احتياجاتنا، ومن ثم تقليص الفجوة التمويلية مرة أخرى. خامسا - ما بذلته وتبذله الدولة من جهد لزيادة رقعة الأراضى المزروعة: ساعدت هذه الرؤية على تقليل واردات القمح والذرة الصفراء والزيوت ما ينتج فارقا يتمثل فيما يقارب سبعة مليارات دولار سنويا تساعد على سد الفجوة التمويلية من جديد. سادسا - برنامج الطروحات الحكومية: وهو البرنامج الذى طرحته الحكومة لبيع حصتها فى العديد من الشركات مثل فودافون، وباكين، ووطنية، وصافى، والمصرية للاتصالات... وغيرها، وتستهدف الحكومة بذلك جمع مليارى دولار بنهاية السنة المالية فى يونيو الجارى من بيع حصص محدودة فى أصول مملوكة للدولة ما ينبئ بزيادة التدفقات النقدية فى المدة المقبلة، ما ينتج عنه تفاؤل المستثمرين تجاه الاقتصاد المصرى خلال شهر مايو وسط إشارات التقدم فى برنامج الطروحات الحكومية. يأتى هذا بالتوازى مع النظرة الإيجابية لصندوق النقد الدولى بشأن مناقشات المراجعة الأولى الخاصة ببرنامج التمويل البالغ 3 مليارات دولار؛ حيث تراجعت حدة الضغوط على الجنيه المصرى، كما تراجعت مخاوف التخلف عن سداد الديون بالتزامن مع التقلص الكبير فى الفارق بين العائد على السندات المصرية المقومة بالدولار وسندات الخزانة الأمريكية، وتشير الأنباء إلى قرب إتمام عدة صفقات أخرى فى إطار تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية. هذا وقد وصلت نائبة مدير عام صندوق النقد الدولى إلى القاهرة فى إطار المراجعة الأولى لبرنامج التمويل الأخير منذ أيام. وفى تصريحاتها، قالت: إن مباحثات صندوق النقد الدولى مع مصر مشجعة، وإن السلطات المصرية تمضى قدما فى البرنامج المتفق عليه، ويتوقع الصندوق أن تحقق الحكومة "نتائج تنفيذية ملموسة" تساعد على استعادة الثقة كاملة ببرنامج الإصلاح الاقتصادى على مدى الأسابيع المقبلة، ما يشير إلى حدوث تطورات إيجابية لتسريع المراجعة المقررة للشريحة التالية من قرض صندوق النقد. سابعا- خطة الدولة لتطوير الموانئ وقطاع النقل البحرى وصناعة السفن: حيث تم تطوير موانئ الإسكندرية، والدخيلة، والمكس، وبورسعيد، ودمياط، وشرق بورسعيد، وجرجوب، والعريش. فى حين حصل ميناء بورسعيد بعد التطوير على المركز العاشر عالميا فى مؤشر أداء موانئ الحاويات لسنة ٢٠٢٢ الصادر عن البنك الدولى، متفوقا على موانئ أوروبية وأمريكية وصينية وغيرها، ما يعنى تقديم خدمات بحرية تزيد من الدخل بالدولار، ومن ثم سد جزء آخر من الفجوة التمويلية. أما بالنسبة لسوق الصرف، فمن غير المرجح أن يتجه البنك المركزى المصرى لتخفيض جديد فى قيمة الجنيه قبل شهور خاصة مع انحسار الضغوط الاقتصادية والتوقعات بتحقيق إيرادات قوية من السياحة، والنظرة الإيجابية بشأن برنامج الطروحات، حسب تقرير سيتى جروب الصادر هذا الأسبوع. وتبنت مجموعة سيتى جروب توقعات أكثر إيجابية للسندات المصرية المقومة بالجنيه المصرى والدولار على المدى القصير، كما رجحت تأجيل القرارات المتعلقة بخفض قيمة العملة المحلية، ورجح التقرير استقرار معقولا فى سوق الصرف خلال الشهرين المقبلين. إذن مع كل زيادة فى التدفقات النقدية سواء من الطروحات الحكومية، أو إيرادات قناة السويس، أو السياحة، أو التصدير، أو تقليص الاستيراد، أو زيادة الإنتاج سواء الزراعى أو الصناعى أو الخدمى.... إلخ، يتم تقليص الفجوة التمويلية. وكما نرى من التقارير الاقتصادية الأخيرة وتصريحات نائب مدير صندوق النقد فإن الظروف الاقتصادية تتحسن، وسوف يستمر التحسن خلال الأسابيع المقبلة على أن تنتهى الأزمة فى ٢٠٢٤؛ حيث صرح وزير المالية أنه سيتم تعويض المجتمع عن الآثار السلبية التى عانيناها جميعا عند استقرار الأوضاع العالمية! لذا، فالصبر سلاحنا حتى نمر من هذه الأزمة التى لم يكن لنا يد فيها! رابط دائم: