عرض: محمود عبده علي
معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
Stephen Kinzer ,Reset: Iran,Turkey, and America's Future,New york times books, 2011
يقدم "ستيفن كينزر" في كتابه رؤية استراتيجية جديدة لتحالفات أمريكا الشرق الأوسطية، مرتكزها الرئيسي تعزيز الشراكة مع إيران وتركيا. وتدور الفكرة الرئيسية للكتاب حول ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بإعادة تقييم تحالفاتها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بشكل يمكنها من الاعتماد على إيران وتركيا كحليفين استراتيجيين بدلا من إسرائيل والحلفاء العرب التقليديين كالمملكة العربية السعودية.
ورغم أن كثيرا من الأمريكيين قد يرون الرؤية الاستراتيجية التي يطرحها الكاتب "غير واقعية" نتيجة للخلافات الكثيرة بين واشنطن وطهران، فإن الكاتب يؤكد أن رؤيته تلك يجب ألا تكون مجرد استقراء للحاضر، أو إعادة إنتاج له. ويدلل على ذلك بسياسة التقارب التي انتهجها الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" مع الصين في سبعينيات القرن الماضي، رغم الاختلافات الجوهرية بين البلدين آنذاك.
بداية واحدة ومساران مختلفان :
يستعرض الكاتب التطور التاريخي لكل من إيران وتركيا منذ تأسيس دولتيهما الحديثة، مشيرا إلي تشابه كبير بين البلدين في السنوات الأولي لنشأتهما الحديثة. فصعود نجم "مصطفي كمال أتاتورك" في تركيا جاء كنتيجة مباشرة لاضمحلال الإمبراطورية العثمانية وهزيمتها أمام القوي الأوروبية، وهي هزيمة رأي فيها "أتاتورك" تهديدا لوجود واستقلال الدولة التركية.
ولم ينظر أتاتورك إلي تلك الهزيمة باعتبارها ضعفا عسكريا فحسب، بل رآها نتاجا لانتشار الجهل والانحطاط والتعصب. ومن ثم، تبني "أتاتورك" إصلاحات جذرية، ورأي أن الطريق الوحيد الذي يمكن أن تزدهر به تركيا هو قطع كل العلاقات مع الماضي العثماني، وتبني مؤسسات وتكنولوجيا الغرب المنتصر.
ولم يكن الحال مختلفا كثيرا في إيران، فالشاه "رضا بهلوي" كان مقتنعا هو الآخر بأن السبيل الوحيد لبناء إيران الحديثة هو محاكاة الغرب. ولم يتردد "بهلوي" في تنفيذ قناعاته وفرض رؤيته بكل الوسائل الممكنة، كما كان الحال مع "أتاتورك".
ورغم التشابه بين أوضاع البلدين، فإن اختلاف شخصية كل من "أتاتورك" و"بهلوي" من جهة، وحجم التدخل الأجنبي في كل منهما من جهة أخري، قد جعلهما يسلكان مسارين مختلفين، وفقا لما يراه الكاتب. فإيران ظلت تعاني التدخل الأجنبي من قبل بريطانيا وروسيا ثم الولايات المتحدة، وهو ما ظهر جليا في دعم بريطانيا والولايات المتحدة للانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة الدكتور "مصدق" المنتخبة، وما قدمته واشنطن بعد ذلك من دعم كبير للشاه "رضا بهلوي".
أما تركيا، فقد سلكت طريقا آخر. فرغم نجاح "أتاتورك" في بناء المؤسسات ووضع أنقرة علي طريق التحديث والديمقراطية، كما يري الكاتب، فقد شهدت أنقرة فترات من عدم الاستقرار، تجلت في الانقلابات العسكرية المتكررة ضد الحكومات ذات التوجه الإسلامي. ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ترسخت الاختلافات بين تركيا العلمانية التي قطعت علاقاتها مع الشرق وسلكت طريق الغرب، وإيران الثورة ذات النظام الثيوقراطي الذي يناصب الغرب العداء. وبعد تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا، بدأ التقارب بين الجانبين مجددا.
إعادة تشكيل التحالفات
رغم الاختلافات الواضحة بين أنقرة وطهران، سواء فيما يتعلق بطبيعة نظاميهما السياسي أو سياستيهما الخارجية، فإن الكاتب يري فيهما حليفين محتلمين للولايات المتحدة، يشكلان معا دعائم استراتيجيتها الجديدة في الشرق الأوسط. فتركيا تتمتع بموقع جغرافي فريد يمكنها من أن تكون بمثابة الجسر، ليس فقط بين الولايات المتحدة وإيران، بل بين إسرائيل والدول العربية، وربما بين الولايات المتحدة وحركة طالبان.
وعلي مدي السنوات العديدة الماضية، كما يشير الكاتب، اتبعت تركيا سياسة خارجية تقوم علي تحسين العلاقات مع جيرانها. وبالرغم من الخلافات التي نشبت بينها وبين إسرائيل، علي خلفية حرب غزة 2008، فإنه لا يوجد أي بلد مسلم آخر يتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل، كما هو الحال مع تركيا. وكما يقول الكاتب "لا يوجد أي دولة أخري تحظي بقبول لدي كل من حماس وحزب الله وحركة طالبان، وتحظي بعلاقات جيدة مع إسرائيل ولبنان وأفغانستان في نفس الوقت مثل تركيا".
مكاسب التحالف مع طهران :
وفيما يتعلق بإيران، ينتقد الكاتب وجهة نظر بعض المفكرين الأمريكيين- ومنهم هنري كيسنجر- التي تري أن التفاوض والحوار، وربما بناء شراكة مع إيران، يعد شكلا من أشكال الاستسلام، ونوعا من الإذلال لواشنطن. فمصالح واشنطن الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن تتحقق دون تعاون إيراني. فإيران- كما يري الكاتب- هي بالفعل قوة إقليمية في الشرق الأوسط، سواء اعترفت بذلك واشنطن أم لم تعترف. ويشير في هذا الإطار إلي خبرة مماثلة للدبلوماسية الأمريكية.
فالرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون عندما سعي للتقارب مع الصين في سبعينيات القرن الماضي، كانت بكين أكثر عدوانية للولايات المتحدة، مقارنة بإيران في الوقت الحاضر، ولم يمنع ذلك نيكسون من فتح صفحة جديدة مع بكين.
ويعدد الكاتب مجموعة من المكاسب الأمريكية، في حال إقامة علاقة جيدة مع إيران، من بينها:
(1) الإسهام في ضمان السلام في العراق أكثر من أي بلد آخر.
(2) المساعدة في تحقيق الاستقرار في أفغانستان.
(3) المساعدة في التوصل إلي اتفاقات مع جماعات، مثل حزب الله وحماس.
(4) من شأن التحالف بين الولايات المتحدة وإيران إضعاف القاعدة.
(5) سيفتح تحسين العلاقات بين البلدين فرصا جديدة للتعاون الاقتصادي بينهما.
رابط دائم: