ديك تشيني والحالة الكويتية 28-11-2011 طلال سلمان * نشر ديك تشيني وزير الدفاع الاميركي الاسبق اثناء فترة رئاسة بوش الاب، مذكراته الشهر الفائت، ذكر فيها بعض التفاصيل التي رافقت تكليفه بمنصب وزير الدفاع عام 1989، يقول ما معناه: انه بعد فوز بوش الاب في الانتخابات الرئاسية، باشر الرئيس العمل على ملء المناصب القيادية، خاصة انها كانت فترة مهمة في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، التي كانت تخوض حربا باردة في ذلك الوقت، وتواجه عددا من التحديات الخارجية. ما يهمنا ذكره هو انه عندما عرض بوش الاب عليه ان يتولى منصب وزير الدفاع، يقول ديك شيني: انني وقعت حينها بحرج شديد، السبب كان انني كنت مضطرا ان افصح له ان لدي سوابق قد تمنعني من قبول المنصب، الاولى انني طردت مرتين من جامعة ييل قبل ان اتخرج منها، والثانية انني أوقفت مرتين وانا في بداية العشرينات اثناء قيادتي للسيارة تحت تأثير الكحول، يقول ان الرئيس اكد لي ان هذه الاحداث لن تؤثر في دوري المتوقع الآن في هذا المنصب، خاصة انني عندما قمت بها كنت في بداية العشرينات من العمر، والآن انا في الخمسين. ألهذه الحادثة علاقة ببعض ما يدور هنا في الكويت؟ قد يعتبر البعض الحديث عن علاقة المنصب السياسي بالسمعة وحسن السير والسلوك شيئا من المثالية،نعم هي مثالية ولها مبرراتها لأن شيئا من المثالية مطلوب عندما يتعلق الامر بمستقبل وطن ومستقبل اجيال قادمة، وكذلك عندما يتعلق الامر بحماية مكتسبات للمجتمع ما كان لها ان تكون لولا بعض الامور التي كان يعتبرها البعض مثالية يوما ما. في دولة نصف ديموقراطية كالكويت، اسوأ ما قد ينشر الفوضى هو اختلاط الصح والخطأ القانوني بالصح والخطأ السياسي، ما المقصود بذلك؟ كلنا يعلم ان رئيس الوزراء اليوم يمتلك اغلبية تؤهله لشطب اي استجواب، معللا ذلك بقرار المحكمة الدستورية الذي حدد نطاق مساءلته وضيق حدودها، وهي مسألة قانونية ودستورية صرفة، اما المسألة السياسية، فكلنا يعلم ان معظم افراد هذه الاغلبية تحوم حولها شبهة غسل اموال، او رشوة سياسية.. ولنتذكر هنا مثال ديك تشيني! اذن نحن امام جدلية، وهي اختلاط القانوني بالسياسي في مسألة قد يكون فيها تحديد مستقبل وطن، هذه الجدلية تضع المجتمع امام تحدي مواجهتها، او مجرد التفرج عليها وانتظار النتائج المعروفة سلفا. بالطبع تفضل الشعوب الحرة مواجهة المشكلة، ولكن يكمن الاختلاف كله في درجة المواجهة والوسائل المستخدمة، وهنا يقع اختلاف المجاميع، المهم في كل الحالات الا تكون تحركات المجتمع عشوائية غير مدروسة، وتؤدي الى نتائج لا قيمة لها سوى مزيد من البؤس السياسي الذي سنعيشه كتضييق للحريات وغيرها. اذن تحركاتنا يجب ان ينتج عنها مزيد من الحريات ومزيد من دور لدولة المؤسسات، ومزيد من المكتسبات الحقوقية للفرد، وهذا كله لن يكون ما دامت فئات المعارضة تختزل الحل برحيل رئيس مجلس الوزراء فقط من دون امتلاك رؤية واضحة لشكل النظام السياسي الذي يمنع تكرار مثل هذه الازمات، رؤية يكون احد بنودها فقط العمل على اسقاط رئيس مجلس الوزراء والتقليص من فرص ولادة مجلس امة تحوم حوله الشبهات، وغيرها من دعائم استقرار لدولة الحقوق والمؤسسات. كتب ناصيف نصار في كتابه «منطق السلطة»: واجب الطاعة على الشعب لا يعني انه لا يشارك في الحياة السياسية، الا من جهة القيام بدور الطاعة، فالشعب هو الفريق الاغلب في الدولة، وهو صاحب المصلحة الحقيقية في سياسة الدولة. ------------------------ * نقلا عن القبس الكويتية الإثنين, 28 نوفمبر 2011. رابط دائم: