العلاقة الصعبة بين الغرب وباكستان 29-11-2011 حميد الكفائي * كاتب عراقي. تعدّ الروابط القائمة بين بريطانيا وباكستان وثيقة ومهمّة. في عام 1947، تمّ تقسيم المناطق الخاضعة للاستعمار البريطاني في الهند والتي تضمّ غالبية مسلمة، بعد حصولها على الاستقلال، لتقوم دولة باكستان الجديدة. وباكستان التي تضمّ اليوم 184 مليون نسمة هي دولة عضو في منظمة الكومنولث بقوة نووية صغيرة لكن فاعلة. ومن بين الـ 1.6 مليون مسلم الذين يعيشون في المملكة المتحدة، يتحدّر 43 في المئة منهم من باكستان. كما يتحدّر عدد كبير من الأئمة في المملكة المتحدة من باكستان ويميلون إلى اعتماد آراء محافظة جداً. وأعلنت الأجهزة الأمنية أنّه تمّ التعرّف إلى 200 شبكة إرهابية في الجزر البريطانية علماً بأنّ معظمها يقع تحت سيطرة المتشددين الإسلاميين في باكستان حتى أنّ بعضهم لا يزال منتمياً إلى تنظيم «القاعدة». وعلى مرّ السنوات، قدّمت المملكة المتحدة مساعدات بلغت مئات الملايين من الجنيهات إلى باكستان. وفي عام 2011، تعدّ الولايات المتحدة أكثر أهمية بالنسبة إلى باكستان من المملكة المتحدة حتى أنها بحاجة ماسة إلى مساعدة باكستان. ويرى الغرب أنّ باكستان تواجه خطر تحويل نفسها إلى دولة فاشلة وفقيرة ويعتبر أنّ سبب ذلك يعود إلى ضعف الحكومة في إسلام آباد وفسادها وعدم شعبيتها. وتعتزم الولايات المتحدة وتقدر على إخراج باكستان من مشاكلها عبر دفع مبالغ هائلة من المال وعبر تقديم القدرات العسكرية والمشورة الديبلوماسية والسياسية. لكن من المثير والمخيف أن نجد أنّ العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان وصلت إلى حدّ الانهيار. في شهر تموز (يوليو) الماضي، أبلغت واشنطن إسلام آباد أنها ستتوقّف عن دفع 800 مليون دولار من مبالغ نقدية ومعدّات إلى القوات الدفاعية الباكستانية. لقد قدّمت واشنطن إلى إسلام آباد مئات الملايين من الدولارات لمساعدتها على الإبقاء على 100 ألف جندي باكستاني على طول الحدود مع أفغانستان إلا أنّه تمّ التوقّف عن دفع هذا المبلغ. وتضمّ المعدّات بنادق وذخائر ودروعاً واقية لقواتها الذين تدرّبوا على يد الضباط الأميركيين. كما تمّ إيقاف الشحنات التي تحتوي على أجزاء طائرات مروحية ومعدّات لاسلكية ونظارات ليلية. ولا شك في أنّ واشنطن تعمّدت اتخاذ هذه القرارات لتتسبّب بالضرر. فقد صرّح رئيس جهاز الموظفين في البيت الأبيض وليم دالي لوسائل الإعلام الأميركية أنه في حال أرادت باكستان الحصول على مساعدة أميركية فستفرض الولايات المتحدة شروطاً لذلك. ويبدو الأميركيون غاضبين من باكستان بسبب انسحابها من عملية مشتركة لمكافحة الإرهاب. كما راحت إسلام آباد توجه انتقادات لاذعة ضد واشنطن. ففي نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أعلن الجنرال أشفق كياني رئيس هيئة الأركان الباكستانية أمام بعض النواب الباكستانيين أنّه يتعيّن على الأميركيين التركيز على فرض الاستقرار في أفغانستان بدلاً من مطالبة الجيش الباكستاني باستئصال مقاتلي حركة «طالبان» الموجودين في باكستان. ودعا الأميركيون الجيش الباكستاني إلى شنّ هجوم مشترك في شمال وزيرستان لسحق شبكة حقّاني التي شنّت هجمات متكرّرة في أفغانستان. واعتبر حلف شمال الأطلسي أنّ هذه الهجمات تحصل بشكل متكرّر. وشدّد الجنرال كياني تكراراً على أنّ «المشكلة تكمن في أفغانستان وليس في باكستان». وفي هذه المناسبة أشار إلى أنّ أميركا بحاجة إلى التفكير «ملياً» قبل الإقدام على أيّ تحرّك من جانب واحد في باكستان. وفي ظلّ هذه الخلفية الصعبة والمحتدمة، زارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إسلام آباد لإجراء محادثات منذ أسابيع قليلة. ومن المؤكّد أنّه تم تحذيرها مجدداً من أنّ الهجمات التي تنفّذها الطائرات الأميركية من دون طيّار ضد قادة حركة «طالبان» أدت إلى مقتل عدد كبير من المدنيين وتساهم في تأجيج حدّة المشاعر المناهضة لأميركا. وتبدو باكستان غاضبة لأنّ عدداً كبيراً من العملاء في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية فاعلون على أراضيها. أنا أوافق أنّ باكستان مذنبة بالتهمة التي وجهها إليها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بأنّها تشجّع على الإرهاب. كما أنني أتبنى الرأي السائد القائل بأنّ جهاز الأمن في باكستان أو وكالة الاستخبارات الباكستانية التي عملت بشكل وثيق مع حركة «طالبان» كانت تضمّ في صفوفها عنصراً يعرف المكان الذي كان يختبئ فيه أسامة بن لادن. ولا تزال باكستان التي تعدّ بلداً مقسّماً حريصة على إبقاء العلاقات قائمة مع الأميركيين. ويرى عدد كبير من الأشخاص أنّ أميركا بحاجة إلى مساعدة باكستان بقدر ما تعتمد باكستان على الدولارات الأميركية. ويملك الغرب بما فيه حلف شمال الأطلسي علاقة أساسية ومعقّدة مع إسلام أباد. ولا يزال التعاون قائماً بينهما. والدليل على ذلك استمرار الطائرات الأميركية من دون طيار التي قيل أنها قتلت حوالى 325 مقاتلاً في الانطلاق من القواعد في بالوشستان. وكان مخبأ بن لادن يضمّ مواد استخباراتية دقيقة تتقاسمها السلطات في باكستان مع الأميركيين. تواجه باكستان مشاكل خطيرة وقد بذلت جهوداً كبيرة منذ حصولها على الاستقلال. لكن يجب عدم الاستخفاف بنقاط قوتها الموجودة. ويبدو الجنرال كياني عازماً على إبقاء جيشه بعيداً عن السياسة الباكستانية على رغم أنّ لديه الكثير ليقوله حول شؤون البلد العسكرية والأجنبية. وتعتبر قيادة الجيش وكفاياتها المهنية رائعة علماً بأنّ عدد الجنود الذي سقطوا خلال محاربة المناضلين في الداخل يفوق عدد الجنود التابعين لحلف شمال الأطلسي الذين سقطوا في أفغانستان. ------------------ * نقلا عن الحياة اللندنية الثلاثاء 29/11/2011. رابط دائم: