شراكة مضطربة:| العلاقات الأمريكية - التركية في عصر التغيرات الجيوسياسية العالمية
3-12-2011

د. خالد محمد غانم
* أستاذ البيئة المساعد، رئيس قسم البيئة،كلية الزراعة، جامعة الأزهر مصر.

 عرض : نسرين جاويش - باحثة في العلوم السياسية

F. Stephen Larrabee ,Troubled Partnership:U.S.-Turkish Relations in an Era of Global Geopolitical ChangeU.S: RAND Corporation،2010


        مع سقوط عدد من الأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وتهديد عروش أنظمة أخري، وتزايد الدور الإقليمي لتركيا تحت حكم حزب "العدالة والتنمية"، والشد والجذب الذي ينتاب العلاقات الأمريكية - التركية من وقت إلى آخر، بدأت الولايات المتحدةفي بحث العلاقات بين البلدين.

وفي واحد من تلك الكتابات التي تبحث العلاقات بين البلدين في إطار جملة من التطورات الجيوسياسية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط من فترة ليست بالقصيرة، وأخرى تتعلق بتركيا والولايات المتحدة، يستكمل "ستيفن لارابي" سلسلة أبحاثه عن العلاقات الأمريكية - التركية لما تمثله تركيا من أهمية استراتيجية للأمن القومي الأمريكي.وهو ما استدعي التعاون مع أنقرة لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية، خاصة أن الشراكة الأمنية مع تركيا تمثل أحد أهم مرتكزات السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

تدهور العلاقات الأمريكية - التركية:

يبدأ الكتاب بالإشارة إلي أن التدهور هو سمة العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، خاصة مع الحرب الأمريكية على العراق في مارس 2003، والتي صاحبها تزايد معدل العنف الطائفي في العراق، ومطالبة الأكراد العراقيين بالاستقلال والحكم الذاتي الذي زاد مخاوف تركيا لاحتمالية وجود دولة كردية علي حدودها الجنوبية، الأمر الذي يرتب تزايد الضغوط الانفصالية، وبالتالي تهديد سلامة أراضيها الإقليمية.

 ومما ساعد علي زيادة هذه المخاوف قيام حزب العمال الكردستاني بتصعيد الهجمات الإرهابية عبر الحدود من الملاجئ الشمالية في العراق، والذي صاحبه إحجام من الولايات المتحدة عن القيام بعمليات عسكريه ضده، وهو ما أدى لزيادة المشاعر المعادية للولايات المتحدة في تركيا،والتي قد يكون لها عواقب بعيدة المدي علي الشراكة الأمنية بينهما.

 وقد زاد من حدة التوتر بينهما الخلاف بشأن السياسات تجاه كل من إيران وسوريا. ففي الوقت الذي اتبعت فيه الولايات المتحدة سياسة العزل لكلتا الدولتين، عملت تركيا علي التقارب منهما.

وهو ما برز بشدة خلال رفض تركيا لتوجيه ضربة عسكرية لإيران لخوفها من أن يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، رغم أن طموحات إيران النووية هي مصدر إضافي للتوتر، لأنها قد تحفز علي سباق التسلح في المنطقة، وهو ما قد يجبر تركيا علي اتخاذ تدابير تعويضية.

قضايا العلاقات الشرق أوسطية:

مع تولي إدارة "أوباما" سدة الحكم في الولايات المتحدة، ساد التفاؤل بإعادة العلاقة لسابق قوتها، وهو ما قد يمثل فرصة حقيقية لإعادة العلاقات علي أساس متين. وليس أدل علي ذلك من زيارة أوباما لأنقرة في أبريل 2009، والتغيير المصاحب للهجة الخطاب مع أنقرة.

ولكن لإعادة إحياء العلاقات بين البلدين والشراكة الأمنية بينهما، كان لابد من اتخاذ خطوات ملموسة بشأن عدد من المسائل التي تسببت في التوتر سابقا.

ويتناول الكتاب قضايا الخلاف بين البلدين والمحاولات التي بذلاها لحل تلك القضايا العالقة. ويبدأ بشمال العراق وحزب عمال كردستان. ويرصد الكتاب  ما يجب علي واشنطن القيام به في هذا الصدد لدعم أنقرة بالضغط علي حكومة إقليم "كردستان" لتوقف دعمها اللوجيستي والسياسيللحزب، وكذا دعم تركيا ضد هجمات الحزب المسلحة، وهو الدعم الذي سيكون له كبير الأثر على الرأي العام التركي. وفيما يخص منطقة الشرق الأوسط، تحدث الكاتب عن ضرورة تجنب صناع القرار الأمريكي تأطير تركيا باعتبارها نموذجا للشرق الأوسط، مما يفقدها الهوية الغربية ويدفعها سياسيا نحو الشرق الأوسط، والذي قد يؤدي بدوره إلى تعزيز الإسلام السياسي في تركيا، وتقويض العلمانية على المدي الطويل.

وتحدث "لارابي" عن ضرورة تشجيع الولايات المتحدة لتركيا علي القيام بمزيد من الخطوات الإصلاحية وتنشيط عملية التحول الديمقراطي، وفي الوقت نفسه عدم المبالغة في رد الفعل تجاه تزايد ونمو الاتجاه الديني في تركيا، فالإسلام في تركيا يتميز بأنه أكثر اعتدالا من دول أخري في منطقة الشرق الأوسط.

مساعدة أمريكية لحل أزمات تركيا:

يدعو الكتاب إلى ضرورة استمرار واشنطن في دعم تركيا للحصول علي عضوية الاتحاد الأوروبي. فمثل هذا الاندماج من شأنه تحسين علاقات الغرب مع العالم الإسلامي، ويكون هذا الدعم من خلال الدبلوماسية الهادئة، وتجنب الضغوط العلنية، في إطار الأمل في تغيير طبيعة العلاقات الأمريكية - التركية على المدي الطويل، مع ضرورة مساعدة تركيا علي حل أزماتها مع دول الجوار.

 يؤكد "لارابي" ضرورة تدعيم الولايات المتحدة للجهود التي بذلت أخيرا لتعزيز التحسن في العلاقات بين تركيا وأرمينيا، وهو ما يسهم في تعزيز السلام والاستقرار في منطقة القوقاز، وتقليل اعتماد أرمينيا السياسي والاقتصادي علي روسيا وإيران، وكذلك الجهود الأمريكية لحل الخلافات اليونانية - التركية حول بحر إيجة، وكذا تشجيع الحوار بين الطوائف القبرصية. فعدم وجود تسوية في قبرص لا يزال يمثل عقبة أمام طموح تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي.

وستسهم تسوية النزاع القبرصي في تعزيز الأمن والاستقرار الشاملين في شرق البحر الأبيض المتوسط.

ينهي "لارابي" كتابه بتأكيد ضرورة تعزيز التعاون الدفاعي، وإجراء حوار استراتيجي شامل مع أنقرة حول استخدام القواعد التركية في المستقبل، وبخاصة قاعدة "أنكرليك"، في ضوء تزايد احتمالات حيازة إيران لأسلحة نووية.

ويخلص إلى أن الخطوات السابق استعراضها ستؤدي إلي إنجاز شوط طويل نحو تنشيط وتعزيز الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة وتركيا، وجعل أي خلاف قابلا للحل.


رابط دائم: