قبل تشغيل هذا المشروع العملاق كنا نصدر الكوارتز كمادة خام، ثم نستورده مرة أخرى، لاستغلاله ضمن مستلزمات الصناعات التى يدخل فيها، وفى الوقت الذى كان يتم فيه تصدير المادة الخام بسعر رخيص، كنا نعيد استيراد الكوارتز بأضعاف سعر مادته الخام بعد إعادة تصنيعها.
بعد تشغيل هذا المشروع العملاق سوف يتوقف استيراد الكوارتز تماما، لأنه سوف يؤدى إلى توفير احتياجات السوق المحلى بالكامل، وتوفير العملة الصعبة التى كان يتم الاستيراد بها، إلى جانب تصدير فائض الإنتاج فى شكل المنتج النهائى بأضعاف سعر المادة الخام، وبالعملة الصعبة أيضا، بما يسهم فى تحقيق حلم الـ100 مليار دولار للصادرات المصرية.
تكلفة هذا المشروع العملاق بمراحله المتبقية تصل إلى 700 مليون دولار، كما أشار الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته خلال الافتتاح. وعلى الرغم من ضخامة المبلغ، فإنه سوف يوفر أضعاف تكلفته من فوائض التصدير، إلى جانب تغطية احتياجات السوق المحلى.
ولأن المشروع من المشروعات العملاقة ذات الجدوى الاقتصادية المؤكدة، فإن عوائده سوف تغطى تكاليفه، كما أكد الرئيس فى كلمته، خلال فترة تبلغ من 3 إلى 4 سنوات فقط، وهى فترة قصيرة نسبيا فى عمر مثل هذه المشروعات.
أوضح الرئيس أن الدولة دخلت وتحملت عبء تنفيذ المشروع، لكنها تفتح الباب واسعا أمام الاستثمار المحلى والأجنبى للشراكة، ودعا القطاع الخاص والمستثمرين إلى استغلال الفرصة المتاحة، واستثمار الوقت، للمشاركة فى هذا الإنجاز الضخم، خاصة أنه يجرى العمل على قدم وساق مع الجانب الإيطالى، لتنفيذ باقى المراحل فى أسرع وقت ممكن.
لفت انتباهى فى كلمة السفير الإيطالى فى مصر، ميكيلى كوارونى، أمام الحاضرين فى افتتاح المشروع، تأكيده أن المشروع يمثّل نموذجا فريدا من نوعه على مستوى العالم، وأنه قادر على تلبية احتياجات السوق العالمى من هذه النوعية، مشيرا إلى ثقة الجانب الإيطالى فى الاقتصاد المصرى، وترجمة ذلك عمليا إلى استثمارات بلغت نحو 6 مليارات يورو، مما يجعل إيطاليا أول شريك تجارى أوروبى لمصر. كما أن إيطاليا تعد هى البوابة الأهم للمنتجات المصرية إلى أوروبا.
أعتقد أن ما يحدث فى قطاع الصناعة ليس ردة فعل للأزمة المالية العالمية، واتساع الفجوة بين الاستيراد والتصدير، وإنما يدخل فى إطار اهتمام الدولة بهذا القطاع الحيوى، وإيمانها بضرورة التحرك بقوة وفاعلية، لتوطين الصناعات الإستراتيجية، والحد من الاستيراد، وذلك كله فى إطار إستراتيجية وطنية للصناعة المصرية يتم تنفيذها بهدف زيادة معدلات نسبة النمو الصناعى، لتصل إلى ٨٪، وزيادة نصيب الصناعة من الناتج المحلى إلى ٢٠٪، بحيث يسهم كل ذلك فى زيادة معدل نمو الصادرات الصناعية إلى ٢٥٪، بالإضافة إلى التوسع فى الصناعات الخضراء التى تتماشى مع المعايير البيئية العالمية.
فى لقاء سابق لى مع المهندس أحمد سمير، وزير التجارة والصناعة، أخبرنى أنه يحشد كل الطاقات الآن، للخروج بإستراتيجية وطنية للصناعة تكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، لكى تتماشى مع توجهات الدولة بتوفير احتياجات السوق المحلى، وكذلك زيادة الصادرات، لتصل إلى ١٠٠ مليار دولار خلال المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أنه سيعمل مع كل الجهات المعنية، من اتحاد الصناعات أو الغرف الصناعية أو المستثمرين ورجال الأعمال، وكل الأطراف ذات الصلة، فور إصدار هذه الإستراتيجية، على تنفيذها، وإزالة كل المعوقات التى تعترض الاستثمار الصناعى خلال المرحلة المقبلة.
بالتوازى مع إصدار الإستراتيجية الوطنية للصناعة، فقد قطعت الحكومة شوطا لا بأس به أخيرا فى تقنين أوضاع المنشآت الصناعية غير المرخصة، وبعد أن كان ترخيص المنشأة الصناعية يستغرق ٦٤٨ يوم عمل، بما يعنى أكثر من عامين إذا تم احتساب الإجازات الرسمية المقررة، فإنه سوف يتم اختصار تلك المدة الهائلة إلى أسبوعين عمل فقط، مما يعنى اختصار الإجراءات بشكل كبير، فى إطار التوسع فى تعميم «الرخصة الذهبية»، والاتجاه إلى تقنين أوضاع المنشآت المخالفة بدلا من إغلاقها كما كان متبعا من قبل.
هذه الإجراءات وغيرها سوف تسهم، بشكل كبير، فى تحقيق المستهدف من زيادة الصادرات، خاصة أن الفترة الماضية شهدت زيادة حقيقية فى الصادرات غير البترولية، حيث ارتفعت قيمة الصادرات المصرية خلال العام الماضى، لتسجل أكثر من ٥١ مليار دولار نهاية ديسمبر الماضى، مقارنة بنحو ٤٣ مليار دولار عن العام الذى سبقه، بزيادة بلغت نحو ٨ مليارات دولار، أى ١٨٫٣٪.
تصدرت السلع تامة الصنع قائمة الصادرات بما يقرب من ٢١ مليار دولار، بزيادة ٩٫٤٪، وفى المركز الثانى جاءت الصادرات البترولية بنحو ١٧ مليار دولار، بزيادة ٣٣٫٢٪. فى حين جاءت السلع النصف مصنعة فى المركز الثالث بنحو ٩ مليارات دولار، وجاءت المواد الخام فى المركز الأخير بـ٣٫٩ مليار دولار.
المشكلة أن هناك فجوة ضخمة لاتزال موجودة بين الصادرات والواردات، حيث قفزت الواردات فى العام الماضى أيضا إلى نحو ٩٠ مليار دولار تقريبا، مما يعنى استمرار وجود فجوة ضخمة، تبلغ نحو ٤٠ مليارا، بين الصادرات والواردات.
لكل ذلك، فلا بديل عن السير قدما، وبسرعة، فى تحقيق هدف الـ١٠٠ مليار دولار صادرات خلال المرحلة المقبلة، لسد الفجوة بين الاستيراد والتصدير، ومعالجة الآثار التى يعانيها المواطن بسبب زيادة الواردات، وانخفاض الصادرات.
المؤكد أن افتتاح مجمع تصنيع الكوارتز فى العين السخنة، الخميس الماضى، رسالة قوية وعملية تؤكد قدرة الدولة المصرية على توطين الصناعات الإستراتيجية، فى إطار الإستراتيجية الوطنية للصناعات المصرية، وتحقيق المستهدف بزيادة الصادرات إلى ١٠٠ مليار دولار، وبما يؤدى إلى تجاوز الفجوة الحالية بين الصادرات والواردات خلال المرحلة المقبلة.