ثمة مجموعة من المؤشرات، تُفهم على خلفية العودة السورية للجامعة العربية، أهمها، الإرهاصات الواضحة للوحدة العربية، مع تضافر الجهود المشتركة من أجل إنهاء عزلة سوريا، والعودة سريعا إلى الجامعة العربية؛ حيث تشارك دمشق عبر وفد رسمى فى الاجتماعات التحضيرية لأعمال القمة العربية، على أن تتم المشاركة الرفيعة المستوى فى القمة المقرر انعقادها بجدة 19 مايو الجارى، ذلك بناء على دعوة وجهها الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الرئيس السورى بشار الأسد، بعد تحركات عربية خالصة بشأن الوضع السورى، استهدفت بالأساس استقلالية سوريا ووحدة أراضيها، وبما يتفق والمصالح العربية المشتركة.
الأطر السياسية:
لم يتوقف الحراك العربى الموسع بشأن الوضع السورى؛ حيث توالت الاجتماعات الرسمية وعلى مستوى وزراء الخارجية العرب، فى مبعث جاد وانتواء عربى حقيقى لإنهاء هذه العزلة. وعلى الرغم من أن بوادر القرار الرسمى بالعودة السورية، جاءت مع انطلاق بيان عمان ومفاده إنهاء الأزمة السورية وحفظ سيادة البلاد مع وقف جميع التدخلات الأجنبية، والأهم بحث عودة اللاجئين، فإن اجتماعات القاهرة التى انعقدت الأسبوع الماضى بمشاركة مصر، والسعودية، والأردن، والعراق، ولبنان، شكلت حجر الزاوية تجاه مفاوضات هذه العودة، ذلك لما أنتجته من مجموعة من المخرجات المهمة جاء معظمها بما يتماشى وقرار مجلس الأمن الشهير 2254 وأهمها، تسوية كل تداعيات وانعكاسات الأزمة على المستويين سواء الداخل السورى أو حتى الإقليمى، وما تعلق بها من مخاطر موجات النزوح وتصاعد هجمات الإرهاب، غير أن اجتماعات جدة التشاورية تمكنت من التمهيد لقرارات العودة السورية، مع تأكيد حتمية تسوية المشهد السورى الداخلى.
تشكلت الأطر السياسية أعلاه، فى ظل تدارك عربى واعتقاد واع لمجريات الوضع السورى، لا سيما انفراد القوى الإقليمية بقرار دمشق وبعيدا عن الأطراف العربية، مع الحسابات الدولية التى دأبت على انتهاج معادلة سورية محسومة الأطراف، دون أدنى اعتبار للداخل السورى وتعقيداته، وبدلا من بحث كيفية التسوية، استنفدت سوريا ومواردها وبما يخدم المصالح الروسية والأمريكية، ومصالح القوى الكبرى، وربما صعوبة التوصل إلى حلول مجدية مع استمرارية ضبابية المشهد، وهو ما اتفق والرؤية المصرية بخصوص المشهد السورى؛ حيث لا غالب ولا مغلوب، مثلما أكد السيد سامح شكرى وزير الخارجية، فيما تعلق بعدم جدية الحل العسكرى، مشيرا إلى أهمية الدور المصرى والتحذيرات من تداعيات الصراع المسلح، ومن ثم يظل الحل السياسى هو السبيل الوحيد للتسوية، وبعيدا عن أى إملاءات خارجية، وبما يضمن أيضا التوافق الوطني السوري ويحقق السلامة الإقليمية، والأهم ينهى التدخلات الخارجية، ويسهل عودة اللاجئين.
وربما المشهد الإقليمى الملتهب، مع ارتفاع النعرات الطائفية والمذهبية، وازدياد موجات الإرهاب والتكفيريين، إلى جانب النزوح الجماعى وما ترتب عليه من اختلال الثقافات والإمكانات، وفى الآونة الأخيرة صراعات السودان وصعوبة التوصل إلى هدنة بين طرفى النزاع، واليمن أيضا والانتشار الحوثى وجرائمه، جميعها عوامل مساعدة دفعت هى الأخرى بالجامعة العربية إلى القبول بسوريا وإنهاء عزلتها، غير أن الدعم العربى تجاه سوريا ومنذ اندلاع الأزمة لم يتوقف، على الرغم من استبعادها من الجامعة العربية منذ أكثر من 12 عاما، فإن جميع التوصيات السنوية جاءت فى اتجاه دعم سوريا.
انعكاسات الموقف:
أدت الأطراف الدولية والإقليمية دورا ضخما فى تفاقم الأزمة السورية، كما تمكنت من صياغة توازنات بعينها، جعلت الأزمة أشبه بالمعلقة، بل غير القابلة لا بالحل السياسى ولا حتى العسكرى. ومن ثم، ظل النظام السورى مواجها للمعارضة، وإن تمكن طبعا من فرض سيطرته. فى المقابل، أجادت الولايات المتحدة المناورة والتخطيط الاستراتيجى، ففيما تدعم المعارضة تحاول أيضا ترك الساحة فارغة للتغلغل الروسى أحيانا، وحاليا تعلن رفضها للعودة السورية، كونها لا تتفق ومصالحها التى تمركزت بناء عليها فى الشرق السورى، فى مواجهة مصالح قوى إقليمية من جانب والجانب الآخر وقف الإمدادات للجماعات المتطرفة.
كما تتعدد المصالح الروسية فى سوريا بين الجيوسياسية والاقتصادية، فطالما رغبت وريثة الاتحاد السوفيتى فى تغيير خريطة البحر المتوسط، عبر فرض نفوذها فى مواجهة الولايات المتحدة ومعها أوروبا؛ حيث يتمركز أسطولها الشهير بقاعدة طرطوس العسكرية، بالإضافة إلى مشروعات التنقيب عن الغاز التى تتبناها مع دمشق، إلى جانب حجم الصفقات العسكرية بين الجانبين ومن قبيل الأزمة؛ حيث بلغت 4 مليارات دولار تحديدا عام 2008، ومن البديهى أن تتأثر هذه العلاقات الموطدة عقب التلاحم العربى المنتظر مع سوريا.
وبالنسبة للقوة الإقليمية المتداخلة فى سوريا، فأى تحركات سورية - عربية لن تمنعها عن الوجود بسوريا، فطالما قدمت نفسها شريكا أساسيا لدمشق، وأنه بفضلها تمكن النظام السورى من الصمود، وربما تمثل لها دمشق ومواردها فرصة طيبة تواجه من خلالها تراجعها الاقتصادى، من خلال الاستفادة من الموانئ السورية وبعض المدن ذات الأهمية الاستراتيجية. والأهم اتخاذ سوريا طريقا حيويا يمكنها من الانفتاح على أوروبا، بدليل طلبها من الرئيس السورى بعض الصلاحيات المباشرة فى سوريا بغض النظر عن أى ترتيبات مستقبلية. فى المقابل أيضا تسعى من أجل تقديم نفسها كقوة عسكرية فى دمشق مواجهة لإسرائيل، ولإحداث التوازن بالمنطقة تواصل من وقت إلى آخر فتح ملف علاقاتها ببعض الدول العربية مع التوطيد الدبلوماسى - وإن كان فى حدود.
وبناء عليه، يتحتم على النظام السورى التزامات عدة، أقربها بحث فرص التقارب وكيفية الاستفادة من التطبيع العربى، لا سيما عقب سنوات من الانهيار الاقتصادى؛ حيث يتوقع انكماش إجمالى الناتج المحلى الحقيقى بنسبة 3.2% فى هذا العام الجارى، بعد انخفاضه بنسبة 3.5% فى العام الماضى، مع ارتفاع تكاليف المدخلات وشح المياه إلى الحد من إنتاج المحاصيل، أيضا نقص الوقود وتداعياته على الصناعة والخدمات المتعلقة بها من نقل وغيره، ونتيجة للتغيرات فى سعر الصرف، يتوقع أيضا انخفاض معدل التضخم، ذلك طبقا لما جاء من مرصد الاقتصاد السورى.
غير أن المطالبات من أجل عقد مؤتمر دولى يناقش المستقبل السورى، ليست مجدية، ولا تستقيم مع السيادة السورية المستقلة والمرجوة، لا سيما أن الحلول الجدية تنبع من الداخل ودون أى إملاءات.
رابط دائم: