عقب ثورة 30 يونيو وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الحكم، وتحديدا فى شهر سبتمبر 2014، أكد الرئيس فى تصريح بديع دور العلم فى حياتنا، قائلا:"إن العلم هوالحياة بأسمى معانيها، والشمس التى تشرق دوما ومن كل الجهات، أما الجهل فهو ظلام الحياة الدامس، والفكر المنغلق الذى يرفض التطور والتقدم، وهو عدو الحياة ولعنتها الكبيرة، فالجهل لا يكون فى شىءٍ إلا شانه، أما العلم فلا يكون فى شىء إلا زانه، وشتان بين العلم والجهل، أحدهما يد تبنى، والأخرى تهدم، فالعلم يبنى الأمم والعقول والدول، أما الجهل فإنه يهدم كل جميل، بل إنه ينسف جميع أسس الحياة الجميلة لتصبح غارقةً فى التخلف".
وعليه، أسعدنا وجود عدد كبير من الأكاديميين والباحثين المرموقين ضمن تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطنى، وذلك لأهمية نهج التفكير العلمى فى سياق إدارة الحوار والاعتماد على سبل الطرح البحثى، ومن زاوية أخرى الدعوة للاهتمام بدعم الخطاب العلمى وروافده عبر مؤسسات التعليم والثقافة والإعلام العلمى وبيوت البحث والتفكير ومؤسسات المجتمع المدنى وكل الأجهزة المعنية بدعم قوانا الناعمة بشكل عام.
ويعد من أهم المستهدفات من إقامة الحوار الوطنى إعادة بناء الإنسان المصرى وتطويره وتعزيز درجات تفعيل الوعى من خلال تبنى استراتيجية متكاملة بين مختلف المؤسسات المعنية باستثمار قوانا الناعمة عبر التعامل الواقعى مع المشكلات الحياتية للمواطن وآليات تخفيف العبء عليه، إضافة إلى التعامل بوعى علمى مع ما تم رصده من وجود محاولات خارجية خبيثة لدفع الدولة للعودة إلى ما قبل 2013.
وعليه، نتمنى أن تتناول موضوعات الحوار، السبيل لتكوين قاعدة علمية طالب بوجودها صاحب نوبل الدكتور العظيم الراحل أحمد زويل، وقال إن هذه القاعدة العلمية بمؤسساتها يجب أن تعمل بعيدا عن البيروقراطية، وأن يوفر للعاملين بها والدارسين فى معاهدها الأجواء والمناخات الملائمة للبحث والإبداع، وأن هناك قناعة بأهمية ودور العلم والتكنولوجيا فى بناء وتطوير المجتمع، وقد حان الوقت لأن يسهم المواطن من جديد فى تقدم البشرية والإنسانية.
ولكن ــ للأسف ــ هناك حالة تراجع إعلامى علمى غريبة ومحبطة فى هذا السياق ــ فقد اختفت المتابعات الإعلامية لأخبار العلم والعلماء والاختراعات ومتابعات إنجازات المراكز البحثية والعلمية ونشر المقالات التى يحررها أهل العلم والبحث العلمى، وتم رفعها من معظم صفحات الجرائد والمجلات، مع تراجع البرامج العلمية التى تحصن وتدعم الوعى العلمى.
ويا أهل الحوار الوطنى، معلوم أنه فى كل بلاد العالم المتقدمة هناك مراكز للتفكير أو بيوت الخبرة أو خلايا التفكير، وهى هيئات قومية غير ربحية يتم تشكيلها من خبراء ذوى معرفة متطورة وخبرات متميزة، بغرض بحث ودراسة قضايا معينة بمنهجية علمية، ومن ثم الوصول إلى حلول فاعلة للقضايا والمشكلات المطروحة، أى فريق يتم تشكيله لدراسة موضوع معين أو إيجاد حلول لمشكلة قائمة يسمونه مركزا أو خلية تفكير، وبالطبع فإن أعضاء المركز يتم انتقاؤهم بشكل موضوعى وبناء على معايير محددة ترتبط بإمكاناتهم المعرفية وخبراتهم الواقعية.
هناك حالة استثمار لمعارك الشقاق إلى حد التوهان والضحالة بين أهل الفكر والإبداع، بين أهل "السينما النظيفة" و"السينما غير النظيفة"، بين فنانى لوحات وتماثيل أهل التميز الإبداعى، ومن يراهم البعض مجاملة أنهم أهل إبداع فيشوهون شوارعنا بتماثيل العار، ومن رأوا أن إغلاق كليات ومعاهد الفنون بالضبة والمفتاح إن أمكنا، أو على الأقل تشميع أقسام النحت والتصوير بالشمع الأحمر إلى غير رجعة هو بيت الداء وموطن العلة والفتنة.
فيا من ستجمعهم طاولة الحوار الوطنى، عليكم محاربة من يريد استثمار تلك الحالة المرضية الغريبة التى باتت من تداعيات تراجع قيم المواطن المصرى رغم ما تبذله أجهزة الدولة من جهود عظيمة فى هذا السياق، فمن يراقب حالة ازدياد طلب الفتاوى الدينية المسيحية والإسلامية التى لم نشهدها من قبل، يكتشف كيف استطاع ــ للأسف ــ بعض الوسائط الإعلامية إقناع الناس أنه لا سبيل لكم لقراءة آيات القرآن والإنجيل بدوننا، فللتفسير رجاله وللشرح أحباره، ولكل الطقوس والعبادات قواعد تجهلون أساسياتها. وعليه، كان تغييب صاحب العقل المجتهد والقارئ الفطن والعابد الطيب الروحانى الجميل، بعد أن قالوا لمواطنيهم نحن نفكر لكم فلا تغيبوا عن عيوننا ومتابعة ألسنتنا التى ترشدكم لدنيا الصلاح والهداية!!
رابط دائم: