• ببساطة: إن مصر أقدم وأعرق دولة فى الجغرافيا السياسية للعالم، غير قابلة للقسمة على اثنين أو أكثر مهما كانت قوة الضغط والحرارة، مصر هى "قدس أقداس" السياسة العالمية والجغرافيا السياسية.

لم أجد ونحن نحتفى بذكرى رحيله (17 إبريل 1993) ومستهل مقالى ما يشير بروعة لعلم ووطنية "جمال حمدان" أهم من تلك المقولة، التى تحفزنا إلى ضرورة أن نعاود من آن إلى آخر لعرض بعض من فيض فكره ومعين إبداعاته وصدق تنبؤاته ومُدهش حدسه وتفرد علمه، لنتفاكر فى نماذج من مقولاته لتؤنسنا وتحرك فى وجدان القارئ تلك المشاعر التى تدفعنا إلى التأمل فى واقعنا وتاريخنا وعبقرية جغرافيا بلادنا مع من أجاد رسم الخرائط بريشة فنان وحروف خطاط متمكن من أدواته وبصياغة عربية رصينة لابن عالم أزهرى متمكن من ناصية التعبير وبلاغة وتجويد حروف السرد الممتعة لكل تفاصيل التاريخ والجغرافيا.

لقد أسعدنى فى إطار دعم وتنمية وعى فلذات أكبادنا أن تتضمن مناهج الصف الرابع الابتدائي الجديدة، الإشارة إلى دور "جمال حمدان" وفكره الوطنى فى مادة الدراسات الاجتماعية ضمن درس الشخصيات المؤثرة فى مصر، الذى قال عنه المنهج إنه عالم جغرافى وكاتب معروف بحبه الشديد لوطنه وإخلاصه لمصر، وميلاده فى محافظة القليوبية (4 فبراير 1928) واهتمامه بدراسة مصر فكتب عن موقعها بالنسبة إلى العالم وخصائصها الجغرافية وتاريخها وحضارتها، واهتم بدراسة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصر، وذلك لتأثيرها فى تشكيل شخصية مصر .

وأضاف المنهج أن جمال حمدان كرس حياته كلها للكتابة، فألف أكثر من 25 كتابا باللغتين العربية والإنجليزية، كما نشرت له مقالات عدة فى الصحف والمجلات، وأكثر كتبه شهرة كتابه الرائع "شخصية مصر" الذى تطلب لإتمامه 10 سنوات من الجهد والعمل، ونشر عام 1985 ما يدل على مثابرته من أجل تحقيق هدفه.

وأشار المنهج إلى أنه حصل على العديد من الجوائز، واختير شخصية معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2020، تقديرا لأعماله ومكانته كمفكر وعالم مصرى قدير، وتوفى جمال حمدان عام 1993 وترك رصيدا علميا لا يزال يتعلم منه الكثيرون.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد أعاد التذكير برؤية "حمدان" عند افتتاحه لقناة السويس الجديدة 2015، وذلك حين قال فى كلمته: "لطالما كانت قناة السويس جزءا من نبض مصر، شغلت مفكريها وأبناءها، فها هو مفكر مصر الكبير الدكتور جمال حمدان يصفها قائلا: لنا أن نطمئن رغم التحديات والعقبات أن مستقبل قناة السويس وثيق، كما هو مضمون ومشرق أكثر مما كان فى أى وقت مضى، فقط أن نقبل بالتحدى، وأن نتصدر للخطر باليقظة والإصرار والتخطيط الدءوب، ثم بالفعل الحازم والحاسم، وها هى نبوءة جمال حمدان تتحقق واقعا جديدا يجرى الآن متدفقا فى مياه هذه القناة" . ففى كتاب بعنوان "قناة السويس نبض مصر"، قال: "قناة السويس هى نبض مصر، والقلب النابض فى النظام العالمى، وهى مركز النقل الأول فى أوروبا"، داعيا إلى توسيع القناة كـ"مصل مضاد لوباء الناقلات العملاقة".

إن علم الجغرافيا فى رأى جمال حمدان هو علم متفرد متوحد مطلق لا علم نمطى متكرر نسبى فالجغرافيا كالتاريخ لا تعيد نفسها بالضبط ولا الإقليم يكرر نفسه، ومن ثم فلا قانون للإقليم من حيث هو، ولذلك فإن دراسة الإقليم لا تقتصر على الحاضر وإنما تترامى إلى الماضى. ولذا فإنه مع دراسته لشخصية مصر الإقليمية والبشرية والزمانية والتكاملية، فهو يتساءل عما يعطى منطقة ما تفردها وتميزها بين سائر المناطق محاولا ن ينفذ إلى روح المكان ليستشف عبقرية الذاتية التى تحدد شخصيته الكامنة.

إن جمال حمدان كان بحق تجسيدا لشخصية مصر الطبيعية والبشرية والتكاملية.