لعل الكثيرين لاحظوا التغييرات التى حدثت فى موقع (تويتر) فى الآونة الأخيرة منذ شرائه من قبل إيلون ماسك، فماسك المعروف بجموحه وطموحه اللامحدود وأفكاره وتصرفاته (المجنونة) أحيانا، دفع 42 مليار دولار لشراء تويتر فى صفقة تاريخية لم تحدث من قبل، وهو ما يعادل ميزانية دول صغيرة .
دفْعُ ماسك هذا المبلغ لشراء موقع التواصل الاجتماعى الأشهر والأكثر تأثيرا بين السياسيين والطبقة العليا والمثقفة وقادة الرأى العام فى العالم، يتوافق مع أفكار قديمة لم يخفها حول رغبته فى السيطرة على الرأى العام وانتقاده للصحافة التقليدية، وتوجهاتها وعدائه الشديد لبعض الصحف والصحفيين الذين يميلون إلى التوجهات الاشتراكية وحتى الديمقراطية، بل دعوته تصريحا وتلميحا أحيانا بأن العالم يجب أن تقوده نخبة متميزة وحكومة واحدة، وأفكار أخرى أقرب أحيانا إلى اليمين الأمريكى.
ولعل ما يعطى جدية لتصريحات ماسك السابقة هو البدء فى تنفيذ حلمه القديم فى إطلاق عشرات الأقمار الصناعية، المسماة باسم (سبيس إكس) بهدف توفير إنترنت شبه مجانى لكل أنحاء العالم، ومن ثم إطلاق هاتفه الخاص الرخيص المرتبط بتلك الأقمار ليعمل بلا شريحة اتصالات معرفة، بل باتصال مباشر عبر الإنترنت، ليكون جهازا شاملا عبارة عن هاتف وتلفزيون وكومبيوتر فى الوقت نفسه، وهى إمكانية متوافرة حاليا لكن عن طريق شركات الاتصالات العالمية وبتكاليف عالية نسبيا، وتعنى خطة ماسك القضاء فعليا على تلك الشركات والسيطرة على سوق الاتصالات الدولية والبث الفضائى.
وإذا أضفنا إلى ذلك السيطرة على موقع (تويتر) فنحن نكون بالفعل أمام موقف خطير دوليا، ولعل ذلك ما دفع بعض الدول إلى تعديل تشريعاتها لمواجهة ذلك المارد القادم بقوة، وجرمت بعض الدول فعليا الاشتراك فى خدمة هاتف وإنترنت (ماسك) الخارجة عن كل حدود الرقابة والسيطرة .
أفكار ماسك عن الحكومة العالمية الموحدة، والسيطرة على الرأى العام، تتوافق مع أفكار أخرى عبر عنها كلاوس شواب مؤسس منتدى دافوس الاقتصادى العالمى، وهو ما قد يمثل الوعاء الفكرى والتنظيرى لأفكار ماسك .
ما أكتبه هنا ليس قائما على نظرية مؤامرة كونية كبرى، بل على تصريحات وتوجهات إيلون ماسك ومتابعة شبه لحظية لحسابه على موقع (تويتر) منذ قيامه بشرائه، وحسابات أخرى متخصصة فى تحليل المحتوى والتدقيق فى خوارزميات تويتر، لذا أستطيع أن أوجز لكم رؤيتى، والقادم خاصة فى موقع (تويتر) فى النقاط التالية ليحقق أفكار ماسك الاقتصادية والسياسية والفكرية:
1- الموقع سيتحول إلى منصة ربحية فقط لتغطية نفقات شرائه فى أسرع وقت وحصد أرباح طائلة، وذلك بدون تدقيق المحتوى والمصداقية، ولعل فكرة (تويتر بلو) هى البداية حيث يتم توثيق الحساب فقط برقم هاتف ودفع مبلغ صغير من أى وسيلة دفع إلكترونية دون التحقق من ملكيتك لهما أم لا (اشتركت فى تويتر بلو لحسابى الموثق قديما بالفعل بهذه الطريقة) بخلاف التوثيق القديم الذى كان لا بد من الهوية الشخصية وجواز السفر وهاتف مثبت باسمك ثم إيميل على دومين خاص مثل موقعك الشخصى، أو موقع صحيفتك أو المؤسسة والشركة التى تعمل بها (يعنى الإيميلات المجانية مثل جى ميل وياهو وغيرها لم تكن تصلح عكس الوضع الحالى)، وقد قام ماسك بإلغاء التوثيق القديم، ومن يرد الاحتفاظ بالعلامة الزرقاء يدفع أيضا! ومن ثم، لن تعرف الشخصية الحقيقية من المزيفة، حيث أصبح الحساب القديم الموثق والمشترك فى (تويتر بلو) لا يختلف عن أى حساب دفع واشترك فى الخدمة الجديدة، ففى النهاية تظهر رسالة واحدة للكل عند الضغط على شارة التوثيق وهى (هذا الحساب قد يكون موثقا قديما أو مشتركا فى خدمة تويتر بلو)، وهو ما أزال الفارق بين سياسى معروف، ربما لم يشترك فى (تويتر بلو)، وآخر قد ينتحل شخصيته ويوثق حسابه بالاشتراك بالطريقة الجديدة ويحمل شارة المصداقية! وهو أمر من الممكن أن يتسبب فى مشكلات كبيرة مستقبلا، مثلما حدث فى بداية الخدمة وانتحال البعض اسم شركات دولية وبث أخبار كاذبة عنها أدت إلى انهيار أسهمها فى البورصة .
2- ماسك يحقق ما خطط له من سنوات، وأعلنه فى الآونة الأخيرة بأنه سيحول تويتر إلى ما يمكن أن يسمى (الموقع الإخبارى والاجتماعى والترفيهى والوحيد فى العالم)، وسيحطم الإعلام التقليدى من فضائيات ومواقع إخبارية وصحف بل مواقع السوشيال المنافسة، وسيصبح تويتر عبارة عن موقع ما يسمى (صحافة المواطن) حيث سيكون المتلقى هو المحرر والمصور والمذيع والمخرج ومصدر الدخل فى الوقت نفسه.
3- سيتيح تويتر مستقبلا خدمات البث المباشر الشخصى الكامل اللامحدود، وخدمات تشبه موقع (التيك توك) وخدمات مواقع التواصل الاجتماعى الأخرى مثل موقع الصور انستجرام وسناب شات وغيرها (بمقابل مالى) مع وضع الإعلانات عليها لجذب صانعى المحتوى وتحقيق دخل، وستصبح التغريدات أشبه بمنشورات فيسبوك (سمح بالفعل لمستخدمى الويب بنشر 10 آلاف حرف و4 آلاف حاليا على التطبيقات لمشتركى تويتر بلو فقط)، أى سيكون تويتر هو أبو المواقع كلها.. مثل البنك المركزى بالنسبة للبنوك !
4- سيسيطر تويتر - إذا بقى على اسمه الحالى حيث قد يحوله إلى اسم(X) نسبة إلى مجموعته الجديدة التى تشمل (تسلا) المسيطرة على سوق السيارات الكهربائية فى العالم و(سبيس اكس) للأقمار الصناعية لتكتمل منظومته فى السيطرة على المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا فى العالم - على الحصة الكبرى من الإعلانات فى العالم، وسيؤدى ذلك إلى القضاء على الإعلام التقليدى وإفلاسه، فهو ليس الساذج الذى يدفع 42 مليارا لشراء موقع بدون حساب للعائد.
5- نصل هنا للأخطر، فبخلاف مزايا عديدة لـ(تويتر بلو) منها المجلدات وقراءة (الثريد) كقصة واحدة وتكبير الخط وتصغيره وخدمات أخرى رهيبة وجميلة ومريحة وجذابة حقيقة (سيطلق قريبا إمكانية تغيير نوع الخط والألوان أيضا أى تستطيع الكتابة بأى لون واستخدام فونطات ووضع صور مثل الصحف الورقية تماما) الأخطر أنه لعب فى خوارزميات تويتر، وأصبح الظهور على التايم لاين غالبا للمشتركين فقط، ومن ثم زيادة التفاعل عليهم وحدهم، وهو ما يفسر ظهور حسابات كثيرة أمامك لا تتابعها، ولا تهتم حتى بمضمونها، حتى لو قامت بنشر أفكار شاذة وغريبة لتوصيل رسائل معينة، وبما يتيح ترويج فكر اليمين الأمريكى خاصة، وأفكار الحكومة العالمية، ومن ثم توجيه الرأى العام فى أى دولة .
6- سيمنع (تويتر الجديد) ظهور أى تغريدة فيها لينك لموقع منافس ومن ثم تقليل الدخول إلى المواقع الأخرى، ما يؤدى إلى تخفيض حصة إعلاناتها التى تحسب على نسب الدخول والمشاهدة، ومن ثم التحكم فى نسب وسوق الإعلانات فى العالم.
7- سيُبقى (تويتر الجديد) على الحسابات العادية (أى غير المشاركة فى الخدمات) وهؤلاء سيكونون مثل الشغالات فى خلية النحل، يخدمون فقط على من يدفع، ولن تظهر تغريداتهم إلا نادرا لكن من الممكن أن تعلق أو تعمل ريتويت ولايك وتشاهد لكى تزود الدخل والإعلانات .
- إذن ما الحل أمام مثل هذه التطورات؟!
لنعترف بعدم قدرتنا، كمصريين وعرب عامة على مواجهة ذلك التطور التكنولوجى والإعلامى الهائل، ولو رفضنا وأغلقنا الباب فسنكون خارج السياق الإعلامى والتأثير المعلوماتى العالمى، وسنترك الساحة لمتربصين وجهات لديها تمويلات للعب فى عقول الشعوب، لذلك أدعو الإعلاميين والصحفيين والمؤثرين أن يتوافقوا مع مستجدات تويتر، وإلا فسنجد أنفسنا نغرد لأنفسنا فقط، فلا أحد سيرى ما تكتب ولا حسابك سيظهر لأحد، وعلينا أن نقوم بدورنا فى مواجهة الشائعات ونشر الوعى، وتدعيم الدولة الوطنية، والحفاظ على الأوطان، واستغلال كل الطاقات والتكنولوجيا المتوافرة لنجد لأنفسنا مساحة للذود عن قيمنا وأفكارنا .
إذا لاحظت الصور السابقة وهى صور لتصريحات سابقة لماسك وتغريدات لحسابات متخصصة فى متابعة ما سيحدث فى تويتر فى وقت لاحق، وماذا حدث فى خوارزميات تويتر، فستكتشف أن الموضوع ربما يكون أكثر تعقيدا مما ذكرت .
رابط دائم: