أبعاد وآفاق المحادثات المصرية - الأوزبكية.. تعاون اقتصادي وتوافق سياسي
9-3-2023

د. منى سليمان
* باحث أول ومحاضر فى العلوم السياسية

استقبل الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" يوم 20 فبراير 2023 نظيره الأوزبكي "شوكت ميرضيائيف" بمطار القاهرة في زيارة رسمية تستغرق يومين وتأتي تلبيةً لدعوة من الرئيس "السيسي"، وبمناسبة احتفال الدولتين بالذكرى الـ(31) لتدشين العلاقات الدبلوماسية بينهما، وقد شهدت المباحثات بين الرئيسين توافقا سياسيا في مختلف القضايا الدولية الراهنة ودعوة لمكافحة الفكر المتطرف والإرهاب كما تم توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي تتجاوز قيمتها (1,6)مليار دولار، مما يعزز التوافق بينهما إقليميا ودوليا.

*توافق وتنسيق مشترك:

كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تعترف باستقلال جمهورية أوزبكستان في 26 ديسمبر 1991 وتأسست العلاقات الدبلوماسية بينهما في 23 يناير 1992، وتم افتتاح السفارة المصرية في العاصمة الأوزبكية طشقند في مايو 1993، وقام الرئيس الأوزبكي الراحل "إسلام كريموف" بزيارتين للقاهرة في ديسمبر 1992، وفي أبريل عام 2007، وقد شهدت العلاقات المصرية الأوزبكية تطورا لافتا خلال الخمس سنوات الماضية، وذلك بعد زيارة الرئيس"السيسي" لطشقند في (4 - 5 ) سبتمبر2018، كما التقى الرئيسين المصري والأوزبكي في فبراير عام 2022 علي هامش الافتتاح الرسمي لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، ثم عقدت آلية للمشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية وكانت جولتها الأخيرة في مايو عام 2022.

ثم جاءت زيارة "ميرضيائيف" للقاهرة في 20 فبراير الحالي والتي يصحبه فيها وفدا رفيع المستوى يضم وزير الخارجية الأوزبكي ومجموعة من رجال الأعمال، وسبقها حضور وفد اقتصادي أوزبكي للقاهرة لبحث تطوير التعاون الاقتصادي بين الدولتين والاستفادة من تجاربهم المشتركة، وقد عَقَد الرئيسان "السيسي- ميرضيائيف" مباحثات في ظل أجواء من التفاهم والثقة بينهم، وتمّ تبادل وجهات النظر حول مختلف القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وبختام الزيارة صدر بيان مشترك أوضح ما يلي:

- توافق سياسي لحل القضايا الإقليمية: أكد الرئيسان أهمية احترام جميع الدول لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، ومبادئ حسن الجوار، واحترام سيادة وسلامة أراضى جميع الدول، وعدم التدخّل في الشئون الداخلية للدول، وحل النزاعات سلمياً على المستويات الثنائية والإقليمية والمُتعددة الأطراف، وأشاد "ميرضيائيف" بجهود الرئيس "السيسي" لإحلال السلام والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، لإيجاد حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية، والعمل على عودة الاستقرار في ليبيا، بدوره أشد الرئيس "السيسي" بسياسة "ميرضيائيف" لبناء الثقة المتبادلة والصداقة وحسن الجوار في منطقة آسيا الوسطى وهنأ ضيفه على توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين أوزبكستان وقيرغزستان مؤخرا، وأكد الرئيسان على ضرورة دعم الأمن والاستقرار في أفغانستان، وعدم السماح بوجود ملاذات آمنة للإرهابيين والمتطرفين فيها، وضرورة استمرار الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، دون إغفال جهود الإغاثة والأعمال الإنسانية في أفغانستان تفادياً لحدوث أزمة إنسانية بها، ودعا الرئيسين لحل للقضية الفلسطينية بناء علي حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كما أكدا أهمية إيجاد حل سياسي للنزاع الروسي الأوكراني.

-تطوير التعاون الثنائي: اتفق الرئيسان على تطوير التعاون البرلماني بين الدولتين وتبادل الخبرات على صعيد الدورين التشريعي والرقابي، وأكّدا أهمية تعزيز أنشطة اللجنة المشتركة للتعاون العلمي والاقتصادي والفني، ورحّبا بتصنيف مصر عام 2022 كإحدى أهم الوجهات السياحية التي يقصدها السائحين الأوزبك، وزيادة عدد رحلات الطيران المباشرة بين القاهرة وطشقند.

- طفرة بالتعاون الاقتصادي: اتفق الرئيسين على تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية والاقتصادية، والعمل على زيادة التبادل التجارى بين البلدين، والاستثمارات المتبادلة، وتعزيز أنشطة منتدى الأعمال المصري-الأوزبكي، واتفقا على سرعة عقد اللجنة المصرية الأوزبكية المشتركة للتعاون الاقتصادي، كما شهد الرئيسين توقيع 20 مذكرة تفاهم واتفاقية في شتى المجالات بقيمة إجمالية بلغت (1.6 ) مليار دولار، في مجالات (التجارة والصناعة والزراعة والسياحة)، جدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ في 2022 حوالي 49.9 مليون دولار، مقارنة بـ 46.6 مليون دولار في 2021 محققا زيادة بلغت نحو 7 %.

-إشادة بنجاح (كوب 27) بمصر: أشاد "ميرضياييف"بنجاح تنظيم مصر لأعمال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المُتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي عقدت بشرم الشيخ في نوفمبر 2022 (كوب 27)، لاسيما ما يخص إنشاء "صندوق الخسائر والأضرار" لمساعدة البلدان النامية المعرضة للآثار السلبية لتغير المناخ وإطلاق "المنتدى العالمي للهيدروجين الأخضر"، وجدد رغبة بلاده في تعزيز التعاون مع مصر بشأن قضايا التكيف المناخي، ومكافحة التصحر، والاعتماد على الطاقة المتجددة، يذكر أن أوزبكستان من أكثر دول إقليم آسيا الوسطى الخمس تعرضا للتغيرات المناخية والتصحر ونقص المياه نظرا لأنها أكبر دول الإقليم في عدد السكان البالغ (38 مليون نسمة).

-تعزيز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف: أكد الرئيسان على أهمية تعزيز التعاون الثنائي بهدف مواجهة المخاطر والتحديات الناجمة عن انتشار التنظيمات الإرهابية، وأدانا استخدام الدين لتبرير أو دعم أو رعاية التنظيمات الإرهابية، وطالبا المجتمع الدولي بتنسيق العمل للقضاء على الشبكات الإرهابية وملاذاتها الآمنة وبنيتها التحتية وقنوات تمويلها ومنع تحركات الإرهابيين عبر الحدود، وكذلك مواجهة محاولات التنظيمات المتطرفة استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر الفكر المتطرف وتجنيد عناصر جديدة، وأكد "ميرضيائيف" على أهمية الدور الذى يقوم به الأزهر الشريف، في مكافحة الفكر المتطرف ومحاولات ربطه بالدين الإسلامي.

-توافق على أهمية حل قضية "سد النهضة":جدد الرئيس "السيسي" الموقف المصري المطالب بضرورة التوصل لاتفاق قانوني مُلزم لحل أزمة "سد النهضة" بعد التعنت الأثيوبي وبدء ملء خزان السد دون توافق مع دولتي المصب مصر والسودان، ودعا "السيسي" "الجانب الإثيوبي لتوقيع اتفاقية ملزمة قانونيا بشأن ملء وتشغيل السد"، وهو ما أيده "ميرضيائيف"، ولعل ذكر أزمة السد لها أهمية بالغة فهي تجدد تذكير المجتمع الدولي بالأزمة وتؤكد وجود إجماع دولي آسيوي على تأييد الموقف المصري لمواجهة التعنت الأثيوبي في حل الأزمة.

-تنسيق التعاون الدولي: جدد الرئيسان عزمهما على استمرار الدعم المتبادل وتنسيق التعاون الإقليمي والدولي بينهما في ظل عضويتهما بعدد من المنظمات ومنها (الأمم المتحدة، التعاون الإسلامي،مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا)، كما شاركت مصر في مؤتمر "منظمة شنغهاي" الذي عقد بأوزبكستان في سبتمبر عام 2022 وتم منح مصر صفة "شريك الحوار" بالمنظمة وهو ما رحبت به أوزبكستان.

*دلالات وأبعاد متعددة:

تدشن زيارة رئيس أوزبكستان "شوكت ميرضيائيف" لمصر نقطة تحول في العلاقات بين الدولتين وتعزز نهج السياسة الخارجية المصرية النشطة والمنفتحة على كل الأقاليم والدول، وتعدد الأبعاد الهامة لتلك الزيارة والتي من أبرزها:

- انفتاح مصري علي آسيا الوسطى:حظيت دول إقليم آسيا الوسطى(أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، قيرغزستان، تركمانستان) باهتمام الرئيس"السيسي" منذ توليه منصبه، فقد حرص على زيارة بعضها كأوزبكستان عام 2018، وتواصل هاتفيا مع قيادتها السياسية كما حدث مع رئيس كازاخستان "قاسم جومارت توكاييف" في فبراير 2022 عقب الاحتجاجات التي شهدتها بلاده، كما استقبل رئيس طاجيكستان "إمام رحمان" عام 2022 أيضا، مما يعزز وجود آفاق جديدة لدوائر السياسة الخارجية المصرية بخلاف تلك التقليدية كالدائرة العربية والأوسطية، ويعزز التعاون والشراكة معها، ويؤدي لكسب تأييدها للمواقف المصرية والعربية في المحافل الدولية لاسيما ما يخص القضية الفلسطينية ومكافحة الإرهاب.

- التعويل على التعاون الاقتصادي: تهتم مصر بفتح أسواق اقتصادية جديدة وجذب الاستثمارات الخارجية لها، وتعد أوزبكستان سوقا متعطشة للمنتجات المصرية وبوابة لأسواق وسط آسيا، كما وصف السفير الأوزبكي بالقاهرة "منصوربيك كيليتشيف" زيارة رئيس بلاده للقاهرة بأنها تمثل انطلاقة جديدة للعلاقات الاستثمارية بين الدولتين، حيث تعمل طشقند على أن تصبح مصر بوابة الاستثمارات الأوزبكية إلى الأسواق المرتبطة باتفاقيات تجارية واستثمارية مع القاهرة بالدول العربية والقارة الإفريقية التي تعد سوق كبير يضم 1.3 مليار مستهلك، مشيرا إلى أن هناك فرص استثمارية متميزة بالسوق المصرى بمجالات صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة والجلود والإلكترونيات والطاقة المتجددة والأدوية.

- الاستفادة من التجربة المصرية: ثمن "ميرضيائيف" الإصلاحات الشاملة التي تم تنفيذها في إطار "رؤية مصر 2030 لتحقيق أهداف التنمية المستدامة" والبرامج الاجتماعية مثل "تكافل وكرامة" و"حياة كريمة"، وتطوير البنية التحتية المصرية وبناء المدن الجديدة، كما رحب باهتمام القيادة المصرية بالحوار مع الشباب، والمبادرات الرئاسية بإطلاق واستضافة مصر لمنتديات "شباب العالم"،والتي يمكن أن تستفيد منها طشقند وتنقل منها ما يتناسب مع مجتمعها، ومن أهم التجارب التي يمكن لطشقند الاستفادة منها:

· تجربة مصر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، فرغم وفرة الغاز الطبيعي بأوزبكستان إلا أنها تعاني من أزمة نقص الكهرباء وانقطاعها المستمر، وقد تكرر ذلك خلال الشتاء الحالي أكثر من مرة وسط موجات من البرد القارص مما أدى لأزمة بالبلاد.

· تعمل طشقند على نقل خبرة مصر في إنتاج الأدوية حيث تقوم شركات مصرية بالقطاع الخاص بتنفيذ مشروع بناء مصنع لإنتاج الأدوية في المنطقة الاقتصادية الخاصة في طشقند بتكلفة تقدر بـ20 مليون دولار.

· أكد وزير الزراعة الأوزبكي رغبة بلاده للاستفادة من الخبرة المصرية في استصلاح الأراضي، والاستزراع السمكي، وزراعة بنجر السكر والقطن، فضلًا عن تبادل زيارات الخبراء والباحثين الزراعيين.

· عقد "ميرضيائيف" خلال وجوده بالقاهرة لقاء موسعا مع عدد من شركات القطاع الخاص المصري للتعرف على تجاربهم الاقتصادية وإمكانية الاستفادة منها أو نقلها للسوق الأوزبكي.

-تعزيز القوة الناعمة المصرية: تحظى المؤسسات الدينية والثقافية المصرية باهتمام كبير من قبل الشعب الأوزبكي حيث تعد ممثلا عن الثقافة واللغة العربية، كما أن الروابط التاريخية والثقافية والدينية تضاعف من التقارب الثقافي بين شعبي الدولتين، وهو ما يعزز دور القوة الناعمة المصرية في مواجهة الأفكار المتطرفة وتقديم نموذج مصري عربي ثقافي ليواجه النماذج الإقليمية الأخرى، وقد اتضح ذلك من خلال:

· الترحيب الأوزبكي بدور مشيخة الأزهر الشريف في مواجهة الفكر المتطرف، والدعوة لزيادة عدد الطلبة الأوزبك الدارسين (عددهم الحالي 2600 طالب)، كما ستوفد طشقند 20 إمام وواعظ إسلامي ليتدربوا في أكاديمية الأزهر العالمية، لنشر الخطاب الديني المعتدل وعلوم الشريعة واللغة، كما تم التوقيع خلال هذه الزيارة على مذكرتي التفاهم بين جامعة الأزهر وأكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية ومركز الإمام البخاري الدولي للبحوث العلمية، جدير بالذكر أن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور "أحمد الطيب" كان قد زار أوزبكستان في أكتوبر 2018 وتقلد خلالها الدكتوراه الفخرية من أكاديمية أوزبكستان الإسلامية تكريما له.

· تم الاتفاق على تعزيز التعاون الثقافي من خلال توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية المصرية ومركز الحضارة الإسلامية بأوزبكستان، ومذكرة أخرى بين الهيئة وأكاديمية العلوم بمعهد أبي الريحان البيروني للدراسات الشرقية.

مما سبق، نجد أن هناك حرصا من القيادة السياسية المصرية على تعزيز التعاون بمختلف المستويات والمجالات بدولة أوزبكستان خاصة ودول آسيا الوسطى عامة إدراكا منها للأهمية الاستراتيجية لذلك الإقليم في التطورات الإقليمية والدولية الراهنة حيث ينتقل الثقل والاهتمام السياسي الدولي لتلك المنطقة نتيجة الأزمة الأوكرانية وتصاعد التنافس الأمريكي الصيني، كما أن تعزيز التعاون بين مصر وآسيا الوسطى سيؤدي للارتقاء بالدور المصري الإقليمي لأنها ستصبح معبر عربي إفريقي لدول آسيا الوسطى وهو ما يعود بالنفع الاقتصادي والسياسي على الطرفين.


رابط دائم: