يكتسب الاقتصاد الصينى قوة عملاقة مُستمدة من ثرواته الطبيعية وثروته البشرية الهائلة، وتنظيمه الاشتراكى المُستقر الذى اتجه نحو الانفتاح على الخارج مُنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضى، ولكن بمرور السنوات ظهرت الحاجة لتجديد ذلك التنظيم لتجديد وتعزيز قُدرته التنموية.وقد قدم الرئيس الصينى شى جين بينج أفكارالنموذج اشتراكى مُتطور بخصائص صينية، تم تضمينها فى الدستور وصارت مبادئ مُلزمة تُحدد مسار الاقتصاد الأكثر تأثيرا فى العالم.
وقد تولى شى جين بينج رئاسة الصين فى مارس 2013 فى لحظة فارقة تُحتم من اتخاذ مسار إصلاحى سريع وشامل يدعم استمرار الصين فى مسارها التنموى، وقد قرأ بينج ذلك الواقع وهو عالم القانون، والسياسى المُتشبع بالروح الوطنية، والقريب من الواقع الاجتماعى والفكرى للشعب الصينى البالغ عدده أكثر من 1,3 مليار نسمة فى دولة مُترامية الأطراف تتجاوز مساحتها 9,6 مليون كيلو متر مربع، مُحملة بتاريخ طويل من النضال والنجاحات والتحديات، وفى سبيل تجديد النموذج الاشتراكى الصينى بما يُناسب التطور العالمى والخصوصية الصينية كانت أفكار بينج التى امتدت لجميع قطاعات الدولة لتمثل فى ذاتها رؤية إصلاحية مُتكاملة لتطوير النموذج الاشتراكى فى الصين بخصائص صينية تُناسب التغيرات العالمية لتؤسس مزيدا من الانفتاح الذى يدعم مسار التنمية الصينية ويفتح لها الأفق العالمى.
وقد رصد شى جين بينج ذلك التنوع البيئى الكبير للدولةالصينيةمن جبال ومياه وغابات وحقول زراعية وبحيرات ومروج ليصل إلى أن التعايش المنسجم بين الإنسان والطبيعة أمر حتمىلبناء حضارة صينية مستدامة، ويتم ذلك من خلال تخطيط شامل وصارم يُنظم التعامل مع الموارد دون الإضرار بالبيئة للوصول إلى تنمية خضراء تُراعى اعتبارات التناغم بين الكائنات الحية والبيئة المادية. والتخطيط الاشتراكى الشامل والمرن عند بينج هو أفضل طرق تحقيق التنمية، وأساس تحقيق الأمن القومى بمعناة الشاملالذى يضمن تعزيز بناء القدرة الأمنية الوطنية، وصيانة سيادة الدولة وأمنها وتحقيق مصالحها التنمويةباعتبار أنه لا توجد تنمية بدون أمن واستقرار لكل أبناء الشعب بمختلف مُقوماتهم، ويتم ذلك من خلال إعلاء سيادة القانون، وتعزيز الوعى الوطنى والتعامل بكل حسم مع الأنشطة التخريبية المُتطرفة بكل أنواعها، مع تركيز خطط العمل على تلبية تطلعات المواطنين الذين يجب تعزيز ثقتهم بدولتهم الوطنية، وقدرتها على التطور والتنمية من خلال تنظيم اشتراكى ذات خصائص صينية مُتطورة، ومرنة، وقادرة.
وقد أكدت أفكار شى جين بينج أن الحكم القوى الصارم هو أساس الانضباط اللازم لصيانة مُقدرات الدولة والدافع لنهضتها. ويكون ذلك من خلال تنظيم دولة اشتراكية ديمقراطية شعبية، يمتلك فيها الشعب قراره وسيادته، ويُشارك فى الحكم من خلال منظومة مؤسسية تضمن التعبير عن إرادته. ويؤكد بينج أنه لا يوجد نظام سياسى فى العالم يُمكن تعميمه، وإنما يتعين أن ينسجم النظام السياسى مع الظروف الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والتاريخية لكل بلد. من هنا اعتبر أن الديمقراطية الاشتراكية هى أفضل نماذج الحكم المُناسبة للصين على أن تتم من خلال توسيع المُشاركة السياسية للشعب بضمان مُشاركته فى الانتخابات، والتشاورات الديمقراطية، والإدارة التشاركية التى يتم توطيدها فى الوحدات القاعدية. وصُنع القرار الحازم وتنفيذه بصورة تكفل حماية وحدة وهيبة الدولة مع ضمان حقوق الإنسان بمعناها الواسع فى إطار من الرقابة الشعبية. وللوصول إلى ذلك يتعين دعم مؤسسات الحكم التى من أهمها الحزب الشيوعى صاحب الدور الكبير فى الديمقراطية الصينية الذى يتعين وفقا لبينج أن يُمارس مهامه بصلابة استراتيجية دون تراخأو توانأو فساد مُستندا إلى تنظيم هرمى يضمن خضوع جميع أعضائه لقيادة لجنته المركزية. ويؤكد بينج ضمان مُمارسة الشعب للسلطة من خلال مجلس نواب الشعب الذى يُمارس الدور التشريعى والرقابى والاعتماد والتصديق والتعيين والعزل. وفتح المجال لأفضل سُبل المُمارسة النيابية. كما رأى بينج أن الديمقراطية التشاورية الاستشارية من أهم سمات الاشتراكية الصينية التى تتم من خلال مجلس المؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى الذى يضمن انتشار عمليات التشاور السياسى والرقابة الديمقراطية والمشاركة فى إدارة شئون الدولة عبر التشاور الجماعى واسع ومُتعدد المُستويات. وعلى مُستوى القمة تبرز أهمية وجود مجموعة قيادية مركزية تحكم الدولة طبقا للقانون لتقوية القيادة الموحدة التى تُمارس دورها وفقا للدستور الذى يُنظم عملية الحكم الرشيد، فى وجود نظام قضائى مُتطور يضمن شعور المواطنين بالعدالة والإنصاف، مع العمل على زيادة انتشار المعارف القانونية وسط أفراد الشعب لبناء ثقافة حكم القانون الاشتراكى. وفى مجال الإدارة تتركز أفكار شى جين بينج على أن يتم تطوير الجهاز الإدارى من خلال تخطيط شامل يُراعى توزيعا علميامقبولا لمهام أجهزة الدولة بصورة تكفل تبسيط الإجراءات، وتعزيز مصداقية الحكومة وقدراتها التنفيذية والخدمية التى يرضى عنها الشعب. مع منح المزيد من حرية العمل للحكومات على مُستوى المُقاطعات وما دونه، وفصل وظائف الحكومة عن إدارة المؤسسات غير الإنتاجية التى يتم فصلها عن المؤسسات الربحية.وأكد بينج حتمية بناء كوادر مُتخصصة فى كل المجالات تجمع بين الأخلاق والكفاءة على أن تتم الاستعانة بهم وفقالمعيار الجدارة مهما كانت قومياتهم أو دياناتهم، وقد اعتبر أن وحدة الجبهة الوطنية أمر حتمى فى النموذج الصينى الذى يتعين أن يتأسس على مبادئ التعايش المُشترك والتضامن القومى وتأكيد استهداف التنمية لجميع القوميات وتعزيز عقيدة المصير المُشترك الذى يؤسس لعلاقات وثيقة ونزيهة بين الحكومة ومُجتمع الأعمال، واتخاذ كل ما يلزم لمكافحة الفساد، وتطوير نُظم رقابة الأداء فى الدولة.
وتعد أفكار شى جين بينج أن التطبيق الصارم لنظم الحكم والإدارة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هوالسبيل نحو تطبيق نموذج اقتصادى يُحقق تنمية ترفع مُستوى رفاهية الشعب؛ حيث يستهدف بينج تنمية تُرسخ العدالة الاجتماعية، وتُحقق التعليم المُتطور لكل طالب، والعلاج لكل مريض، والمسكن لكل مواطن، والدعم لكل ضعيف، وتُحارب الفقر بكل أبعاده من خلال حوكمة اجتماعية تضمن تقاسما عادلا لثمار التنمية، وتُحقق تناغما اجتماعيا، واستقرارا سياسيايطمئن الشعب فى المعيشة والعمل.
والنشاط الاقتصادى فى أفكار الرئيس شى جين بينج يعتمد على اقتصاد السوق الاشتراكى الفعال فى إطار من التنسيق والسيطرة الكلية المعتدلة، بما يعززالتنافسيةويضمن التوسع فى نشاط القطاع العام والخاص الذى يُقدم له كل الدعم والتحفيز بصورة تُوسع من حجم النشاط وفقا لمعايير العولمة الاقتصادية التى تفتح الأفق الخارجى الواسع للاقتصاد؛ حيث يؤكد بينج تنفيذ سياسات الإصلاح والانفتاح من خلال استراتيجية بناء اشتراكية شاملةتمتد مرحلتها الأولى حتى عام 2035 يتحقق خلالها تحديث الاشتراكية بصورة تدفع البلاد نحو طفرة اقتصادية وعلمية وتكنولوجية، واجتماعية ترتبطبتحديث نظام الحكم لتعم التنمية بصورة عادلة فى الريف والحضر، ثم تبدأ المرحلة الثانية من عام 2035 حتى أواسط القرن الجارى وفيها تصبح الصين دولة اشتراكية حديثة قوية مزدهرة، وديمقراطيةمتحضرةمتناغمة.
وتؤكد أفكار شى جين بينج أن اعتبارات تحقيق التنمية عالية الجودة تتطلب تحسين الهيكل الاقتصادى، وبناء منظومة اقتصادية حديثة تتسم بالجودة والفاعلية، والقوة، والقدرة على ترتيب الأولويات، وتكثيف جهود تطوير قطاعات الصناعة، والابتكار، والأعمال المصرفية الحديثة والموارد البشرية بحيث يضمن هيكل الاقتصاد التوازن بين القطاعات الاقتصادية مع حتمية تحقيق نمو يكفل حجما مُناسبا للاقتصاد الحقيقى، مع التركيز على الابتكار باعتباره السند الاستراتيجى لصناعة التنمية. ويؤكد بينج حتمية التمسك بمنح الأسبقية لتنمية الزراعة والمناطق الريفيةوتسريع دفع عملية التحديث الزراعى والريفى وتحسين نظام إدارة المناطق الريفية، وتعميق إصلاح نظام الأراضى الريفية مع تأكيدضمان ممتلكات الفلاحين وحقوقهم ومصالحهم، وتعظيم قوة الاقتصاد الزراعى الجماعى بما يضمن الأمن الغذائى للدولة ويؤسسلمنظومات صناعية وإنتاجية وإدارية للزراعة الحديثة، وتحفيز التنمية الاندماجية بين الصناعات فى المناطق الريفية.
وقد أكد بينج أن تمتد التنمية لجميع الأقاليم بصورة مُتناسقة ومُتكاملة تقوم على آلية السوق الاشتراكى الذى يضمن تداولا حرا للعناصر الرئيسية ومرونة فى تحديد الأسعار، ومُنافسة عادلة ومُنتظمة، مع إصلاح إدارة أصول ورءوس الأموال الحكومية، والإسراع بتطويراقتصاد الملكية المختلطة، وتأهيل المؤسسات لكى تكتسب القدرة التنافسية الخارجية.ودعم تنمية مؤسسات القطاع الخاص، والقضاء على الاحتكار الإدارى، ومنع احتكار السوق،وتخفيف القيود على نفاذ الاستثمارات إلىقطاع الخدمات، وإكمال نظام الرقابة على السوق، على أن يتم ذلك من خلال التنسيق والسيطرة الكلية، والتوجيهالاستراتيجى بما يضمن تنفيذ سياسات المالية العامة، وإدارة النقود وسياسات الإنتاج. والعمل على تطوير أنظمة تحفيز الاستهلاك، وإصلاح نظام الاستثمار والتمويل باعتبار ذلك مُحركاأساسياللإنتاج وما يترتب عليه من تحسين هيكل العرض.وقد أكد بينج إنشاء نظام مالى حديث، وبناء علاقات واضحة بين الميزانيات المالية المركزية والمحلية تُحدد الصلاحيات والمسئوليات وتؤسس لتناسق الموارد المالية والتوازن الإقليمى، وتطبيق نظام الإدارة الشاملة للموازنة العامة التى يجب أن يرتبط بها إصلاح النظام الضريبى، وتقوية نُظم الضرائب المحلية، كما يتمترسيخ التنسيق بين السياسات الاقتصادية الكلية لتجنب وقوع صدمات مالية قطاعية.وتؤكد أفكار الرئيس شى جين بينج حتمية التوجه للانفتاح الشامل على العالم الخارجى من خلال مُبادرة "الحزام والطريق" التى تُسهل الارتباط بالعالم برا وبحرا، شرقا وغربا، بصورة تؤسس لتطوير التجارة الخارجية التى تعتمد على المنافع المتبادلة والفوز المشترك،وتطبيق سياسات لتحرير وتسهيل التجارة والاستثمار وحماية الحقوق والمصالح المشروعة لرجال الأعمال الأجانب ودفع التعاون الدولى فى مجال الطاقة الإنتاجية.
ولعل النتائج الجيدة التى تتحقق مع تطبيق أفكار الرئيس شى جين بينج ستكون الأساس لطفرة كبيرة فى مجال تحسين حياة المواطنين بحيث تعود ثمار الإصلاح والتنمية على الجميع وفقا لمبدأ "كل فرد يؤدى واجباته ويتمتع بثمار عمله"، والالتزام بالحد الأدنى لإشباع الحاجات، وتشكيل حوكمة اجتماعية فعالة تعتمد على الإدارة التشاركية،يتم بموجبها منح الأسبقية لتنمية عادلة فى قطاع التربية والتعليم، وتطبيق استراتيجية مُتكاملة للرعاية الصحية، ورفع رفع جودة التوظيف ومستوى الدخول، والتطوير المُستمر لنظام الضمان الاجتماعى، ومُحاربة الفقر، وتأكيد مبدأ "الحياة فوق كل شىء والسلامة ذات أهمية قصوى".
وأخيرا، فإنه إذا كان كينز قدم حلولا لمُشكلات الاقتصاد الرأسمالى من داخل نطاقه، فإن الرئيس شى جين بينج قدم أفكاره لتُطوير الاشتراكية من داخلها ومن خارجها بما يتفق مع الواقع الصينى،مُستهدفا تحقيق نموذج تنمية شامل تصل ثماره إلى كل المواطنين فى الصين ويتجاوز ذلك لكى يُحقق التنمية لشركاء الصين فى الخارج. وكان للنجاح التدريجى لتطبيق نجاح أفكار الرئيس شى جين بينج خلال الفترة الأولى من حكمه أن اعتمد الحزب الشيوعى الصينى تلك الأفكار فى مؤتمره التاسع عشر الذى عقد فى أكتوبر 2017 ثم تلا ذلك تضمين تلك الأفكار التى تُحدد ملامح الاشتراكية ذات الخصائص الصينية فى الدستور خلال الدورة الأولى للمجلس الوطنى الثالث عشر لنواب الشعب الصينى، مايُكسبها صفةالمبادئ الدستورية المُلزمة. وقد أكد المؤتمر العشرون للحزب الشيوعى الذى عقد فى أكتوبر 2022 حتمية مسار الاشتراكية ذات الخصائص الصينية المُستمدة من أفكار الرئيس شى جين بينج باعتباره المسار الاستراتيجى للمُستقبل، وهو ما يدعو كل من يُريد قراءة المُستقبل الصينى أن يقوم بدراسة أفكار الرئيس شى جين بينج التى تُحدد الأفق المُستقبلى للدولة الأكثر تأثيرا فى العالم.