لاشك أن الولايات المُتحدة الأمريكية مُرحب بها فى إفريقيا، لكنها هى من تضع قيودا تحد من وجودها بها، ويتوقف نجاح القمة الأمريكية الإفريقية على مدى المرونة والتخفيف من الضوابط التى تضعها أمريكا أمام نفاذها لقارة فى حاجة ماسة للاستثمارات، وفتح الأسواق أمام منتجاتها بصورة تخلق تنمية تُحافظ على حياة الإنسان الإفريقى التى هى حقه الأول.
تاريخ طويل من التعاون الأمريكى الإفريقى لاسيما أن أمريكا لم تكن من القوى الاستعمارية القديمة التى اقتسمت القارة قبل التحرير، ومُنذ انتهاء الحرب الباردة وخروج الاتحاد السوفيتى (السابق) تحركت واشنطن فى إفريقيا وفقا للقواعد التى تُحددها بنفسها وتصب فى مصلحتها كليا مع تقديمها حزما من المنح والمُساعدات المُتنوعة وفقا لرؤيتها، وحديثا يُمكن أن نرصد آليات تعاون أمريكية أهمها: قانون النمو والفرص الإفريقية AGOAالذى أقره الكونجرس الأمريكى فى مايو لعام 2000 وهو القانون الذى تم تمديده ليستمر لعام 2025 ما يوفر أفضليات تجارية، وإعفاء من الرسوم الجمركية للواردات الأمريكية من السلع والمنتجات المقبلة من الدول الإفريقية التى تتمكن من اكتساب أهلية الاستفادة من هذا القانون. ومع تحقيق هذا القانون لنجاحات لدى بعض البلدان الإفريقية حيث ارتفعت الصادرات بموجبه لأمريكا بأكثر من 500% لترتفع من 8,2 مليار دولار لتصل إلى 54 مليار دولار خلال عام 2011، فإنه تم ربط الاستفادة به بالعديد من المعايير فى مجالات متعددة منها: الصحة، والصحة النباتية، وملف الديموقراطية، وغيرها، ما ترتب عليه عدم استقرار فى منح أهلية الاستفادة منه؛ حيث تم حذف غينيا ومدغشقر والنيجر عام 2009، ثم أعيدت أهليتها بعد ذلك بحلول 2014، بينما تم نزعها مرة أخرى من غينيا فى عام 2022، ومعها إثيوبيا ومالى بسبب مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان واضطرابات سياسية. وفى مبادرة مهمة أعلن الرئيس بايدن فى يونيو 2022 استهداف الولايات المُتحدة جمع 200 مليار دولار من أجل المساهمة فى مبادرة شراكة البنية التحتية بالتعاون مع مجموعة السبع، وكان من المُنتظر أن تحصل إفريقيا على حصة كبيرة من تلك الاستثمارات، ولكن هذه المبادرة قُيدت بتقديمها للقطاع الخاص فقط ولم يظهر لها دور كبير على الأرض حتى الآن.
وفى منحى آخر، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية خطة (بيبفار) للإغاثة من مرض الإيدز فى 2003؛ حيث استفادت إفريقيا من هذا البرنامج الذى قدمته أمريكا للعالم بكلفة نحو 100 مليار دولار، ولكن هذه التكلفة حصلت عليها بالأساس الشركات الأمريكية التى وردت الأدوية واللقاحات والمُستلزمات المتنوعة لتلك الخطة. وفى مجال آخر قدمت أمريكا لإفريقيا مبادرة القادة الأفارقة (يالى) من أجل دعم الاستثمار فى الجيل المقبل ومن خلالها خرجت أكثر من 24 ألف شاب وشابة خلال الفترة من 2010 حتى عام 2020 بعد حصولهم على برنامج زمالة مانديلا فى واشنطن، ومراكز القيادة الإقليمية (RLC) حيث تولى خريجو تلك المبادرة مناصب قيادية رفيعة المستوى فى بلدانهم بالقطاعين العام والخاص.
هكذا، يُمكن أن نرصد أن كل ما تُقدمه الولايات المُتحدة لإفريقيا يكون مشروطا ومُكبلا بالقيود والضوابط، فى الوقت الذى نجد الصين خلال السنوات الماضية تقدم دعما اقتصاديا واستثمارات كبرى لإفريقيا دون أى ضوابط أو قيود خلاف التوازنات الاقتصادية للعقود، على قاعدة تحقيق مصلحة الطرفين وليس على قاعدة طرف يربح ويُقدم مساعدات مشروطة. وأمام ذلك كانت نتائج النهج الأمريكى فى إفريقيا تراجع الوجود الأمريكى لمصلحة التمدد الصينى؛ حيث انخفض الاستثمار الأمريكى المباشر فى إفريقيا إلى نحو 43,2 مليار دولار خلال عام 2019، وانخفضت عمليات التبادل التجارى بينهما لتصل إلى نحو 63 مليار دولار، فى الوقت الذى بلغ فيه التبادل التجارى الصينى مع إفريقيا ما يجاوز 254 مليار دولار، والأمر تجاوز الجانب الاقتصادى ليصل إلى ضعف النفوذ الأمريكى فى إفريقيا وعدم قدرة واشنطن على التأثير فى الكثير من القضايا والملفات الإفريقية، ولعل كل ذلك هو ما دعا واشنطن للدعوة لعقد قمة أمريكية إفريقية لدفع العلاقات بينهما إلى مسار تصاعدى، ولكن هل يمكن أن تنجح القمة فى ذلك؟
بالنظر إلى جدول أعمال القمة نجد أنه يتضمن محورا اقتصاديا فى جلسات كمنتدى الأعمال الأمريكى الإفريقى، واجتماع وزراء تجارة دول قانون النمو والفرص فى إفريقيا، وجلسات حول محاور استثمارات الصحة والمناخ، وهناك أيضا جلسات حول الديمقراطية، ومُنتدى القادة الشباب الأفارقة، والجلسة الأخيرة عن تعزيز الأمن الغذائى ومرونة النظم الغذائية. ومن خلال جدول الأعمال نجد أن الجلسة الأولى تحددت لمنتدى القادة الشباب الأفارقة، والجلسة الأخيرة عن الأمن الغذائى الإفريقى ما يُعبر عن طبيعة الاهتمام الأمريكى. والمؤكد أن إفريقيا لا يهمها بالأساس أن تقوم الولايات المُتحدة بصناعة قادتها، وإنما يهمها فى تلك المرحة الحصول على استثمارات تدعم أمنها الغذائى، وترفع قدرتها الإنتاجية، ويهمها تخفيف القيود التى تواجه صادراتها، بينما يمكن لنا أن نرصد صعوبات متعددة أمام خروج الاستثمارات الأمريكية للخارج سواء لإفريقيا أو غيرها فى ظل توجه الفيدرالى الأمريكى نحو رفع أسعار الفائدة فى السوق الأمريكية لتصل إلى نحو 4% وهى فى سبيلها لمزيد من الرفع بصورة تحد من شهية المستثمرين للخروج خارج أمريكا التى مازالت تُعطى الأولوية فى تلك القمة لملفات كصناعة القادة، وتنظيمات المجتمع المدنى، ونماذج الديمقراطية، وغيرها من الملفات التى لا تتم مناقشتها من الأساس عند تعاون إفريقيا مع الصين. إفريقيا تُرحب بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية ولا تضع أمامها أى قيود، فالقيود التى تحد من انطلاق التعاون صادرة عن أمريكا ذاتها، من ثم فإن نجاح تلك القمة يتوقف على قدر المرونة الذى يُمكن أن تُقدمه الولايات المتحدة فى مجال تعاون أكثر عدالة مع إفريقيا.
رابط دائم: