الانتماء الوطني والثقافة الفاعلة 17-11-2022 مدحت بشاي * كاتب صحفى لقد أصاب الدكتور جمال حمدان في رؤيته عندما قال : إن الشعب المصري هو من أكثر الشعوب تجانسًا ووحدة في الأصول الجنسية والتكوين البشري وأقربها إلى فكرة الأمة المثالية ، فالمسلمون والأقباط كما قال وأكد على ذك عباس العقاد سواء في تكوين السلالة القومية ، ولا فرق بين هؤلاء وأولئك في الأصالة والقدم عند الانتساب إلى هذه البلاد ، فوحدة الجنس والأصل أقدم من كل دين بل إن عميد الاحتلال الانجليزي في مصر اللورد كرومر ، قال في كتابه " مصر الحديثة " إن " خبرتي الخاصة بالمصريين تجعلني أقرر أن الفرق الوحيد بين القبطي والمسلم هو أن الأول يعبد الله في كنيسة في حين أن الثاني يعبد الله في مسجد " .. وهناك قصة طريفة ، وهي في الوقت نفسه حدوتة واقعية عميقة في معناها ومغزاها ، يرويها لنا الأكاديمي الجليل الدكتور شوقي ضيف في كتابه الجميل " معي " والذي سجل فيه سيرته الذاتية .وقد وقعت هذه القصة نحو سنة 1930 ، أي بعد وفاة سعد زغلول بثلاث سنوات ، فقد توفى الزعيم سنة 1927 ، .يقول الدكتور شوقي ضيف " : سألت امرأة ريفية زوجها بعد أن عاد من الانتخابات .. انتخبت سعد زغلول أم عدلي يكن ؟ وكأنما كان قد استقر في أذهان بعض أهل القرى الريفية بأن من يذهب إلى الانتخابات إما أن ينتخب سعد زغلول برغم وفاته، وإما أن ينتخب عدلي برغم اعتزاله للعمل السياسي ، وأجاب الرجل زوجته مازحًا أو غير مازح: انتخبت عدلي، وفوجئ الزوج بزوجته تستر وجهها من دونه وتقول له: لقد أصبحت محرمة عليك ولم تعد زوجي ، وعبثًا حاول الزوج أن يصحح لزوجته القروية فكرتها ، فقد ظلت تجادله طويلاً معتقدة أنها أصبحت مطلقة ومحرمة عليه، ولما أعياه إقناعها خرج فبحث عن مأذون القرية حتى وجده وأتاها به، فأقنعها بخطئها وخطأ ما ظنته من مفارقة زوجها لدينه". ويعلق الدكتور شوقي ضيف على هذه الواقعة التي حدثت في قريته فيقول " لعل في ذلك ما يصور من بعض الوجوه كيف أن الانتماء لسعد زغلول قد تحول في نفوس بعض أهالي الريف البسطاء حتى ظن بعضهم أن هذا الانتماء هو جزء من الدين الحنيف على نحو ما ظنت تلك المرأة الريفية الساذجة " . إن الحفاظ على الهوية الثقافية للمواطن المصري والذي عملت قوى الشر منذ أكثر من 80سنة على تغييرها ، بل ومحوها هو لب عملية التربية بمعناها العام ، حيث تعني التربية ـ في الأساس بنقل ثقافة المجتمع ، أي هويته ، إلى الأجيال الجديدة ، بما في ذلك خصائص النمط الثقافي ، إضافة إلى ذلك فمن المحاور الأساسية للتربية السياسية التقليدية ، وكذلك التربية المدنية ، دعم الهوية أو الانتماء الثقافي ، باعتبارها الشعور بالارتباط بالجماعة السياسية وتمثل أهدافها والفخر بالانتماء لها والإشارة الدائمة إلى هذا الانتماء وبخاصة في لحظات الخطر ، وغرس مفهوم الوطن والولاء له والإخلاص للأمة والتفاني في خدمتها .. وبالمناسبة أتذكر ، عندما أعرب البعض عن غضبه بعد غناء مطربنا الوطني الرائع " على الحجار " أغنيته الشهيرة التي تفضح حالة عدم انتماء كتائب الشر أعضاء خلايا الإخوان وغيرها من جماعات الخراب الفاعلة والنائمة والمتوثبة والخادعة للوطن ، بكلمات الشاعر الجميل جمال بخيت "إنتوا شعب وإحنا شعب"، ولن أنسى حالة الجدل حول تلك الأغنية وكيف قيل في حينها أنها تهدد مبادئ المواطنة وحالة السلام الاجتماعي، رغم ما كان قد أدلى به من تصريحات المرشد العام لتنظيم " الإخوان" و التي أيد فيها فرض جزية على الأقباط ومنعهم من الانخراط في العمل في المؤسسات العسكرية للشك في ولائهم للدولة في حال اصطدامها بأعدائها من غير المسلمين، وهو الأمر الذي يعد ضربًا في الصميم لمفهوم المواطنة الذي يتمتع بموجبه الفرد بكل الحقوق ويتحمل كافة الالتزامات التي تتضمنها مواثيق وقوانين المجتمع . وعليه ، كانت ردود الأفعال الهائلة المتوقعة والرائعة ، سواء الرسمية أو غير الرسمية على تصريحات هذا المرشد من جانب أهل الفكر والرأي في حينها ، و التي كشفت عن تقدير رائع لخطورة النيل من مكونات وأسس الوحدة الوطنية المصرية حيث أكدت على المحاولات البائسة من جانب جماعات الشر على تشويه أبعاد المواطنة الكاملة للأقباط وفق التشبث بمفاهيم قديمة لا تعبر عن الخصوصية المصرية .. إن الثقافة الفاعلة القوية هي تلك التي تسيطر على الثقافات الضعيفة، وإن ما يحدث من استيعاب ثقافة قوية لأخرى ضعيفة يعد أمرًا منطقيًا، حيث تزداد سيطرة الأولى بما تملكه من معرفة وتكنولوجيا تؤثر في عقول الآخرين . يرى جيمس سبرادلي أن ثقافة المجتمع تتكّون من كل ما يجب على الفرد أن يعرفه أو يعتقده .. بحيث يعمل بطريقة يقبلها أعضاء المجتمع .. و بهذا فإن الثقافة ليست ظاهرة مادية فحسب .. أي بمعنى .. أنها لا تتكون من الأشياء أو الناس أو السلوك أو الانفعالات، و إنما هي تنظيم لهذه الأشياء في شخصّية الإنسان .. فهي ما يوجد في عقول الناس من أشكال لهذه الأشياء ، فالثقافة من وجهها الذاتي هي ثقافة العقل. رابط دائم: