يواجه العالم حاليا كثيرا من المشكلات البيئية التى تمتد آثارها لدول العالم كافة، حيث أشارت العديد من التقارير الدولية الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية أن العالم يعانى مشكلات بيئية متعددة، لعل أبرزها: ظاهرة التغير المناخي، والتى من أشد تأثيراتها وضوحا الاحتباس الحرارى الذى تسبب فى ارتفاع درجة حرارة الأرض، فقد حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية -وهى وكالة حكومية دولية من وكالات الأمم المتحدة، تضم 193 عضواً من الدول ومعنية بمجالات الأرصاد الجوية (الطقس والمناخ)، والهيدرولوجيا التطبيقية، والعلوم الجيوفيزيائية المتصلة بها- فى تحديث لتقريرها المناخى فى شهر مايو 2022، من وجود احتمال بنسبة تقارب الـ 50% بوصول المتوسط السنوى لدرجة حرارة الأرض، خلال سنة واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل العصر الصناعي، وهى النقطة التى تمثل تهديدا كارثيا على البيئة، فالدراسات تشير إلى أن التأثيرات المناخية عند تلك النقطة ستصبح أشدّ ضررا، ليس فقط على الأفراد، بل وعلى كوكب الأرض بموارده الطبيعية(2).
وتتسبب ظاهرة التغيرات المناخية فى مشكلات وآثار سلبية على حكومات الدول والمواطنين بغض النظر عن جنسياتهم وانتمائهم الاجتماعى وأوضاعهم المهنية والطبقية، فسكان كوكب الأرض جميعهم معرضون لخطورة التدهور البيئى الناتج عن الأنشطة البشرية(3). علاوة على صعوبة تحقيق ما يسمى «العدالة البيئية Environmental Justice»، خاصة بين البلدان الصناعية المتقدمة وغيرها من الدول غير المتقدمة، وكذلك بين الفئات المهمشة داخل المجتمع الواحد وفى المناطق الفقيرة وبين الطبقات الاجتماعية الغنية. ويقصد بالعدالة البيئية «مجموعة القيم والأعراف الثقافية والقانونية واللوائح والسلوكيات والسياسات العامة والقرارات التى تدعم المجتمعات المستدامة بحيث يستطيع الأفراد التعامل بثقة فى بيئتهم الآمنة»(4).
فقد أدت الكثير من مساعى البشر التى يمكن أن تسمى «اقتصادية» -على مدار التاريخ البشرى-إلى تأثيرات مدمرة على البيئة. فالتقدم الصناعى السريع الذى صاحب الثورة الصناعية صاحبه استخدام غير رشيد وغير منضبط للموارد الطبيعية، وصاحبه ظهور أنواع جديدة من المنتجات والمخلفات الصناعية فى شكل منتجات ومواد كيميائية جديدة على البيئة يصعب التخلص منها دون إحداث أضرار بها، بالإضافة إلى تصاعد الغازات والانبعاثات الضارة من مداخن ملايين المنشآت والتى أدت إلى تلوث الهواء. وحظيت قضية التغير المناخى باهتمام عالمى واسع على مستوى الدول والمؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية، لأن تلك القضايا وما تحدثه من تكلفة اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، لا يقل بأى حال من الأحوال عن قضايا الإرهاب والحروب الشاملة، فتأثيرها على الإنسان له من الأضرار ما يؤدى إلى النتيجة نفسها وهى تدمير الإنسان وتخريب محيط معيشته، وبحسب تقارير لمنظمة الهجرة الدولية والبنك الدولى فإن عدد المهاجرين بسبب التغييرات المناخية سيصل فى عام 2050 إلى ما يقرب من 143مليون مهاجر(5).
ولا يمكن وضع مسئولية التعامل مع ظاهرة التغير المناخى والمشكلات الناتجة عنها على عاتق الساسة والقادة والباحثين والعلماء فحسب، بل يجب إشراك فئات ومؤسسات المجتمع جميعها، فالمواطنون العاديون يمكن أن يقوموا بدور رئيسى من خلال جماعات الضغط والحركات الاجتماعية والتى تهدف إلى التأثير فى الآليات السياسية والتقليدية(6)، كما أن تفعيل دور منظمات المجتمع المدنى كشركاء مؤسسيين هو أمر ضرورى فى المواجهة، بالإضافة إلى تضمين مؤسسات وشركات القطاع الخاص أيضا، ليس لأن بعض مؤسساته هى المسئولة مسئولية مباشرة وغير مباشرة عن الأنشطة المسببة للتغيرات المناخية، ولكن أيضا لامتلاكه العديد من القدرات المحتملة Potentials، والتى متى توافرت لها بعض الإجراءات المكملة، فيمكن أن تسهم بشكل فعال فى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع.
وقد اتخذت الدولة المصرية عبر مؤسساتها واستراتيجياتها وسياساتها الرسمية المختلفة جهودا ضخمة ومتكاملة لمواجهة تأثيرات التغير المناخي، لكن تظل هناك الحاجة لتكاتف كافة الجهود الرسمية وغير الرسمية للنجاح فى تحقيق أهداف تلك الاستراتيجيات والسياسات والتى تهدف إلى الحفاظ على البيئة والحد من المخاطر الناتجة عن تأثيرات التغير المناخى عليها.
وقد شهد النصف الثانى من شهر مايو 2022 الإطلاق الرسمى للاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050، والتى تضمنت خمسة أهداف رئيسية، ينبثق منها عدد من الأهداف الفرعية، هي(7):
تعمل تلك الجمعيات بشكل مباشر فى مواجهة ظاهرة التغير المناخى من خلال أنشطة متنوعة من بينها الأنشطة التوعوية الهادفة إلى رفع مستوى الوعى البيئى لدى المواطنين فى المجتمع المصري، بالإضافة إلى تشجيع البحث والابتكار لإيجاد حلول وممارسات صديقة للبيئة للتغلب على التحديات والآثار السلبية الناتجة عن ظاهرة التغير المناخي، وتشجيع تمويل المشروعات الصديقة للبيئة فى مجالات الزراعة، والموارد المائية، والنقل، بالإضافة إلى تقديم المساعدات للفئات المتضررة من مظاهر التغير المناخى، مثل التصحر، وزيادة ملوحة التربة، وشح المياه، والكوارث الطبيعية، مثل السيول والأعاصير.
وقد تعمل بعض تلك الجمعيات بالشراكة مع الجهات المانحة الوطنية والأجنبية، وكذلك مع الحكومة المصرية. وذلك لضمان تكامل كافة الجهود لضمان استدامة عمل المشروعات والأنشطة الممولة من الجهات الحكومية المختلفة العاملة فى المجتمع المصرى.
فعلى سبيل المثال، تم إنشاء «مؤسسة الطاقة الحيوية للتنمية الريفية المستدامة» وهى مؤسسة أهلية بهدف دعم المشروع القومى لإنتاج واستخدام البيوجاز وبتمويل من «مشروع الطاقة الحيوية للتنمية الريفية المستدامة» وهو مشروع ممول من وزارة البيئة بالتعاون مع مرفق البيئة العالمى وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبالتنسيق مع عدد من الوزارات المعنية، منها البترول، والكهرباء والطاقة، والتعاون الدولى، والزراعة بالإضافة إلى الصندوق الاجتماعى للتنمية وهيئة تنمية الطاقة الجديدة. وتعمل هذه المؤسسة الأهلية بالشراكة مع الجهات الحكومية المختلفة على تشجيع استخدام تكنولوجيات الطاقة الحيوية وخلق سوق جديدة لها فى مصر، وتشجيع بناء قدرات الشباب للدخول فى الأسواق كرواد للأعمال من خلال شركات يؤسسها المشروع بمحافظات مصر المختلقة(15).
وجاء قرار إنشاء المؤسسة للمشاركة فى تنفيذ أنشطة المشروع وأهدافه، وكذلك لضمان استدامة أعماله بعد انتهاء مدة عمله، واستمرار توفير الطاقة البديلة النظيفة والدائمة لاسطوانات البوتاجاز من خلال استخدام المخلفات من روث الماشية وغيرها فى إنتاج الوقود الحيوي، ودعم الفلاحين بمختلف القرى والمحافظات بمصدر دائم للطاقة والسماد الحيوى الذى يعيد للأرض الزراعية خصوبتها، علاوة على الاستفادة من المخلفات بصورة آمنة ومفيدة وغير ضارة بالبيئة، وتوفير فرص عمل للشباب، بالإضافة إلى دورها فى نشر تكنولوجيا الطاقة الحيوية فى مصر وإِزالة كافة العوائق الفنية والمالية والمؤسسية نحو تطبيق تكنولوجيا الطاقة الحيوية وتقديم الدعم الفنى والمالي(16).
هذا، وقد شهد عام 2022 كنتيجة للزخم الحادث عن استضافة جمهورية مصر العربية للدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ Cop 27 خلال الفترة من 7 - 18 نوفمبر 2022، إطلاق وتنفيذ عدد من المبادرات المجتمعية غير الحكومية/ الرسمية للجمعيات غير الأهلية والأفراد والجامعات الخاصة بهدف التكامل مع العديد من المبادرات الرسمية التى أطلقتها وزارات البيئة «اتحضر للأخضر»، والبترول «عربية للطاقة النظيفة» والتخطيط «سفراء التنمية المستدامة»، وذلك لدعم الجهود المصرية لمواجهة التغيرات المناخية، ومنها على سبيل المثال: مبادرة «بلدنا تستضيف قمة المناخ 27»(17)، ومبادرة «The Ride to COP 27»(18)، ومبادرة «Climate Marathon»(19)، ومبادرات «لنتنفس هواء نقيا» و«الأثر» و«كسب بيئتك: معا لبيئة نظيفة» فى شمال سيناء(20)، ومبادرة «مواجهة تغير المناخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة»(21). وتهدف تلك المبادرات إلى: تغيير السلوكيات للحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، وزيادة الوعى البيئي، وتعظيم فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية الصديقة للبيئة، وذلك عبر فعاليات وأنشطة توعوية وبحثية وخدمية مختلفة. كما شهد المجتمع المصرى تأسيس أول اتحاد نوعى للمناخ بمصر فى أبريل 2022، تحت مسمى «اتحاد الجمعيات والمؤسسات الأهلية للمناخ» بهدف تخطيط برامج الحفاظ على المناخ التى تنفذها الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وإجراء البحوث والدراسات ونشرها بين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ووضع برامج الدعم الفنى والإدارى لأعضاء الجمعيات والمؤسسات الأهلية الأعضاء، وإعداد قاعدة بيانات ومعلومات حول الموضوعات البيئية المحلية والعالمية ودليل للجمعيات العاملة فى مجال التغيرات المناخية بخدماتها المختلفة، وتقويم جهود الجمعيات والمؤسسات الأهلية الأعضاء ونشاط الاتحاد فى ضوء السياسة العامة للدولة المصرية(22).
ختامـــًا:
إن مواجهة التحديات الناتجة عن ظاهرة التغير المناخى تحتاج إلى تضافر جهود شركات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، فتكامل الأنشطة والإجراءات بين قطاعات المجتمع الثلاث العامة والخاصة، والمدنية هى السبيل الوحيد لتنفيذ الاستراتيجيات والسياسات الوطنية، والإقليمية، والعالمية التى تهدف إلى معالجة الآثار السلبية للتغير المناخى وحماية المجتمعات وخاصة الفئات الأشد احتياجا والأكثر تأثرا.
وقد جاء اختيار مصر لاستضافة الدورة الـ 27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ Cop 27، ليعطى قضية التغير المناخى زخما مجتمعيا ساهم فى تحفيز ودفع مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدنى من خلال مجموعة من الأدوار، منها على سبيل المثال -لا الحصر- الحد من مسببات التغيرات المناخية، ورفع الوعى المجتمعى بالظاهرة وتداعياتها الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية وسبل التعامل معها، و بناء القدرات الفنية والإدارية للمعنيين بالعمل، ونقل التكنولوجيا الخضراء صديقة البيئة وإتاحتها للجميع بأسعار مقبولة، وتمثيل مصالح المجتمعات المحلية عبر المشاركة فى وضع السياسات العامة ومتابعة تنفيذها وتقويمها، والعمل على توفير التمويل اللازم من خلال حشد الموارد والجهود الوطنية، والضغط على منظمات التمويل الأجنبية لتخصيص المزيد من الإعانات والمنح المالية والمادية والفنية التى يحتاج إليها المجتمع المصرى.
المصادر: