تُعدّ العلاقة بين التغيرات المناخية ومفهوم الأمن الإنسانى علاقة متشابكة؛ فبقدر ما مثّلت المشكلات البيئية، أحد العوامل التى دفعت فى فترة ما بعد الحرب الباردة لمراجعة المفهوم التقليدى للأمن بأبعاده العسكرية فى إطار محاولات توسيع وتعميق المفهوم، فإن الأمن البيئى شكل أحد الأبعاد السبعة التى طرحتها الأمم المتحدة لمفهوم الأمن بالتركيز على حماية الأفراد من تلوث البيئة ونفاد الموارد. إلا أنه مع مرور ما يقرب من الثلاثة عقود منذ طرح المفهوم، وفى ظل ما تشهده مناطق متفرقة من العالم من موجات متفاوتة ومتلاحقة من التغيرات المناخية، والتى لا تقتصر تبعات تكلفتها على الدول فحسب، وإنما تمتد لتشمل الأفراد فى ضوء ما نشهده من تكلفة إنسانية مرتفعة للتغيرات المناخية الراهنة، فقد دفعت تلك التطورات للتساؤل بشأن مدى ملاءمة الأطر القائمة لحماية الأمن الإنسانى فى ظل ما تفرضه التغيرات المناخية من تحديات. من ناحية أخرى، يتمثل أحد أبعاد التشابك فى أن بعض البدائل المطروحة للتقليل من حدة التغيرات المناخية قد تنعكس سلبًا على بعض جوانب أخرى للأمن الإنساني؛ وهو ما يتطلب دراسات دقيقة للبدائل المختلفة. يُضاف لذلك أن أغلب التأثيرات ليست أحادية؛ فالتأثير فى أحد أبعاد الأمن الإنسانى يقود لتداعيات سلبية على الأبعاد الأخرى.
ويعد الأمن الإنسانى Human Security أحد المفاهيم الأمنية التى برزت فى فترة ما بعد الحرب الباردة؛ وذلك فى ضوء ما شهدته تلك الفترة من جدل أكاديمى بشأن طبيعة ومكونات مفهوم الأمن، وبما يتلاءم مع ظروف البيئة الدولية وطبيعة التحدّيات الأمنية القائمة آنذاك؛ وذلك فى ظل بروز مجموعة من أنماط التهديد غير العسكرية؛ والتى أصبحت تفرض تهديدًا لأمن الدول والأفراد، ومنها التغيرات المناخية، وغياب الأمن الاقتصادي، وانتشار الأمراض والأوبئة، وهى تحدّيات وإن كانت قائمة قبل نهاية الحرب الباردة، إلا أن نهاية الحرب الباردة خلقت متسعًا للدّراسات الأكاديمية لمناقشة تلك القضايا، وذلك فى محاولة لتوسيع وتعميق المفهوم التقليدى للأمن. وبينما ارتكز تعميق المفهوم على إضافة الأفراد، والإقليم، والنظام الدولى كوحدات للتحليل إضافة للدولة. نجد توسيع المفهوم جعل الأخير يتسع ليشمل قضايا الاقتصاد، والبيئة، والمجتمع، بحيث طرحت مفاهيم الأمن البيئي، والأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادى (1).
فقد برز مفهوم الأمن الإنسانى فى محاولة لإدماج البعد الإنسانى فى الدّراسات الأمنية، إذ إن جوهر مفهوم الأمن الإنسانى هو التركيز على أمن الأفراد داخل وعبر الحدود بدلاً من التركيز على أمن الحدود ذاته، ويتخذ المفهوم من الفرد وحدته الأساسية فى التحليل Security Referent بحيث يصبح محور أى سياسة أمنية، أو اقتصادية، أو سياسية هو تحقيق أمن الأفراد، وذلك من خلال مراعاة الأبعاد الإنسانية للقرارات الاقتصادية والسياسية، وكذلك العمل على الإصلاح المؤسسى من خلال إصلاح المؤسسات الأمنية التقليدية وإنشاء مؤسسات أمنية جديدة تهدف بالأساس إلى حماية وتحقيق أمن الأفراد، كما يتعلق الإصلاح المؤسسى ببعد آخر يرتبط بإيجاد آليات ملزمة نحو تنفيذ التعهدات الخاصة بأمن الأفراد.
وقد طُرح مفهوم الأمن الإنسانى على المستوى الرسمى فى عام 1994 من خلال تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة،الذى طرح المفهوم كأحد أولويات الأجندة الأمنية فى القرن الحادى والعشرين، إذ تبنى التقرير تعريفًا شاملًا لمفهوم الأمن الإنسانى ليشمل حماية الأفراد من كل ما يهدد أمنهم، سواء تمثل فى ظروف الفقر، أو الحرمان الاقتصادي، أو الحماية من الحروب والنزاعات المسلحة، وقد حدد التقرير قائمة التهديدات التى تهدد الأمن البشرى فى إطار فئات سبع رئيسية هي: الأمن الاقتصادي(الحماية من الفقر)، والأمن الغذائى (قدرة الأفراد للوصول إلى الطعام الآمن)، والأمن الصحي(الحماية من الأمراض)، والأمن البيئى (الحماية من التلوث ونفاد الموارد)، والأمن الشخصى (الأمن من الاضطهاد والتعذيب والحروب)، وأمن المجتمع المحلى (الهوية والبقاء الثقافى)، والأمن السياسي( الحماية من الاضطهاد السياسي(2).
تلا ذلك إعلان بعض الدول عن تبنى مفهوم الأمن الإنساني، ومنها اليابان، وكندا، كما طرح الاتحاد الأوروبى رؤية معدلة لمفهوم التدخل الدولى الإنسانى من خلال تبنى مفهوم نشر القوات لتحقيق الأمن الإنساني، وتُعد المبادرة الإفريقية للأمن الإنسانى محاولة من منظمات المجتمع المدنى للقيام بدور الرقيب على أداء الحكومات نحو احترام حقوق الإنسان والعمل على تحقيق الأمن الإنساني. وغير ذلك من المبادرات. وعلى المستوى الأممى فقد تم إنشاء لجنة الأمن الإنسانى بالأمم المتحدة UN Commission Human Security، وفى عام 1999 تم إنشاء صندوق الأمن الإنسانى The UN Trust Fund for Human Security. وغير ذلك.
ورغم الجهود التى بُذلت منذ فترة تزيد على ربع قرن (وقت صدور التقرير)، فإن المؤشرات كافة تؤكد أن تحقيق الأمن الإنسانى بأبعاده الشاملة مازال هدفًا صعب تحقيقه، بحيث تتطلب العديد من الأزمات والتغيرات التى يشهدها العالم حاليًا سواء كانت صحية أو بيئية ضرورة مراجعة مفهوم الأمن الإنسانى وآليات تحقيقه، وهو ما سيكون له تأثيره المهم على المجالين الأكاديمى والتنظيرى من جهة، وكذلك نهج وآليات التحرك فى العلاقات بين الدول من جهة أخرى.
وبالتركيز على التغيرات المناخية، فخلال السنوات الأخيرة شهدت مناطق عدة فى العالم جملة من الظواهر المناخية الحادة وغير المسبوقة، والتى تنوعت بين الفيضانات الشديدة، وحرائق الغابات، وموجات الجفاف، ونقص المياه وغيرها مسجلة مناطق عدة لأرقام قياسية غير مسبوقة.
هذا وقد أثرت التغيرات المناخية فى الأبعاد المختلفة للأمن الإنساني؛ وذلك على النحو التالي:
التغير المناخى والأمن الصحي:
يأخذ تأثير التغيرات المناخية فى صحة الإنسان أكثر من شكل، من بينها زيادة أعداد الوفيات والأمراض كنتيجة للظواهر الجوية الحادة، فما نشهده سنويًا من وفيات نتيجة للارتفاع الحاد فى درجات الحرارية والفيضانات وغير ذلك يؤكد هذا. فوفقا لـ Global climate Risk Index 2021 ، خلال الفترة من 2000 إلى 2019 فقد أكثر من 475 ألف شخص حياتهم كنتيجة لحوادث مرتبطة بالتغيرات المناخية.(3)
ووفقا للتقرير السنوى لمجلة «لانست»، فخلال النصف الأول من عام 2020، أثرت 84 كارثة ناتجة عن الفيضانات، والعواصف، والسيول، والجفاف فى نحو 51.6 مليون شخص عبر العالم، فى وقت كان العالم يعانى تداعيات جائحة كورونا(4).
وتتوقع منظمة الصحة العالمية خلال الفترة من 2030 وحتى عام 2050 أن يتوفى 250 ألف شخص نتيجة للإجهاد الحراري، وسوء التغذية، والملاريا، والإسهال. كما تتوقع أن تتراوح التكاليف المباشرة لهذه الأضرار على صحة الأفراد بحلول عام 2030 بين 2 و4 مليارات دولار سنويا.
بُعد آخر يتمثل فيما يصاحب التغيرات المناخية من انتشار لفيروسات جديدة؛ فقد أوضحت نتائج دراسة نُشرت فى مجلة Nature فى أبريل الماضي، أن تغير المناخ قد يؤدى إلى انتشار فيروسات جديدة بأعداد كبيرة وذلك بحلول 2070، مما قد يقود إلى جوائح تالية، فمع الارتفاعات المتوقعة فى درجات الحرارة على مدار نصف القرن القادم فقد يقود ذلك إلى هجرة أعداد كبيرة من الحيوانات، مما قد يترتب على ذلك من انتقال للفيروسات. وفى ظل التزايد الكبير لأعداد الفيروسات المنتقلة عبر الأنواع، فقد تزداد خطورة انتقالها للبشر، بحيث قد يُسهم التغير المناخى فى انتشار الأمراض المعدية. (5)
ووفقًا لليونسيف يُعد الأطفال الفئة الأكثر هشاشة وعرضة للأمراض المصاحبة للتغيرات المناخية. وفقًا للمنظمة، فإن الأطفال دون الخامسة يتحملون نحو 90% من الأمراض المصاحبة للتغيرات المناخية كحمى الضنك والملاريا (6). فتلوث الهواء والناتج عن تغير المناخ يقود سنويًا إلى وفاة نصف مليون طفل دون الخامسة، كما يتوفى يوميًا 2400 طفل كنتيجة للالتهاب الرئوي، ومن المتوقع أن يكون هناك 600 مليون طفل فى العالم بحلول 2040 يعيشون فى مناطق تُعانى نقص المياه مقارنة باحتياجاتهم الفعلية (7).
ومما يزيد الأمور تعقيدًا التداخل بين الأبعاد المختلفة للأمن الإنساني؛ ومن ذلك فالتداعيات الصحية للتغيرات المناخية قد تقود الأفراد إلى الوقوع فى براثن الفقر، ومن ثم التأثير على الأمن الاقتصادى لهم. فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن المشكلات الصحية تقود كل عام بـ 100 مليون شخص عبر العالم إلى الوقوع فى براثن الفقر، وهى الأعداد التى من المتوقع أن تزداد فى ظل تغير المناخ. ووفقا للمنظمة أيضًا، فهذه التهديدات من شأنها تهديد التقدم المحرز خلال الخمسين عامًا الماضية (8).
التغير المناخى والأمن الاقتصادي:
ترتبط الأبعاد الاقتصادية بما يصاحب التغيرات المناخية من نقصان المساحات المزروعة وما يصاحبها من تزايد فى أعداد الفقراء وفقدان فرص الأعمال. فوفقا لـ Global Climate Risk Index 2021 فخلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2019 بلغت الخسائر الاقتصادية عالميًا نحو 2.56 تريليون دولار، وذلك كنتيجة مباشرة لأكثر من 11 ألف حادثة مناخية حادة. ومن المتوقع أن تصل تكلفة التكيف العالمى بحلول 2030 إلى ما بين 140 و300 مليار دولار سنويًا، وبحلول عام 2050 من المتوقع أن تصل التكلفة إلى ما بين 280 و500 مليار دولار (9). ووفقًا للبنك الدولي، فمن شأن عدم اتخاذ حلول عاجلة لمواجهة تداعيات التغير المناخى أن يُسهم ذلك فى دخول 100 شخص جديد ضمن دائرة الفقر على مستوى العالم (10).
فى هذا السياق، تُشير التقديرات إلى أنه بحلول 2050، وكنتيجة للتغيرات المناخية، قد تتقلص مخرجات الاقتصاد العالمى بما يتراوح بين 11 و14%؛ وهو ما يعنى خسارة 23 تريليون دولار أمريكى سنويًا (11). هذا التراجع فى حجم الاقتصاد العالمى من شأنه أن ينعكس سلبًا على نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى ومستويات دخول الأفراد. إضافة إلى تأثيراته السلبية على مستويات الأسعار والتضخم؛ ومن ثم تهديد الأمن الاقتصادى للأفراد.
كما قدّرت دراسة أخرى حجم الضرر الذى سيلحق بالاقتصاد العالمي، فالاقتصادات الهشة ستفقد نحو 19.6% من ناتجها المحلى الإجمالى بحلول 2050، و 63.9% بحلول 2100 وذلك بافتراض زيادة درجة حرارة الكوكب بمعدل 2.9 درجة وذلك بحلول 2100. وحتى إذا التزمت الدول بتعهداتها بموجب اتفاق باريس واقتصر معدل الزيادة فى درجة حرارة الكوكب على 1.5 درجة بحلول 2100، فإن الناتج المحلى الإجمالى لتلك الدول سيتراجع بمعدل 13.1% فى عام 2050، و 33.1% فى عام 2100 (12).
التغير المناخى والأمن الغذائي:
للتغيرات المناخية تداعياتها الخطيرة على الأمن الغذائى للأفراد، فالحرائق المتكررة وحالات الجفاف الحادة من شأنها التأثير على المساحات المنزرعة وبالتالى انخفاض الإنتاج الزراعي؛ وبذلك سيتأثر الأمن الغذائى سلبًا.
ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي، فقد زاد عدد الأفراد الذين يُعانون انعدام الأمن الغذائى فى العالم بأكثر من الضعف منذ عام 2019 كنتيجة لأزمة تفشى فيروس كورونا والتغيرات المناخية والصراعات. لحد وصف البرنامج لعام 2022 بأنه عام من الجوع غير المسبوق؛ حيث يُعانى 828 مليون شخص فى العالم من الجوع، من بينهم 345 مليون شخص يُعانون الجوع الحاد فى 82 دولة، إضافة إلى 50 مليون شخص على حافة المجاعة فى 45 دولة عبر العالم. وقد حدد برنامج الغذاء العالمى أربعة عوامل وراء هذا الأمر، من بينها الصدمات المناخية التى تعانيها مناطق متفرقة فى العالم لتأثيرها على المحاصيل وسبل العيش. ومن المهم التأكيد على أن بعض السياسات التى اتبعت للتقليل من حدة التغيرات المناخية، قد أثرت سلبًا فى الأمن الغذائى للأفراد، بمعنى أن التحول من الوقود الأحفورى إلى الوقود الحيوى تسبب فى أزمات غذاء.
التغير المناخى والأمن المجتمعي:
حدد تقرير التنمية البشرية مفهوم أمن المجتمع المحلى فى الحفاظ على هوية المجتمع والبقاء الثقافى له. فمفهوم الأمن المجتمعى Social Security يركز على قدرة المجتمع على الحفاظ على نماذجه التقليدية من لغة وثقافة وهوية وعادات، ويرى بارى بوزان، أن أهم مصدرين من مصادر تهديد الأمن المجتمعي، هما الهجرة، والصراع بين أبناء الاثنيات والعرقيات المختلفة أو ما يطلق عليه «الهويات المتصارعة»، حيث ينبع من الهجرة خوفاً من التغيير المستقبلى فى تركيبة السكان، كما أن الصراع بين أبناء الإثنيات المختلفة يؤثر على تماسك المجتمع، ومن ثم يؤثر على الأمن المجتمعى (13).
وفى هذا السياق يمكن الإشارة إلى اللاجئين البيئيين وكذلك النازحين البيئيين، فقد أسهمت التغيرات المناخية الحادة فى اضطرار الملايين لمغادرة أماكن إقامتهم الأصلية بحثًا عن فرص اقتصادية أكثر استقرارا، ووفقًا لمركز رصد التشرد الداخلي، فقد تعرض 28 مليون شخص للتشرد الداخلى فى عام 2018، وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هى التغيرات المناخية والتعقيدات المصاحبة لها (14).
بنهاية عام 2020 بلغ عدد النازحين داخليًا على مستوى العالم 55 مليون شخص (48 مليون شخص كنتيجة للعنف والصراعات، و7 ملايين شخص بسبب الكوارث وتغير المناخ). وخلال عام 2020 وحده بلغ عالميًا عدد النازحين داخليًا فقط 40.5 مليون شخص ليعد الأعلى على الإطلاق. هذا وقد شكلت الفيضانات والعواصف السبب المناخى الأبرز المسئول عن نزوح الملايين وذلك فى ظل حوادث مناخية حادة يشهدها العالم. مع العلم أنه فى بعض الأحيان كان هذا النزوح هو الثانى أو الثالث لبعض الأشخاص (15).
خطورة هذا الأمر هى أن مصطلح اللاجئين البيئيين لا يوجد ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين لعام 1959، وبروتوكول 1967 المكمل لها. ويُعرف اللاجئ بأنه «شخص يوجد خارج بلدجنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأى سياسي، ولايستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل/تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد» (16). بحيث لا يتضمن التعريف الاعتبارات البيئية، ومن ثم فالقواعد المطبقة على اللاجئين السياسيين مثل عدم الإعادة القسرية وغير ذلك لا تنطبق فى حالة تحركات السكان المرتبطة بتغير المناخ (17)، خاصة فى ظل كونها تحركات ذات طبيعة خاصة فهى تحركات جماعية وليست فردية، كما أنها فى أحيان كثيرة ليست تحركات مؤقتة ومن ثم تتطلب حلولا مغايرة.
تغير المناخ والأمن الشخصى والسياسي:
يرتبط بعد الأمن السياسى من ضمن أبعاد الأمن الإنسانى بحماية الأفراد من الحروب والصراعات، فقد أسهمت التغيرات المناخية وما صاحبها من شح للموارد وتقلص للمساحات المزروعة فى بروز مجموعة من الصراعات حول الموارد المحدودة، وأحد أبرز الأمثلة هى بحيرة تشاد ويقطنها ما يربو على 170 مليون شخص، والتى فقدت نحو 90% من مساحتها الإجمالية على مدى العقود الستة الماضية كنتيجة للجفاف، فقد أثر ذلك على حياة الملايين من قاطنى المنطقة، مما قاد للعديد من النزاعات بين المزارعين والرعاة بسبب شح ومحدودية المورد، فهناك نحو 50 مليون، شخص يفتقدون لوسائل كسب العيش وذلك فى ظل اعتمادهم الرئيسى على أنشطة الزراعة والرعى (18). كما أن هذا الوضع أسهم فى نزوح ما يقرب من 25 مليون شخص.
أحد الملامح الأخرى التى يمكن الإشارة إليها ما أصبح شائعًا من تظاهرات واحتجاجات اعتراضًا على شح الموارد وتأثير ذلك على الاستقرار السياسي، وخلال السنوات الأخيرة شهدت دول عدة احتجاجات اعتراضًا على موجات الجفاف وشح المياه.
التغير المناخى والأمن البيئي:
يرتبط البعد البيئى من ضمن أبعاد الأمن الإنسانى بالحماية من التلوث ونفاد الموارد، هذا وتؤثر التغيرات المناخية على الجانبين وهو ما يترك تداعياته الخطيرة على صحة وبقاء الأفراد. فمن ذلك يُعانى ما يزيد على مليارى شخص فى الوقت الراهن من إجهاد مائى شديد، وهذا العدد من المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2050 (19). ووفقًا لليونسكو، فإن العالم سيُعانى نقصًا شاملًا للمياه بنسبة 40% وذلك بحلول 2030.
ومن واقع ما تم عرضه هناك تداخل شديد بين التغيرات المناخية والأمن الإنساني. وفى هذا السياق، يمكن الإشارة إلى ما يلي:
- إن طرح المفهوم على المستوى الأكاديمي، ورغم تبنى عدة دول له ودفاعها عنه، لم يصاحبه تطوير الأطر القانونية الملائمة، خاصة فى ظل التهديدات الشديدة التى تؤثر على أمن الأفراد التى تتطلب تعديلات للتخفيف من حدة تلك التداعيات، كما فى حالة اللاجئين البيئيين.
- المنظور التقليدى القائم على أن أمن الدولة يجّب كل ما بداخلها، وفى ظل الأزمات المتتالية وفى مقدمتها التغيرات المناخية، قد لا يكون دقيقًا بصورة كاملة. فوفقًا للمفهوم التقليدى للأمن قد تكون الدولة آمنة، إلا أن الأمن الإنسانى للأفراد بداخلها يواجه تحديات خطيرة.
- تحديات الأمن الإنسانى أصبحت شاملة ومتداخلة؛ فمع كل تطور بشرى نشهده عالميًا يواجه الأفراد تحدّيات متزايدة للأمن، فتحدّيات الأمن الإنسانى أصبحت أكثر خطورة وأكثر تهديدا لأمن الأفراد والمجتمعات. يُضاف لذلك التحدّيات الأمنية المستحدثة وتهديدها للأمن البشري.
- رغم تبنى بعض الدول لمفهوم الأمن الإنسانى سواء كان ذلك على مستوى سياستها الداخلية أو الخارجية، إلا أن ذلك لم يصاحبه تطورات على القدر ذاته من مواجهة مستويات التهديد. فرغم غياب الأرقام الدقيقة التى تقيس التطور فى مستوى تهديدات الأمن الإنساني، إلا أن الأزمات الصحية والبيئية التى عاناها العالم مؤخرًا تؤكد غياب تحقيق هذا الهدف، خاصة أن طرح المفهوم من قبل دول ما جاء فى إطار الاستخدامات المزدوجة للمفاهيم أو صيغة محسنة للتدخل الدولى الإنسانى Humanitarian Innervation.
- تؤكد الأزمات البيئية وتداعياتها على الأمن الإنسانى على أن استمرار غياب التنسيق على المستوى الدولى لمواجهة تلك التهديدات من شأنه مضاعفة حجم التهديد لأمن الأفراد ليتحول فى بعض الأحيان لتهديد وجودي.
- تزداد الحاجة لمثل هذا التنسيق فى ضوء حقيقة أنه رغم أن الدول الأكثر هشاشة هى الأكثر تأثرًا بتداعيات التغيرات المناخية، إلا أن الطبيعة الحادة والمفاجئة وما شهده العالم على مدى السنوات الأخيرة قد يؤثر على قدرات الدول كافة على المواجهة.
- أحد أبعاد الخطورة يتمثل فى أن بعض التحركات لمواجهة التغيرات المناخية فى أماكن بعينها قد يصاحبها تهديدات أكثر للأمن الإنساني، ومن ذلك فالاتجاه للوقود الحيوى كبديل للأحفورى من شأنه التأثير سلبًا فى الأمن الغذائى وهو ما يتطلب دراسة جيدة للبدائل المختلفة وتداعياتها.
ختامـــًا:
يمكن النظر للتغير المناخى على أنه مُنشىء للتهديدات الموجهة لأمن الأفراد، ولكنه فاقم منها وزاد من حدتها ونطاق اتساعها وغير القواعد المستقرة مسبقا؛ بحيث ضاعفت التغيرات المناخية من تزايد حدة تهديدات الأمن الإنساني، ومما فاقم الوضع هو عدم وجود الأطر القانونية الملائمة فى أغلب الأحيان. بحيث أضاف التغير المناخى بعدًا جديدًا لمفهوم الأمن الإنساني. لذا فمن المهم التحرك على مسارات مختلفة حتى لا تتحول تداعيات التغيرات المناخية إلى خطر وجودي.
المصادر:
رابط دائم: