باتت ظاهرة التغير المناخي إحدى القضايا التى تحتل مرتبة متقدمة بالأجندة الدولية فى الآونة الأخيرة، لتداعياتها الكارثية على المستويين العالمي والوطني، خاصة فى ضوء اجتياح ظواهر جوية متطرفة كثيرا من المناطق حول العالم. لذلك، أعرب عدد من التقارير الدولية التى صدرت أخيرا عن حالة القلق المتزايد من إقبال العالم على كارثة مناخية، حال عدم تضافر الجهود الدولية. ومن ثم، تسابقت كثير من دول العالم لوضع قضية التغير المناخي على رأس أجندتها السياسية الوطنية، لتتضمن خططا طموحا للتحول نحو بيئة مستدامة، أملًا فى مجابهة التداعيات الجسيمة للتغيرات المناخية.
لكن تعقُّد المشهد السياسى العالمي، مع اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية، كشف النقاب عن عدم تردد دول العالم فى النكوص عن التزاماتها البيئية، فى محاولة لتجنب حدوث أزمة اقتصادية محتدمة. ومع تدهور العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين، وما ترتب عليها، تتلاشى الآمال بشأن إمكانية التعاون بين الجانبين للحد من آثار ظاهرة التغير المناخي.
انطلاقًا مما سبق، تعد قمة المناخ بشرم الشيخ، المقرر عقدها خلال شهر نوفمبر القادم، أمام مفترق الطرق، لاسيما فى ضوء تعقد المشهد العالمي، مع وجود استقطابات سياسية على المستوى الدولي، تجعل العالم على مشارف حرب باردة جديدة بحسب العديد من التحليلات الغربية. ومن ثم، نستعرض الرؤية الغربية لقضية التغير المناخى كإحدى الأولويات على رأس الأجندة الدولية، وتداعياتها على المناطق المختلفة حول العالم، وأبرز التقنيات التى يمكن التعويل عليها لمواجهة تداعيات التغير المناخي، وأخيرًا سنتناول أهم القضايا المحتملة على أجندة مؤتمر المناخ القادم بمدينة شرم الشيخ.
قضية محورية على الأجندة الدولية:
أصبحت ظاهرة التغير المناخى إحدى القضايا التى تتمتع بثقل دولي، وكثيرًا ما تتم مناقشتها بالمؤتمرات الدولية، وعلى المستويات الوطنية، سعيًا للتوصل إلى الحلول المثلى لمكافحة تداعياتها. لذلك، جاءت التقارير الدولية لتحث العالم على ضرورة اتخاذ خطوات فعالة لضمان الوصول إلى الحياد الكربونى للحد من ظاهرة الاحترار العالمي.
فى هذا السياق، أشار التقرير الصادر عن الهيئة الدولية الرائدة المتخصصة فى علم المناخ «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ»، فى 4 أبريل عام 2022، إلى تلاشى الآمال بشأن الحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى إلى مستويات آمنة نسبية. يعد هذا التقرير الأحدث فى سلسلة من التقارير التى تصدرها الهيئة المتخصصة. ففى المجلد الأول المعنى بالعلوم الفيزيائية للنظام المناخى الذى نشر فى أغسطس 2021، جاد أن المناخ يتغير بسرعة أكبر مما كان متوقعًا من قِبل علماء المناخ. فى حين أظهر المجلد الثانى أن عواقب الاضطرابات فى نظام المناخ العالمى بدورها أسوأ مما كان متوقعًا، مع وجود تقييمات بشأن مدى قدرة البشر والعالم الطبيعى على التكيف مع التغيرات المناخية. ويحدد المجلد الثالث والأخير الإجراءات التى يمكن أن يتخذها العالم لوقف ارتفاع درجات الحرارة. كما يحدد عواقب هذه الإجراءات على الاقتصاد واستخدام الأراضي، بالإضافة إلى كيفية تغيير سلوك البشر من بين العديد من الإجراءات الأخرى(1).
وقد خلص التقرير إلى عدة استنتاجات، أبرزها أن الوصول بصافى انبعاثات الكربون العالمية إلى الصفر بحلول عام 2050 يتطلب أن يتم تجنب تجاوز ارتفاع درجة الحرارة أكثر من 1.5 درجة مئوية بنسبة احتمال تصل لنحو 50% خلال القرن الحادى والعشرين. ويتطلب الوصول لصافى انبعاثات الكربون العالمية إلى الصفر، بحلول عام 2070، أن يتم الحفاظ على الاحترار أقل من درجتين مئويتين بنسبة احتمال تصل لنحو 50%.
وعلى الرغم من الوعود التى قطعتها جميع الدول تقريبًا بمكافحة التغير المناخي، فقد وجدت الهيئة أن القفزة فى المتوسط السنوى لصافى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى بين أعوام 2000 و2009، و2010 و2019، كانت «أعلى زيادة فى متوسط الانبعاثات العقدية المسجلة». مع ذلك، لوحظ تباطؤ متوسط معدل نمو الانبعاثات من 2.1٪ إلى 1.3٪ سنويًا خلال الفترة ذاتها.
تجدر الإشارة إلى أنه من أجل الوصول إلى 1٫5 درجة مئوية، يتطلب ذلك انخفاض الاستخدام العالمى للفحم بنسبة 95٪ بحلول عام 2050، فضلًا عن انخفاض استخدام النفط والغاز بنسب 60٪ و45٪ على التوالى خلال الفترة ذاتها(2).
لم تختلف نتائج التقرير الصادر عن الهيئة المتخصصة فى علم المناخ كثيراً عما تناوله المقال المنشور بوكالة بلومبرج بشأن التوقعات المتضمنة بتقرير صادر عن مركز «هادلي» للتنبؤ والبحوث المناخية بأن حرارة الصيف ستكون أكثر سخونة بمقدار 4 درجات مئوية من مستويات ما قبل الثورة الصناعة بحلول نهاية القرن، أى أكثر من ضعف هدف 1.5 درجة الذى حددته اتفاقية باريس للمناخ فى عام ٢٠١٥(3). لذلك، دعت المجموعة الاستشارية لأزمة المناخ، وهى تحالف دولى من العلماء مكلف بإعداد التقرير، إلى خفض سريع فى انبعاثات الاحتباس الحراري، واتخاذ تدابير لإزالة ثانى أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، فضلًا عن وضع خطة لإعادة تجميد محيط القطب الشمالي، الذى يعانى جزئيًا ظاهرة الاحتباس الحراري. يأتى هذا التقرير وسط مخاوف من حدوث تراجع عالمى فى مبادرات المناخ، حيث تعانى الحكومات ارتفاع أسعار الطاقة لمستويات قياسية عقب التدخل الروسى فى أوكرانيا، الذى أسهم فى وجود توقعات بشأن تسجيل الاستهلاك العالمى للفحم رقما قياسيا خلال العام الحالى ٢٠٢٢.
على صعيد آخر، سعت الدول الكبرى إلى دراسة تداعيات التغير المناخى على اقتصاداتها باستفاضة، سعيًا لرفع جاهزيتها للتصدى لتلك الظاهرة. فى هذا الصدد، أصدرت المؤسسة البحثية الأمريكية «راند» تقريرًا بعنوان «تقييم مخاطر التغير المناخى على المجالات الوطنية الحيوية»، ليلقى الضوء على الآثار المادية السلبية للتغير المناخى على القطاعات الحيوية الأمريكية، ما يلقى بتداعياته الكارثية على الأمن القومى الأمريكى بكل أبعاده. فى هذا السياق، تم تطوير إطار عمل لإدارة المخاطر لتقييم تداعيات التغير المناخى على المجالات السبعة والعشرين ذات الأولوية للولايات المتحدة على غرار إمداد المياه، والسلامة العامة، وتوفير الإسكان، وغيرها من المجالات. كما تم تحديد ثمانى ظواهر مناخية (الجفاف، والبرد الشديد، والحرارة الشديدة، والفيضانات، وارتفاع مستوى سطح البحر، والعواصف الشديدة، والأعاصير المدارية، وحرائق الغابات) خلال ثلاث فترات زمنية مختلفة (بحلول أعوام 2030، و2050، و2100) من خلال سيناريوهين أساسيين، إما فى حال انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الحالية، أو انبعاثات الغازات المرتفعة(4).
وقد توصّل التقرير إلى أنه من المتوقع أن تواجه جميع المجالات الوطنية السبعة والعشرين التى تم تحليلها على الأقل اضطرابًا طفيفًا إثر تغير المناخ بحلول عام 2100 فى ظل سيناريو قائم على انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الحالية. أما بحلول عام 2030، فإن القطاعات الوطنية الأكثر تعرضًا لمخاطر التغير المناخى هى توفير السلامة العامة وإمدادات المياه. الجدير بالذكر أن إمدادات المياه تواجه مخاطر حدوث اضطراب معتدل بحلول عام 2030 بسبب الجفاف الطويل الأمد والفيضانات والحرائق الهائلة. كما تشكل الفيضانات، وارتفاع مستوى سطح البحر، والأعاصير المدارية أكبر خطر لاضطراب القطاعات الحيوية على المستوى الوطني. ومن المتوقع أن تتعرض مختلف القطاعات الحيوية لمخاطر الاضطراب المعتدل إثر ارتفاع مستوى سطح البحر بحلول عام 2100. ويتوقع أيضا أن تكون ثلاثة أرباع القطاعات الوطنية معرضة لخطر الاضطراب المعتدل الناجم عن الفيضانات. وأخيرًا، من المنتظر أن يتعرض أكثر من ثلثى القطاعات الوطنية لخطر الاضطراب المعتدل من الأعاصير والأعاصير المدارية(5).
فى ضوء التداعيات السلبية السالفة الذكر للتغير المناخى على الأمن القومى الأمريكي، تناول كل من كاثرين بلانت، وفريد دفورك بصحيفة «وول ستريت جورنال» نجاح الكونجرس الأمريكى فى تمرير مشروع قانون المناخ التاريخي، تحت مسمى «قانون الحد من التضخم»، للحد من انبعاثات الكربون وتسريع التحول نحو الاستدامة البيئية، حيث تم تخصيص 369 مليار دولار أمريكى على مدى العقد المقبل للإنفاق على مشروعات المناخ والطاقة، لتشمل أيضًا إعفاءات ضريبية لتغطية ما يصل إلى 50% من بعض تكاليف المشروعات، سعيًا لنشر مزارع الرياح والطاقة الشمسية، فضلًا عن تقنيات أخرى، مثل إنتاج الهيدروجين وتخزين الطاقة. الجدير بالذكر أن التشريع المناخى يستهدف تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 40% بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2005(6).
فيما يتعلق بالقارة الأوروبية، أشار مجلس الاتحاد الأوروبى إلى تحديد هدف ملزم لتحقيق الحياد المناخى بحلول عام 2050، الذى يتطلب انخفاض مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الحالية بشكل كبير فى العقود القادمة. تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد رفع طموحاته المناخية لعام 2030، من خلال التزامه بخفض الانبعاثات بنسبة 55٪ على الأقل بحلول عام 2030(7). وقد اتجه نحو إقرار مجموعة من التشريعات الخاصة بحزمة تغير المناخ الرئيسية للاتحاد الأوروبي، التى يطلق عليها اسم «Fit for 55». فهى تتضمن تشريعات مقترحة بشأن عدد من المجالات، أبرزها: نظام تداول الانبعاثات فى الاتحاد الأوروبي، وآلية تعديل حدود الكربون، وصندوق المناخ الاجتماعي، والطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة(8).
من جهة أخرى، سلّط كل من كيم ماكريل، وماثيو دالتون فى مقال منشور بصحيفة «وول ستريت جورنال» الضوء على التداعيات السلبية للتدخل الروسى فى أوكرانيا على مدى قدرة الدول للوفاء بالتزاماتها البيئية، حيث تتوجه دول الاتحاد الأوروبى لتأمين إمداداتها من الغاز الطبيعى قبل الشتاء القادم، بما يتعارض مع التوجهات العالمية للتحول نحو الطاقة النظيفة. فقد سعت الدول الأوروبية نحو تجهيز بنية تحتية لاستيراد الغاز الطبيعى المسال من عدد من الدول(9). أثار هذا الأمر انتقادات ضد الاتحاد الأوروبى بشأن نكوصه عن الالتزام بأهداف اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، حيث يشير بعض الخبراء إلى أن استمرار اعتماد أوروبا على الغاز سيسهم فى احتجاز مستويات عالية من الانبعاثات الكربونية. كما يقدر أحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة ضرورة خفض استخدام الغاز الطبيعى فى الكهرباء والتدفئة بنحو 10% بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2020، و45% بحلول عام 2050، للوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية. من جهة أخرى، يرى المسئولون الأوروبيون أن الغاز الطبيعى يعد مصدرًا أفضل مقارنة بالفحم، فهو يسهم بنحو نصف الانبعاثات الكربونية من الفحم(10).
مع ذلك، لم تتردد بعض الدول الأوروبية بشأن التوجه نحو استخدام الفحم، حيث تناول مقال منشور بصحيفة «أويل برايس» الخطوات التى اتخذتها بعض الدول الأوروبية، التى كانت بمنزلة انتكاسة عن الالتزام بالتحول نحو بيئة نظيفة، حيث قامت هولندا، وإيطاليا، والدنمارك بزيادة واردات الفحم من جنوب إفريقيا، حيث إن 15% من إجمالى صادرات أكبر محطة فحم فى إفريقيا Richards Bay coal terminalاتجهت إلى دول الاتحاد الأوروبى خلال العام الحالى مقارنة بنحو 4% عام 2021(11).
أما فيما يتعلق بالصين، فقد أعلنت مستهدفاتها بشأن تصفير صافى انبعاثات الكربون بحلول عام 2060، مع تحقيق ذروة انبعاثات الكربون قبل عام 2030. تجدر الإشارة إلى أن الاستثمارات العامة والخاصة فى الطاقة النظيفة فى الصين بلغت 381 مليار دولار العام الماضي، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، والتى تفوق استثمارات أمريكا الشمالية بنحو 146 مليار دولار. كما أن حصة توليد الكهرباء التى توفرها مصادر الطاقة المتجددة أعلى فى الصين مقارنة بالولايات المتحدة. علاوة على ما سبق، اشترى المواطنون الصينيون عددًا أكبر من السيارات الكهربائية والشاحنات الصغيرة، بما يوازى 3.3 مليون سيارة عام 2021، أكثر مما اشتراه العالم بأسره معًا عام 2020. مع ذلك، ظهرت صورة متناقضة لما سبق ذكره فى الصين، إذ تقود العالم فى بناء محطات فحم جديدة، لتمثل نحو نصف الفحم المحترق على مستوى العالم بشكل سنوي، وفقًا لصحيفة «بوليتيكو»(12).
التداعيات الكارثية للتغير المناخي:
إن ما شهدته مختلف بقاع العالم من ظواهر جوية قاسية ومتطرفة، خلال العام الحالى ٢٠٢٢، عُدَّ بمنزلة جرس إنذار للعالم أجمع بأنه مقبل على كارثة مناخية. فقد تشابهت المناطق المختلفة بالوضع المتدهور نظرًا للتغير المناخي، سواء فى القارة الإفريقية، أو الأوروبية، أو الأمريكية دون أدنى تمييز. فبالنسبة للقارة الأوروبية، تناول المقال المنشور بوكالة بلومبرج ارتفاع درجات الحرارة لأرقام قياسية فى القارة، حيث من المتوقع أن يكون المتوسط المعتاد لدرجات الحرارة بأوروبا بحلول عام 2035. ومن ثم، يعنى ارتفاع درجات الحرارة فى أوروبا أنها ربما تعانى أسوأ موجة جفاف لها منذ 500 عام، وفقًا لمركز الأبحاث المشتركة التابع للاتحاد الأوروبي. لذلك، تراجعت الدول الأوروبية عن التزاماتها البيئية، من خلال استخدام الاتحاد الأوروبى للفحم، إذ من المتوقع أن يرتفع استهلاكه بنسبة 7%، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية(13). وأضافت المفوضية الأوروبية أن عددا من الدول، على غرار إيطاليا، واليونان، وكرواتيا، تتعرض لندرة المياه، فى ضوء ارتفاع درجات الحرارة، حيث انخفض منسوب مياه نهر بو، أطول نهر فى إيطاليا، الذى يستخدم لرى المحاصيل المحلية، مثل الأرز والذرة(14).
فيما يتعلق بمنطقة البحر المتوسط، تناول مقال منشور بمجلة «فورين بوليسي» ظروف التغير المناخى فيها، حيث تواجه إسبانيا والبرتغال ظروفهما الأكثر جفافا منذ أكثر من 1000 عام، بينما أجبرت حرائق الغابات فى اليونان عشرات الآلاف من الأشخاص على الفرار من ديارهم. كما من المتوقع أن يتعرض المغرب لندرة المياه بشكل كامل بحلول عام 2030(15). وقد عدَّت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ منطقة البحر المتوسط بؤرة ساخنة لتغير المناخ، حيث تزداد درجات الحرارة بنسبة 20% أسرع من المعدل العالمي، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
بالإضافة إلى ما سبق، يحذر الخبراء من أن مجتمعات البحر المتوسط قد تواجه مستقبلًا مثيرًا للقلق بشكل خاص، حيث يمكن أن يرتفع مستوى سطح البحر فى المنطقة بما يصل إلى 25.6 سم بحلول عام 2050، ما يهدد ما يقرب من ثلث سكان البحر المتوسط الذين يتركزون على طول مناطقها الساحلية، بالإضافة إلى مواقع اليونسكو المتعددة فى المنطقة(16).
وسلّط المقال المنشور بوكالة بلومبرج الضوء على التداعيات السلبية للتغير المناخى على الاقتصاد الأوروبي، حيث إن تعرُّض الأنهار للجفاف والنضوب سيشكل خطورة على طرق الشحن والزراعة وإمدادات الطاقة، فضلًا عن إمدادات مياه الشرب. فعلى سبيل المثال، انخفض منسوب المياه فى نهر الراين، الذى يمثل أحد أعمدة الاقتصادات الألمانية والهولندية والسويسرية. وانخفض بدوره منسوب مياه نهر الدانوب، الذى يشق طريقه بطول 1800 ميل وسط أوروبا إلى البحر الأسود. تجدر الإشارة إلى أن التجارة عبر أنهار وقنوات أوروبا تسهم بنحو 80 مليار دولار فى اقتصاد المنطقة(17).
بالنسبة لأمريكا الشمالية، تعرض نهر كولورادو للجفاف، ما يلقى بتداعياته الجسيمة على عدد من الولايات الأمريكية والمكسيكية، لاسيما أنه مصدر للمياه لنحو 40 مليون شخص، فضلًا عن إسهامه فى رى نحو 4.5 مليون فدان من الأراضي. ومن ثم، يسهم فى توليد نحو 1.4 تريليون دولار سنويًا من العوائد الاقتصادية.
من ناحية أخرى، لم تكن الصين بعيدة عن الآثار المادية للتغير المناخي، فانخفض مستوى المياه بنهر يانجتسي، أطول نهر فى آسيا، ما أدى إلى إعاقة توليد الكهرباء فى العديد من محطات الطاقة الكهرومائية الرئيسية. كما أن المدن الكبرى، بما فى ذلك شنغهاي، تطفئ الأنوار للحد من استخدام الطاقة. علاوة على ما سبق، أغلقت شركتا Toyota Motor CorpوContemporary Amperex Technology Co، أكبر المصانع لبطاريات السيارات الكهربائية فى العالم مصانعهما(18).
واتفق المقال المنشور بوكالة بلومبرج مع ما سبق ذكره بشأن التداعيات المتفاقمة للتغير المناخى على الصين، حيث أُعلنت حالة الطوارئ بسبب الجفاف. فعلى سبيل المثال، تضرر 220 ألف شخص فى مقاطعة هوبي، بينما تضرر 17 مليون فدان من المحاصيل. أما فى مقاطعة سيتشوان، فقد أُتلف 116 ألف فدان من المحاصيل، فضلًا عن تضرر 1.1 مليون فدان. كما يواجه 819 ألف شخص نقصًا فى مياه الشرب. أما فى مقاطعة تشونج تشينج، فمن المقدر أن يواجه مليون شخص فى المناطق الريفية نقصًا فى مياه الشرب(19).
فيما يخص منطقة القرن الإفريقي، أشار تقرير صادر عن «اليونيسيف» إلى أن أكثر من «20 مليون شخص، وما لا يقل عن 10 ملايين طفل يواجهون ظروف جفاف قاسية فى منطقة القرن الإفريقي». وتجدر الإشارة إلى أن ظروف الجفاف تؤثر فى الملتحقين بالمدارس فى المناطق المتضررة، لاسيما فى ضوء اضطرارهم للانتقال بحثًا عن مصادر المياه وسبل العيش. بشكل عام، هناك 15 مليون طفل خارج المنظومة التعليمية فى منطقة القرن الإفريقي، ويقدر أن يتعرض 1.1 مليون طفل لخطر التسرب بسبب الجفاف. علاوة على ما سبق، تؤدى حركة انتقال السكان الناجمة عن الجفاف إلى تعميق أزمة النازحين، الذين يبلغ عددهم أكثر من 7.5 مليون شخص بسبب الجفاف فى عام 2022(20).
ومن المقدر أن يحتاج ما يصل إلى 20 مليون شخص فى جيبوتى وإثيوبيا وإريتريا وكينيا والصومال إلى المياه والمساعدات الغذائية حتى نهاية عام 2022، بسبب ارتفاع معدلات الجفاف وانعدام الأمن والصراع والتحديات الاقتصادية. وتشير تنبؤات المناخ المبكرة إلى احتمالية متزايدة لموسم هطول الأمطار دون المتوسط بين أكتوبر وديسمبر 2022(21).
وقد تأثرت الزراعة فى منطقة القرن الإفريقى سلبًا بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار، ما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، مع تزايد مخاطر المجاعة الذى يلوح فى الأفق. من الجدير بالذكر أن نحو 2.1 مليون رأس من الماشية نفقت فى إثيوبيا، مع تعرض 22 مليونًا للخطر. وقد انعكس تدهور الأوضاع الغذائية على الفئات المجتمعية كافة، لاسيما الأطفال، حيث تقدر منظمة «اليونيسيف» أن مليونى طفل بحاجة إلى العلاج من «سوء التغذية الحاد»، لاسيما فى إثيوبيا والأراضى القاحلة فى شمال كينيا والصومال. على صعيد آخر، يؤدى الجفاف إلى تفاقم أزمة المياه فى المنطقة، حيث تشير الأمم المتحدة إلى أن 8.5 مليون شخص (بمن فى ذلك 4.2 مليون طفل) يواجهون نقصًا فى المياه بالمنطقة(22).
على صعيد آخر، أشار التقرير المنشور بمركز «بروكينجز» إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تُعد من بين أكثر الأماكن عرضة لتغير المناخ فى العالم، حيث سلطت منظمة الأمم المتحدة الضوء على الخسائر المدمرة التى سيحدثها تغير المناخ على إمدادات المياه وأنظمة إنتاج الغذاء فى المنطقة. ففى هذه المنطقة، تعد ندرة المياه بالفعل مشكلة كبيرة، لاسيما أنها تضم 12 من بين 17 دولة تعانى نقص المياه وفقًا لمعهد الموارد العالمية. ويقدر البنك الدولى أن تكلف ندرة المياه المرتبطة بالمناخ دول الشرق الأوسط ما بين 6% و14%من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2050، بسبب الآثار المرتبطة بالمياه على الزراعة والصحة والدخل(23). وقد حذرت جماعات الإغاثة من أن أكثر من 12 مليون شخص فى العراق وسوريا يعانون فقدان المياه والغذاء والكهرباء بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار بشكل قياسي. كما يجتاح التصحر العراق وسوريا والأردن وإيران.
لا يقتصر تأثير التغير المناخى فى المجتمعات على الآثار الاقتصادية والإنسانية المباشرة فقط، وإنما قد يمتد إلى آثار غير مباشرة فقط من خلال اندلاع الصراعات، وما يصاحبه من حالة عدم الاستقرار المجتمعى والسياسي. لذا، توصلت ورقة بحثية أعدتها جامعة ستانفورد بشأن تأثير تغير المناخ فى مخاطر الصراع المسلح أن الجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية وغيرها من التحولات المناخية قد أثرت فيما بين 3٪ و20٪ من الصراعات على مدى القرن الماضي(24).
حلول وتقنيات مستقبلية لمكافحة تداعيات التغير المناخي:
فى ضوء تفاقم التداعيات الكارثية للتغير المناخي، سعت الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية، سواء على المستويات الرسمية أو غير الرسمية، إلى البحث عن الحلول المستقبلية للتخفيف من آثار التغير المناخي. إلا أن بعض هذه الحلول والتقنيات قد يكون تم تطبيقها بفعالية على نطاق واسع، مقارنة بالأخرى فى الوقت الحالي، ما يستلزم المزيد من البحث والدراسة فى الحلول الممكنة كافة، لتطبيقها وفقًا للظروف المواتية بدولة ما.
فى هذا الصدد، أطلق المنتدى الاقتصادى العالمى والمبعوث الرئاسى الأمريكى الخاص للمناخ جون كيري، خلال قمة المناخ 26، تحالف The First Movers Coalition، الذى يضم 55 شركة، بقيمة سوقية جماعية تبلغ نحو 8.5 تريليون دولار. ويهدف التحالف إلى إطلاق سوق التقنيات المنخفضة الكربون من خلال الالتزام بشراء نسبة مئوية من الموردين الذين يستخدمون حلولًا قريبة من الصفر أو خالية من الكربون. وقد يكون استخدام مصادر الطاقة المتجددة فى بعض القطاعات أقل تنافسية. فمثلًا، تعمل تقنيات الطاقة النظيفة الأكثر تنافسية من الناحية التجارية على إزالة الكربون من نظام الطاقة الكهربائية، إلا أنها لا تزال غير مجدية تجاريًا فى قطاعى الطيران والشحن وغيرهما(25). كما أن الحلول التكنولوجية الضرورية، بما فى ذلك الهيدروجين الأخضر المنتج باستخدام الطاقة المتجددة والأمونيا النظيفة وأنواع وقود الطائرات والتقنيات الكربونية شبه الصفرية، ليست منافسة تجاريًا. ولكن من الضرورى طرحها فى السوق بحلول عام 2030 لتحقيق صافى انبعاثات عالمية بحلول عام 2050.
من جهة أخرى، اجتذبت تقنيات المناخ حجم استثمارات بلغ أكثر من 85.7 مليار دولار بين أكتوبر 2020 وسبتمبر 2021، وفقًا لتقرير PricewaterhouseCooper (PwCعن حالة المناخ. كما توجد أكثر من 3000 شركة ناشئة فى مجال تكنولوجيا المناخ على المستوى العالمي. وأشار التقرير إلى أن هناك إمكانات هائلة غير مستغلة للاستثمار فى القطاعات، التى سيكون لها التأثير الأكبر فى التخفيف من أزمة المناخ. فعلى سبيل المثال، تلقى مجال النقل 61٪ من إجمالى التمويل الاستثماري، على الرغم من إسهامه بنحو 16٪ فقط من الانبعاثات العالمية. فى حين تلقى مجال الصناعة وإدارة الموارد نحو 9% من إجمالى التمويل الاستثمارى على الرغم من إسهامه بنحو 29% من الانبعاثات العالمية(26).
على صعيد آخر، أشار «جان شاتو» فى مقال منشور بصحيفة «أوراسيا ريفيو» إلى أهمية تفعيل آلية تسعير الكربون، للحد من انبعاثات الكربون، إلا أن الكثير من الدول تتردد بشأن استخدام هذه الآلية، خوفًا من إعاقة بعض القطاعات الصناعية العالية الانبعاثات على غرار صناعة الصلب. من جهة أخرى، قدّم صندوق النقد الدولى عام 2021 مقترحًا بشأن وضع حد أدنى لتسعير الكربون ليتراوح بين 25 و75 دولارا لكل طن من الكربون، استنادًا إلى مستويات التنمية الاقتصادية للدول. تجدر الإشارة إلى أن عددا من الخبراء يدافعون عن هذه الآلية، انطلاقًا من أخذها فى الحسبان التفاوت الاقتصادى والاجتماعى بين الدول. كما أنه يحول دون تطبيق آلية «تعديل حدود الكربون»، التى تفضلها الدول المتقدمة لحماية صناعاتها المحلية، دون الأخذ فى الحسبان مصالح الدول النامية(27).
فى هذا السياق، تناول تقرير البنك الدولى بعنوان «حالة واتجاهات تسعير الكربون» ارتفاع عوائد تسعير الكربون العالمى إلى نحو 84 مليار دولار فى عام 2021، بزيادة بنحو 60% مقارنة بمستويات عام 2020، ما يوفر مصدرًا مهمًا للأموال للمساعدة فى دعم الانتعاش الاقتصادى المستدام. ومع ذلك، وجد التقرير أن أقل من 4% من الانبعاثات العالمية مشمولة حاليًا بسعر الكربون المباشر فى النطاق المطلوب بحلول عام 2030 لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ(28).
علاوة على ما سبق، أكدت الكاتبة «إليزابيث برو» فى مقالها المنشور بمجلة «فورين بوليسي» محورية التوجه نحو استخدام بعض التقنيات اللازمة لمواجهة تداعيات التغير المناخى الكارثية، حيث أشار المقال إلى ضرورة إدخال التعديلات الهندسية على المبانى والبنية التحتية والطرق، بالإضافة إلى إدخال تغييرات فى وسائل الزراعة لمواجهة التغير المناخي. وشدد على أهمية بناء المدن على أسس سليمة لمواجهة الفيضانات، وارتفاع منسوب مياه البحر. فعلى سبيل المثال، يمكن تدشين المدن والأحياء العائمة على غرار مدينتى أمستردام وروتردام بهولندا(29). كما طرح المقال أحد الحلول من خلال تطبيق الزراعة المائية، التى تسهم فى زراعة النباتات دون الحاجة إلى تربة، ومن ثم يمكن تشجير عدد من المناطق، ما سيسهم فى الحد من انبعاثات الكربون. فى هذا السياق، قامت العديد من الشركات والمؤسسات بزراعة أسطح المباني، فى إطار التحول نحو بيئة مستدامة(30).
قمة شرم الشيخ.. تضافر الجهود الدولية:
مما لا شك فيه أن السياق الجيوسياسى الذى يحيط بمؤتمر المناخ بشرم الشيخ يتسم بالتعقيد الشديد، لاسيما فى ضوء التدخل الروسى فى أوكرانيا، فضلًا عن التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، ما قد يسهم فى إعاقة التعاون الدولى خلال مؤتمر المناخ القادم. وعادة ما تكون اجتماعات مجموعة دول العشرين، وهى مجموعة من الاقتصادات الرئيسية فى العالم، التى تسهم بنحو 80% من الانبعاثات العالمية، بمنزلة مراكز انطلاق مهمة للعمل المناخى فى مؤتمرات الأطراف السابقة. وقد أدى التدخل الروسى فى أوكرانيا إلى زعزعة استقرار مجموعة دول العشرين. ففى اجتماع عقد فى يوليو 2022، انسحب وزير الخارجية الروسي، سيرجى لافروف، رافضًا المباحثات مع الدول الغربية، ما يُستدل منه صعوبة التعاون بين القوى الكبرى بشأن قضية التغير المناخي. كما أن التدخل الروسى فى أوكرانيا دفع قضية التغير المناخى إلى أدنى أجندات الأعمال السياسية الوطنية لعدد كثير من دول العالم(31). ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما امتد إلى نكوص عدد من الدول عن التزاماتها البيئية، لمواجهة التداعيات الاقتصادية المتأزمة إثر اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية.
من جهة أخرى، كانت إحدى النتائج المحورية لمؤتمر جلاسكو، عقد اتفاقية المناخ بين واشنطن وبكين، إلا أن الصين قد أعلنت وقف التعاون مع الولايات المتحدة بشأن أزمة المناخ، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى «نانسى بيلوسي» إلى تايوان خلال شهر أغسطس 2022. وقد أشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية إلى تشاؤم الخبراء بشأن تضاؤل الأمل فى تجنب الاحتباس الحرارى الكارثى دون اتخاذ إجراءات قوية من جانب البلدين، لاسيما فى ضوء مسئوليتهما معًا عن نحو 40٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى العالم(32).
وأشار التقرير المنشور بالمركز البحثى «تشاتام هاوس» إلى أن العالم لا يزال بعيدًا عن المسار الصحيح للحد من تغير المناخ إلى المستويات المتفق عليها، حيث ذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنه فى جميع السيناريوهات، يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية بين عامى 2020 و2025، إلا أن الواقع يشير إلى ارتفاع معدلات الانبعاثات. ومن ثم، فإن هناك حاجة ملحّة لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول عام 2030، وأن تصل إلى «صافى الصفر» بحلول عام 2050، أملًا فى الحد من الاحترار العالمى إلى 1.5 درجة مئوية. من جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن نحو نصف سكان العالم معرضون بشدة لتأثيرات تغير المناخ(33). وقد تناول التقرير أبرز القضايا على أجندة المؤتمر القادم لمواجهة انزلاق العالم إلى كارثة مناخية، وهي:
١- التخفيف من آثار التغير المناخي: توصل ميثاق جلاسكو للمناخ إلى نتيجة مفادها أهمية قيام الدول بتعزيز أهداف 2030 فى الإسهامات المحددة وطنيًا لتتماشى مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ بحلول نهاية عام 2022. وبالتالي، فإن المؤتمر القادم له أهمية كبرى مقارنة بمؤتمرات الأطراف السابقة. ففى ختام مؤتمر المناخ «جلاسكو»، خلص رئيس المؤتمر «ألوك شارما» إلى أنه على الرغم من سريان الهدف الخاص بالوصول إلى 1.5 درجة مئوية، فإن الأمل ضعيف لتحقيقه. يعزّز هذا الأمر تقديم 18 دولة فقط للإسهامات المحددة وطنيا، على الرغم من قرب انعقاد المؤتمر القادم. وجاءت الغالبية العظمى من تلك الإسهامات المنقحة من البلدان النامية، باستثناء استراليا وسويسرا، على الرغم من إسهاماتها المنخفضة فى انبعاثات الكربون.
٢- التكيف مع آثار المناخ: حظيت قضية التكيف مع الآثار المادية لتغير المناخ اهتمامًا أقل، فضلًا عن تمويل أقل مقارنة بقضية التخفيف من آثار التغير المناخي، إلا أن مؤتمر جلاسكو تضمن جهودًا مبذولة لحث البلدان على مضاعفة تمويل التكيف، بالإضافة إلى إطلاق برنامج عمل لتحديد هدف عالمى بشأن التكيف لمدة عامين. ومع تعرض الدول المتقدمة والنامية على حد سواء لظواهر جوية متطرفة، أصبحت الحاجة الملحة للتكيف مع تغير المناخ أكثر وضوحًا بشكل متزايد. ومن ثم، يوفر المؤتمر القادم منصة مهمة لمناقشة تلك القضية(34).
٣- التمويل: هو القضية الأكثر إحباطًا للدول النامية، لعدم وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها لمساعدتها فى التخفيف والتكيف مع التغير المناخي. إلا أن مؤتمر جلاسكو شهد إطلاق تحالف «جلاسكو المالي الجديد» من أجل صافى انبعاثات صفري، الذى يضم المنظمات المسئولة عن الأصول المالية التى تبلغ قيمتها 130 تريليون دولار. يستهدف هذا المنتدى توفير «منصة للمؤسسات المالية الرائدة لتسريع الانتقال إلى اقتصاد عالمى خالٍ من الصفر»، فضلًا عن تمكين تلك المؤسسات لجعل أنشطتها تتماشى مع الهدف الخاص بالوصول إلى 1.5 درجة مئوية. لذلك، من المتنظر أن يقوم هذا التحالف بنشر تقرير يوضح بالتفصيل التدابير وأفضل الممارسات قبل مؤتمر شرم الشيخ.
٤- الخسائر والأضرار: تشير إلى الآثار المدمرة لتغير المناخ التى لا يمكن تجنبها، إما عن طريق التخفيف أو التكيف. لذلك، تسعى البلدان النامية، الأقل إسهاما فى تغير المناخ، إلى الحصول على دعم مالى لتغطية تكلفة الخسائر والأضرار من البلدان المتقدمة التى أسهمت أنشطتها الحالية والتاريخية إلى حد كبير فى أزمة المناخ.
وعلى الرغم من مساعى الدول المتقدمة لعرقلة مناقشة هذه القضية، فقد شهد مؤتمر جلاسكو بعض المباحثات بشأنها، بما فى ذلك إنشاء «حوار جلاسكو» لمدة ثلاث سنوات لمناقشة قضايا التمويل لمعالجة الأضرار والخسائر الناتجة عن التغير المناخي، مع إطلاق تعهدات رمزية بقيمة مليونى جنيه استرلينى ومليون يورو على التوالى من اسكتلندا ووالونيا ببلجيكا لمعالجة الخسائر والأضرار. انطلاقًا مما سبق، دعت الدول النامية إلى إضافة قضية الخسائر والأضرار بشكل رسمى إلى جدول أعمال مؤتمر شرم الشيخ، أملًا فى التوصل إلى قرارات ملموسة بشأن ترتيبات التمويل خلال المؤتمر.
٥- التقييم العالمي: من المرتقب أن يستضيف مؤتمر المناخ بشرم الشيخ أحد ثلاثة «حوارات فنية» كجزء من «التقييم العالمي» خلال الفترة من 2021 إلى 2023، حيث سيتم تقييم مدى الوفاء بالأهداف الخاصة باتفاقية باريس للمناخ على المستوى العالمي. ويتضمن التقييم مدى التقدم المحرز فى التخفيف والتكيف مع التغير المناخي، مع النظر فى آليات التنفيذ والدعم لهذه القضايا. كما يأخذ فى الحسبان العواقب الاجتماعية والاقتصادية للتدابير المتخذة والجهود المبذولة لمعالجة الخسائر والأضرار. وتهدف نتائج هذه العملية إلى إثراء الإسهامات المحددة وطنيًا وتعزيز التعاون الدولى للعمل المناخي(35).
وقد اتفق المركز الإفريقى للتحول الاقتصادى مع عدد من القضايا التى طرحها مركز «تشاتام هاوس»، إلا أنه أشار إلى فشل ميثاق جلاسكو للمناخ فى تقديم العديد من القضايا الحيوية لإفريقيا. لذلك، يمثل المؤتمر القادم بمدينة شرم الشيخ فرصة سانحة أمام دول القارة لإثارة بعض القضايا للتوسع فيها. فى هذا السياق، أكّد المركز ثلاث قضايا رئيسية يجب مناقشتها خلال المؤتمر القادم، هى كالتالي(36):
١- زيادة التمويل المتعلق بالمناخ، مع إعادة تأكيد أهمية وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها بشأن تقديم 100 مليار دولار للبلدان النامية لتمويل إجراءات مواجهة التغير المناخي، فضلًا عن الالتزام بمضاعفة تمويل إجراءات التكيف إلى 40 مليار دولار.
٢- قواعد أوضح حول أسواق الكربون: حيث يوضح المركز أن أسواق الكربون تمتلك فرصا هائلة للقارة، إلا أنها تمثل 2٪ فقط من حجم التجارة فى السوق العالمية. وللاستفادة من الفرص التى توفرها أسواق الكربون، ستحتاج معظم البلدان الإفريقية إلى تعزيز بيئاتها التنظيمية للاستفادة من أسواق الكربون، مع ضرورة نشر الوعى بين المواطنين لمعرفة العوائد من هذه الأسواق.
٣- الخسائر والأضرار والتعويضات المناخية للمجتمعات المتضررة: تحتاج المجتمعات المتضررة من التغير المناخي، على غرار حالات الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة، وغيرها من الظواهر المناخية، إلى المساعدات للتعافى من الكوارث والتقدم إلى الأمام بشكل أفضل، ما يتطلب وجود استثمارات كبيرة. فى هذا السياق، تبيّن التقديرات أن تكلفة تقليل الخسائر والأضرار فى البلدان النامية ومعالجتها سترتفع من 50 مليار دولار عام 2022 إلى ما بين 300 و428 مليار دولار بحلول عام 2030، وقد تصل إلى 1.67 تريليون دولار بحلول عام 2050. لذلك، يتطلب الأمر من الدول العمل معًا، أملًا فى تطوير آليات طموح حول الخسائر والأضرار كنقطة محورية خلال المؤتمر القادم فى شرم الشيخ(37).
انطلاقًا مما سبق، يمكن القول إن تمويل الخسائر والأضرار يعد إحدى القضايا التى اتفقت عليها المراكز البحثية، حيث ألقى تقرير آخر منشور بالمركز البحثى «تشاتام هاوس» الضوء على تحالف يضم الدول العشرين الأكثر عرضة للتغير المناخي، والذى تشكل، لاسيما فى ضوء الخسائر التى تعرضت لها تلك الدول، المقدرة بنحو 525 مليار دولار خلال الأعوام العشرين الماضية بسبب تأثيرات تغير المناخ. يضم هذا التحالف الدول الأقل نموًا اقتصاديًا والدول الجزرية الصغيرة الأكثر تعرضًا للتغير المناخي، على الرغم من كونها الأقل مسئولية عن انبعاثات الكربون تاريخيًا وفى الوقت الحالي. فعلى سبيل المثال، أسهمت القارة الإفريقية بأكملها بنسبة 3.8 % فقط فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى العالمية، ومع ذلك فهى القارة الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ(38).
يذكر التقرير أن الخسائر والأضرار، إثر التغير المناخي، تعد من القضايا المثيرة للجدل على أجندة مكافحة التغير المناخي، الذى يحمل فى طياته بالفعل آثارا سلبية على النظم البيئية والبنية التحتية وصحة الناس وسبل عيشهم فى جميع أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، ارتفعت درجات الحرارة فى منطقة بحيرة تشاد، بنحو درجتين منذ الستينيات، كما أثّرت الأحداث المناخية الحادة، التى تتراوح بين الفيضانات والجفاف، فى سبل عيش 40 مليون شخص. ومع ذلك، لا يوجد تعريف متفق عليه دوليًا للخسائر والأضرار. ومن المتوقع أن تصل تكاليف الخسائر والأضرار إلى ما لا يقل عن تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2050.
وبشأن استبعاد اتفاق باريس عام 2015، طالب التقرير بالتعويض عن الخسائر والأضرار فى إطار محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ. على صعيد آخر، تلقت قضية الأضرار والخسائر المزيد من الاهتمام بسبب الضغوط التى تمت ممارستها من قبل الدول النامية ومجموعات المجتمع المدني، ما أدى إلى إدراجها فى محادثات قمة المناخ بجلاسكو، حيث دعت مجموعة الـ 77 + الصين -كتلة تفاوضية للبلدان النامية- إلى تدشين صندوق مخصص لتمويل الخسائر والأضرار، إلا أنه تم رفض هذا الاقتراح. من جهة أخرى، دعا منتدى الدول النامية المعرضة للتغير المناخى قمة المناخ بشرم الشيخ للدفع نحو إصدار تقرير خاص من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ حول الخسائر والأضرار للإسهام فى تلافى الثغرات البحثية بشأن هذه القضية(39).
وقد أشار منتدى الطاقة الدولى إلى أنه من المتوقع أن يتم التطرق إلى بعض القضايا بالمؤتمر على غرار ضوابط الحصول على إعانات التنمية الخضراء، وتوحيد آلية الإبلاغ ولوائح الإفصاح عن الانبعاثات، وغيرها من التفاصيل الضرورية لضمان إنفاذ اتفاقية باريس للمناخ. كما سيشهد المؤتمر القادم مناقشات بشأن آليات أسواق الكربون، فضلًا عن قضية التكيف مع التغير المناخ، لاسيما أن 8% فقط من التمويل المخصص للمناخ تم توجيهها نحو التكيف مع التغير المناخي(40).
وأكّد المنتدى أن استضافة مصر لقمة المناخ تمثل فرصة حقيقية لمناقشة شواغل القارة الإفريقية فيما يخص التغير المناخي، بما فى ذلك الضغط على الدول المتقدمة للوفاء بتعهداتها لتقديم المساعدات اللازمة لمكافحة التغير المناخى البالغة 100 مليار دولار سنويًا(41). فقد أوضح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، أنه من أجل «إعادة بناء الثقة، يجب على البلدان المتقدمة أن توضح الآن كيف ستقدم بفعالية 100 مليار دولار فى تمويل المناخ سنويًا إلى العالم النامي، كما وعدت منذ أكثر من عقد». إلا أن الدول المتقدمة فشلت مرة أخرى خلال مؤتمر جلاسكو فى تقديم تلك التعهدات(42).
الخلاصة:
مما لا شك فيه أن العالم أمام لحظة فارقة من التاريخ مع تعرض مناطق العالم كافة على حد سواء لظواهر جوية متطرفة لم يسبق لها مثيل، تؤكد أن العالم على مشارف كارثة مناخية حتمية. إلا أن الأمر أصبح أكثر تأزمًا مع اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية، التى جعلت عددا من دول العالم أمام خيارين؛ إما إنقاذ الاقتصاد الوطني، أو مجابهة التغير المناخي. مع ذلك، لا يزال العالم يمتلك فرصة أخرى خلال مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، لتتحمل دوله مسئوليتها التاريخية نحو مجابهة تداعيات التغير المناخي. ومن ثم، سيتوقف النجاح فى مؤتمر المناخ القادم بمدينة بشرم الشيخ على مدى قدرة الأطراف المختلفة فى إبداء حسن النيات، لاسيما فى ضوء تعرض الجميع لضغوط بفعل سياق جيوسياسى فى غاية التعقيد.
الهوامش:
1- A new IPCC report says the window to meet UN climate targets is vanishing,The Economist, April 4, 2022, https://econ.st/3BeCpTV 2- Ibid.
3- John Ainger, Europe’s Record Heat Wave Will Be Summer Norm by 2035, Bloomberg, August 25, 2022, https://bloom.bg/3qxTnrz
4 - Michelle E. Miro, Andrew Lauland & others, Assessing Risk to the National Critical Functions as a Result of Climate Change, Rand Corporation, 2022, p.7 5 - Ibid, p.6.
6 - Katherine Blunt & Phred Dvorak, Climate Bill’s Success Hinges on Timely Renewable-Projects Build-Out, Wall Street Journal, August 13, 2022, https://on.wsj.com/3DsgCe7
7 - European Green Deal (Fit for55), European Council, https://bit.ly/3qzfIVJ
8 - Ibid.
9 - Kim Mackrael & Matthew Dalton, Europe’s Search for Natural Gas Runs Up Against Climate Goals, Wall Street Journal, June, 25, 2022, https://on.wsj.com/3RPcsS8 10 - Ibid.
11 - Haley Zaremba, The EU Is Buying More South African Coal Than Ever, Oil Price, June 22, 2022, https://bit.ly/3QHkk6G
12 - Swithin Lui, Why China is set to significantly overachieve its 2030 climate goals, Carbon Brief, May 19, 2022, https://bit.ly/3eRo4Fe, and Karl Mathiesen & Zack Colman, Newest cause for climate optimism? The U.S. rivalry with China, Politico, August 20, 2022, https://politi.co/3QFVfco
13 - John Ainger, Op.Cit.
14 - Drought in Europe August 2022 (GDO Analytical report), European commission, August 2022, p.14, and Christina Lu & Anusha Rathi, The Mediterranean as We Know It Is Vanishing, Foreign policy, August 1, 2022, https://bit.ly/3U9GLEj
15 - Christina Lu & Anusha Rathi, Op.Cit. 16 - Ibid.
17 - Brian K Sullivan, The World’s Rivers, Canals and Reservoirs Are Turning to Dust, Bloomberg, August 26, 2022, https://bloom.bg/3daOv8v 18 - Ibid.
19 - Mark Schiefelbein, Chinese farmers struggle as scorching drought wilts crops, Bloomberg, August 20, 2022, https://bloom.bg/3BC1Jok
20 - Regional call to action - Horn of Africa drought crisis: climate change is here now, May 2022, UNICEF, June 6,2022, p.1 21 - Ibid, p.3.
22 - Graham Peeble, Drought in The Horn of Africa: Worst In 40 Years, Eurasia review, July16, 2022, https://bit.ly/3S0ykJU
23 - Ranj Alaaldin, Climate Change may devastate the middle east, here’s how governments should tackle it, Brookings, March 14, 2022, https://brook.gs/3LaIXHQ 24 - Ibid.
25 - Kate Whiting, First Movers Coalition: How investing in tech could save the climate, World Economic Forum, May 25, 2022, https://bit.ly/3DotwKj 26 - Ibid.
27 - Jean Chateau, Florence Jaumotte & Gregor Schwerhoff, Why Countries Must Cooperate on Carbon Prices - Analysis, Eurasia Review, May 2022, https://bit.ly/3LcLXTW
28 - Global Carbon Pricing Generates Record $84 Billion in Revenue, The World Bank, May 24, 2022, https://bit.ly/3RKnNma
29 - Elisabeth Braw, A World of Fire and Floods Demands New Architecture, Foreign policy, August 29, 2022, https://bit.ly/3QB2hz2 30 - Ibid.
31 - Ruth Townend, What is COP27?, Chatham House, August24,2022,https://bit.ly/3d9BwnN
32 - Ibid, and Oliver Milman, What does the US-China row mean for climate change?, The Guardian, August 5, 2022, https://bit.ly/3eNS6tL
33 - Ruth Townend, Op.Cit.
34 - Ibid. 35 - Ibid.
36- Dolika Banda & Mavis Owusu-Gyamfi, The Road to COP27 in Africa: Three Priorities for Action», African Center for Economic Transformation, February 28, 2022, https://bit.ly/3U2mRvb
37 - Ibid.
38- Cynthia Liao, Nina Jeffs & Jon Wallace, What is loss and damage?, Chatham House, August 10, 2022 , https://bit.ly/3BhFrGU 39 - Ibid.
40 - The Road to COP 27, International Energy Forum, April 20, 2022, https://bit.ly/3xmviYq
41- Ibid.
42- Graham Peeble, Op.Cit.