باتت قضايا التغيرات المناخية تتماس بشكل مباشر وقضايا الأمن والسلم الدولى، فهى تتأثر وتؤثر فى الاستقرار العالمى؛ حيث إن زيادة تطرف الظواهر الجوية تؤدى إلى إحداث مهددات مباشرة للأمن الغذائى والمائى وأيضا أمن الطاقة، وصولا إلى جميع المفردات التى من شأنها التأثير فى اقتصادات الدول، وبالتبعية ينتقل التأثر للاقتصاد العالمى، الأمر الذى تترتب عليه زيادة التناحر الدولى بغية البحث عن مصالح الدول منفردة بعيدا عن مصلحة كوكب الأرض، وهذا يعنى تفاقم تبعات التغيرات المناخية كلما اشتدت وتيرة الأزمات الاقتصادية خاصة مع انصراف الدول الصناعية عن تعهداتها المتعلقة بالحفاظ على البيئة بعد أن باتت الطاقة التقليدية أحد أهم أوراق الضغط داخل ديمومة الصراع الدولى.
تتأثر قضايا التغيرات المناخية أيضا بالمناخ السياسى الدولى، فكلما كانت هناك أجواء من الاستقرار والسلام زاد اهتمام الدول الكبرى والمتسبب الرئيسى فى زيادة الانبعاثات الكربونية بقضايا المناخ، وعلى النقيض كلما اشتد الصراع بين تلك القوى الكبرى كما هو حادث الآن تراجع الاهتمام بالمحافظة على البيئة والتخلى عن الاستراتجيات الخاصة بالحياد الكربونى، فعلى الرغم من ارتباط أدوات الصراع الدولى بمسببات التغيرات المناخية، فإن الدول الكبرى عليها أن تتحمل مسئولياتها وتفى بتعهداتها التى قطعتها على نفسها فى مؤتمر باريس للمناخ، حتى فى ظل هذا الاحتقان الدولى الذى يتوجب فيه إخراج تلك القضية من معادلة الصراع وإدراك أن العالم بصدد جائحة مناخية تستلزم العمل الجماعى حتى إن اختلفت وجهات النظر فى قضايا أخرى، فإنقاذ كوكب الأرض ليس وجهة نظر بل هو أمر حتمى يتطلب عملا جماعيا لتحقيقه.
حتمية البقاء والوجود تستلزمان عملا جادا والانتقال من التعهدات إلى التنفيذ، لهذا يترقب العالم مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ cop27الذى تستضيفه شرم الشيخ لأنه يمثل فرصة مهمة ومفصلية لحشد الرأى العام الدولى حول الهدف الأسمى وهو إنقاذ كوكب الأرض، فمن مصر ينطلق صوت الضمير الإفريقى والعربى الذى يحمل آمال الشعوب النامية وتطلعاتها فى مستقبل أفضل داخل كوكب نظيف مستقر يلبى أهداف التنمية المستدامة، ويحقق الرفاهية للشعوب، وبالتبعية يتحقق الاستقرار الدولى والوصول إلى هذا الهدف، ويجعل حشد الجهود خلال مؤتمر شرم الشيخ ترتكز على ثلاثة مسارات رئيسية هى:
أولا، تخفيض الانبعاثات الكربونية التى من شأنها أن تخفض درجة حرارة الأرض درجة مئوية واحدة ونصف الدرجة وهو المستهدف الذى وضع خلال السنوات الماضية من قبل الدولة المنضمة إلى اتفاق الأمم المتحدة الإطارى للتغيرات المناخية، وهو ما يتوقف بشكل على قدرة الدول الصناعية الكبرى على خفض انبعاثاتها الكربونية، فهى المسهم الأساسى فى رفع درجة حرارة الأرض.
ثانيا، التكيف مع التغيرات المناخية وهذا عبر تعديل مسارات الدول نحو الاقتصاد الأخضر، وأيضا رفع قدرة الحكومات للتصدى للتبعات السلبية الناتجة عن الظواهر الجوية المتطرفة التى باتت تؤثر فى استقرار المجتمعات سواء عبر الكوارث الجوية أو التأثيرات المباشرة على مجالات الزراعة والأمن الغذائى.
ثالثا، التزام الدول الكبرى بتعهداتها التى تم إقرارها خلال مؤتمر باريس للمناخ والمتعلقة بتخصص ١٠٠ مليار دولار دعما للدول النامية لإحداث التكيف مع التغيرات المناخية والتحول إلى الاقتصاد الأخضر، وهو الالتزام الأخلاقى على تلك الدول قبل أن يكون رسميا؛ حيث إن الدول النامية وتحديدا الإفريقية منها تدفع ثمن تلك التغيرات المناخية من تنميتها المستدامة، ومن ثم التحويل إلى وسائل الطاقة النظيفة، وتوطين التكنولوجيات الخضراء يحتاج إلى تمويل يحقق العدالة فى تحمل تبعات التغيرات المناخية بين الدول المتقدمة والنامية، لهذا يعد شعار مؤتمر شرم الشيخ الأبرز هو الانتقال من التعهدات إلى التنفيذ.
أما المسارات التى تدعم عملا مناخيا عالميا يحقق نمو الاقتصاد وتقليل الخسائر البشرية والطبيعة، فهى تحتاج إلى إرادة سياسية دولية وإدراك حقيقى من قادة الدول الكبرى بأهمية تنحية قضايا التغيرات المناخية بعيدا عن الصراع الدولى القائم الآن، والذى إن اشتد فستخمده دبلوماسية الحوار، بينما إذا اشتعلت درجة حرارة الأرض أكثر فستكون مهمة إخماد نيرانها مستحيلة، فيجب ألا ينشغل العالم بديمومة الصراع، ويغفل عن بيئة الصراع التى ستطلق سهامها على الجميع دون رأفة أو شفقة، فالمناخ جزء لا يتجزأ من منظومة استقرار المجتمع الدولى وأمنه.
رابط دائم: