وقد بدأت الأراضى القديمة ذات الخصوبة العالية فى وادى النيل ودلتاه تعانى تدهور الخصوبة خاصة بعد إنشاء السد العالى نتيجة لتوقف إضافة العناصر الغذائية الطبيعية للتربة، وقد تزامن توقف إضافة مخصبات التربة مع زيادة التكثيف الزراعى نتيجة لتنظيم الرى وبدافع الزيادة الربحية وتغطية الطلب المتزايد الناجم عن الزيادة السكانية المطردة. ومع تحرير القطاع الزراعى، اتجه المزارعون إلى تكرار زراعة المحاصيل الأكثر ربحية بغض النظر عن أثر ذلك على خصوبة التربة، هذا علاوة على ارتفاع منسوب الماء الأرضى فى مساحات كبيرة من الأراضى، وكذلك وجود مساحة كبيرة من الأراضى الجيدة الضائعة فى قنوات رى ومصارف متسعة بغير داع وتزداد اتساعا مع مرور الزمن.
يتبين من الجدول رقم(2) الانخفاض فى معدلات نمو الإنتاجية الفدانية للمحاصيل الثلاثة الغذائية الرئيسية وعلى الأخص فى الفترة الأخيرة للثلاثة منتجات غذائية، الأمر الذى يعود إلى ارتفاع تكلفة التقاوى المحسنة التى تستخدم فى الإنتاج الزراعى لتلك المنتجات والتى تتميز بارتفاع الإنتاجية الفدانية لتلك التقاوى، بالإضافة إلى محدودية الإنفاق على البحث العلمى، وعلى الأخص فى استنباط سلالات مرتفعة الإنتاجية ومقاومة للتغيرات المناخية والتصحر، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى زيادة الإنتاجية الفدانية.
5- تعانى الزراعة المصرية من فراغ مؤسسى هائل، وترك الأغلبية العظمى من المزارعين من ذوى الحيازات الصغيرة فى مواجهة أسواق زراعية غير تنافسية تنطوى على كثير من مسببات الفشل السوقى Market Failure. الأمر الذى ينعكس سلبا على إنتاج الغذاء. الوضع المؤسسي للقطاع الزراعي ضعيف بشكل عام منذ تحرير الزراعة فى أوائل التسعينيات، وظلت الهياكل المؤسسية الزراعية كما كانت خلال حقبة السيطرة الحكومية على قرارات الإنتاج والتسويق والتوزيع فى الآونة الأخيرة، على الرغم من إصدار عدد من التشريعات والقوانين الزراعية الجديدة، لا سيما فيما يتعلق بالتعاونيات الزراعية، والزراعة التعاقدية، والتأمين الزراعي، وروابط مستخدمي المياه والأراضي الصحراوية. ومع ذلك، فإن معظم هذه التشريعات والقوانين إما غير كافية أو لم يتم تنفيذها بالطريقة الصحيحة أو لم يجر تطبيقها أصلا. من ناحية أخرى، فإن المؤسسات الرئيسية فى القطاع الزراعي، مثل مركز البحوث الزراعية (ARC)، ومركز بحوث الصحراء (DRC)، وهياكل الإرشاد الزراعي، والتعاونيات، والمعلومات الزراعية، تعاني من نقص التمويل ورأس المال البشري إلى الحد الذي تكون فيه غير فعالة فى تقديم الخدمات للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة.
6- تم تطبيق برنامج تحرير الزراعة المصرية فى أوائل التسعينيات، وتبنت الدولة سياسة تقوم على اقتصاد السوق، وكانت تدعم السعر لمزرعى القمح والذرة والفول وأغلب المحاصيل الغذائية، إلا أنها توقفت بعد ذلك. وتشير الدراسات إلى أن أسعار المحاصيل الأساسية تقل أسعارها المزرعية عن الأسعار العالمية (المكافئة) وعلى الأخص للقمح والفول البلدى فى الآونة الأخيرة، يشير ذلك إلى معاملات الحماية الاسمية المعروضة بجدول (3) وهى أقل من الواحد الصحيح، ما يعنى ضرائب ضمنية يتحملها المنتج، ويتحمل المنتجون الزراعيون أيضا ضرائب ضمنية على أسعار السولار المستخدم فى الزراعة. ومثل هذه السياسات السعرية تعتبر مثبطة لإنتاج الغذاء، لاسيما فى السنوات الأخيرة لكل من القمح والفول البلدى على وجه الخصوص. حيث من الأهمية أن يكون هناك أسعار توريد محفزة للمنتجين الزراعيين خاصة للمنتجات الغذائية الرئيسية التى تدخل فى فاتورة الواردات الغذائية بشكل كبير، مثل القمح، والذرة، والأرز، والفول البلدى، والعدس، وقصب السكر، والبنجر.
7- تؤدى الزيادة السكانية إلى تكريس الفجوة الغذائية فى مصر بتأثير مزدوج، فهى من ناحية تؤدى إلى زيادة الطلب على الغذاء، ومن ناحية أخرى تؤدى إلى التأثير سلباً على إنتاج الغذاء. فالاستهلاك القومى من الغذاء يتزايد على الأقل بمعدل النمو السكانى نفسه، فضلا عن الزيادة الناشئة عن الزيادة فى الدخول. أما فيما يتعلق بأثرها السلبى على الإنتاج الغذائي فيتمثل فى أنها تؤدى إلى نقص الرقعة الزراعية من خلال التغول العمرانى على الأراضى الزراعية المنتجة للمحاصيل الغذائية. ويتوقع أن يصل عدد السكان إلى 124 مليون نسمة فى عام 2030 (بمعدل نمو 2.2% سنويا)، وإلى 184 مليون نسمة فى عام 2050 (بمعدل نمو سنوي 2.2% سنويا)، مما يضع ضغوطا هائلة على الموارد المائية والأرضية المتاحة، ومن ثم على إنتاج الغذاء، وفى الوقت نفسه يزيد الطلب على الغذاء مما يؤدى إلى اتساع الفجوة الغذائية بشكل غير مسبوق إذا بقيت الأشياء الأخرى على ما هي عليه.
8- تعد مصر إحدى الدول المستوردة الصافية للغذاء Net-Food Importer Country، فهى تستورد جميع السلع الغذائية الأساسية وتصدر فقط الخضر والفاكهة، وفى المحصلة تستورد أكثر من 50% من احتياجاتها الغذائية (فجوة صافية)، ما يعنى أن أكثر من 50 مليون نسمة أو أكثر من عدد سكان مصر، يعتمدون فى غذائهم كلية على الخارج. وإن تم إدخال البعد الزمنى فى التحليل فسوف تتفاقم الفجوة الغذائية، ومن ثم ستظل مصر رهينة الاعتماد على الخارج فى الغذاء بصورة أكبر تنطوى على مخاطر جمة. وبافتراض وصول عدد السكان إلى 124 مليون نسمة فى 2030 كما سبقت الإشارة. وبافتراض ثبات إنتاج الغذاء على ما هو عليه، فذلك يعنى أن الفجوة الغذائية سترتفع إلى 56% بزيادة 11 نقطة مئوية عما هي عليه فى الوضع الراهن بافتراض وصول عدد السكان إلى 184 مليون نسمة فى 2050، وثبات إنتاج الغذاء على ما هو عليه، سترتفع نسبة الاعتماد على الخارج إلى 83% كفجوة صافية، أي بزيادة 38 نقطة مئوية عما هي عليه فى الوضع الراهن. وللتخفيف من هذا الوضع الكارثى، فإنه يعتمد بطبيعة الحال على مدى نجاح سياسات الأمن الغذائي فى تحقيق معدلات نمو فى إنتاج الغذاء تتطابق إلى أقصى حد مع معدلات الزيادة السكانية.
3- سياسات تعزير الأمن الغذائى المصرى فى ظل التغيرات المناخية وسياسات الدول المتقدمة فى التعامل مع التغيرات المناخية فى الأمن الغذائى:
أشارت الدراسات إلى أن التغيرات المناخية سوف تؤدى إلى نقص فى إنتاجية محاصيل الغذاء الرئيسية من 11% إلى 51%، وسوف يزداد الاستهلاك المائى من 2% إلى 16%، كما سيحدث تغيير فى الدورة السنوية للأسماك حيث يطغى نوع على آخر. أما بالنسبة للثروة الحيوانية فقد يؤدى إلى فقدان الشهية ونقص إنتاج اللبن واللحوم ونقص الأعلاف، خاصة الأعلاف الطبيعية.
السياسات النقدية والمالية والسياسات الإنتاجية المحلية، بالإضافة إلى الأزمات النقدية والمالية الدولية والتوترات السياسية التى أثرت على سلاسل الإمداد ورفعت تكاليف الشحن والتأمينات، بالإضافة إلى التهديدات المناخية التى يعانى منها العالم، كل هذا يؤثر بلا شك على إنتاج الغذاء على مستوى العالم، وبالتالى على سلاسل القيمة المضافة وسلاسل الإمداد. ولمواجهة والتعامل مع التغيرات المناخية هناك نوعان من السياسات، أولا: سياسات التكيف (Adaptation Policy) التى يقصد بها حدوث التغيرات المناخية ثم اتباع سياسات تتناسب مع تلك التغيرات المناخية بحيث لا تقل الإنتاجية الفدانية أو لا تقل كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، مثل سياسات استنباط سلالات نباتية أو مقاومة للملوحة والحرارة، أو اتباع ممارسات زراعية جيدة تتناسب مع الارتفاع فى درجات الحرارة أو الملوحة والتى لا تقلل الإنتاجية الفدانية بشكل كبير. ثانيا: سياسات تخفيف حدة الأثر (Mitigation Policy) والمقصود بها اتباع سياسات للحد من التغيرات المناخية أو تقليل تلك التغيرات، مثل سياسات الحد من الارتفاع فى درجات الحرارة أو سياسات الحد من الانبعاثات الكربونية، أو سياسات التوسع والزيادة فى المساحات الخُضر والمساحات المنزرعة.
على ذلك، يمكن وضع السياسات الواجب اتباعها للحد من أثر التغيرات المناخية فى الأمن الغذائى فى النقاط التالية:
3-1 الزراعات الذكية المناخية Climate Smart Agricultural /CSA : تعد سياسة الزراعات الذكية المناخية هى إحدى الأدوات الجديدة التى تتبناها الدول والمنظمات الدولية للتكيف أو الحد من التغيرات المناخية، حيث تعتبر الزراعة الذكية مناخيا هى النهج الذى يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة بتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية بصورة فعالة وضمان الأمن الغذائى فى وجود التغيرات المناخية.
وتهدف الزراعة الذكية مناخيا لمعالجة ثلاثة أهداف رئيسية: الأول، زيادة مستدامة فى الإنتاجية الزراعية وبالتالى الدخل الزراعى. الثانى، التكيف وبناء القدرة على التكيف من تغير المناخ. الثالث، خفض أو / و إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى كلما كان ذلك ممكنا.
يشير الهدف الأول إلى أن الزراعة الذكية مناخيا تعمل على تبنى الممارسات الزراعية الجيدة Good Agricultural Practicing /GAP، مثل الزراعة على مساطب أو الزراعات فى الأوقات المناسبة، والحصاد فى الأوقات المناسبة، والتسوية بالليزر، ومثل تلك الممارسات التى تساعد على زيادة الإنتاجية الفدانية، وبالتالى زيادة الدخل المزرعى الناتج، الأمر الذى يؤدى إلى الحد من الفجوة الغذائية، وبالتالى تحقيق الهدف الأول من الزراعة الذكية مناخيا.
بينما يتمثل الهدف الثانى وهو التكيف وبناء القدرة وذلك من خلال تشجيع المجتمعات المحلية الزراعية على بناء قدراتها الإنتاجية والتسويقية من خلال تشجيع الأفراد فى المجتمعات الزراعية على تكوين المؤسسات والاتحادات التعاونية وروابط المنتجين الزراعيين ومنظمات المجتمع الأهلى، وتطوير عملية الإرشاد الزراعى، الذى بدوره يمكن أن ينظم هؤلاء المنتجيين الزراعيين ويطور النظم الزراعية من خلال الدورات التدريببة، والحقول الإرشادية والمجموعات الحوارية، كل هذا يساعد فى بناء قدرات المجتمعات المحلية الزراعية وتطوير تلك القدرات وتنمية وعيهم بأخطار التغيرات المناخية، وكيف يمكن مواجهة تلك التغيرات المناخية أو التكيف مع تلك التغيرات المناخية من خلال الممارسات الزراعية الجيدة التى تتناسب مع تلك التغيرات.
أما الهدف الثالث والأخير، فهو خفض و/أو إزالة الانبعاثات لغازات الاحتباس الحرارى، وذلك من خلال المؤسسات الزراعية التى تم إنشاؤها وتفعيلها يمكن أن يتم تدريب المنتجين الزراعيين على ممارسات زراعية يمكن أن تحد من الانبعاثات الكربونية، مثل حرق فضلات المزرعة فبدلا من الحرق يمكن أن يتم عمل كومبوست كأعلاف لحيوانات المزرعة الأمر الذى يؤدى إلى توفير جزء من تكاليف الأعلاف المزرعية والحد من حرق مخلفات المزرعة التى تؤدى إلى تكوين السحابة السوداء والتى تزيد من انبعاث غازات الاحتباس الحرارى وعلى رأسها غاز ثانى أكسيد الكربون، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة الدخل المزرعى وزيادة الإنتاجية، وهى مرتبطة بالهدف الأول، فضلا عن أن الحيوانات المزرعية يصدر منها غاز الميثان الذى يعتبر من غازات الاحتباس الحرارى المسبب للتغيرات المناخية، بالتالى من خلال المؤسسات والإرشاد الزراعى الذى هو فى الهدف الثانى يمكن أن يتم التدريب للمنتجين الزراعيين والمربين للحيوانات المزرعية على التعامل مع تلك الفضلات وعمل السماد العضوى، وذلك بهدف زيادة الإنتاجية الفدانية وتقليل الإعتماد على السماد الكيميائى الذى يؤدى كثرة استخدامه إلى التأثير على سلامة الغذاء وبالتالى التأثير على الأمن الغذائى بشكل سلبى، بالإضافة إلى زيادة التكاليف، وانخفاض العائد الفدانى.
من هنا يتبين أن الزراعات الذكية مناخيا (CSA) تؤدى إلى الحد من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية من خلال الحد من الانبعاثات لغازات الاحتباس الحرارى وزيادة الإنتاجية والدخول وتنظيم المجتمعات الزراعية المحلية وزيادة وعيهم من أخطار التغيرات المناخية من خلال الربط بين هذا الوعى وزيادة الإنتاجية والدخول الزراعية، وبالتالى نجاح مثل تلك السياسة، لأن المنتج الزراعى سيشعر بعائد اقتصادى له.
3-2 الاهتمام بالبحوث العلمية والتنمية Research Development and: يعد البحث العلمى هو أحد العمليات المهمة جدا للتعامل مع التغيرات المناخية، سواء من خلال سياسة التكيف مع التغيرات المناخية، أو سياسة الحد من آثار التغيرات المناخية. حيث إن أحد آثار التغيرات المناخية والناتجة من إنبعاث غازات الاحتباس الحرارى، هى ارتفاع منسوب البحار، مما يؤدى إلى زيادة ملوحة الأراضى الزراعية فى شمال الدلتا وارتفاع درجات الحرارة بنحو 2-3 درجة مؤية، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى انخفاض الإنتاجية الفدانية، وبالتالى انخفاض الدخل المتولد والتأثير السلبى على معدلات الأمن الغذائى. وعلى ذلك تعتبر سياسة البحوث العلمية فى علاقاتها بالتغيرات المناخية فى استباط سلالات نباتية تكون مقاومة للحرارة والملوحة. الأمر الذى يؤدى إلى الحد من التأثيرات السلبية الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع معدلات الملوحة فى الأراضى الزراعية على الإنتاجية الفدانية خاصة فى أراضى شمال الدلتا. هذا إلى جانب أن البحث العلمى يمكن عن طريقه اكتشاف أنواع من النباتات المتحملة للملوحة، لاسيما المحاصيل العلفية التى يمكن ان تساهم فى رفع معدلات الاكتفاء الذاتى من المنتجات الحيوانية (اللحوم الحُمر والألبان).
وهذا لن يتأتى إلا من خلال زيادة الإنفاق على البحث العلمى والتكنولوجيا الحديثة، حيث لابد من العمل على رفع معدلات الإنفاق الحكومى فى هذا المجال بحيث يصل إلى قرابة 3% من إجمالى الناتج المحلى حيث يبلغ الآن أقل من 1% من إجمالى الناتج المحلى.
3-3 الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية: يعتبر عنصر المياه والأراضى من العناصر الطبيعية المهمة فى العملية الزراعية والتى تعتمد عليها الزراعة بشكل عام. وتتميز مصر بندرة فى عنصر المياه، حيث تعتمد مصر على مياه النيل بشكل أساسى فى العملية الزراعية، بالإضافة إلى المياه الجوفية ومياه الصرف الزراعى المعالجة والقليل من مياه حصاد الأمطار. حيث إن للتغيرات المناخية فى أحد سيناريوهاتها تأثيرها السلبى فى موارد نهر النيل وعلى كمية المياه الواردة إلى النيل من مناطق هطول الأمطار على الهضبة الإثيوبية، وكذلك التأثير السلبى للتغيرات المناخية على المياه الجوفية بدلتا النيل، بالإضافة إلى ارتفاع ملوحة مياه الخزانات الجوفية الساحلية نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر، الأمر الذى يؤدى إلى تغلغل الملوحة تحت التربة وتدهور نوعية المياه. الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى نقص فى مورد المياه من حيث الكمية أو النوعية وبالتالى مزيد من تملح الأراضى وانخفاض الإنتاجية والتأثير السلبى على معدلات الأمن الغذائى.
هذا الأمر يلزم معه الحفاظ على الموارد المائية والأرضية من خلال زيادة العائد على وحدة المياه والأرض من خلال تطبيق سياسات نقدية ومالية (أسعار توريد، دعم مستلزمات الإنتاج الزراعى للمحاصيل الغذائية) تتناسب مع تكاليف الإنتاج ومع معدلات التضخم، بالإضافة إلى الاعتماد على المحاصيل الزراعية خاصة محاصيل الأمن الغذائى التى يكون المقنن المائى لها قليل والاعتماد عليها بشكل كبير وكذلك المحاصيل المتحملة للملوحة، مثل المحاصيل غير التقليدية مثل الكينوا والجوتروفا والأعلاف المتحملة للملوحة مثل البانيكم والكانولا وهى منتجات زراعية غير تقليدية، لكنها يمكن أن تساهم فى سد الفجوة الغذائية ورفع معدلات الاكتفاء الذاتى من مجموعات الحبوب والزيوت والأعلاف.
3-4 التكامل فى السياسات بين الأراضى القديمة والجديدة: اتجاه الدولة المصرية فى السنوات الماضية بشكل مكثف إلى التوسع الأفقى الذى أدى إلى زيادة المساحات المنزرعة فى الأراضى الجديدة والأراضى الصحراوية. هذا التوسع الكبير فى الأراضى الجديدة أدى إلى إضافة ما يقرب من 1٫5 إلى 2 مليون فدان من أراضى الاستصلاح الحديثة، حيث بلغت المساحة المنزرعة فى مصر الآن نحو 9 ملايين فدان (نحو 5٫9 مليون فدان أراضى قديمة ونحو 3٫4 مليون فدان أراضى جديدة وصحراوية). بالتالى، العمل على تكامل السياسة الزراعية فى الأراضى القديمة مع السياسة الزراعية فى الأراضى الجديدة والصحراوية، وذلك بخروج المحاصيل التى يمكن زراعتها فى الأراضى الجديدة والصحراوية من الأراضى القديمة، وعلى الأخص الخضر والفاكهة، حيث تحتل مساحة كل من الخضر نحو 1٫1 مليون فدان، والفاكهة والنخيل 567 ألف فدان فى الأراضى القديمة، حيث بخروج تلك المساحة المنزرعة والتوجه بها إلى الأراضى الجديدة والصحراوية سوف يتم توفير تلك المساحة وعلى الأخص فى الوجه البحرى، الأمر الذى يمكن زيادة مساحات الفول البلدى، والقمح، والذرة، والقطن على وجه الخصوص. بالإضافة إلى أنه فى الأراضى الجديدة والصحراوية يمكن زراعة منتجات عذائية متكيفة مع هشاشة مورد الأرض وندرة المياه ونسب تملح عالية للمياه فى بعض الأماكن، مثل الكينوا والكانولا والتين الشوكى وبعض الأعلاف غير التقليدية، حيث إن بعض تلك المنتجات يمكن أن تساهم فى سد الفجوة الغذائية (الكينوا والكانولا) وبعضها ذو طبيعة تصنيعية وتصديرية يمكن أن تزيد العائد والدخول للمنتجين الزراعيين فى أراضى الاستصلاح الجديدة وتتكيف مع التغيرات المناخية مثل ارتفاع ملوحة المياه الجوفية أو هشاشة القدرة الإنتاجية للأراضى.
3-5 التجميع الزراعى: العمل على إحياء فكرة التجميع الزراعى مع عودة الدورة الزراعية، حيث يعمل التجميع الزراعى على أن تكون هناك زراعات متشابهه لمساحات كبيرة نسبيا. وتعمل الدورة الزراعية على تحسين خصوبة التربة وبالتالى زيادة الإنتاج، وبالتالى الحد من التغيرات المناخية السلبية التى يمكن أن تؤثر على انخفاض الجدارة الإنتاجية للمنتجات الغذائية، وكذلك فى المقاومة الجماعية للحشائش والأمراض التى يمكن أن تصيب النباتات وكذلك فى عمليات إضافة الأسمدة الكيماوية او العضوية فى وقت مناسب. الأمر الذى يسهل على المنتجيين الزراعين إجراء العمليات الزراعية وخفض تكاليف الإنتاج. ويقلل النزاعات التى يمكن أن تحدث نتيجة اختلاف الممارسات وعلى رأسها اختلاف مواقيت الرى بين المنتجين لمحاصيل مختلفة تختلف فى الممارسات وفى المعاملات الزراعية.
هذا الأمر يؤدى إلى زيادة الإنتاجية الفدانية وبالتالى الحد من التأثيرات السلبية التى يمكن أن تحدث على الإنتاجية الفدانية نتيجة التغيرات المناخية، مثل زيادة ملوحة الأراضى خاصة فى شمال الدلتا أو سيناريو انخفاض كميات مياه الرى نتيجة التأثير السلبى على كميات سقوط الأمطار على الأخص على الهضبة الإثيوبية.
3-6 نظم إنذار مبكر Early Warning System: المقصود بهذا هو تكوين قاعدة بيانات دقيقة عن العوامل المسببة للتغيرات المناخية، مع وضع نماذج رياضية وإحصائية للتنبؤ بالتغيرات المناخية التى يمكن أن تحدث، وتأثير تلك التغيرات فى القدرة الإنتاجية للموارد الطبيعية وفى الهجرة الداخلية التى يمكن أن تحدث نتيجة تلك التغيرات المناخية، وبالتالى اتخاذ الإجراءات والتدابير سواء الإنتاجية أو النقدية والمالية التى لابد من اتباعها للحد من تلك التأثيرات السلبية فى إنتاج الغذاء وعلى المنتجات الزراعية بشكل عام.
3-7 التأمين الزراعى على المنتجات الزراعية: يعرف التأمين عموما بأنه: وسيلة لتعويض الفرد عن الخسائر المالية التى يتعرض لها نتيجة وقوع خطر على المؤمن ضده، وذلك عن طريق توزيع هذه الخسارة على عدد كبير من المؤمن لهم، ويكون جميعهم معرضين للخطر نفسه، وذلك بمقتضى اتفاق سابق. ويعتبر التأمين على المحاصيل الزراعية نظاما جماعيا يقوم على تعويض المزارعين عن الخسارة المالية لتلف المحصول التى تحل بهم نتيجة حدوث الخطر الزراعى المؤمن ضدة. ومما لاشك فيه أن تحديد الأخطار الزراعية فى مراحل الإنتاج وحصرها وتحليلها وإيجاد الوسائل الملائمة للتحكم فيها وتقليل معدل تكرار حدوثها والاحتياط لنتائجها وموجهة خسائرها يحقق العديد من الفوائد على الأطراف المنتفعة بالإنتاج الزراعة والغذائى وهى الحكومة والمنتجين والمستهلكين.
التغيرات المناخية تحدث أخطارًا على إنتاجية المحاصيل التى يمكن أن تصل إلى تدمير المحصول او القضاء على المحصول أو الماشية، بالتالى للحد من تلك التأثيرات السلبية على المنتجات الزراعية والغذائية منها لابد من تفعيل نظم التأمين على المنتجات الزراعية سواء الحيوانية أو النباتية، لأن مثل هذا الإجراء يحد من المخاطرة واللايقين التى تتميز بها النظم الزراعية، ويعطى نوعا من الطمأنينة للمزارع خاصة الصغار منهم والذين يتأثرون بشدة نتيجة التغيرات المناخية التى لا يوجد دخل لهم فى إحداثها، وبالتالى العمل على استمرار هؤلاء المنتحيين الزراعيين فى إنتاج الغذاء فى السنوات المقبلة وعدم ابتعادهم عن الزراعة، وعن إنتاج الغذاء.
بعض سياسات دول العالم فى التعامل مع التغيرات المناخية والأمن الغذائى بها:
أما بالنسبة إلى السياسات التى تتبعها بعض دول العالم فى الحد من التغيرات المناخية وتأثيرها على الأمن الغذائى فيمكن توصيفها فى النقاط التالية:
• تطبيق الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، مثل (الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية، وتجنب إزالة الغابات والصيد الجائر للأسماك).
• تحسين إدارة التربة وخصوبتها.
• زيادة الممارسات التي تعزز احتباس ثاني أكسيد الكربون فى الغابات، والحد من استخدام الوقود الأحفورى.
• إدارة أفضل تكاملية للمياه.
• تحويل الفضلات الحيوانية إلى غاز حيوى كمصدر بديل ومتجدد للطاقة.
• منع الصدمات المتعلقة بالمناخ و/أو الاستعداد لها.
• إنشاء مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية القادرة على الصمود فى وجه تغير المناخ من خلال أقفاص وبرك الأسماك المقاومة للعواصف، وإدارة مصايد الأسماك القابلة للتأقلم.
4- السياسات المصرية المتبعة للحد من تأثيرات التغيرات المناخية فى منظومة الأمن الغذائى المصرى:
4-1 الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية المستدامة مصر 2030:
قامت الحكومة المصرية ممثلة فى الوزارات المختلفة، ومنها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بوضع استراتيجيات تأخذ فى اعتبارها البعد البيئى الذى منه التغيرات المناخية. حيث قامت وزارة الزراعة بوضع الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية المستدامة مصر 2030، بما تتضمن من برامج المشروعات فى الخطة التنفيذية لتلك الاستراتيجية، حيث تضمنت الخطة التنفيذية الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزرعية المستدامة مصر 2030 مجموعة من البرامج والتى تتضمن مجموعة من المشروعات تستهدف زيادة كفاءة استخدام الموارد الطبيعية أو التوسع الأفقى فى الأراضى الزراعية وزيادة المساحات الخضراء، أو مشروعات وبرامج تستهدف العنصر البشرى وزيادة وعيه وتحسين ممارساته الزراعية للتكيف مع التغيرات المناخية، أو مشروعات وبرامج لتطوير تكنولوجيا المعلومات والبيانات للتنبؤ بالتغيرات المناخية المحتملة والاستعداد لها أو برامج ومشروعات تعمل على تطوير البحث العلمى فى الزراعة واستنباط سلالات من المنتجات الزراعية والغذائية التى تعمل على تحمل الملوحة والحرارة. وفى هذا الجزء سوف يتم التعرض إلى البرامج والمشروعات التى وردت فى الاستراتيجية والتى تتعامل مع التغيرات المناخية والتى تقوى أو تدعم الأمن الغذائى المصرى.ومن تلك البرامج والمشروعات التالى:
4-1-1: البرنامج القومي للاستخدام المستدام للموارد الزراعية: حيث يحتوى هذا البرنامج على أربعة مشروعات جميعها لها علاقة مباشرة بالتغيرات المناخية وآثارها على الأمن الغذائى.
أولا: المشروع القومى لاستصلاح الأراضي وهو المشروع الذى يستهدف استصلاح الأراضى والتوسع فى الأراضى الجديدة فى الصحراء المصرية، وذلك باستخدام المياه الجوفية، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة المساحات الخضراء وبالتالى انخفاض وجود غاز ثانى أكسد الكربون وهو أحد غازات الاحتباس الحرارى الخطيرة أو الحد منها على اقصى تقدير. المساهمة فى تحقيق الأمن الغذائى بزيادة الإنتاج فى المحاصيل الاستراتيجية وتقليل الفجوة الغذائية والحد من الاستيراد، حيث من المتوقع زيادة الصادرات الزراعية لتصل إلى نحو 30% من إجمالي الصادرات السلعية بحلول عام 2030، ونحو 26% بحلول عام 24/2025، حيث بلغت 20% خلال عام 2018/2019.
ثانيا: المشروع القومى لتطوير الري الحقلي وترشيد استخدام مياه الري فى الزراعة، ويستهدف هذا المشروع تحسين الري ورفع كفاءة نظم الري الحقلى، من خلال علاج مشكلة قلوية الأراضى المتدهورة من خلال إضافة الجبس الزراعى وزيادة الإنتاجية من 10-15% من خلال التسوية بالليزر، وزيادة الإنتاجية الفدانية من 10-15% من خلال الحرث العميق تحت التربة للأراضى الزراعية، وترشيد إستخدام مياه الرى وتحسين جودة مياه الرى من خلال تطهير المسافة الحقلية والمصارف. الأمر الذى يؤدى إلى وقف تدهور التربة وكفاءة فى استخدام مورد المياه على مستوى الرى الحقلى، وبالتالى زيادة فى الإنتاج الزراعى وعلى الأخص الأمن الغذائى.
ثالثا: المشروع القومى لتحديث خرائط الأراضى الزراعية وتحسين خصائص التربة، حيث يستهدف هذا المشروع تحديث خرائط التربة الزراعية، الأمر الذى يساعد على معرفة الأراضى المهددة بالتدهور وأسباب هذا التدهور هل هو ناتج عن تغيرات مناخية أم من ممارسات بشرية خاطئة، تساعد فى وضع نظم إنذار مبكر وبناء قاعدة بيانات جغرافية تساعد على تطوير الإنتاجية الفدانية، وبالتالى المساعدة فى تقليل الفجوة الغذائية.
رابعا وأخيرا: المشروع القومى للتنمية المتكاملة للمناطق المطرية، حيث يستهدف هذا المشروع الاستفادة من مياه الأمطار فى المناطق المطرية فى مصر، مثل الساحل الشمالى الغربى ووسط سيناء من خلال حصاد مياه الأمطار وبالتالى الاستفادة من تلك المياه فى زيادة المساحات الخضر والحد من تدهور التربة التى يمكن أن تنتج من انجراف التربة والحفاظ على الموارد الرعوية فى تلك المناطق، وبالتالى التأقلم مع التغيرات المناخية التى يمكن أن تؤثر فى كميات مياه الأمطار المتساقطة والاستفادة من تلك الكميات فى توفير الغذاء وزيادة معدلات الأمن الغذائى المصرى.
4-1-2: البرنامج القومى لتنمية المحاصيل البستانية: حيث يحتوى هذا البرنامج على أولا: المشروع القومي لتنمية محاصيل الفاكهة المتحملة للجفاف، حيث يحتوى هذا المشروع على تطوير إنتاج التمور، والزيتون، والرمان، والتين العادى، والتين الشوكى، وكل تلك المنتجات البستانية هى من المنتجات التى تتحمل ملوحة المياه و تزرع فى الأراضى من الدرجة الثالثة والرابعة، وهى المناطق التى تكون اكثر تعرضا لخطر التغيرات المناخية وبالتالى تتلاءم وتتكيف مع التغيرات المناخية، هذا بالإضافة إلى أن لمصر ميزة تنافسية فى تصدير تلك المنتجات إلى الأسواق العالمية وهى أيضا منتجات تصنيعية يمكن أن يقام عليها صناعات غذائية وبالتالى توفر فرص عمل دائمة، بالإضافة إلى دعم الأمن الغذائى المصرى. ثانيا: المشروع القومي لتنمية النباتات الطبية والعطرية والأشجار الخشبية، حيث يستهدف هذا المشروع زيادة المساحة المنزرعة من 70 إلى 90 ألف فدان، ورفع الإنتاجية بمقدار 10%، والتوسع فى زراعات النباتات الطبية باستخدام طرق الزراعة البيولوجية، وحماية البيئة من التلوث بالتوسع فى تشجير المدن والقرى الرئيسية المجاورة لمحطات المعالجة، تحسين مناخ المناطق المقام بها الغابات الشجرية، ويسهم ذلك فى خفض معدلات غاز ثانى أكسيد الكربون، خاصة فى المدن، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة فرص العمل، خاصة أن النباتات الطبية والعطرية من النباتات التصنيعية المهمة.
4-1-3: البرنامج القومي للتنمية المناطقية والإنعاش الاقتصادى والاجتماعى: أحد المشروعات التى فى هذا البرنامج هو : أولا: المشروع القومي لتنمية الموارد البشرية العاملة فى مجالات التنمية الزراعية (خاصة الشباب الريفى والمرأة الريفية): حيث يحتوى هذا المشروع على تطوير وترقية المعارف والمهارات للكوادر البشرية العاملة فى مختلف المجالات الزراعية -خاصة الشباب الريفي- التي يناط بها التنفيذ الميداني لمشروعات وخطط التنمية الزراعية. وتطوير وإعادة تأهيل مراكز التدريب الزراعي للنهوض بدورها فى إعداد عناصر فاعلة فى مجالات التنمية الزراعية. تحسين الممارسات الزراعية فى مجال الإنتاج النباتي، والحيواني، والسمكي، والبيطري من خلال دور حيوي وفعال لجهاز الإرشاد الزراعي. الأمر الذى يؤدى إلى تنمية الوعى لدى شباب المزارعين والمرأة الريفية وتنمية مهاراتهم وتدريبهم على أفضل الطرق التى يمكن بها مواجهة مخاطر التغيرات المناخية فى مختلف الأنشطة الزراعية، وبالتالى الحد من مخاطر الأمن الغذائى التى يمكن أن تتأثر بالتغيرات المناخية، هذا بالإضافة إلى تنمية القدرات لدى الشباب الريفى والمرأة الريفية على وجه الخصوص فى التعامل مع التغيرات المناخية. ثانيا: المشروع القومى للإدارة المتكاملة للمخلفات الزراعية فى الريف، حيث تشير التقديرات إلى أن مخلفات المزرعة بلغت فى عموم الجمهورية نحو 75٫8 مليون طن خلال عام 2019، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى إحداث انبعاثات لغازات الاحتباس الحرارى وعلى رأسها ثانى أكسيد الكربون. بالتالى يهدف هذا المشروع إلى الاستغلال الأمثل للمخلفات الزراعية فى توفير الأسمدة العضوية من تلك المخلفات الزراعية، أو عمل أعلاف للحيوانات المزرعية من المخلفات وتدريب المنتجيين الزراعيين على الاستفادة من تلك المخلفات المزرعية، وبالتالى زيادة العائد الاقتصادى من خلال خفض التكاليف، وزيادة الإنتاجية للمنتجات الزراعية، وعلى رأسها المنتجات الغذائية وبالتالى تقليل أو الحد من الانبعاثات الكربونية والغازات المسببة للاحتباس الحرارى.
4-1-4: البرنامج القومي لدعم وتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتحول الرقمي: حيث يهدف هذا البرنامج إلى إنشاء وتطوير البنية التحتية المعلوماتية لوزارة الزراعة بمختلف روابطها وتشابكاتها الأفقية والأسية على المستوى الوطني. بناء نظم معلومات زراعية متطورة وإتاحة خدماتها ومخرجاتها لمختلف المعنيين بالشأن الزراعي، لترشيد اتخاذ القرارات ورفع كفاءة الأداء فى مختلف الأنشطة والمجالات. ويعتبر إنشاء نظم إنذار مبكر لمواجهة التغيرات المناخية هى أحد مجالات اهتمام وزارة الزراعة، حتى يمكن التعامل مع التغيرات المناخية التى تؤثر فى إنتاجية المحاصيل، وفى كفاءة استخدام الموارد الطبيعية. حيث يعتبر المشروع القومي لبناء وتطوير قواعد البيانات ونظم المعلومات الزراعية هو المسئول فى أحد أهدافه عن توفير بناء نظم إنذار مبكر تعتمد على البيانات والمعلومات المتاحة.
4-1-5: البرنامج القومي لدعم البحوث الزراعية ونقل التكنولوجيا والإرشاد الزراعي: وهو أحد المشروعات المهمة فى استراتيجية الزراعة المصرية التى تتعامل مع التغيرات المناخية من ناحية التكيف مع التغيرات المناخية حتى لا يقل الإنتاج الزراعة أو الغذائى نتيجة زيادة الأملاح فى التربة الزراعية أو الحرارة. فمن أحد أهم المشروعات فى هذا البرنامج والمرتبط بالتغيرات المناخية، هى: أولا: المشروع القومي لاستنباط أصناف وسلالات وهجن نباتية وحيوانية جديدة محسنة عالية الإنتاجية ومتحملة للظروف البيئية المعاكسة ومقاومة للأمراض والآفات الزراعية الذى يستهدف استنباط سلالات سواء نباتية أو حيوانية متحملة للملوحة (النباتات) أو متحملة للحرارة فى حالة النباتات والحيوانات حتى لا تتأثر الوحدة الإنتاجية بالحرارة أو بتملح التربة الزراعية والتى تنتج من التغيرات المناخية والانبعاثات لغازات الاحتباس الحرارى، وبالتالى لا تتأثر كميات الغذاء، وبالتالى الدخل المتولد من النشاط الزراعى. ثانيا: المشروع القومى لتطوير أداء المراكز الإرشادية كمدخل لتطوير أداء الإرشاد الزراعى فى مصر، وكذلك ثالثا: المشروع القومي لتطوير قدرات المرشدين الزراعيين للتعامل مع التطورات التكنولوجية فى مجال التنمية الزراعية، حيث يعتبر تطوير العمل الإرشادى وتطوير المؤسسات الإرشادية هى أحد محاور تطوير العمل المؤسسى فى مصر الذى تعانى منه الزراعة المصرية بشكل كبير، حيث يلعب الإرشاد الزراعى دورا كبيرا فى تطوير وإدراك المنتجين الزراعيين كيفية التعامل مع التغيرات المناخية وكذلك فى بناء القدرات لدى المؤسسات التى تعمل فى المجال الزراعى وبناء قدرات المرشدين الزراعيين فى التعامل مع التغيرات المناخية من حيث الممارسات الزراعية التى يجب أن تتم، والأصناف التى يجب أن يتم زراعتها ومواعيد زراعة تلك الأصناف حتى يمكن تقليل الأثر من التغيرات المناخية على الإنتاجية الفدانية، وبالتالى على الدخل وزيادة وعى وقدرات المجتمع المحلى الزراعى فى التعامل مع التغيرات المناخية حتى يمكن التكيف مع الأثر أو تقليل حدة الأثر بشكل كبير. ويعتبر هذا البرنامج هو أحد البرامج المهمة التى يمكن أن تطور الزراعة الذكية مناخيا (CSA).
4-1-6: إطار العمل الاستراتيجيى للمخاطر والتكيف مع التغير المناخى فى قطاع الزراعة: تولى وزارة الزراعة اهتماما شديدا بالتغيرات المناخية وتأثيرها على قطاع الزراعة بشكل عام وقضايا والأمن الغذائى بشكل أساسى. حيث تم تخصيص برنامج خاص فى الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية المصرية مصر 2030، يتناول التغيرات المناخية (أول استراتيجية زراعية تضع برنامجا خاصا للتغيرات المناخية) تحت عنوان إطار العمل الاستراتيجى للمخاطر والتكيف مع التغير المناخى فى قطاع الزراعة، حيث تناول هذا البرنامج السياسات المطلوب تنفيذها فى وزارة الزراعة، ويحتاج قطاع وزارة الزراعة إلى تنفيذ العديد من السياسات التى من شأنها أن تساعد فى التكيف مع تغير المناخ نذكر منها ما يلى :
1 ــ استنباط أصناف المحاصيل المقاومة للتقلبات المناخية المختلفة.
2 ــ وضع نظام للتأمين على المحاصيل الزراعية.
3 ــ زيادة القدرة على مقاومة الآفات والأمراض.
4 ــ التحول إلى محاصيل أخرى، وتغيير مواعيد الزراعة وفقاً للتغيرات الحالية والمستقبلية.
5 ــ تحسين نظم كفاءة استخدام المياه.
6 ــ زراعة أصناف تتحمل الإجهاد الحراري، والتحسين الوراثي للأصناف طويلة وقصيرة المدة، وثقافة زراعة الأمثل أو الأكثر احتياجاً من المحاصيل.
7 ــ التوسع فى استخدام التكنولوجيات البسيطة.
8 ــ تعزيز نظم الإنذار المبكر والتنبؤ بالمناخ الموسمى للحد من المخاطر.
9 ــ تنويع الدخل من خلال دمج الأنشطة الزراعية الأخرى مثل تربية الماشية.
10 ــ توحيد الحيازات الزراعية.
11 ــ زيادة الوعي العام وتحسين مفهوم المناخ وعلاقته بالنظم البيئية والبشرية.
ختامـــًا:
لا شك فى أن التغيرات المناخية تعتبر ظاهرة مناخية يتأثر بها كافة دول العالم، ومصر من الدول التى تتعرض لتلك التغيرات فى كافة القطاعات الاقتصادية. ويعتبر قطاع الزراعة من القطاعات التى سوف تتأثر بتلك التغيرات المناخية، وبما أن قطاع الزراعة هو المسئل الأساسى عن محور الإتاحة للغذاء فى محاور الأمن الغذائى، فلا شك أن هذا المحور يتعرض أيضا للخطر من جراء التغيرات المناخية.
وتعتبر مصر مستوردا صافىا للغذاء، لاسيما مجموعات الحبوب (القمح، الذرة)، والزيوت النباتية، والبقوليات (الفول البلدى)، حيث تعتبر تلك المجموعات هى غذاء الفقراء، الأمر الذى يشير إلى انخفاض مرونة الواردات المصرية، وبالتالى اعتماد مصر على الخارج فى توفير الغذاء. وإن كانت هناك بعض المجموعات الغذائية التى تحقق فيها مصر معدلات جيدة من الاكتفاء الذاتى، وعلى رأسها مجموعة الفاكهة والخضراوات واللحوم البيضاء، وهناك مجموعات تحقق فيها مصر معدلات آمنة من الاكتفاء الذاتى، مثل مجموعة اللحوم الحمراء والأسماك والألبان ومنتجاتها.
وقد تنبهت منظمة الأغذية والزراعة الدولية (FAO) لأخطار التغيرات المناخية وخطرها على الأمن الغذائى العالمى، وبالتالى تم وضع السياسات التى تشجع دول العالم على اتباعها للحد أو تخفيف حدة الأثر للتغيرات المناخية، حيث أشارت منظمة الفاو إلى أهمية تبنى برنامج الزراعة الذكية مناخيا (CSA) والتى تتحدد أهدافها فى: (1) الزيادة المستدامة فى الإنتاجية الزراعية وبالتالى الدخل الزراعى. (2) التكيف وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ. (3) خفض و/أو إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى حيثما كان ذلك ممكنا. هذا بالإضافة إلى التأمين على المنتجات الزراعية ضد أخطار التغيرات المناخية، والعمل على تقوية سلاسل القيمة المضافة للمنتجات الزراعية والغذائية.
كما تنبهت الدولة المصرية لخطر التغيرات المناخية وعلى قطاع الزراعة والغذاء بشكل أساسى، الأمر الذى يمكن ملاحظته فى الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية مصر 2030، والتى صدرت فى عام 2020، حيث تحتوى الاستراتيجية المحدثة على برامج ومشروعات تتعامل فى أغلبها على الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية وعلى الأخص المياه والأراضى وعلى كيفية زيادة الإنتاجية الفدانية والتدريب المستمر للمنتجين الزراعيين من خلال رفع كفاءتهم وتشجيعهم على تبنى ممارسات زراعية تؤدى إلى زيادة الجدارة الإنتاجية وعدم انخفاضها نتيجة لتدهور الأراضى أو تملح المياه، بالإضافة إلى تشجيع إنشاء مؤسسات ومنظمات زراعية من أجل تنظيم المجتمع المحلى وزيادة وعى المجتمعات المحلية (فى أحد أهدافها) بأخطار التغيرات المناخية فى تبنى ممارسات زراعية جيدة (GAP)، بهدف التكيف مع التغيرات المناخية وعلى الأخص فى إنتاج الغذاء حتى لا تتأثر المجتمعات المحلية، والدولة الوطنية من انخفاض فى معدلات الاكتفاء الذاتى من الغذاء، وبالتالى تعرُّض منظومة الأمن الغذائى إلى للخطر.
المراجع:
أولا- مراجع باللغة الإنجليزية:
Cline, William, 2005. Global Warming and Agriculture: Impact Estimates by Country, Peterson Institute for International Economics.
Desert Research Center, 2002. “National Action Plan for Combating Desertification” United Nation Committee for Combat Desertification , June 2002.
Fayyad, Sherif M.S, 2009. “Impact of Population and Climate changes on Food Crisis in Egypt” Afro-Asian Journal of Rural Development vol. XXXXII No. 1, January- June 2009
Food and Agricultural organization of the Nuited Nation (FAO), 2008.Climate change and Food Security a framework Document, Rome.
El-Marsafawy, Samia, 2008. “Vulnerability and Adaptation of Climate Change on The Agricultural Sector in Egypt” Impact of Climate change on Egypt and other Arab Countries.
ثانيا- مراجع باللغة العربية:
حسنى حسن مهران (دكتور) وآخرون، «تداعيات التغيرات المناخية على الأمن العذائى المستدام فى ضوء استراتيجية التنمية فى مصر 2030»، المؤتمر الدولى التغيرات المناخية التنمية المستدامة، معهد التخطيط القومى، مارس 2022، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
جمال صيام (دكتور)، «الآثار المحتملة للتغيرات المناخية والزيادة السكانية على الأمن المائى والأمن الغذائى فى مصر والسياسات المقترحة»، ندوة علمية بالجمعية المصرية للاقتصاد الزراعى – مارس 2022.
جمال صيام (دكتور) وآخرون، «أثر التغيرات المناخية على وضع الزراعة والغذاء فى مصر»، مؤتمر التغيرات المناخية وأثرها على مصر، شركاء التنمية، نوفمبر 2009، القاهرة، جمهورية مصر العربية
شريف فياض (دكتور)، «أزمة الغذاء فى مصر، بعض جوانب الاقتصاد السياسى والحلول على المستوى المحلى والإقليمى والإطار الدولى»، مؤتمر الأمن الغذائى المصرى فى ظل مخاطر الأسواق العالمية 30 -31 أكتوبر 2013، الجمعية المصرية للاقتصاد الزراعى.
شريف فياض (دكتور)، «سبل تعزيز الأمن الغذائى المصرى الفرص والتحديات»، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، الملف المصرى، مايو 2022، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
محمود محمد فواز (دكتور) وآخرون، «دراسة اقتصادية للتغيرات المناخية, آثارها على التنمية المستدامة فى مصر» المجلة المصرية للاقتصاد الزراعى، المجلد الخامس والعشرون، العدد الثالث، سبتمبر 2015.
محمد الدمرداش الخشن (دكتور)، «تهيئة القطاع الزراعى المصرى للتأقلم مع التغيرات المناخية»، مؤتمر الجمعية المصرية للاقتصاد الزراعى، أكتوبر 2021.
الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية مصر 2030، الخطة التنفيذية، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، جمهورية مصر العربية.
الإدارة المركزية للاقتصاد الزراعى، قطاع الشئون الاقتصادية، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، جمهورية مصر العربية، أعداد متفرقة.
المعهد القومى للتخطيط، «تقرير أوضاع الأمن الغذائى فى مصر» 2019، القاهرة، جمهورية مصر العربية.
توجهات مستقبلية «التغيرات المناخية أبرز المخاطر العالمية التداعيات المحلية والعالمية حتى عام 2050»، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، العدد الثالث، مارس 2020.
التقرير المعلوماتى «ماذا يأكل المواطن المصرى»، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، أغسطس 2007.
رابط دائم: