وشهدت في نوفمبر 2021 احتجاجات على تردي الوضع الاقتصادي وسادت حالة من الفوضى والتخريب فى هونيارا، مما دفع أستراليا بإرسال قوة عسكرية لحفظ السلام بموجب معاهدة أمنية دفاعية مع "جزر سليمان"، وشارك فيها قوات من دول المحيط الهادي (أستراليا، ونيوزيلندا، وجزر فيجي، وبابوا غينيا الجديدة). وتاريخيا، كان هناك تحالف موثق بين الجزر وأستراليا باعتبارها ضمن المحيط الحيوي لها وكانت أكبر مانح أجنبي لها، بيد أن ذلك تغير بعد احتجاجات نوفمبر 2021، واتجه "سوجافاري" للتعزيز تحالف مع الصين.
-الدوافع الصينية: تم الاعتراف المتبادل بين الصين و"جزر سليمان" عام 2019 بعد قطع العلاقات بين الأخيرة وتايوان، ثم قدمت الصين ملايين الدولارات كمعونات للجزر الفقيرة وإقامة عشرات الشركات التي تعمل على تطوير البنية التحتية بها، ولذا فإن الصين لها العديد من الدوافع للتحالف مع "جزر سليمان" ومنها:
• دعم سلطة ونفوذ "سوجافاري" الداخلية أمام أي احتجاجات مستقبلية، لاسيما أن جزء من المحتجين نهاية العام الماضي كانوا ينتمون لإقليم مالايتا الأكثر عددا وعارضوا قراره بقطع العلاقات مع تايوان في 2019.
• فك الارتباط بين تلك الجزر وتايوان التي كانت تقدم لها معونات سنويا تقدر بنحو 20 مليون دولار، لإضعاف الأخيرة تمهيدا لاستعادة السيطرة الصينية عليها.
• تعزيز النفوذ الصيني سياسيًا بالمنطقة وربما عسكريًا حال تم الوجود العسكري الصيني بأي شكل من خلال قاعدة عسكرية دائمة أو عبور للسفن لتلقي خدمات لوجيستية، في ظل التنافس المحموم بينها وبين واشنطن على بسط النفوذ بالإندو-باسيفيك.
• الدفاع والحفاظ على الممتلكات الصينية بالجزر بعد احتجاجات 2021 التي استهدفت ممتلكات وشركات صينية، فضلا عن الاستفادة من الجزر اقتصاديًا وضمها لمبادرة "الحزام والطريق".
-التمسك بالاتفاق الأمني: رفض رئيس وزراء "جزر سليمان" سوجافاري كل الضغوط الخارجية عليه للتراجع عن الاتفاق الأمني، وأكد أنه سيرسل وزير خارجيته لدول المحيط الهادي لشرح الاتفاق الأمني مع الصين، لأن وجود "جزر سليمان" قوية ومستقرة أمر مفيد لأمن المنطقة. وأكد أنه لن يسمح ببناء قاعدة عسكرية صينية في بلاده، وألقى كلمة يوم 20 ابريل 2022 أمام البرلمان أوضح فيها "أن حكومته وقعت الاتفاق الأمني مع الصين، لأنه يحقق مصالحها السيادية الوطنية"، وطالب الدول الأخرى باحترام ذلك في إشارة للتلميحات الاسترالية باحتلال الجزيرة قبل إقامة قاعدة عسكرية صينية بها، كما نفى سوجافاري استهداف الاتفاقية للحلفاء التقليديين لبلاده أو أي دولة أخرى وأكد أن الهدف منها تحسين الوضع الأمني الداخلي.
-المخاوف الإسترالية: تشعر كانبيرا منذ فترة طويلة بالقلق من إمكانية بناء الصين قاعدة بحرية في جنوب المحيط الهادى من شأنها أن تسمح لها بإبراز قوتها البحرية خارج حدودها. وأكد رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون "أن إقامة قاعدة عسكرية صينية بـ"جزر سليمان" ستكون خطاً أحمر لبلاده". وبعد التوقيع على الاتفاق قام وزير منطقة المحيط الهادى "زيد سيسيليا" بزيارة لهونيارا وأعرب عن "خيبة أمله الكبيرة" إزاء "انعدام الشفافية الذي أفضى إلى صياغة الاتفاق الذي سيؤدي لزعزعة استقرار المنطقة". بينما ألمح موريسون إلى أنه سيزور الجزر ورفض انتقادات المعارضة له بإهمال تطوير العلاقات مع هونيارا. بينما انتقد نائبه "بارنابي جويس" بشدة الاتفاق وأكد أن بكين ستنشأ قاعدة عسكرية بالجزر ووصف ذلك بأنه "لا نريد كوبا صغيرة قبالة سواحل استراليا".
- انتقادات إقليمية: صدر في 8 مايو 2022 بيان مشترك من الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا واليابان ونيوزيلندا ينتقد الاتفاق الأمني ووصفه بأنه يشكل "أخطاراً جسيمة على منطقة المحيطين الهندي والهادى الحرة والمفتوحة". وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "نيد برايس"أن "الاتفاق سيؤدي لزعزعة الاستقرار داخل جزر سليمان سيشكل سابقة مقلقة لمنطقة جزر المحيط الهادى". بينما علقت نيوزيلندا عليه بالقول "إن البلاد حزينة، لأن "جزر سليمان" أبرمت الاتفاقية". وأوضح قائد العمليات المشتركة لاستراليا الجنرال "جريغ بيلتون" "أن المعاهدة بين الصين و"جزر سليمان" من شأنها أن تغير حسابات عمليات بلاده العسكرية في الهادي". ووجه رئيس دولة اتحاد ميكرونيزيا "ديفيد بانويلو" رسالة لسوغافاري لإعادة النظر في التوقيع على الاتفاقية وكتب نصا "أخشى أن تكون جزر المحيط الهادئ في قلب مواجهة مستقبلية بين هاتين القوتين العظميين" في إشارة للصين والولايات المتحدة الأمريكية.
تداعيات حاسمة:
-التمركز الأمريكي بالإندو-باسيفيك: بدأت واشنطن منذ العام الماضي سياستها لإعادة التمركز السياسي والعسكري بمنطقة المحيطين الهادي والهندي (الإندو-باسيفيك)، ورغم الانشغال الأمريكي بالأزمة الأوكرانية، إلا أنها أرسلت وفدايوم 23 أبريل 2022 برئاسة منسق مجلس الأمن القومي "كورت كامبل" لهونيارا والتقى مع "سوغافاري" وأكد أنه "حال تم اتخاذ خطوات لإنشاء وجود عسكري دائم بحكم الأمر الواقع، أو قدرات لاستعراض القوة، فإن واشنطن سترد وفقا لذلك". وفي نهاية أبريل 2022، دعا بعض الخبراء العسكريين لتغيير الاستعدادات الدفاعية الأمريكية بالتعاون مع أستراليا ونيوزيلندا لمواجهة الوجود العسكري الصيني جنوب غربي المحيط الهادئ.
وتسعى واشنطن لتكثيف علاقاتها مع الدول الجزرية بالمحيط الهادي مثل (فيجي، وغينيا وبابوا الجديدة)، و"جزر سليمان". فقد أعلنت واشنطن في فبراير 2022 أنها ستعيد فتح سفارتها في هونيارا بعدإغلاقها منذ 29 عام. كما تسعى لابرام اتفاقية مع "جزيرة مالايتا" (أكبر الجزر) لتطوير ميناء بحري، بينما تتحالف جزيرة "غوادالكانال" الرئيسية الذي تقع بها العاصمة هونيارا مع بكين.كما أعلنت إدارة "بايدن" تكثيف التواصل الدبلوماسي مع دول جزر المحيط الهادي، بما في ذلك دعوة زعماء المحيط الهادي إلى البيت الأبيض في وقت لاحق من هذا العام.
-مؤشرات محاصرة الصين: الرئيس الأمريكي "جون بايدن"يعد الصين منذ توليه السلطة الخصم الدولي الأبرز لواشنطن، وتعتبر العقوبات غير المسبوقة التي فرضت على روسيا بعد الحرب الأوكرانية رسالة تحذيرية للصين حال قررت اتخاذ أي خطوات عسكرية لاستعادة تايوان أو توسيع وجودها العسكري بالإندو-باسيفيك، لأنها ستخسر آنذاك قوتها الاقتصادية. ومن مؤشرات محاصرة "بايدن" للصين ما يلي:
• حضر "بايدن" شخصيا قمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) في ظل الخلافات الحدودية المستمرة بين أعضائها والصين، حيث توجد نزاعات حدودية بين فيتنام وإندونيسيا وبكين.
• سيقوم "بايدن" بزيارة اليابان وكوريا الجنوبية نهاية مايو 2022، وسيعقد قمة مع قادة تحالف (كواد) الذي يضم أستراليا والهند واليابان، أعضاء التحالف الذي أنشأه "بايدن" فى منتصف عام 2021 لمواجهة النفوذ الصيني بجنوب شرق آسيا. فضلا عن تحالف "أوكوس" بين الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، واستراليا لمواجهة الصين.
• أعلنت واشنطن ولندن وكانبيرا في 5 أبريل 2022 أنها ستتعاون لتطوير أسلحة فرط صوتية، الأمر الذي اعتبرته بكين موجها ضدها، فضلا عن مطالبات الصين لواشنطن بالكشف عن طبيعة المعامل البيولوجية الأمريكية السرية بجوار روسيا والصين، والتي كشفت عنها موسكو في أوكرانيا.
-تصعيد صيني متبادل: في المقابل، تدرك القيادة السياسية الصينية التحركات الأمريكية جيدا وترد عليها باستمرار، حيث تتهم بكين واشنطن وكانبيرا بأنهم يسيطرون على الدول الجزرية بالمحيط الهادي، ويمنعون تطوير علاقات الصين معها. ويعد الاتفاق الأمني مع "جزر سليمان" إحدى أدوات بكين لتكريس وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي والإندو-باسيفيك. وتسعى الصين لاستنساخ مثل هذا الاتفاق مع دول أخرى لإرساء مبدأ جديد بالسياسة الخارجية لها يسمح "باستخدام القوة العسكرية لحماية وجودها الاقتصادي بالخارج"، وقد قامت بكين بالرد على ذلك بتصعيد مماثل على واشنطن بعدة خطوات:
• أعلنت وزارة الخارجية الصينية في 11 مايو 2022 أن استراليا بدعم من بريطانيا والولايات المتحدة تمارس سياسة تهدف إلى عسكرة الجزء الجنوبي من المحيط الهادى، وتشجع على سباق تسلح دون مناقشة القضايا ذات الصلة مع دول المنطقة.
• انتقدت الصين تحالف "أوكوس" و"كواد" واعتبرتهما موجهين ضدها، لاسيما نشر غواصات نووية وصواريخ بعيدة المدى بأستراليا التي تعد ضمن محيطها الجغرافي، وكذلك انتقدت جزر سليمان استراليا بسبب اتفاق "أوكوس" الأمني مع واشنطن، ما يؤكد أن الدولة الجزرية الصغيرة أصبحت تتبع السياسات الصينية، كما طالبت بكين واشنطن باحترام سيادة واستقلال دول جزر الباسيفيك.
• أعلنت الصين، في مارس الماضي عن زيادة الإنفاق العسكري لها بنسبة 7.1% ليصبح 230 مليار دولار للعام الحالي، وهو أكبر موازنة عسكرية في تاريخها.
خلاصة القول، أن الاعتراض الأمريكي على الاتفاق الأمني بين الصين و"جزر سليمان"، هو أزمة كاشفة لطبيعة النظام الدولي المزدوجة، حيث إن واشنطن تتخوف من وجود عسكري صيني على بعد مئات الأميال بجزر صغيرة وتنكر على روسيا مخاوفها من الوجود العسكري الأمريكي التقليدي والبيولوجي في أوكرانيا، ومن توسيع حلف الناتو شرق وشمال أوروبا. ورغم احتواء أزمة الاتفاق الأمني ظاهريًا إلا أن تصعيد الأزمة أمر محتمل حال استمر الاستهداف المتبادل بين واشنطن وبكين، ولذا فإنه من الضروري سعى المجتمع الدولي لتهدئة حدة التوتر بالإندو-باسيفيك لمنع أي مواجهة عسكرية بالمنطقة، لأن تداعياتها ستكون مضاعفة لما يعانيه العالم حاليا من أزمات سياسية واقتصادية إثر الحرب الأوكرانية.