معلوم أن الكتابة والكتاب منتج إبداعي يهدف إلى التواصل مع الناس، فضلا عن الإضافة الفكرية والاستزادة المعرفية وقد يكون للإمتاع الذهني والعقلي أو مؤانسة وترطيب المشاعر أو للدعوة للتغيير والقفز على محبطات الواقع .. إلى غير ذلك من أهداف الكتابة والكتاب .. والقارئ (الزبون) يختلف في كل حالة في نوعية المنتج الفكري والثقافي الموجه إليه .. التربية والتدريب للطفل، وتشكيل أولويات القيم والمفاهيم الإيجابية للشباب، وصناعة منتجات الفكر الروحي والعقلي الحكيمة لشيوخنا وكبار قومنا .. يبدو أن "توفيق الحكيم" كان محقًا عندما سأله أحدهم "لماذا تكتب؟" قال: "أنا لا أكتب إلا لهدف واحد هو دفع القارئ للتفكير .. وبعد مائة كتاب .. أعتقد أن أعمالى غير مجدية" .. وبرغم هذه النظرة المتشائمة، ظل يكتب ويبدع ويضيف وينتقد ويطور ويفكر ويحاور، وتتلقف إبداعاته دور النشر وتزين أفكاره صفحات إصدارات عصره الصحفية والثقافية، وذلك ببساطة لأنه موجود، وهو ما يؤكد عليه الكاتب الكبير "يوسف إدريس" للرد على نفس السؤال: "أنا أكتب لأنى أحيا، وأستمر في الكتابة لأني أطمح لحياة أفضل، طالما الرغبة في الكتابة مُلحة". كما يؤكد الكاتب السودانى الطيب صالح على نفس الإجابة، ويضيف "أجدنى ميالاً إلى القول إننى أكتب طالما أني أرغب فعلاً وأبداً بأن أصبح كاتبًا، فأنا أنتمى لثقافة ممارسة واحترام الكتابة في تقاليدها" .. والكتابة ليست ورطة كما وصفها الشاعر محمود درويش عندما قال "ربما لأننى متورط في الكتابة بإيقاع لم يسمح لي بالتساؤل عن جدوى الكتابة .. أحياناً أكتب لألعب .. لكن لماذا أكتب .. ربما لأنه لم تعد لي هوية أخرى .. لم تعد لى محبة أخرى وحرية أخرى ولا وطن آخر" .. وبرغم أهمية الكتاب لم تجد مناسبة الاحتفال العالمي للكتاب (في 23 أبريل) الاحتفاء المناسب عبر الإصدارات والصفحات الثقافية بما يشكل على الأقل إعلان وقفة تقييم ودراسة لأحوال الكاتب والكتابة على المستوى العربي. وفي النطاقين المصري المحلي، يتم الاحتفال في 23 أبريل من كل عام باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف بهدف التركيز على إعلاء وتثمين أهمية ممارسة القراءة .. يحتفل ملايين الأشخاص باليوم العالمي للكتاب وحقوق النشر في أكثر من 100 دولة، في مئات المنظمات التطوعية والمدارس والهيئات العامة والمجموعات المهنية والشركات الخاصة .. ومن هنا، عَمَدت اليونسكو في الفترة الممتدة من أول أبريل إلى 23 من الشهر نفسه لنشر سلسلة من الاقتباسات والقصائد والرسائل التي تشيد بالقوة الكامنة في الكتب، وتحثُّ على القراءة قدر الإمكان، وكان هدفها من هذه الخطوة خلق مجتمع واحد قائم على المشاركة في قراءاته ومعارفه، وذلك كي يتسنّى للقُرّاء في جميع أنحاء العالم التواصل فيما بينهم وتخفيف مشاعر الوحدة على بعضهم بعضا .. وعليه، أعتقد أنه من الأهمية بمكان طرح الأرقام التالية والحوار حول مدلولاتها لعرضها على وزيرة الثقافة الفنانة الدكتورة إيناس عبدالدايم وصاحبة العديد من الإنجازات الطيبة في الفترة الأخيرة .. والسابق طرح بعضها من الكاتب والمفكر د. ثروت صموئيل مدير تحرير جريدة "الطريق والحق": عدد الإصدارات للكتب المنشورة في مصر عبر دور النشر المعترف بها عن عام 2021 بلغ 1743 كتابًا بالمقارنة بعدد 1827 كتابًا صدر في عام 2020 (وفق إعلان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء) . وبالمقارنة الصادمة (كمثال) الدنمارك نشرت العام الماضي نحو 14 ألف كتاب، وفرنسا 16 ألف والولايات المتحدة الأمريكية 275 ألف ، والصين 289 ألف. وبحسب "تقرير التنمية البشرية" للعام 2003، الصادر عن اليونسكو، يقرأ المواطن العربي أقل من كتاب بكثير، فكل 80 شخصًا يقرأون كتابًا واحدًا في السنة، وفي المقابل، يقرأ المواطن الأوروبي نحو 35 كتابًا في السنة، والمواطن الإسرائيلي 40 كتابًا . وجاء في "تقرير التنمية الثقافية" للعام 2011، الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي" أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويًا، بينما يقرأ الأوروبي بمعدل 200 ساعة سنويًا. وبحسب تقرير اليونسكو، يُترجَم سنويًا في العالم العربي خُمس ما يُترجَم في دولة اليونان الصغيرة، والحصيلة الكلية لما تُرجم إلى العربية منذ عصر الخليفة العباسي المأمون إلى العصر الحالي تقرب من الـ10000 كتاب، وهذا العدد يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة، وفي النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين، كان متوسط الكتب المترجَّمة لكل مليون مواطن، على مدى خمس سنوات، هو 4.4 كتاب (أقل من كتاب لكل مليون عربي في السنة)، بينما في هنجاريا كان الرقم 519 كتابًا لكل مليون، وفي إسبانيا 920 لكل مليون. وأكتفي بتلك المؤشرات، والتي أراها كافية لتقديم التماس مواطن مثقف إلى من يهمه أمر صناعة الكتاب وأمر الثقافة المصرية التي أراها بمثابة الحجاب الواقي من تداعيات حرب أهل التخلف وما ينشرون وما يكرسون من مفاهيم بالية في الشارع المصري !! وهل لنا أن نسأل حول ما تشير إليه الإحصائيات التي تؤكد أن الثقافة المحصَّلة من القراءة بالنسبة للمواطن الأوروبى تعادل ما يحصله 2800 مواطن عربى ؟!! أعتقد أن نظم الأداء في مؤسساتنا التعليمية والعلمية تشكل أحد أسباب عدم الإقبال على القراءة، عبر مناهج وطرق تدريس ومعلم لا يدفعون في اتجاه تنمية الإبداع والابتكار والبحث والنقد الحر والحوار المستنير والتحري والتدقيق والتجريب والاستنتاج .. ونأمل مع التحديث الرائع في منظومة التعليم أن تسهم معطياتها في إعادة الاحتفاء بدور الكتاب وروعة ممارسة القراءة التى تعد غذاء العقل.
رابط دائم: