الحماية الإنسانية للمدنيين بعد العمليات العسكرية فى أوكرانيا
1-3-2022

فادى طلعت
* باحث فى العلوم السياسية

تعد الحماية الإنسانية من أهم العناصر التي يجب أن يتم تقديمها للمدنيين في جميع المناطق خلال أوقات الحروب والنزاعات المسلحة، وذلك يتضمن حماية المدنيين من التهجير القصري والنزوح والحفاظ علي أرواحهم، وتكون الدولة هي المسئولة عن تقديم الحماية للمدنيين، ومن الممكن تقديمها من خلال المنظمات الدولية المعنية في حالة عجز الدولة، لكن لا يجوز تدخل تلك المنظمات والدول الرائدة فيها في الشئون الداخلية الخاصة بالدول الأخري (الدول التي يوجد فيها نزاعات مسلحة)، وفقا لميثاق الأمم المتحدة.

وهناك بعض المبادئ الخاصة بالحماية الإنسانية، مثل "مبدأ مسئولية الحماية"، وهو مبدأ ذو ثلاث ركائز أساسية هى (علي كل دولة مسئولية حماية سكانها – هناك مسئولية على عاتق المجتمع الدولي فى مساعدة الدول في حماية سكانها - ومسئولية المجتمع الدولي في توفير الحماية للمدنيين في الدول التي تفشل في توفير الحماية لسكانها)، ويهدف هذا المبدأ لحماية المدنيين من النزاعات المسلحة والجرائم غير الإنسانية، ورفع الضرر عن المدنيين. وفي العقد المنقضي، شهد العالم انتهاكا صريحا للمبادئ الأساسية للقانون الدولي والقوانين الخاصة بحقوق الإنسان، وفي النزاعات المسلحة عادة ما يقوم أطراف النزاع بانتهاك قوانين حقوق الإنسان.

وتتعرض أوكرانيا حاليا لضربات عسكرية من الجيش الروسي، وقال رئيس الوزراء البريطانى، بوريس جونسون اليوم الأول من مارس 2022 ، إن فلاديمير بوتين ينخرط في أساليب "عشوائية" لاستهداف المدنيين في أوكرانيا. ورغم أن الهدف الأساسيللضربات العسكرية الروسيةهو تدمير القواعد العسكرية لدى أوكرانيا، لكن بالطبع هناك الآلاف من المدنيين المتضررين من هذه الضربات، حيث يفقدون عملهم أو تعليمهم أو بيوتهم أو حياتهم. ويجب أن يكون هناك حماية إنسانية لهؤلاء المدنيين، لأن هناك منهم اللاجئين والنازحين، ومن الممكن قريبا المفقودين. فماذا سيحدث من جانب الأمم المتحدة تجاه هؤلاء المدنيين المتضررين؟

وضع المدنيين في أوكرانيا:

أفادت تقارير الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن مئة ألف شخص قد نزحوا بسبب الحرب، وتوقعت أن يرتفع العدد إلى 4 ملايين. بدأ اللاجئون الأوكرانيون الأوائل في الوصول إلى رومانيا والمجر وبولندا. وقضى بعضهم الليل في محطة قطار في بولندا المجاورة، حيث تم إنشاء مراكز استقبال على عجل.

وقالت تقارير لمراسلين صحفيين من أوكرانيا إن المزيد من الناس كانوا يحاولون الفرار من كييف إلى غرب أوكرانيا "بكل ما يمكنهم حمله".

وتشير التقديرات إلى أن نحو 3 ملايين شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ومن المرجح أن يزداد العدد وسط الهجوم الروسي، وقد فر أكثر من نصف مليون شخص من أوكرانيا منذ أن بدأت روسيا غزوها الأسبوع الماضي.

سار البعض عدة أميال خلال الليل، بينما فر آخرون بالقطار أو السيارة أو الحافلة، مشكلين طوابير طولها كيلومترات عند المعابر الحدودية مع البلدان المجاورة: بولندا ومولدوفا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا، حتى إن البعض فر إلى بيلاروسيا وروسيا في الشمال والشرق.

وكان الوافدون في الأساس من النساء والأطفال وكبار السن بعد أن منع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الرجال في سن التجنيد من 18 إلى 60 من المغادرة. لكن بالتأكيد مع زيادة وعمق الحرب سوف يزداد اللاجئين والنازحين والقتلي الأبرياء (المدنيين) وسيكون هناك مفقودون.

آليات لحماية المدنيين في أوكرانيا:

علي غير العادة، كانت الدول المجاورة لأوكرانيا مرحبة باللاجئين وقامت باحتوائهم. يعتُقد أن تكون بولندا، أكبر دولة على الجانب الغربي لأوكرانيا، الوجهة الأساسية للاجئين. توجد حاليًا ثماني نقاط استقبال على طول كل معبر حدودي، حيث يمكنهم الحصول على الطعام والمساعدة الطبية والمعلومات. وهناك وسائل نقل متاحة لنقلهم من تلك المواقع إلى مناطق أخرى من الدولة إذا لزم الأمر. وقامت مولدوفا بتنشيط الآلية لدعم الأوكرانيين الذين يصلون إلى بلادهم. أيضا قدمت النمسا وفرنسا وهولندا بالفعل الدعم في حالات الطوارئ مثل مواد المأوى والمساعدة الطبية لمولدوفا.

وصرح نائب وزير الشؤون الداخلية والإدارة البولندي لوسائل الإعلام "راديو زيت" (Radio ZET): "لدينا دعوة لضمان أمننا القومي، ولكن أيضًا لضمان أفضل الظروف للمواطنين الأوكرانيين الذين سيبحثون عن ملجأ في بولندا من الحرب".

المساعدات الإنسانية من الولايات المتحدة الأمريكية:

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن تقديم ما يقرب من 54 مليون دولار كمساعدات إنسانية للمتضررين من الغزو الروسي المستمر. وسيساعد هذا التمويل أيضًا المنظمات الإنسانية على الحفاظ على الاتصال بين أفراد العائلات الذين انفصلوا بسبب النزاع.

من جهة أخري، هناك بعض المؤشرات بأن الكونجرس سيعمل على تمرير مشروع قانون تكميلي طارئ من شأنه أن يوفر مزيدًا من الموارد لسفارات الولايات المتحدة في البلدان المتضررة. وقال أومارا فيجناراجاه إن ذلك سيزيد من فعالية خطوط أنابيب النقل، ويوفر مزيدًا من الدعم للأوكرانيين وغيرهم من الأفراد المتضررين في المنطقة.

المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة:

أعلنت الأمم المتحدة أنها ستخصص 20 مليون دولار (17.9 مليون يورو) لزيادة العمليات الإنسانية في أوكرانيا. وأشار عبد الله شهيد رئيس الجمعية العامة في بيانه، إلى أن الميثاق يقوم على مبدأ المساواة في السيادة، ويدعو الدول الأعضاء إلى تسوية نزاعاتها الدولية بالوسائل السلمية. وقال: "إن الهجوم العسكري الروسي المستمر على أوكرانيا لا يتفق ومبادئ الميثاق"، وجدد دعوته إلى جميع الدول الأعضاء للوفاء بالتزاماتها. "إنني أدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، ووقف تصعيد التوترات والعودة بحزم إلى الدبلوماسية والحوار. إن الوصول الآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا وشعبها يمثل أولوية وحاجة الساعة ". العودة للدبلوماسية أصبحت مطلوبة أكثر بسبب كثرة العنف ضد المدنيين واللاجئين من أوكرانيا.

المساعدات الإنسانية من الاتحاد الأوروبي:

قال رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي فون دير لاين إن عمليات الحماية المدنية والمساعدات الإنسانية الأوروبية، الذراع الإنسانية للاتحاد الأوروبي، مستعدة لتوفير الاحتياجات الأساسية والفورية للأوكرانيين النازحين داخليًا. وسيزيد الاتحاد الأوروبي من مساعدته المالية للاجئين بما يتجاوز 1.2 مليار دولار من المساعدات المتوافرة بالفعل، على الرغم من أنه لم يلتزم بعد بالمبلغ المحدد.

خصصت المفوضية 90 مليون يورو إضافية لبرامج المساعدات الطارئة لمساعدة المدنيين المتضررين من الحرب في أوكرانيا كجزء من نداء المساعدات العاجل من قبل الأمم المتحدة. وستوفر هذه المساعدة الإنسانية الجديدة من الاتحاد الأوروبي الغذاء والماء والصحة والمأوى وتساعد في تغطية احتياجاتهم الأساسية.

آلية الحماية المدنية في الاتحاد الأوروبي:

تقوم المفوضية أيضًا بتنسيق تسليم المساعدة المادية عبر آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا، مع عروض من 20 دولة عضو حاليًا: النمسا، وبلجيكا، وكرواتيا، والدنمارك، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، واليونان، وإيطاليا، وأيرلندا، ولاتفيا، وليتوانيا، ومالطا، وبولندا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، وإسبانيا، والسويد، وهولندا، والتي تشمل 8 ملايين عنصر رعاية طبية أساسية ودعم الحماية المدنية، حيث وصلت أول شاحنة من سلوفينيا أمس إلى العاصمة الأوكرانية كييف.

ختاما، من المحتمل بأن الوضع في أوكرانيا سوف يزداد سوءاً، وسنري العديد من النازحين والفارين من المناطق الخطرة غير الآمنة، وغير الصالحة للعيش إلي مناطق أخرى، سواء داخل أوكرانيا أو خارجها، ليبقى السؤال إلى أي مدي تبقي الدول المجاورة ترحب باللاجئين؟ هذا بالتأكيد لن يستمر طويلا وسيكون هناك عدم قبول من الدول المجاورة للمزيد من اللاجئين المدنيين لدي أوكرانيا بسبب التبعات السلبية علي تلك الدول. ولكن من الممكن بأن تتقلص حجم المشكلة إذا تمت مفاوضات لوقف النزاع المسلح وجعل الحماية الإنسانية هدفا رئيسيا، وبذلك نتجنب قتل الأبرياء وتهجيرهم من مساكنهم.

 


رابط دائم: