دور متواصل وأهمية متصاعدة: أبعاد ودلالات استقبال الرئيس السيسى نظيره الجزائرى وزيارة الإمارات
30-1-2022

د. منى سليمان
* باحث أول ومحاضر فى العلوم السياسية

استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الجزائري "عبدالمجيد تبون" يوم 24 يناير 2022 في زيارة استغرقت يومين بحثا خلالها سبل تطوير العلاقات الثنائية، والملفات العربية الآنية ومنها الملفان الليبي والسوري والعمل العربي المشترك إثر الإعداد للقمة العربية المقبلة. وقد شهدت مواقف الدولتين توافقا كبيرا في القضايا المطروحة كافة. غداة ذلك قام الرئيس السيسي بزيارة مفاجئة لدولة الإمارات العربية المتحدة هي الأولي له منذ الاعتداءات الحوثية على مطار أبوظبي في17 يناير الحالي وجدد إدانة مصر لأي اعتداء إرهابي على الأمن القومي الإماراتي، وجدد الموقف المصري القائم على اعتبار الأمن الخليجي جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. ولعل نجاح الزيارتين ينذر ببدء مرحلة جديدة من التعاون الثنائي والجماعي بين الدول العربية لمواجهة التحديات الأمنية تفعيلا لمبدأ أن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، والتحديات السياسية الآنية في ظل بيئة إقليمية ودولية مضطربة.

توافق مصري - جزائري:

حظيت زيارة تبون لمصر باهتمام كبير من قبل الإعلام الجزائري فهي الأولى له لمصر والثالثة له خارج البلاد منذ توليه منصبه في 2019 حيث زار من قبل دولتين هما السعودية وتونس، ويعول كثيرا عليها في مضاعقة التبادل التجاري بين الدولتين البالغ حاليا 747 مليون دولار عام 2020. وقد عقد الرئيسان المصري "عبدالفتاح السيسي" والجزائري "عبدالمجيد تبون" جلسة مباحثات فردية وجماعية، ومؤتمر صحفيا مشتركا واختتمت الزيارة بإصدار بيان مشترك يؤكد التوافق بين الدولتين في القضايا الثنائية والإقليمية كافة، كما يلي:

- العلاقات الثنائية: نؤكد الطابع الاستراتيجي والمتميز للعلاقات الثنائية وضرورة تفعيل آليات التشاور والتنسيق بينهما على المستويات كافة، حيث يتم الإعداد لعقد الدورة المقبلة للجنة العليا المشتركة على مستوى رئيسي وزراء الدولتين خلال النصف الأول من العام الحالي، بعد ثماني سنوات من التوقف. كما يتم تفعيل آلية التشاور السياسي على مستوى وزيري الخارجية، خلال النصف الأول من هذا العام، وكذلك تطوير التعاون الاقتصادي ومضاعفة الاستثمارات المتبادلة وزيادة معدلات التبادل التجاري، وتعزيز الشراكات وتبادل الخبرات في مختلف المجالات، بما يحقق مصالح الدولتين. جدير بالذكر أن العلاقات المصرية - الجزائرية تشهد تطورا ملحوظا خلال العامين الماضيين، وكان الرئيس "السيسي" قد استقبل في 17 يناير الجاري وزير الشؤون الخارجية الجزائرية "رمطان العمامرة" تمهيدا لزيارة "تبون" ولبحث الترتيبات الجزائرية لعقد القمة العريبة المرتقبة المقررة في مايو المقبل.

- الملف الليبي: تمثل ليبيا عمقا استراتيجيا لمصر والجزائر وقد حظى الملف الليبي باهتمام القيادة السياسية في الدولتين، وقد شاركتا في جميع المؤتمرات الدولية حول ليبيا كما تم تأكيد استمرار التنسيق بينهما في ظل آلية دول "الجوار الليبي" التي تضم (مصر، والجزائر، وتونس)، وقد أكد السيسي وتبون ضرورة خروج جميع المرتزقة الأجانب من ليبيا وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية بأسرع وقت لإتاحة المجال للشعب الليبي للتعبير عن إرادته الحرة وتحقيق آماله المشروعة،وعودة الاستقرار لليبيا، لمنع تحويلها لبؤرة للجماعات الإرهابية وعصابات الهجرة غير الشرعية بشمال إفريقيا.

- القضية الفلسطينية: أكد الرئيسان أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، وجددا دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحشد الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق ذلك. وقد أثني الرئيسان الجهود المبذولة من الدولتين في هذا الصدد حيث استقبلت العاصمة الجزائرية 6 فصائل فلسطينية لبحث المصالحة الوطنية، كما تستكمل مصر جهودها لتوحيد الفصائل الفلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة، وصولا لاستئناف عملية السلام.

- الأمن القومي العربي: أوضح الرئيسان أهمية الحفاظ على الأمن القومي العربي في ظل التحديات الآنية التي تواجهها المنطقة، وشددا على ضرورة تعزيز مفهوم الدولة الوطنية، ودعم دور مؤسساتها لتلبية طموحات الشعوب العربية، ورفض محاولات التدخل الخارجي في الشئون الداخلية للدول العربية. واتفقا على أهمية دعم أطر وآليات العمل العربي المشترك وجهود جامعة الدول العربية ذات الصلة بما يصون المصالح العربية.

- تعزيز التعاون العربي المشترك: أكد الرئيس "تبون" مكانة مصر التاريخية والجغرافية والاستراتيجية فى مد جسور التعاون بأشقائها العرب، حيث تعول الجزائر كثيرا على دور مصر في تعزيز التعاون الجزائري - الخليجي وجذب الاستثمارات للجزائر، كما أن التعاون المصري - الجزائري سيسهم في تعزيز التعاون المصري المغاربي في ظل العلاقات الاستراتيجية بين مصر وتونس والتعاون الوثيق بين مصر والمغرب، كما تعول الجزائر على الثقل العربي المصري في إنجاح القمة العربية المقبلة التي ستستضيفها الجزائر، حيث تأمل الأخيرة في وجود تمثيل عربي رفيع يمثل الوفود في تلك القمة، كما ترغب في تحقيق توافق عربي – عربي حول عدد من القضايا الخلافية وعلى رأسها عودة سوريا للجامعة العربية التي تؤيدها الجزائر وتتحفظ عليها بعض الدول العربية.

- الشأن الإفريقي: أبدى الرئيسان اهتماما بضرورة إنجاح القمة الإفريقية المقبلة التي ستبحث عددا من القضايا المهمة، ومنها التطورات بالسودان حيث اتفقا على ضرورة دعم استقرار الأوضاع في السودان واحترام سيادته ووحدة أراضيه لما يمثله ذلك من أهمية بالغة لتحقيق السلم والأمن بالقارة الإفريقية. وكذلك بحث الرئيسان قضية "سد النهضة"، وما تمثله من تهديد للأمن المائي المصري وتوافقا على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة بما يحقق مصالح الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا بشكل عادل ومنصف وذلك قبل بدء الملء الثالث للسد. وتعول مصر على الثقل الجزائري بالاتحاد الإفريقي ودوره في التوصل لحل لأزمة "سد النهضة" في ظل استمرار التعنت الإثيوبي. كما دعا الرئيسان لتكثيف جهود محاربة الإرهاب بالقارة ولاسيما في ظل التطورات التي تشهدهامالي والنيجر بعد تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية بهما، ما يهدد الأمن القومي لدول شمال إفريقيا ككل. كما دعا الرئيسان لضرورة الارتقاء بمنظومة الاتحاد الإفريقي لتحقيق الاندماج القاري والاقتصادي من خلال التنسيق بين الاتحاد الإفريقي والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، الأمر الذي من شأنه تحقيق أهداف أجندة التنمية الإفريقية 2063.

- مكافحة الإرهاب: وجه الرئيسان بتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره، ومطالبة المجتمع الدولي بتبني مقاربة شاملة للتصدي لتلك الظاهرة بمختلف أبعادها الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتنموية، والفكرية والأيديولوجية، وكذلك من خلال مواجهة التنظيمات الإرهابية كافة، وتقويض قدراتها على استقطاب وتجنيد عناصر جديدة، وتجفيف منابع تمويلها، وهو ما يتطلب تعاونا عربيا وإفريقيا مشتركا.  

- التعاون الإقليمي: ترتبط مصر والجزائر بعلاقات ثنائية في أكثر من دائرة خارجية، ولذا دعا الرئيسان لتعزيز التعاون المشترك بينهما على الصعيد الإقليمي، على المستويات الإفريقية وقبل عقد القمة الإفريقية المقبلة مطلع فبراير القادم التي ستشارك فيها مصر والجزائر وستبحث عدة قضايا إفريقية مهمة كتطورات الوضع في السودان ومالي و"سد النهضة"، والدائرة المتوسطية فالدولتان تطلان على البحر الأبيض المتوسط وتعملان على محاربة الهجرة غير الشرعية والإرهاب والاتجار بالبشر الذي يتم عبر ضفتي المتوسط، كما تسعيان لتعزيز التعاون العربي - الأوروبي على المستويات كافة، فضلا عن الدائرة العربية. كما أن مصر والجزائر عضوان فى منظمة التعاون الإسلامي التي لها دور مهم في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.


دعم مصري لدولة الإمارات:

قام الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" يوم 26 يناير 2022 بزيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة لمدة يوم واحد وهي الأولى لرئيس دولة بعد الاعتداء الإرهابي الحوثي الذي استهدف مطار أبوظبي في 17 يناير 2022 وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ضعفهم. وحظيت الزيارة بترحيب إماراتي كبير، حيث:

- محورية أمن الخليج: استقبل الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة  الرئيس "السيسي" فور وصوله بقصر الوطن بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، وجدد الرئيس "السيسي" إدانة مصر للحادث الإرهابي الأخير وأي عمل إرهابي تقترفه ميليشيا "الحوثي" لاستهداف أمن واستقرار وسلامة دولة الإمارات ومواطنيها والمقيمين بها. وجدد دعم مصر لكل ما تتخذه الإمارات من إجراءات للتعامل مع أي عمل إرهابي يستهدفها. وتأتي زيارة الرئيس "السيسي" للإمارات تفعيلا لمقولته الشهيرة "مسافة السكة" التي جسد بها دعم مصر المستمر لدول الخليج العربي. وأكد أن الأمن القومي الخليجي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. وهذه الزيارة تؤكد ضرورة تصنيف ميليشيات "الحوثي" باليمن المدعومة من إيران كمنظمة إرهابية دوليًا وعربيًا، كما تؤكد خطأ قرار إدارة الرئيس الأمريكي الحالي "جون بايدن" رفع الميليشيات من تصنيف الجماعات الإرهابية الذي اتخذه العام الماضي منذ ذلك الحين وتصاعدت حدة الهجمات الحوثية على أهداف مدنية في السعودية والإمارات ما يمثل تهديد للأمن الخليجي ولأمن الملاحة في الممرات العربية، كما أنها تهديدا للاقتصاد العالمي من خلال عرقلة سلاسل توريد السلع من وإلى دول الخليج العربي ولاسيما النفط ومشتقاته.

- قمة عربية رباعية: عقدت بقصر الوطن بأبوظبي قمة رباعية جمعت بين الرئيس "السيسي" وملك البحرين "حمد آل خليفة" الذي تزامنت زيارته للإمارات، وولى عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، وحاكم دبي "محمد بن راشد آل مكتوم". وقد شهدت القمة تشاورا وتنسيقا عربيا حول التطورات الأخيرة والشأن العربي والإقليمي، وذلك في ضوء التحديات الراهنة من أجل حماية الأمن القومى العربى والتصدى لمحاولات زعزعة استقرار وأمن الدول العربية.

الأهمية الاستراتيجية للتوقيت:

مثَّل توقيت زيارة الرئيس الجزائري لمصر، والذي أعقبته زيارة الرئيس "السيسي" للإمارات أهمية بالغة، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة التي تمثل تحديات أمنية وسياسية للدول العربية، والممثلة في:

- مرحلة انتقالية للملفات العربية:تشهد التطورات في ليبيا وسوريا والعراق ولبنان والسودان مرحلة انتقالية حرجة تتطلب تكثيف الدعم العربي لتلك الملفات لمواجهة الدعم الخارجي للميليشيات المسلحة بتلك الدول التي تهدد الأمن والاستقرار بها، حيث يشهد العراق استهدافا شبه يومي لأهداف استراتيجية كمطار بغداد من قبل ميليشيات مسلحة اعتراضا على نتائج الانتخابات البرلمانية وتهديدات سياسية مستمرة لعرقلة تشكيل الحكومة الجديدة بعد أربعة أشهر على الانتخابات. كما يمر لبنان بحالة غير مسبوقة من الانهيار الاقتصادي والتأزم السياسي وتهميش الطائفة السنية نتيجة سيطرة ميليشيات "حزب الله" اللبناني على صنع القرار بالبلاد. بينما نجحت التدخلات الخارجية في عرقلة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بليبيا. وتحتاج سوريا والسودان لدعم اقتصادي وسياسي عربي لإرساء الاستقرار بهما، لأن استمرار المرحلة الانتقالية بتلك الدول سيؤدي لتحويلها لبيئة خصبة للجماعات الإرهابية والميليشات المسلحة، وإضعاف دور الدولة الوطنية وهو ما يمثل تهديدا للأمن والاستقرار بسائر الدول العربية. وهنا تنبع أهمية القمة العربية المقبلة التي يعول كثيرون عليها في الخروج بقرارات داعمة للدول العربية قابلة للتنفيذ.

- تعثر مفاوضات فيينا النووية: أعلنت باريس توقفا مؤقتا لمفاوضات فيينا النووية، وتمثل تلك المفاوضات تحديا للدول الخليجية خاصة والعربية عامة. ففى حال فشل المفاوضات تماما، فإن ذلك سيدفع لاستكمال البرنامج النووي وبدء سباق تسلح إقليمي. وحال نجاحها وتمت العودة للاتفاق النووي فإن ذلك سيؤدي لمضاعفة النفوذ الإقليمي مقابل وقف النشاط النووي وسيصاحب هذا استمرار تهديد لتلك الدول، ما يتطلب من الدول العربية أمرين، هما الإصرار على الانضمام لتلك المفاوضات، والتوصل لموقف عربي خليجي موحد.  

- تغير الاستراتيجية الأمريكية: صدرت وثيقة الأمن القومي الأمريكي المؤقت في مارس 2021، وأكدت تصدر المواجهة مع روسيا والصين أولويات الأجندة الأمريكية خلال ولاية الرئيس "جون بايدن"، وهو ما تم تفعيله منذ ذلك الحين، حيث تصاعدت حدة التوتر بين واشنطن وموسكو حول الحشد العسكري المتبادل في أوكرانيا وشرق أوروبا حد التهديد باندلاع حرب عالمية ثالثة حال قررت موسكو غزو شرق أوكرانيا. كما تصاعدت حدة التوتر بين بكين وواشنطن إثر تهديد مماثل بغزو الصين لتايوان، فضلا عن التنافس بين أمريكا والصين في منطقة الاندوباسيفيك، الأمر الذي صاحبه "إحجام أمريكي" عن التدخل سياسيًا بالملفات العربية المتأزمة، ومنح قوى إقليمية الفرصة لمضاعفة نفوذها بالمنطقة.

- تحديات أمنية غير تقليدية: منذ بدء تفشي فيروس "كورونا" قبل عامين تقريبا، تتصاعد التحديات الأمنية غير التقليدية مثل تفشي الأمراض المعدية، وتأزم الاقتصاد العالمي بعد اتخاذ الإجراءات الاحترازية وحالات الإغلاق المتكررة، وأزمات التغير المناخي التي أثرت فى كل دول العالم، ما يتطلب تعاونا عربيا - عربيا، وعربيا إقليميا ودوليا لمواجهة هذه التحديات، وسوف تضطلع مصر بدور مهم في طرح مبادرات لمواجهة التغيرات المناخية خلال استضافة قمة التغير المناخي (كوب 27) في نوفمبر المقبل.

خلاصة القول إن الدبلوماسية المصرية تشهد نشاطا مكثفا سيمنح التعاون العربي -العربي المزيد من الزخم اللازم لإنجاح القمة العربية المقبلة بعد توقف عامين، لمواجهة التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية للدول العربية، عبر صوغ رؤية مصرية - عربية لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.


رابط دائم: