دعم مصري لدولة الإمارات:
قام الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" يوم 26 يناير 2022 بزيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة لمدة يوم واحد وهي الأولى لرئيس دولة بعد الاعتداء الإرهابي الحوثي الذي استهدف مطار أبوظبي في 17 يناير 2022 وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ضعفهم. وحظيت الزيارة بترحيب إماراتي كبير، حيث:
- محورية أمن الخليج: استقبل الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس "السيسي" فور وصوله بقصر الوطن بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، وجدد الرئيس "السيسي" إدانة مصر للحادث الإرهابي الأخير وأي عمل إرهابي تقترفه ميليشيا "الحوثي" لاستهداف أمن واستقرار وسلامة دولة الإمارات ومواطنيها والمقيمين بها. وجدد دعم مصر لكل ما تتخذه الإمارات من إجراءات للتعامل مع أي عمل إرهابي يستهدفها. وتأتي زيارة الرئيس "السيسي" للإمارات تفعيلا لمقولته الشهيرة "مسافة السكة" التي جسد بها دعم مصر المستمر لدول الخليج العربي. وأكد أن الأمن القومي الخليجي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. وهذه الزيارة تؤكد ضرورة تصنيف ميليشيات "الحوثي" باليمن المدعومة من إيران كمنظمة إرهابية دوليًا وعربيًا، كما تؤكد خطأ قرار إدارة الرئيس الأمريكي الحالي "جون بايدن" رفع الميليشيات من تصنيف الجماعات الإرهابية الذي اتخذه العام الماضي منذ ذلك الحين وتصاعدت حدة الهجمات الحوثية على أهداف مدنية في السعودية والإمارات ما يمثل تهديد للأمن الخليجي ولأمن الملاحة في الممرات العربية، كما أنها تهديدا للاقتصاد العالمي من خلال عرقلة سلاسل توريد السلع من وإلى دول الخليج العربي ولاسيما النفط ومشتقاته.
- قمة عربية رباعية: عقدت بقصر الوطن بأبوظبي قمة رباعية جمعت بين الرئيس "السيسي" وملك البحرين "حمد آل خليفة" الذي تزامنت زيارته للإمارات، وولى عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، وحاكم دبي "محمد بن راشد آل مكتوم". وقد شهدت القمة تشاورا وتنسيقا عربيا حول التطورات الأخيرة والشأن العربي والإقليمي، وذلك في ضوء التحديات الراهنة من أجل حماية الأمن القومى العربى والتصدى لمحاولات زعزعة استقرار وأمن الدول العربية.
الأهمية الاستراتيجية للتوقيت:
مثَّل توقيت زيارة الرئيس الجزائري لمصر، والذي أعقبته زيارة الرئيس "السيسي" للإمارات أهمية بالغة، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة التي تمثل تحديات أمنية وسياسية للدول العربية، والممثلة في:
- مرحلة انتقالية للملفات العربية:تشهد التطورات في ليبيا وسوريا والعراق ولبنان والسودان مرحلة انتقالية حرجة تتطلب تكثيف الدعم العربي لتلك الملفات لمواجهة الدعم الخارجي للميليشيات المسلحة بتلك الدول التي تهدد الأمن والاستقرار بها، حيث يشهد العراق استهدافا شبه يومي لأهداف استراتيجية كمطار بغداد من قبل ميليشيات مسلحة اعتراضا على نتائج الانتخابات البرلمانية وتهديدات سياسية مستمرة لعرقلة تشكيل الحكومة الجديدة بعد أربعة أشهر على الانتخابات. كما يمر لبنان بحالة غير مسبوقة من الانهيار الاقتصادي والتأزم السياسي وتهميش الطائفة السنية نتيجة سيطرة ميليشيات "حزب الله" اللبناني على صنع القرار بالبلاد. بينما نجحت التدخلات الخارجية في عرقلة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بليبيا. وتحتاج سوريا والسودان لدعم اقتصادي وسياسي عربي لإرساء الاستقرار بهما، لأن استمرار المرحلة الانتقالية بتلك الدول سيؤدي لتحويلها لبيئة خصبة للجماعات الإرهابية والميليشات المسلحة، وإضعاف دور الدولة الوطنية وهو ما يمثل تهديدا للأمن والاستقرار بسائر الدول العربية. وهنا تنبع أهمية القمة العربية المقبلة التي يعول كثيرون عليها في الخروج بقرارات داعمة للدول العربية قابلة للتنفيذ.
- تعثر مفاوضات فيينا النووية: أعلنت باريس توقفا مؤقتا لمفاوضات فيينا النووية، وتمثل تلك المفاوضات تحديا للدول الخليجية خاصة والعربية عامة. ففى حال فشل المفاوضات تماما، فإن ذلك سيدفع لاستكمال البرنامج النووي وبدء سباق تسلح إقليمي. وحال نجاحها وتمت العودة للاتفاق النووي فإن ذلك سيؤدي لمضاعفة النفوذ الإقليمي مقابل وقف النشاط النووي وسيصاحب هذا استمرار تهديد لتلك الدول، ما يتطلب من الدول العربية أمرين، هما الإصرار على الانضمام لتلك المفاوضات، والتوصل لموقف عربي خليجي موحد.
- تغير الاستراتيجية الأمريكية: صدرت وثيقة الأمن القومي الأمريكي المؤقت في مارس 2021، وأكدت تصدر المواجهة مع روسيا والصين أولويات الأجندة الأمريكية خلال ولاية الرئيس "جون بايدن"، وهو ما تم تفعيله منذ ذلك الحين، حيث تصاعدت حدة التوتر بين واشنطن وموسكو حول الحشد العسكري المتبادل في أوكرانيا وشرق أوروبا حد التهديد باندلاع حرب عالمية ثالثة حال قررت موسكو غزو شرق أوكرانيا. كما تصاعدت حدة التوتر بين بكين وواشنطن إثر تهديد مماثل بغزو الصين لتايوان، فضلا عن التنافس بين أمريكا والصين في منطقة الاندوباسيفيك، الأمر الذي صاحبه "إحجام أمريكي" عن التدخل سياسيًا بالملفات العربية المتأزمة، ومنح قوى إقليمية الفرصة لمضاعفة نفوذها بالمنطقة.
- تحديات أمنية غير تقليدية: منذ بدء تفشي فيروس "كورونا" قبل عامين تقريبا، تتصاعد التحديات الأمنية غير التقليدية مثل تفشي الأمراض المعدية، وتأزم الاقتصاد العالمي بعد اتخاذ الإجراءات الاحترازية وحالات الإغلاق المتكررة، وأزمات التغير المناخي التي أثرت فى كل دول العالم، ما يتطلب تعاونا عربيا - عربيا، وعربيا إقليميا ودوليا لمواجهة هذه التحديات، وسوف تضطلع مصر بدور مهم في طرح مبادرات لمواجهة التغيرات المناخية خلال استضافة قمة التغير المناخي (كوب 27) في نوفمبر المقبل.
خلاصة القول إن الدبلوماسية المصرية تشهد نشاطا مكثفا سيمنح التعاون العربي -العربي المزيد من الزخم اللازم لإنجاح القمة العربية المقبلة بعد توقف عامين، لمواجهة التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية للدول العربية، عبر صوغ رؤية مصرية - عربية لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.