في صباح يوم 25 يناير 1952، قدم خمسون رجل شرطة أرواحهم، فضلًا عن 80 جريحًا، سالت دمائهم أمام قسم شرطة الإسماعيلية عندما واجهوا حصار قوات الاحتلال البريطاني لمبني القسم، ورفضوا الانصياع لإنذار عدو متغطرس لتسليم أسلحتهم.
وإزاء تلك الملحمة والبطولات التي قدمها عناصر الشرطة المصرية، لم يستطع الجنرال الإنجليزي "إكسهام" أن يخفي إعجابه بشجاعة المصريين، فقال للمقدم شريف العبد، ضابط الاتصال وقتئذٍ : "لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف حتى النهاية، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعًا ضباطًا وجنودًا، وقام جنود فصيل بريطاني بأمر من الجنرال إكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريمًا لهم وتقديرًا لشجاعتهم النادرة".
وعليه، ومنذ عام 2009، تقرر الاحتفال بسير ومواقف أبطالنا في ذلك اليوم المجيد من أيام البطولات المصرية العظيمة.
وفي تاريخ الشرطة المصرية الكثير والكثير من البطولات العبقرية التي كانت في احتياج لتوثيق تاريخي ودرامي وتسجيلي وثائقي يلاحق ويتابع تلك الملاحم التي قدمها ذلك الجهاز وتلك المؤسسة العتيدة ولا تزال، وبات يسعدني تقديم نشرة تليفزيونية دورية للمتابعة بالصوت والصورة لمعارك البوليس المصري لمكافحة الجريمة ومرتكبيها في أوكارهم بكل بسالة ووطنية، ولعل أروعها في مكافحة الإرهاب وتحقيق انتصارات وبطولات تشهد بالتفرد غير المسبوق في مجال المهنية والبسالة والوطنية.
جاء فيلم "حياة أو موت" إنتاج 1954 -أي بعد ملحمة الإسماعيلية العظيمة بعامين، وكأنه رسالة امتنان لتلك المؤسسة العتيدة- بطولة يوسف وهبى، وعماد حمدى، ومديحة يسرى، وحسين رياض، وإخراج كمال الشيخ. الفيلم قصة بسيطة حول رجل فقير يرسل ابنته لشراء الدواء، يكتشف الصيدلي أن الدواء به سم، يسرع على الفور بإبلاغ الشرطة لإنقاذ حياة الرجل الفقير أحمد إبراهيم، وهنا يبرز دور حكمدار العاصمة يوسف وهبى الذى يبذل كامل طاقته لإنقاذ حياة الرجل الفقير، بل ويرسل بياناً للإذاعة حتى ينجح فى النهاية فى إنقاذ حياة أحمد إبراهيم. للعلم هذه الواقعة حدثت بالضبط عام 1994.
فيلم "الرجل الثانى" إنتاج 1958 بطولة رشدى أباظة، وصباح، وسامية جمال، وصلاح ذو الفقار، وإخراج عز الدين ذو الفقار. تناول هذا الفيلم الصراع بين البوليس وإحدى عصابات التهريب، وذكاء رجل الشرطة فى التعامل مع المجرمين، وتعرض حياتهم لخطر مؤكد، ونجاح الشرطة فى النهاية فى الإيقاع برأس العصابة.
فيلم "ريا وسكينة" إنتاج 1954 بطولة أنور وجدى، وزوزو حمدى الحكيم، ونجمة إبراهيم، تناول جهود رجال الشرطة فى الإيقاع بأخطر عصابة تقودها امرأتان وتعرض حياة رجل الشرطة للخطر حتى النجاح فى القبض على هذه العصابة التى هزت وجدان الشعب المصرى فى بدايات القرن العشرين.
بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة، وأيضًا الاحتفال بدورة جديدة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب السنوية أسعدني أن يكون في أرشيف الهيئة العامة للكتاب أكثر من كتاب وعمل نقدي مهم حول جهاز الشرطة -وإن كنت أتمنى إنتاج المزيد من الإصدارات بتاريخ أحدث- والتي تتناول ظهور كوادر ذلك الجهاز مهنيًا وإنسانيًا على شاشة السينما المصرية منذ وجود الفن السابع وحتى تاريخه، وسرني الإطلاع على كتابين في هذا الصدد للكاتب والباحث الأكاديمي وأحد أبناء وزارة الثقافة د. ناجي فوزي، وهو الذي تخرج فى كلية الشرطة، والحاصل على ليسانس القانون من كلية الحقوق، ودرجة البكالوريوس من المعهد العالي للسينما بأكاديمية الفنون، ودرجة الدكتوراه في النقد السينمائي، وهو من صدر له عن المركز القومي للسينما كتاب "نشرات السينما في مصر، اتجاهات نقدية "سنة 1996" .. فنحن أمام مؤلف ضابط شرطة، وحقوقي، ومصور سينمائي، وناقد أكاديمي، ومبدع فاعل في مجتمعه المهني والأكاديمي في غير احتياج لدعم مهني أو معلوماتي وعملي لصياغة عمل ثقافي علمي مكتمل الرؤية.
يذكر " فوزي" في كتابه "الشرطة في عيون السينما المصرية " الذي صدر عن "مكتبة الأسرة 2006" أن العلاقة بين الشرطة والسينما في مصر تعود إلى سنة 1928، أي بعد وقت قليل من بدء إنتاج الأفلام السينمائية الروائية الطويلة وعرضها عرضًا عامًا في مصر، وبالتحديد فإن آخر البحوث العلمية عن تاريخ السينما في مصر يذكر أن بداية عرض الأفلام السينمائية الروائية الطويلة كان سنة 1923، وأن أول فيلم مصري يتصل بشخصية رجل الشرطة وعمله كان فيلم "البحر بيضحك" (إخراج : استيفان روستي، 1928)، الذي يدور في إطار فكاهي حول شخصية رجل شرطة مسن وما يواجهه في حياته المهنية من متاعب، وإذا كان هناك فاصل يمتد نحو خمس سنوات بين عرض فيلم "البحر بيضحك" وعرض أول الأفلام الروائية الطويلة في مصر، إلا أن الحقيقة أن هذا الفاصل الزمني هو فاصل طويل من الناحية الظاهرية إذا علمنا أن فيلم "البحر بيضحك" هو الفيلم الخامس في ترتيب الأفلام المصرية الروائية التي عرضت في مصر منذ عام 1923، وفي العام نفسه عرض فيلم "فاجعة فوق الهرم" (إخراج : إبراهيم لاما، 1928)، ويتضمن اتهام شخص بريء بجريمة قتل، فيُسجن، ثم يهرب من سجنه مع آخر إلى أن تثبت براءته، وبذلك يعد هذا الفيلم أول الأفلام المصرية التي تعرض للسجون وللمسجونين. ويشهد عام 1929 موقفًا تاريخيًا يدل على عمق العلاقة بين الشرطة والسينما منذ أن بدأ الفن السينمائي يوطد أركانه في الحياة الاجتماعية المصرية، ففي هذا العام اتجهت الشرطة المصرية لإنتاج فيلم تقوم فكرته على محاربة السموم البيضاء الفتاكة، وفي مقدمتها مخدر الكوكايين، وقد تم اختيار سيناريو هذا الفيلم من خلال مسابقة نظمها حكمدار القاهرة الإنجليزي في ذلك الوقت، ثم وافقت عليه وزارة الداخلية، التي خصصت لإنجاز هذا الفيلم مبلغًا من المال، بل وزاد الاهتمام بإنتاج هذا الفيلم، حتى فكرت الحكومة المصرية في إخراجه ناطقًا، وكان العمل يسير في إنجازه بانتظام إلى درجة أن هناك وصفا كاملاً لكيفية تصوير أحد مشاهد الفيلم، وهو مشهد يتضمن معركة بين رجال الهجانة المصريين وبعض المهربين في صحراء السويس، ومع ذلك فقد اختفى هذا الفيلم ولم يعرض عرضًا عامًا في مصر حتى الآن.
بالرغم من هذه الأعمال السابق الإشارة إليها وغيرها الكثير، فإن بطولات رجال الشرطة المصرية تستحق ما هو أكثر ولا نزال فى انتظار المزيد، وفاءً بدور هذا الجهاز الوطنى ورجاله الذين هم أبناء هذا الوطن.
رابط دائم: