يقول دكتور مصطفى محمود: "الخصوصية قوة، فالناس لا يستطيعون تدمير ما لا يعرفونه".
لو تأملنا هذه المقولة لوجدنا أننا السبب الرئيسي في كل ما يحدث لنا من أمور مهلكة .. وذلك لجهل البعض منا بثقافة الصمت، تعودنا علي الكلام والقيل والقال وإفشاء الأسرار، فكثيرا ما نجد أننا نسعى إلى ذلك دون أن ندري أننا نحطم الإطار الخاص بنا من الخصوصية، ولا نعلم أننا سنحصد سلبيات ذلك، سواء كان فى انتهاك خصوصيتنا، وإفشاء أسرارنا حتى يأتي الوقت المناسب ونندم علي حصاد ألسنتنا، أو تحت مسمي الفضفضة (ولو يعلم المرء عواقب الفضفضة لفضل الصمت أبدا).
ولكن أين هي مساحه كل فرد من الخصوصية فى حياته؟!
للأسف، بدأت الخصوصية تتلاشي وتنتهك داخل المجتمعات في ظل وجود عالم السوشيال ميديا فنجد أحيانا الكثيرين يشاركون البعض بخصوصياتهم ويومياتهم كالصور الخاصة بهم وخروجاتهم وأكلاتهم وسفراتهم واختيار ملابسهم، حتي اختيار ألوان جدرانهم، وأحيانا مشاركة البعض فى اختيار شركاء حياتهم!! وأحيانا أخري اختيار أسماء أولادهم .. والكثير من ذلك. وقد تجد أحدهم لا يكاد يتحرك إلا ويشارك الجميع ذلك، وهو لا يعلم أنه ينتهك خصوصيته بيده، ويعطي مساحة للجميع لإبداء رأيه في شيء يخص ذاته وحياته.
لذلك، نحتاج إلى أن يتعلم البعض أن عدم احترام خصوصية الآخرين نابع من الجهل!، والجهل هنا ليس المقصود به الأمية، ولكن المقصود به انعدام الثقافة، وتدني الأخلاق الحميدة، وهذا أمر طبيعي جداً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، لا تنتظر من شخص تعود على عدم احترام الغير،إنه سيحترم خصوصيتك ببساطة. لذلك، لابد أن يتعلم البعض ثقافة احترام خصوصية الغير.
لابد أن نتيقن أن لكل منا شأن يخصه فقط .. فى دراسة، وطموحات؛ ومرتبات، وتعليم، وسفر، وزواج، وانفصال .. كل ذلك خاص بالشخص نفسه ولا يحق لأحد اقتحام الإطار الخاص به .. فكل هذه الأشياء تخصه فقط، ولا تعنينا إطلاقًا. لابد أن نعي جيدا أن هناك مساحة لكل إنسان في حياته ينبغى علينا احترامها.
وأيا كانت تلك الأشياء ليس للمرء يد فيها أبدًا، بل هي أرزاق قسَّمها الخالق سبحانه وتعالي ولا تعنيك، فلا تندهش أيضا بأى تغير مفاجيء يطرأ علي حياتهم لأن كل شيء بقدر ولحكمة لا يعرفها إلا الخالق.
فكل ما عليك فعله هو تبادل الاحترام والمشاركة فى الفرح والأسي. فالحياة صعبة بطبيعتها، فلا تجعل صدور الناس تضيق بكلامك وتدخلاتك، ومن الأفضل أن تنشغل بحالك "بدلاً من التطفّل على خصوصيات البشر، حاول آن تتطفّل على المناطق المظلمة في عقلك، تلكَ البقع التي لم تحظَ بنعمة الفهم حتى الآن. و يقول أحد دهاة العرب ما غلبتني إلا جارية كانت تحمل إناء مغطّى، فسألتها: ماذا يوجد في هذا الإناء؟ فقالت: ولِمَا غطيناه إذن .. فأحرجتني!".
لذلك، في حياتنا نصادف شخصيات كثيرة، كل شخصية هى عالم بحد ذاته، والتعامل مع كل هذه الشخصيات بنفس الأسلوب، يعتبر ضربًا من الجنون، فمن أهم طرق الدفاع عن نفسك، وحمايتها من الآخرين أن تعرف كيف تتعامل مع كل شخصية تقابلها.
وأحيانًا نصدق كل ما يقوله الآخرون عنا، لأننا نثق بهم ونحسن الظن بهم أيضًا، لكن ليس الجميع يتعامل بصدق وشفافية، فهناك من يتعمدون التقليل من قدرك وإمكانياتك، وهناك من يسعي للتشهير بك، لهذا عليك أن تكون يقظًا لا تصدق كل ما يقوله الآخرون عنك، استمع لهم جيدا .. ولكن لا تجعل لكلماتهم أو لما يعتقدونه عنك تأثير عليك، إنهم يطلقون أسوأ الكلمات بلا مبالاة، ظنًا منهم أنهم بهذه الطريقة يقدمون لك نصيحة عظيمة، لكن هذا غير صحيح بالمرة، هذه الكلمات لها تأثير سلبي على نفسك، وعلى مشاعرك، وعلى ما تعتقده أنت عن نفسك، فلا تسمح لأحد بأن يقرر ما تكونه أنت، لا تدع ضعفاء العقول وفقراء المشاعر يقنعوك بأنك لست قويًا بما فيه الكفاية .. ولو فكرت للحظه ستجد أنك الوحيد المخطئ في حق نفسه، لأنك هدمت مساحه الخصوصية الخاصة بك، وأصبحت مشاعا وتحت سيطرة آراء وأحكام الجميع.
وعندما تشعر بأنك فقدت السيطرة على مجريات الأمور في حياتك، وتجد أن آخرين هم من يقررون عنك، وهم من يختارون لك الطريق الذي تسير فيه، إعلم هنا بصدد كارثة!
إن أسوأ ما يمكنك فعله بحق نفسك أن تسلم زمام أمورك لشخص آخر، هو من يفكر ويخطط ويقرر عنك، إنك بهذه الطريقة تمنح الآخرين السلطة المطلقة عليك، تضع أيديهم حول عنقك بمنتهى الرضا، إذن توقف عن الاعتماد على الآخرين وجعل القرار لهم، استمع إلى صوتك الداخلي واحترم ذاتك، حاول وجرب وقرر حتى لو أخفقت مرات، لا يهم، المهم أن تتعلم كيف تكون مسئولا عن نفسك، ولا تدع الآخرين يختارون لك أحلامك ويقررون كيف سيكون مستقبلك، إنها حياتك وأنت الذي سوف تعيشها. إغلقّ بابك أمام محاولات الآخرين في حب الاستطلاع والتطفل على حياتك الخاصة. تعلم أن تقول لا وألف لا للتطفل وعدم احترام الخصوصية .. ولا لتخطي أي حدود أنت رسمتها لنفسك والآخرين، واعلم جيداً أن نصف الراحة هو عدم مراقبه الآخرين، ونصف الأدب عدم التدخل فيما لا يعينك.