أبعاد الأزمة الأوروبية:
العالم يشهد ارتفاعاً في أسعار الوقود بشكل كبير، وأن الارتفاعات القياسية في سعر الغاز تؤثر تأثيراً مباشراً على كثيرٍ من الدول في أوروبا بصفة عامة، بينما شهد سعر العقود الآجلة للغاز في أوروبا ارتفاعات غير مسبوقة. وترجع حالة التقلبات في الأسعار إلى عدة أسباب رئيسية، أولها ما يشهده العالم من تعافٍ اقتصادي قوي بعد جائحة كورونا التي أغلقت على أثرها المصانع والشركات الكبرى والقطاع الصناعي في أوروبا بشكل خاص، لاسيما في إيطاليا وألمانيا وفرنسا، وبدأ يعود بشكل كبير بعد توقف كورونا، مما أدى لارتفاع الطلب على الغاز. وفي الوقت نفسه لا تزال معدلات الإنتاج كما هي دون تغير.
ويصل الإنتاج الروسي من الغاز إلى نحو ٦٦۹ مليار متر مكعب، فيما تصل صادراتها منه إلى ١۹٧ مليار متر مكعب، كأكبر مصدر للغاز في العالم، ونقلت بلومبيرج عن محللين مطلع الأسبوع، أنباءً حول اتجاه الشركة الروسية غاز بروم لرفع توقعاتها حول السعر الذي سوف يتم تصدير الغاز إلى أوروبا وتركيا به خلال العام الجاري، من ٢٧٠ دولاراً إلى ما بين ٢۹٠ و٣٣٠ دولاراً لكل ألف متر مكعب، وتتوقع روسيا زيادة إمداداتها لأوروبا وتركيا والصين إلى ١۹۸ مليار متر مكعب هذا العام.
تعد بريطانيا وإيطاليا من أكثر الدول الأوربية تأثراً بتلك الأزمة. وفي الوقت نفسه، لا توجد دولة مستفيدة من هذه الأزمة، بما في ذلك روسيا، بالنظر للآثار الاقتصادية لأزمة الغاز في أوروبا التي تطول الجميع، وتسهم في اضطراب المؤشرات الاقتصادية مع رفع نسب التضخم، ومشكلات أخرى، مثل ما تعرض له قطاع النقل- على سبيل المثال- في بعض دول أوروبا.
أبرز المستفيدين:
مصائب قوم عند قوم فوائد، يُنظر إلى تلك الأزمة باعتبارها فرصة للمصدرين، الذين يتأهبون لاغتنام الفرصة لتحقيق مكاسب استثنائية خلال تلك الأزمة، وبالاستفادة من الارتفاع العالمي لأسعار الغاز، وعلى رأسها روسيا، وتنضم إلى القائمة الولايات المتحدة الأميركية، والنرويج، وأستراليا، وكندا، وهولندا، وماليزيا، والجزائر، ومن الممكن إن يلعب العامل الجغرافي دوراً مهماً في ذلك الأمر، فدولة مثل أستراليا- على سبيل المثال- من أكبرالدول المصدرة للغاز، لكن العامل الجغرافي ليس في مصلحتها بالنظر إلى تكلفة النقل، وهو جزء مهم ورئيسي في أي جدوى اقتصادية، وأن دولة مثل مصر يمكنها الاستفادة من تلك الأزمة أيضاً، لاسيما أنها تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وأصبحت لديها قدرة تصديرية، وبالتالي فإن مصر كموقع جغرافي وقدرات واضحة، يمكنها أن تكون مستفيدة من ارتفاع أسعار الغاز على المستوى العالمي، وبشكل خاص في ظل وجود علاقات سياسية ودبلوماسية مع دول الاتحاد الأوروبي، تنعكس على العلاقات الاقتصادية والتجارية. فدول الاتحاد الأوروبي هي دول صناعية في المقام الأول، وتعتمد على الطاقة بشكل كبير جداً، وبالتالي فإن الأزمة الراهنة يمكن أن تعزز من دور مصر وتعود عليها بالإيجاب، كما يعود على دول أوروبا أيضاً التي تئن مع نقص الإمدادات.
في الأخير، إن أزمة الطاقة في أوروبا من الممكن أن تمتد، لتشمل بقية بلدان العالم، حيث سيؤدي الشتاء القارص المقبل إلى دفع الطلب على الغاز الطبيعي فوق العرض المتضائل بالفعل، مما يتسبب في وقوع المزيد من البلدان ضحية لنقص الطاقة في الصين، وقد يضطر القطاع الصناعي بما في ذلك مصانع الخزف والزجاج والأسمنت إلى رفع الأسعار، وستعاني الأسر فى البرازيل من ارتفاع أسعار الكهرباء، والاقتصادات التي لا تستطيع تحمل ارتفاع تكاليف الوقود، مثل باكستان وبنجلاديش قد تصاب بالشلل.
مع بلوغ الطلب الآسيوي ذروته في الصيف، سيبدأ الطلب في الانخفاض في الخريف، وبالتالي قد تجذب أوروبا أخيراً إمدادات الغاز الطبيعي المسال مرة أخرى، وقد يمنحها هذا الأمر حالة من الاسترخاء في نوفمبر ٢٠٢١، ولكن سيظل السؤال الذي يطرح نفسه: هل تنطلق أزمة الغاز إلى دول العالم؟