من المرجح أن يؤجج مقتل أنور العولقي، الأميركي المولد والمنظر البارز في تنظيم "القاعدة"، يوم الجمعة الماضي ومعه أميركي آخر واثنين من عناصر التنظيم في اليمن الجدل الدولي الدائر حول مدى قانونية والحكمة من اعتماد إدارة أوباما المكثف على هجمات الطائرات بدون طيار.
فلسنوات طويلة لم يدلِ حلفاء أميركا بأي تعليق بشأن الهجمات في الوقت الذي زادت فيه وتيرتها بعدما قتلت من المشتبه في انتمائهم لتنظيم "القاعدة" ما يفوق بمرتين عددهم الذي اعتقلته أميركا في جوانتنامو، لكن هذا الصمت الذي التزمه حلفاء أميركا حتى اللحظة قد يتغير في ظل تركيز جماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام على شرعية استخدام الطائرات بدون طيار وما يترتب عليها من أضرار جانبية تطال المدنيين، فمع أن برنامج القتل بواسطة الطائرات بدون طيار أثبت فاعليته في استهداف عناصر بارزة في "القاعدة" وإضعاف قدراتها، إلا أنه يتعين على إدارة أوباما بذل جهد أكبر لتوضيح سبب لجوئها المكثف إلى الطائرات من دون طيار والدفاع عن هذا الأسلوب في ملاحقة فلول "القاعدة"، مع الحرص على إثبات قانونية العمليات التي تقوم بها الطائرات الأميركية سواء للحلفاء أو المنتقدين.
هذا إذا كانت الإدارة الأميركية حريصة على عدم فقدان الدعم الدولي وتعريض مسؤوليها للمتابعة القضائية، والحقيقة أن موقف الولايات المتحدة تحت إدارتي بوش وأوباما كان التشديد على قانونية الهجمات التي تشنها الطائرات بدون طيار والتأكيد على انسجامها مع القانونين الأميركي والدولي.
فتلك الهجمات التي تستهدف قيادات بارزة في صفوف "القاعدة"، والتي تثير أحياناً تساؤلات حول مدى شرعيتها تتطابق حسب المسؤولين الأميركيين مع القانون الداخلي الصادر عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر والذي يتيح للرئيس الأميركي "استخدام القوة اللازمة" ضد البلدان والمنظمات والأشخاص المتورطين في التخطيط، أو المساعدة، أو في شن هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وتعتقد الولايات المتحدة أيضاً أن عمليات الطائرات بدون طيار تنسجم مع القانون الدولي ومع ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح للدول بالدفاع عن النفس سواء بموافقة الدولة التي يتم استهداف العناصر الخطيرة فوق أراضيها، أو بسبب عجز تلك الدول عن منع خطر محدق بالولايات المتحدة وعدم القدرة على التعامل معه.
وبالطبع امتنعت أميركا طيلة الفترة السابقة عن تأكيد ما إذا كانت الدولة المعنية موافقة على الهجمات وتتم بالتنسيق معها، أم أنها خارج معرفتها، وقد سبق لإدارة أوباما أن بررت الهجمات بأنها مشروعة لاستهدافها عناصر تنتمي لتنظيم "القاعدة" الذي أعلن عداءه لأميركا، أو ما يشكله هؤلاء العناصر من خطر وشيك على الأمن الأميركي، وهو ما أكده أوباما فيما يتعلق بأنور العولقي الذي قال إنه يلعب دوراً في العمليات التي تقوم بها "القاعدة"، وبأنه "قائد العمليات الخارجية للتنظيم في الجزيرة العربية".
هذا ويثير مقتل العولقي إشكالات قانونية أخرى مرتبطة لكونه مواطناً أميركياً لا يحق بموجب القانون إعدامه ما لم تعرض قضيته على القضاء للبت فيها، وهو الأمر الذي أشارت إليه جماعات حقوق الإنسان بتأكيدها على شروط المحاكمة العادلة التي تستدعي النظر من قبل القضاء، لكنه من غير المرجح أن يكون الدستور الأميركي قد نص على عرض مواطن أميركي منخرط في أنشطة إرهابية بالخارج أمام القضاء المحلي، ولا شك أن الخبراء القانونيين في الإدارة درسوا ملف أنور العولقي وانتهوا إلى أن استهدافه لا يتعارض مع القوانين الأميركية، أو الدولية.
لكن الأدلة القانونية التي تعتمد عليها الإدارة الأميركية في تبرير لجوئها إلى الطائرات بدون طيار قد لا تقنع العالم، لا سيما وأنه لم تعلن حكومة من الحكومات موافقتها العلنية على السياسية الأميركية، أو اتفاقها مع مسوغاتها القانونية لاستخدام الطائرات بدون طيار، فالحلفاء الأوروبيون الذين انتقدوا الخطوات الأحادية لإدارة الرئيس بوش واستخدامها القوة في بلدان عدا أفغانستان لم يعلنون تأييدهم ولا انتقادهم لأسلوب الطائرات بدون طيار في باكستان واليمن والصومال، بل فضلوا غض النظر تماماً كما فعلوا مع مقتل أسامة بن لادن.
هذا فيما بدأت منظمات حقوق الإنسان التي ظلت صامتة لسنوات في التعبير المتزايد عن عدم ارتياحها، ففي العام الماضي صرح المقرر الأممي للإعدامات خارج الإطار القضائي أن الهجمات التي تشنها الطائرات من دون طيار ربما تنتهك قانون حقوق الإنسان، بل قد تشكل جرائم حرب، كما كان لافتاً الانتقادات السريعة والفورية الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان لمقتل أنور العولقي.
لذا ورغم اقتناع إدارة أوباما بضرورة الركون إلى الطائرات بدون طيار باعتبارها قانونية ولا غبار عليها، إلا أنه يتعين عليها العمل مع المجتمع الدولي لحشد إجماع مختلف الدول، بحيث يتعين على أميركا تزويد حلفائها بالمعلومات الوافية حول الضوابط والقيود التي تفرضها على استخدام الطائرات من دون طيار والأهداف التي تخضع للتركيز.
فمن الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش تبنيها لسياسات معينة في مكافحة الإرهاب دون السعي إلى تأمين دعم دولي.
وفي هذا السياق كان مستشار البيت الأبيض في مكافحة الإرهاب، "جون برينان" محقاً عندما اعترف في خطاب أدلى به مؤخراً أن "فعالية جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها الولايات المتحدة تعتمد على مساعدة وتعاون حلفائنا". وإذا كانت أميركا حريصة على عدم فقدان الموافقة الضمنية لحلفائها في الاعتماد على الطائرات بدون طيار فعليها التأكد من أنهم يفهمون الدوافع الأميركية وشرعية سياساتها، وإلا فإنها تجازف بتحويل برنامجها الناجح في استهداف الإرهابيين إلى سياسية أخرى فاشلة مثل معتقل جوانتنامو.
------------------------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية الثلاثاء 4-10-2011.
رابط دائم: