"تجارب عالمية"| ندوة: كيف تتحول الثورات العربية إلى "ديمقراطيات آمنة"؟ 9-10-2011 * باتت الأحداث التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، عقب الثورات التي أسقطت حكم ثلاثة أنظمة ديكتاتورية، وتهديدها مستقبل أنظمة حكم وعروش دول أخري من المحيط إلى الخليج العربي، الأهم على الساحتين الدولية والعربية، ومحور النقاش في كثير من المؤتمرات والندوات، خاصة بعد أن ذاقت الشعوب العربية على مدى عقود ويلات حكومات استبدادية. وفي هذا السياق ، نظم مركز دراسات السلام والديمقراطية بمكتبة الإسكندرية ندوة في شهر سبتمبر 2011، تحدث فيها السفير علي ماهر، وناقش فيها "بول سالم"، مدير مركز كارنيجي للشرق الأوسط مجريات الأمور على الساحة العربية، وتداعياتها الدولية. تناول "بول" التجارب العالمية المتنوعة والمختلفة في مجال الديمقراطية، وعوامل نجاحها وفشلها، والتحديات التى تواجه الشعوب العربية في سعيها لتحقيق ديمقراطية آمنة ومستقرة، في مداخلة جاءت تحت عنوان "الربيع العربي من منظور عالمي". تجارب عالمية لمسار الديمقراطية ناقشت الندوة اجتياح الديمقراطية لبلدان كثيرة حول العالم، والتي بدأت بأمريكا اللاتينية، وأوروبا، وآسيا، ووصلت إلى تركيا، وإندونيسيا. وأكدت أن لكل من هذه البلدان تجربة مختلفة عن الأخرى، وعوائق وتحديات مختلفة، وبالتالي فلا توجد نماذج ثابتة أو مسارات تقليدية محددة لكل من أراد بناء بلدً ديمقراطي، بل إن السبيل للحفاظ على الديمقراطية واستمرارها يختلف من بلد إلى آخر. وتطرقت إلى الحديث عن موجات الديمقراطية الأربع، والتي بدأت عقب الثورتين الأمريكية والفرنسية خلال القرن التاسع عشر ، وكيف قوبلت بمزيد من التحديات الأيديولوجية والعسكرية، وإن بقيت وقتها الديمقراطية نظاماً على نطاق محدود، حتى بدأت الموجة الثالثة مع سبعينيات القرن الماضي، واستمرت حتى الموجة الأكثر اتساعا ، والتي رافقت تصدع الاتحاد السوفيتي، وأصبحت بعدها الديمقراطية نمط الأغلبية من الأنظمة الحاكمة. أثار "بول" العديد من الأفكار التى تبعت عمليات التحول الديمقراطي، وهى أن مجرد إلحاق الهزيمة بالنظم الاستبدادية لا يعني التحول نحو الديمقراطية ، فقد يتم استبدال ديكتاتوريات أكثر سلطوية بتلك الأنظمة. وأشار إلى أن كلا من ليبيا واليمن وسوريا قد تشهد هذا الاحتمال. لذلك، فإن إقامة الديمقراطية واستمرارها تتطلب جيلا كاملا لاستمرارها، وعلى الدول العربية أن تدرك ذلك في خطواتها الأولى نحو الانتقال إلى الديمقراطية. وطرح مدير مركز كارنيجي تساؤلا مفاده: هل انتهجت البلدان طريقا محددا نحو الديمقراطية؟ وهو ما أجاب عليه قائلا إن هناك عشر طرق مختلفة، منها الثورات والانتفاضات الشعبية، أو رغبة عناصر من النظام القديم نفسه في الانتقال الديمقراطي مثل البرازيل، أو يكون نتيجة تدخل عسكري أجنبي، كما اليابان، وغيرها من السبل لانتهاج طريق نحو الديمقراطية. عوامل نجاح الديمقراطية عرض "بول" للعديد من العوامل المهمة التى يجب التركيز عليها عند بناء ديمقراطية ناجحة، منها طبيعة البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنظام السابق. وأكد ضرورة الالتزام بالوحدة الوطنية، خاصة في دول ـ مثل مصر وسوريا ـ بها تنوع طائفي، أو دول مثل اليمن وليبيا بها انقسامات قبلية، لأن الوحدة الوطنية هي المحرك الرئيسي لإقامة ديمقراطية بناءة. وأكد ضرورة إعمال الدستور والقانون، وإيجاد مؤسسات انتخابية تعددية، ومؤسسات أمن قومي، ومجتمع مدني فعال، وقضاء مستقل، وإعلام حر، واقتصاد قوى، وإن تفاوتت نسبة وجودها من بلد لآخر في الأنظمة السابقة لعملية الانتقال الديمقراطي. فعلي سبيل المثال، عقب وفاة الجنرال فرانكو في إسبانيا، كانت تتوافر العديد من المقومات، خلاف ما حدث في رومانيا تشاوشيسكو، والتي كان على الحكومة أن تبنى الدولة على أسس جديدة. وتطرق مدير مركز كارنيجي للحديث عن مصر، قائلا إنها تمتلك العديد من المقومات والعوامل الرئيسة، وبالتالي تتركز المهمة في نقل السلطة من النظام الاستبدادي إلى أيدي مسئولين مُنتخبين، و تمكين المؤسسات من أداء أدوارها. ورأى أن التغير من داخل النظام نفسه يسهل من الانتقال الديمقراطي ، وهو من الصعب حدوثه في المجتمعات العربية، وإن اقتربنا منه، كما في مصر وتونس. فما إن قامت الثورات الشعبية، حتى تحركت القوات المسلحة لتأمينها. والتحدي هنا يكمن في طلب الجيش أن يكون له قدر من السلطة السياسية، وهو ما قد يمثل عقبة أمام إتمام مرحلة الديمقراطية. وتختلف الانتفاضات الشعبية – والكلام لبوب - ما بين السلمية مثل أوروبا الشرقية، حيث بقيت السياسة بعيدة عن العنف، وانتفاضات أخرى اتسمت بالعنف، مثل كوستاريكا، حيث انتهى الأمر باللجوء إلى القوات المسلحة، وهو ما يستدعى الحيطة في حالات، مثل ليبيا وسوريا. جدلية المرحلة الانتقالية للتحول الديمقراطي طرح "بول" تساؤلات حول بداية ونهاية المرحلة الانتقالية، وانتهى إلى اختلاف الرؤى تبعاً لطبيعة البلدان. ولكن ثمة عوامل أساسية في هذه المرحلة، تتمثل في وضع دستور جديد يتوافر لوضعه الوقت الكافي والقبول والمشاورات، ليكون أكثر استمرارية. فالدساتير الديمقراطية هي بمثابة خريطة الطريق التي تمثل آراء الأغلبية في الوقت ذاته تحفظ آراء الأقلية، بالإضافة إلى إقامة انتخابات حرة نزيهة، وتثبيت المؤسسات داعمة تعمل على إقرار التوازن في المجتمع من جديد. وثمة عامل آخر يتعلق بطبيعة الحكومة التى تدير مجريات المرحلة الانتقالية، وبالتالي التعامل مع كافة هذه العوامل، وما يتم اتخاذه من قرارات سيشكل هو النتاج النهائي لتخطى المرحلة الانتقالية، وإن اختلفت طبيعة هذه الحكومات ما بين المدنية والعسكرية. ويمثل الاختيار ما بين الأنظمة البرلمانية والرئاسية تحدياً، كما يقول بول سالم . ففي الأنظمة البرلمانية، يكون هناك متسع أكبر لمعظم الأحزاب، بينما تتسم الأنظمة الرئاسية بتركز السلطة، بشكل أو بآخر. ولكن هذا لا يعنى عدم ملاءمتها للمرحلة الانتقالية؛ فعلي هذه الأنظمة أن تعمل على احتضان كافة الأحزاب، وانخراطها في الحياة السياسية. وأشار إلى تحد آخر يتمثل في التعامل مع القوات المسلحة، وكيفية إخضاعها لمؤسسات الدولة المنتخبة. وركز على الوحدة الوطنية ومؤسسات الدولة، إذ كان كل منهما يعمل بشكل سليم نوعاً ما، مثل مصر، على خلاف الوضع الاقتصادي. وأشاد "بول" بالخطوات المهمة التى سعت إليها كل من تونس ومصر، وتلحق بهما ليبيا ، في حين لا تزال اليمن وسوريا تصارعان من أجل التحول إلى الديمقراطية. بينما قال إن الملكيات العربية سوف لا تكون بمنأى عن التغيير والإصلاح، وإن تم قمعه بالقوة. وخلُص إلى أنه لا يمكن الوصول إلى وصفات جاهزة من التجارب العالمية لضمان انتقال ديمقراطي آمن، والوصول إلى ديمقراطية حقيقية، وأن كل هذا لن يتأتى إلا من خلال تركيبة فريدة تضعها الحكومات نصب أعينها، وتعمل على تنفيذها، مع ضرورة الاهتمام بالمرحلة الانتقالية. فبناء الديمقراطية يتأتى من العمل المستمر على مر سنوات. ونصح "بول" بضرورة دراسة التجارب العالمية للتحول الديمقراطي، واستخلاص الدروس للاستفادة منها، مع استمرار كفاح الشعوب العربية لتصل إلى ما تصبو إليه. وأوضح أن الديمقراطية تحد صعب، ولكن البلدان والشعوب العربية أدركت أنها هي التي ستصنع مستقبلها، وأن الطريق إلى الديمقراطية يستحق الكثير من التضحيات، حتى تجنى ثماره. رابط دائم: