مع التناقض والتضارب في مسألة "المعاشات" وأصحابها؛ يزيد التوتر والقلق والخوف من غوائل الزمن في المستقبل؛ لمن هم على وشك تسليم الراية للأجيال القادمة؛ وتصدير القلق والخوف للأحياء السائرين على درب الزمن؛ الذي سيفضي بهم إلى النتائج نفسها التي عانت منها الأجيال السابقة.
وتعالت الصرخات لأصحاب الضمائر في هذا الوطن.. علٍّ الصوت يصل لننقذ البقية الباقية من الأمل في تلك النفوس التى أعطت الجهد بالعرق والدم والإخلاص؛ لرفعة هذا البلد الأمين وتأمين مستقبله ومستقبل أبنائه الشرفاء، فالمعاش آت لا محالة سنبلغه جميعا لا مفر.
وعندما نطالع هذا الخبر الذي ساقه المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية السفير بسام راضي معنونا كالآتي: "السيد الرئيس يوجه بتعزيز منظومة دعم العاملين بمجال الفن باعتبارهم قوة مصر الناعمة ومنارتها الإبداعية" وبمتابعة الخبر نعرف أن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي عقد اجتماعًا مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمد معيط وزير المالية، والسيد هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام، والسيدة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، واللواء محمد أمين مستشار رئيس الجمهورية للشئون المالية، والسيد جمال عوض رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي"، وأن الاجتماع تناول متابعة "منظومة دعم وحماية الفنانين، وكذلك تطوير الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي"، استعرض فيه الرئيس جهود تطوير منظومة دعم وحماية الفنانين والمحاور الخاصة بشأن تحسين معاشات أعضاء النقابات الفنية والتشكيلية التي تضم كافة الفئات الإبداعية والفنية، وحصر موقفهم التأميني؛ سواء الاجتماعي أو الصحي، بالإضافة إلى مقترحات إصلاح الإطار التشريعي لتحسين الضمان الاجتماعي ورعاية أعضاء تلك النقابات، فضلاً عن جهود توفير مصادر تمويل للمنظومة الجديدة، وكذا الاستفادة من التجارب الدولية المماثلة.
وقد وجه السيد الرئيس بتدقيق قاعدة البيانات الخاصة بحصر وتسجيل الفنانين بمختلف فئاتهم، بالتنسيق والتعاون مع النقابات الفنية المختلفة، وذلك لشمولهم ببرامج الحماية التأمينية والرعاية الاجتماعية ضد المخاطر المتنوعة، مثل الشيخوخة والعجز وغيرها، والتي قد تعيقهم عن أداء عملهم، خاصةً ما يتعلق بالعاملين بالقطاع الفني الذين لا يتمتعون بوظائف منتظمة ولا يمتلكون مصادر بديلة للدخل، وذلك بهدف توفير سبل المعيشة الكريمة لهم ولأسرهم، بما يساعد على تعزيز وحماية القوة الناعمة لمصر على الصعيد الفني والإبداعي والثقافي، والتي طالما مثلت إرثاً متميزاً لمصر في المنطقة والعالم كمنارة للفن والإبداع.
هذا الاهتمام الرئاسي بقوة مصر الناعمة يثلج الصدور ويبعد عن ذاكرتنا معاناة قدامى الفنانين من الترك والإهمال عندما هاجمهم المرض والشيخوخة وانحسرت عنهم الأضواء، فتوفير حياة كريمة لهم يعيد إليهم الاحترام المفقود لمشوار حياتهم وعطائهم للفن، وهذه العناية تؤكد على إيمان الدولة بأهمية الدور الذي تلعبه هذه الفئة في خدمة المجتمع، وهذه اللفتة الإنسانية من السيد الرئيس ليست بالأمر المستغرب عليه، فهو يعلي من كرامة كل مصري على وجه البسيطة.
وتحضرني مقولة الموسيقار أرنست ليفي: «ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال»، ويقول الرسام بيكاسو: «الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية».
حقيقة لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان أن للفن مفاتيحه السحرية التي تُحسن وتهذب وترقى بالإنسانية، سواء كإنسان فنان، أو كشعب متلقٍ للفنون بقصد، أو دون قصد، فالشعوب التي كانت حضارتها وتاريخها وثقافتها ترتكز على الفنون، لها ذائقة مختلفة في الإبداع والإنجازات في مختلف نواحي حياتها، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية، ولك أن تتأمل بعض الدول والشعوب، وأبرز من غيروا ملامح وعلوم العالم والنظريات البشرية؛ فقد استخدم العرب المسلمون مصطلح الصناعة للإشارة إلى الفن، فقد ورد في معجم الوسيط أن الصناعة هي كل فن أو حرفة مارسها الإنسان حتى برع فيها.
ويمكن القول إن الفن والصناعة يشتركان في الإتقان، والإجادة، والمهارة، والتحسين، والتزيين، والعمل بإحكام. ومن الأمثلة على ذلك، ما جاء في الموسيقى بأنها نوع من أنواع الصناعة؛ قال ابن خلدون عنها إنها صناعة الألحان وتلحين الأشعار الموزونة لتقطيع الأصوات على نسب منتظمة ومعروفة، كما استخدم العرب مصطلح الفنون للإشارة إلى أنواع العلوم المختلفة.
إذن، فاهتمام الرئيس والدولة بمستقبل العاملين في الفن وصناعه وتوفير الحياة الكريمة لهم تأمينا ضد دورات الزمن وغوائله لهو عين الحكمة ورأسها، بل هو كل الصواب!
رابط دائم: