عرض: سمر تامر - باحثة فى العلوم السياسية

في عام 2008، صرح القائد العسكرى التابع للمملكة المتحدة، المنتهية ولايته آنذاك في أفغانستان، العميد مارك كارلتون سميث، في قاعدة عسكرية في مقاطعة هلمند، حيث كانت القوات الدولية تقاتل طالبان يوميا من أجل تحرير الأقاليم التي تسيطر عليها الحركة: "إنه لا يمكن الفوز بالحرب في أفغانستان عسكريا"، ويعتبر بذلك أول ضابط عسكري من ذوي الرتب العليا في التحالف العسكري يقول ذلك في العلن، وهو الخبر الذي تصدر الصفحة الأولى في "الصنداي تايمز" البريطانية. وسرعان ما أدان وزير الدفاع الأمريكى روبرت جيتس تصريح كاريتون سميث، واصفاً إياه في وسائل الإعلام بـ "الانهزامي".

وبعد مرور ثلاثة عشر عاماً، توصل رئيس الولايات المتحدة جو بايدن إلى نفس الاستنتاج الذي توصل إليه العميد البريطاني.ففي أبريل الماضى، أعلن بايدن أن الولايات المتحدة سوف تسحب جميع قواتها المتبقية في أفغانستان بمناسبة حلول الذكرى السنوية العشرين لأحداث 11 سبتمبر، وبذلك ينتهي ما أطلق عليه "الحرب الأبدية"، لكن حتى الآن فإن هذا الانسحاب يبدو قرارا غير صحيح، فقد أثبتت حركة طالبان أنها عدو عنيد لا يذهب إلى أي مكان آخر، وأنها تسيطر بالفعل على ما يقرب من نصف أقاليم البلاد.

إن كيفية إدارة الصراع في أفغانستان، الذي كان يعرف ذات يوم باسم (الحرب الجيدة) لتميزها عن الحرب في العراق، هو موضوع كتاب جديد "الحرب الأمريكية في أفغانستان"، الذي يعد أول سرد شامل لأطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، وصاحب هذه الرواية هو "كارتر مالكسيان"، وهو مؤرخ قضى وقتا طويلا في العمل في أفغانستان، وذلك بصفته مسئولا مدنيا في هلمند، ثم أصبح مستشارا للقائد العسكري الأعلى للولايات المتحدة في المدينة.ويروي هذه القصة في أكثر من 500 صفحة، وقد أشار في كتابه السابق "الحرب ذهبت إلى جارمسير" التي يروي فيه القصة المقنعة لإحدى المناطق الصغيرة في هلمند.ويرى مالكسيان أن الولايات المتحدة وحلفاءها، خاصة حلف شمال الأطلنطي، قد فشلوا في هزيمة مدينة طالبان رغم وجود ما يصل إلى نحو 140 ألف جندي في عام 2011، وبعض المعدات الأكثر تطورا في العالم، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن سبب استمرار الولايات المتحدة والقوى الغربية في حرب تتجاوز تكلفتها مليارى دولار، وأكثر من 3500 شخص من قوات التحالف، بالإضافة إلى الجنود ذوي الإصابات والجروح الشديدة، لكن العميد البريطاني وآخرون يعرفون منذ فترة بعيدة أنها حرب لا يمكن النكوص عنها.

البدايات القاتلة:

 بدأ التدخل الأفغاني في البداية بنجاح؛ فقد دخلت الولايات المتحدة أفغانستان في أكتوبر 2001 بدعم من الأمم المتحدة وحالة من الغضب العالمي بسبب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأرسلت قاذفات B-52، وصواريخ موجهة بالليزر، وعددا كبيرا من القنابل، بالإضافة إلى الميليشيات المحلية للإطاحة بطالبان في مدة 60 يومًا، مع فقدان أربعة جنود أمريكيين فقط (ثلاثة نتيجة نيران صديقة) وعميل واحد من وكالة المخابرات المركزية، وهذه العملية تعد نموذجًا للتدخل، وقد كلفت ما مجموعه 3.8 مليار دولار، ووصفها الرئيس جورج دبليو بوش بأنها واحدة من أكبر العمليات في كل العصور، ويرى مالكسيان أن هذا النجاح في عام 2001 كان سهلاً.

فقد سقطت طالبان، وفر أسامة بن لادن إلى باكستان، ولكن يبدو أن إدارة بوش لم تكن تعرف ما الذي كانت تحاول تحقيقه في أفغانستان، وتحدثبوش عن الكثير من حقوق المرأة في خطابه في يناير 2002 قائلاً "النساء في أفغانستان اليوم أحرار، وذلك بعد سنوات قضينها أسيرات في منازلهن عندما منعت طالبان الفتيات من الذهاب إلى المدرسة، والنساءمن العمل، أو وضع أحمر الشفاه، أو الضحك بصوت عالٍ"، لكن واشنطن لم يكن لديها رغبة في إعادة بناء أفغانستان، ولم يكن لديها أي فهم تقريبًا للبلد الذي هدمته الحرب، ناهيك عن حجم العمل المطلوب لتأمينه وإعادة بنائه.

كيف بدا التدخل فى أفغانستان كقصة نجاح؟

يرى مالكسيان أن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاء بين عامي 2001 و2006 أدت إلى الفشل، وأصبحت الأخطاء مألوفًة الآن.فلم يرغب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في الاستثمار في الجيش الأفغاني. ومع نهاية عام 2003، تم تدريب 6000 جندي أفغاني فقط، وهم أمراء الحرب الذين ألقى معظم الأفغان اللوم عليهم في انزلاق البلاد إلى العنف. في البداية تجولوا بحرية، بل وأصبحوا وزراء وأعضاء في البرلمان.وفي الوقت نفسه، أبعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها طالبان عن المحادثات بشأن تسوية سياسية، وفشلت في تقدير أن هذه المجموعة تمثل وجهة نظر يشاركها الكثير من البشتون.ويرى مالكسيان أن الولايات المتحدة  كان يجب أن تضغط في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الأفغانية تحظى بتأييد شعبي، وكانت حركة طالبان في حالة من الفوضى، ولكنها عززت الميليشيات ونفذت عمليات مفرطة في العدوانية لمكافحة الإرهاب، أدت إلى إبعاد الأفغان العاديين، ودفعت حركة طالبان المستبعدة إلى اللجوء مرة أخرى إلى العنف.

ورغم ذلك، اعتبرت إدارة بوش أن عملية أفغانستان ناجحة ووجهت انتباهها إلى العراق، ففر الطالبان عبر الحدود إلى باكستان، حيث أعادوا تنظيم صفوفهم وجمعوا الأموال وجندوا أفراداً جدداً، وتدربوا بمساعدة جهاز الأمن الباكستاني، حيث عمل العديد من ضباط المخابرات الباكستانية مع قادة طالبان على مدى عقود. علاوة على ذلك، يشير مالكسيان إلى أن التفكير الاستراتيجي لإسلام أباد تركز على منافستها مع الهند، حيث خاضت باكستان أربع حروب مع جارتها، وكانت تخشى أن تطوقها الهند باكتساب نفوذ في أفغانستان، واشتكى المسئولون الباكستانيون من أن لدى الهند24 قنصلية في أفغانستان، والواقع أنهم أربع قنصليات فقط.

وتبين أن دور باكستان كان مفصلياً، حيث وجد أولئك الذين حاربوا ملاذًا وتدريبًا في البلد المجاور، لكن إدارة بوش لم تغض الطرف عن دور باكستان، وزودت باكستان بـ 12 مليار دولار، كان أكثر من نصفها لسداد تكاليف العمليات العسكرية، حيث اعتقد المسئولون الأمريكيون أن إسلام أباد كانت تساعد فيما اعتبروه المعركة الأكثر أهمية ضد تنظيم القاعدة.

قلب أفغانستان:

يلقي المسئولون الأفغان اللوم على باكستان في تفاقم الحرب،لكن طالبان كان لديها شيء استخدمته  لمصلحتها، ويرى مالكسيان أن طالبان أدركت معنى أن تكون أفغانياً، وأن قلب أفغانستان، حسب وصف مالكسيان، هو الريف بمنازله ذات الجدران الطينية والنساء المختبئات والأطفال حفاة القدمين، وهو عالم يختلف عن عالم الهواتف المحمولة والسيارات والبنادق الهجومية، ويمكن القول إن القرن الحادي والعشرين كان غير مرئي لهم، ثم ظهرفي هذا الفضاء جنود أمريكيون بنظارات رؤية ليلية، وصواريخ من طراز بورش، وكان آخر الأجانب الذين رآهم القرويون هم الروس الذين احتلوا بلادهم في الثمانينيات. واستطاعت حركة طالبان بنجاح استخدام تلك الذاكرة كحافز قوي في بلد كان يفتخر بهزيمة القوى العظمى ولم يتعرض للاستعمار أبدًا.

يعتقد مالكسيان أن طالبان قد استفادت من موقفها كقوة للإسلام ضد الكفار، ويعزى إلى تقاريره الخاصة في أفغانستان الإشارة إلى ديناميكية أكثر غموضًا إلى حد ما. ففي حين يشتد الغضب في القرى ضد الوجود الأجنبي، فإنهم يحصلون على رواتبهم من حكومة تعتمد على الأجانب، حيث أشار الأفغان العاديون الذين تحدث إليهم إلى أن الدين كان أقل أهمية بالنسبة لهم من الاعتزاز بتاريخهم في هزيمة القوى العظمى. وفي الحقيقة أن حركة طالبان دفعت أموالاً للمزارعين العاطلين عن العمل. فضلاً عن ذلك، حسب تفاصيل ذكرها مالكسيان، استغلت حركة طالبان الخصومات القبلية التي لم تفهمها القوات الغربية. وقد استاء العديد من قبائل البشتون القوية، مثل الجلزيس والإيشقازي من القوات الأجنبية لعدم احترامها لثقافتهم، مثل دخول أماكن النساء، وتفجير حفلات الزفاف، ومحاولة القضاء على محاصيل الخشخاش.

وفرت الولايات المتحدة ظروفاً ساهمت في قيام دولة أفغانية أكثر قوة، كما كتب مالكسيان: "إذا واجهت دولة ما، لها ملاذ آمن معادٍ على حدودها، وأسئت معاملة شرائح مختلفة من سكانها، فمن المرجح أن يكون لديها قوات عسكرية قادرة بشكل أو بآخر". عندما عادت حركة طالبان إلى الظهور بشكل جدي في عام 2006، قُدرت قواتها بـ 10 آلاف فقط، والتي كان ينبغي احتواؤها، لكن القوات الأجنبية في أفغانستان لم تكن على دراية بالتضاريس الجغرافية والثقافيةعلى حد سواء، كماكانت القيادة الأمريكية مشتتة بسبب العراق، حيث كانت الحرب الأهلية تخرج عن نطاق السيطرة، ولم يكن لدى أفغانستان سوى جيش صغير.

أما الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، فقد كان غاضبًا بسبب الضربات الجوية التي شنتها قوات حلف شمال الأطلسي، وما رآه تدخلاً بريطانيًا في هلمند،  حيث أُجبر على إقالة حاكم بدلاً من توحيد القبائل، التي ربما تدخلت لمحاربة طالبان، وحاول الفصل بينهم على نحو متزايد خشية أن يصبحوا تهديدًا سياسيًا.في وقت لاحق، تم تعزيز قوات الأمن الأفغانية واكتسبت تفوقًا عدديًا على طالبان وما يعادلها على الأقل من الذخيرة والإمدادات، ومع ذلك استسلموا في اللحظات الحاسمة، وكتب مالكسيان: "كانت لطالبان ميزة الإلهام، فالدافع لدى الجندي العادي والشرطي أقل منه عند نظيره في طالبان، حيث لم يستطع الكثيرون منهم التوفيق بين القتال من أجل أفغانستان إلى جانب المحتلين الكفار، والقتال ضد الحركة التي تمثل الإسلام".

ورغم ما سبق، يرى مالكسيان أن تأثير البعد الديني أقل من تأثير الظروف المادية التي أضعفت الحافز لدى العديد من المقاتلين الأفغان، حيث كان البعض مترددًا في القتال من أجل حكومة يشعرون بأنها كانت مهددة لحياتهم بسبب انتشار الرشوة، وآخرون يدركون جيدًا أنه لن تكون هناك أدوية لقوات الأمن المصابة، وأن القادة الفاسدين كانوا يسرقون الوقود والإمدادات، بالإضافة إلى دفع أجر للمقاتلين الأشباح الذين لم يكونوا موجودين إلا في السجلات، ولم يروا فائدة تذكر جراء المخاطرة بحياتهم من أجل حكومة مفترسة عندما بدا من المرجح عودة طالبان.

بين الساعات والزمن:

يبدو أن الولايات المتحدة كانت أكثر حرصاً من أي وقت مضى على استنفاذ كل استراتيجية من أجل الحفاظ على بصمة أمريكية في أفغانستان، وبالتالي زيادة القوات الأمريكية بنسبة ثلاثة أضعاف تقريبًا، أي أكثر من 80 ألف بحلول عام 2010. واضطر الرئيس باراك أوباما، الذي كان حذرًا دستوريًا من إرسال القوات وإنفاق الدولاراتفي التدخلات العسكرية،  وأحد الذين عارضوا الحرب في العراق منذ بدايتها، إلى إرسال المزيد والمزيد من الأمريكيين لدعم حكومة فقدت ثقة شعبها،لكنه لم يفكر أبدًا في الخروج تمامًا، حيث كانت التكلفة باهظة للغاية، وهو ما وصفه مالكسيان بقوله "كانت الولايات المتحدة عالقة".ووسعت طالبان نفوذها بدعم من إيران وروسيا وكلاهما كان مهتمًا بجعل الحياة صعبة على الأمريكيين.

كيف وصلت واشنطن إلى حالة عدم الاستقرار ولماذا الآن؟ لم يكن لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسياسته "أمريكا أولاً" الكثير من الوقت لأفغانستان. في الواقع كان أحد وعود حملته هو إنهاء الحرب بحلول خريف عام 2018. ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي  قال ترامب لقواته إن استراتيجيتهم كانت "فاشلة تمامًا"، وأنه يريد الخروج لأول مرة. وأصبحت المحادثات مع طالبان ملحة بشكل حقيقي، وفي فبراير 2020، وقعت واشنطن اتفاقًا تلتزم فيه بالانسحاب بحلول مايو 2021. وكانت الحكومة الأفغانية مستبعدة تمامًا من هذه المفاوضات. وعندما تولى بايدن منصبه كانت حكومة كابل تأمل، ليس فقط ألا يؤجل الرئيس الجديد الانسحاب، بل أن يترك قوة دائمة في مكانها أيضًا. وفي النهاية  حصلت على سماح أربعة أشهر فقط.

في إعلانه عن الانسحاب في سبتمبر، قال بايدن: "إن الولايات المتحدة يجب أن تركز على السبب الذي وصلنا إليه في المقام الأول، وذلك لضمان عدم استخدام أفغانستان كقاعدة لمهاجمة وطننا مرة أخرى. لقد فعلنا ذلك وحققنا هذا الهدف، لكن حتى هذه النقطة ليست واضحة تمامًا. حقيقة، لم يكن هناك هجوم من أفغانستان منذ 11 سبتمبر، لكن القاعدة لم تختف. في الواقع أصبح الوضع أكثر تعقيدًا عن ذي قبل، حيث لا توجد القاعدة التي يجب مواجهتها فحسب، بل أيضًا تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، وهي أعداد قليلة، لكنها نفذت هجمات انتحارية قاتلة في أفغانستان بما في ذلك مستشفيات الولادة والمدارس، خاصة في كابول".

تتمثل الخطة الأمريكية الحالية في احتواء الإرهاب من بعيد مستخدمة طائرات بدون طيار وشبكات استخباراتية وغارات عمليات خاصة، تنطلق من قواعد في مكان ما في المنطقة، واعترف وليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية أن هذه الخطة تحتوي على "مخاطرة كبيرة". وقال وزير الدفاع البريطاني نيك كارتر "لم يكن القرار الذي كنا نأمله". وقد كتب ويليام هيج وزير الخارجية البريطاني الأسبق  ردا على ذلك مؤخرا: "هذا تبسيط مهني .. أعرف أن كبار مسئولى الأمن الغربيين مرعوبون".

حتى لو انتهت حرب الولايات المتحدة، فإن حرب أفغانستان لم تنته:

في السنوات الخمس عشرة الماضية قُتل أكثر من 40 ألف مواطن.بدأت الحكومة الأفغانية وطالبان في محادثات السلام في أواخر العام الماضي، ولكن منذ ذلك الحين اشتد القتال، مما تسبب في سقوط المزيد من الضحايا.عندما بدأت محادثات السلام بين طالبان والولايات المتحدة في عام 2019، سئل الشباب الأفغان عما يعنيه السلام لهم، قال أحدهم: "أن تكون قادرًا على الذهاب في نزهة". وقال آخر "لا داعي للتساؤل عما إذا كنت ستعود مرة أخرى عندما تغادر للعمل أو الدراسة". ومع ذلك، لم يستطع معظمهم الإجابة على الإطلاق.فنحو70% من السكان الأفغان هم تحت سن الخامسة والعشرين، وقد استمر القتال منذ الغزو السوفيتي عام 1979، فهؤلاء الأفغان لم يعرفوا سوى الحرب.

يثير كتاب مالكسيان سؤالا مقلقا في النهاية: هل كان ضرر التدخل الأمريكي في أفغانستان أكبر من نفعه؟ ويكتب: "عرّضت الولايات المتحدة الأفغان لأذى طويل الأمد من أجل الدفاع عن أمريكا من هجوم إرهابي آخر، فالقرى دمرت، واختفت عائلات.. نعم  قام التدخل بعمل نبيل للمرأة والتعليم وحرية التعبير، ولكن يجب موازنة هذا الخير مقابل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الذين ماتوا".

ومع ذلك، فإن تلك الإنجازات النبيلة لا يمكن إهمالها؛ فهناك الآن 5.3 مليون فتاة أفغانية في المدارس، وإن لم تذهب أكثر من مليوني فتاة إليها، وأصبحت النساء تعمل في مجالات متعددة؛ تنفيذ القانون، والسينما، والروبوتات. لقد تغير نظام الرعاية الصحية وزاد متوسط العمر المتوقع للمرأة الأفغانية بنحو عشر سنوات. ولدى أفغانستان وسائل إعلام مزدهرة، حتى وجود الهواتف المحمولة يشير إلى مجتمع متصل ببقية العالم، ولن يتنازل الشباب الأفغاني بسهولة عن هذه الحقوق التي حصلوا عليها بشق الأنفس.

إن الخوف هو أن هذه المكاسب قد تكون مهددة الآن؛ فمنذ توقيع اتفاق السلام وقعت عشرات الاغتيالات لقضاة وصحفيين ونشطاء حقوقيين، فضلاً عن قصف مروّع لمدرسة للبنات. وبغض النظر عن سعي صانعي السياسة الأمريكيين إلى إنهاء العملية بالكامل، فإن الانسحاب الأمريكي يمثل نصرا لطالبان، كما يقول المثل المأثور لطالبان: "ربما تملك بعض الساعات، لكن لدينا كل الوقت."

بعد كل شيء لم يصدق الأفغان أبدًا أن الأمريكيين سيبقون، في عام 2005، وفي قرية شكين البعيدة، حيث مكان القتال العنيف في جبال أفغانستان الشرقية، كان القرويون المحليون يقبلون بسعادة الرعاية الصحية وغيرها من المساعدات من الجنود الأمريكيين في النهار، ثم يستهدفون قواعدهم في الليل. وعندما تم سؤالهم عن السبب، كان لديهم تفسير بسيط: "في النهاية سوف يرحلون، وسيظل الأشرار هنا."

المصدر:

Christina Lamb, Chronicle of a Defeat Foretold-Why America Failed in Afghanistan, Foreign Affairs, July/August 2021.