زيارة تاريخية قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم السبت إلى السودان، في وقت من أهم وأخطر الأوقات التي تمر على المنطقة في ظل العديد من التحديات والتهديدات الإقليمية والقارية، والتي تهدد بشكل مباشر الأمن القومي. ومن منطلق أن السودان هو العمق الاستراتيجي للدولة المصرية، وأن أمنه واستقراره يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومي المصري، جاءت زيارة الرئيس لتؤكد على عمق العلاقات بين البلدين، وأن الدولة المصرية لا يمكن أن تتخلى عن الشقيقة السودان، وأن المصير واحد والأمن والاستقرار واحد.
وجاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد توقيع القوات المسلحة المصرية والسودانية اتفاقية استراتيجية، تهدف إلى تزويد السودان بالأسلحة والمعدات وأيضا التدريبات المشتركة ونقل الخبرات للجانب السوداني، ثم بعدها جاءت زيارة وزيرة الخارجية السودانية إلى القاهرة وإجرائها مباحثات مع السيد سامح شكري وزير الخارجية، وكانت ثمار كل تلك المباحثات زيارة الرئيس إلى السودان.
واذا نظرنا إلى التهديدات المشتركة سنجد على رأسها قضية سد النهضة ومحاولات إثيوبيا للانفراد بالقرار الأحادي والسيطرة على مياه النيل الأزرق وعدم الالتزام بالمفاوضات بينها وبين دول المصب، مما ينذر بضرر جسيم على شعبي دول المصب، والنقطة الثانية المهمة هى التهديدات للحدود السودانية بعد محاولات التدخل العسكري الإثيوبي داخل الأراضي السودانية، مما يهدد المنطقة بإشعال حرب حقيقية بين البلدين مما يجعله يؤثر فى أمن واستقرار المنطقة، ومن بين التهديدات أيضا إعادة ترتيب الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي، وذلك نظرا لوجود معسكرات لتنظيمات إرهابية على أراضي الصومال وتهديدها الملاحة في تلك المنطقة الحيوية، بالاضافة إلى محاولات إعادة نشر تلك العناصر الإرهابية في بعض الدول الإفريقية والعربية، وأيضا سعي بعض دول الجوار الإقليمي لتصدير الأزمات والإرهاب إلى المنطقة وتهديد المصالح الحيوية للدول العربية والإفريقية، بالإضافة إلى أمن البحر الأحمر بعد التهديد الذي يظهر في الفترة الحالية من بعض العناصر والتنظيمات الإرهابية، مثل جماعة الحوثي في اليمن التي تسعى باستمرار إلى تصدير الأزمات في مضيق باب المندب، علاوة على انتشار العديد من التنظيمات الإرهابية في بعض دول القارة الإفريقة مثل "داعش" والقاعدة وبوكوحرام وغيرها من التنظيمات التي تتغلغل في القارة، وتؤثر فى الاستقرار والتنمية.
لقد كان السودان خلال حكم عمر البشير يسعى إلى إثارة العديد من الأزمات مع الدولة المصرية في كثير من الأوقات وآخرها كان تنازله لجزيرة سواكن لتركيا، لإقامة قاعدة عسكرية تركية مما كان سيؤثر فى الأمن القومي المصري، بالإضافة إلى احتضانها على أراضيها مجموعات وتنظيمات إرهابية مرتبطة بشكل وثيق مع تنظيم الإخوان، إلا أن مصر كانت تتعامل بحنكة وحكمة مع هذا النظام الذي أفسد في السودان كثيرا.
ومنذ الثورة الشعبية التي خاضها الشعب السوداني وقفت الدولة المصرية بجانب السودان حرصا منها على استقراره ودعمه بكل أشكال الدعم الممكن السياسي والاقتصادي، والاجتماعي، وذلك من أجل إعادة الاستقرار مرة أخرى إلى السودان، في ظل محاولات قوى أخرى تسعى إلى إثارة الفوضى داخله.
إن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الخرطوم في هذا التوقيت تحمل من الرسائل الكثير، أهمها:
أولا- أن الأمن القومي السوداني لا يمكن أن ينفصل عن الأمن القومي المصري، وأي تهديد مباشر للسودان هو تهديد لأمن واستقرار مصر.
ثانيا- أن مصر داعمة للسودان في كل مواقفه، وذلك في إطار التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين.
ثالثا- أن التعاون الاستراتيجي بين البلدين في أقوى صوره، خاصة في المجال العسكري.
رابعا- أن مصر والسودان يرفضان جملة وتفصيلا ما يتخذه الجانب الإثيوبي من محاولات ضرب جميع القرارات التاريخية والدولية عرض الحائط، وأنهما مستمران في المفاوضات، وهي رسالة أخيرة لإثيوبيا.
خامسا- رسالة ردع لأي قوى تسعى إلى التدخل في الشأن السوداني في الوقت الحالى أو محاولة إثارة الأزمات في الداخل السوداني، أو محاولات تهديد الأراضي السودانية.
سادسا- أن مصر تقود دول المنطقة في حربها ضد الإرهاب وأنها لن تتوانى لحظة في تنفيذ ذلك، من خلال مساندة دول المنطقة.
سابعا- أمن البحر الحمر خط أحمر ولا يمكن العبث به من أي قوة كانت، والتنسيق مع الجانب السوداني واضح وصريح، والقوات المسلحة المصرية قادرة للوصول إلى أبعد نقطة لإيقاف أي تهديد.
ثامنا- أن مصر لن تسمح بأي محاولات للتدخل العسكري في الأراضي السودانية.
فى الأخير، إن مصر هي القوة الفاعلة في المنطقة في الوقت الحالي، وهي قادرة على اتخاذ قرارها السليم في الوقت المناسب لتحقيق أمنها القومي وأمن المنطقة والمحافظة على الاستقرار، وهذا ما شاهدناه جليا في الأزمة الليبية، كما أنها لن تسمح في التفريط في حقوقها، وتتخذ المسارات التفاوضية لنهايتها، خاصة في أزمة سد النهضة، وما تم إعلانه في الخرطوم هو الرسالة الأخيرة.