بُحت حناجرنا وأُنهكت أقلامنا جراء المناداة بضرورة الالتزام بـميثاق الشرف الإعلامي الذي يخرج عنه بعض مقدمي البرامج بشكل يثير حفيظة المجتمع، وتقف الدنيا ولا تقعد من زلة لسان من هذا أو ذاك، أو خطأ مقصود أو غير مقصود من محبي الشهرة واللاهثين وراء أعجوبة هذا الزمان المسمى (التريند) على السوشيال ميديا، فبه يضربون عصفورين بحجر واحد: الشهرة والمال في آن معا، غير عابئين بما يرسخه سلوكهم هذا من أضرار ما أنزل الله بها من سلطان على أجيال ناشئة.
لا يخفى على أحد أن الظهور الإعلامي يعطي صاحبه بريقًا لدى متابعيه من كل الأعمار والفئات الاجتماعية والثقافية المختلفة. وبطبيعة الحال يتخذه الكثيرون قدوة في مناحٍ كثيرة رغبة منهم في تحقيق الشهرة والنجومية، وبظهور موجة (التريند) انجرف الناس في تياره في انسياق غير محسوب العواقب ضاربين بعرض الحائط القيم الأخلاقية والعادات المجتمعية القويمة؛ بغية الحصول على قدر من الشهرة التي بهروا وفتنوا بها من قبل مع مشاهير الفن والإعلام، بل السياسة أيضًا.
ولغياب الرقابة المطلوبة على الأبناء في كثير من الأسر بسبب انشغال الآباء والأمهات في توفير مطالب الحياة، ولأسباب أخرى نعرفها، أدى هذا إلى أن خرجت تصرفاتهم عن السيطرة، خاصة وهم لا يزالوان براعم في عمر الزهور يريدون من الحياة مباهجها دون بذل جهد، إن إيقاع عصرهم السرعة في كل شيء، فيجدون ضالتهم هذه عن طريق إحدى وسائل تحقيق الذات المرجوة، فمن منا لا يحمل الموبايل المزود بالكاميرات، فما أيسرها من طريقة تحت أيديهم ليل نهار، منها تنطلق رغبتهم المحمومة متمثلة في إعداد فيديوهات تنطوي على محتوى ركيك اعتباطي غير مدروس يبثونه عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لينتشر مثل الفيروسات سريعة العدوى، ليكون (تربند) يذيع صيت صاحبه أو صاحبته ويحقق الشهرة من أسهل الأبواب، حيث ترك الأخلاق والقيم على عتبته، واستحل كل شيء تحقيقًا لمأرب ليس له قيمة سوى إحداث فرقعة تعلو ثم سريعًا ما تنطفئ ليحل محلها وافد جديد يبث جديده الفارغ في أدمغة فارغة تستهويها التفاهات، فهي تمثل سوقًا لترويج هذا المنتج الذي يحمل السخف.
والمقيم لمعظم هذه الفيديوهات المصورة والأخبار الملفقة التي يستخدم في إخراجها مباحات كثيرة بغيضة إلى النفس والروح، على سبيل المثال لا الحصر، نجد الأمر اللافت: فتيات يرقصن بشكل مقزز خادش للعين تصاحبهن موسيقى صاخبة تصم الآذان وتعبيرات وإيماءات تخلو من الحياء الذي يجب أن تتحلى به الأنثى ليزيدها جمالًا يضاف إلى جمالها الأخلاقي والسلوكي، بل أيضًا نشاهد رجالًا يتمايلون بخلاعة وتعلو وجوههم ضحكات بلهاء لا تنم عن رجولة أو حمرة خجل أو مروءة، ناهيك عن صنوف من مشاهد تحض على العنف والقسوة تجاه الإنسان والحيوان والطير يقوم بها أطفال صغار تموج بها فيديوهات تصبو فقط لأن تعتلي سفح التريند بأي ثمن!
يا إلهي! ما هذا الذي نعيشه ونعاصره في زماننا الصعب بما فيه الكفاية؟! هل هذا ما نريده لشبابنا وأبنائنا وبناتنا وأطفالنا؟! هل هذه هي فكرتهم عن مجاراة عصر التكنولوجيا ومستحدثات الحضارة؟! هل حمى التريند التي تخلو من أي قيمة وتحدث هذا الشطط الذي يغّيب العقول عن تمييز الغث من الثمين، وهل ستصبح هي المعيار لدى جيل بأكمله في الكسب السريع للمال، ومن ثم بلوغ الشهرة، والذي سيقابله بالضرورة آفة التقاعس والكسل عن التحصيل الدراسي والإلمام بالعلوم وجني المعارف الحقيقية التي تشكل العقل والوجدان؟!
لاشك فى أن أبناءنا في خطر لو تركنا لهم الحبل على الغارب دونما رقيب أو حسيب من الأسرة تتابع أنشطتهم التكنولوجية، وتسهم في توجيههم نحو الاستخدام الأمثل لها الذي يعكس قدراتهم ويؤجج ذكاءهم وميولهم الابتكارية والإبداعية فضلا عن ترشيد الوقت المخصص للتردد على مواقع التواصل الاجتماعي، والقيام بمراقبة السلوكيات التي ينتهجونها مقلدين فيها مجتمعات مغايرة تبعد كل البعد عما نشأنا عليه من قيم ومبادئ وعادات وتقاليد تعلي من قيمة العمل الشريف والحفر بالأظافر في الصخر لجني المال الحلال، والتمتع بالأخلاق الحميدة، وصون النفس والعرض.
إن إدمان وسائل التكنولوجيا وسوء استخدامها يوقع البعض في شرك المرض النفسي الذي يحتاج إلى اكتشافه في لحظته حتى نسارع في علاجه لدى المختصين من علماء النفس حتى ينقذوا المريض ويعيدوا تأهيله لمواجهة الحياة، وهو في أولى مراحله حتى يسهل شفاؤه فيعود إلى طبيعته.
إنها مسئولية مجتمعية خطيرة لابد من الانتباه لها والتصدي بكل قوة أمام ما يحدق بمجتمعنا من مشكلات نحن في غنى عنها، حفاظًا على الهوية والشخصية السوية وليتنا نستن القوانين الملزمة لكل من تسول له نفسه العبث بمقدرات المجتمع وشبابه وأفراده بشكل عام بوضع عقوبات تدين كل من يقوم بتسجيل فيديوهات مخلة ومسيئة من أجل عيون الترند وسنينه.
أخيرا، الأخلاق يا سادة ثم الأخلاق، ولا نهوض لأمة دونها، فهي رمانة الميزان لكل مجتمع صالح وقوي في زمن لا يحترم الضعفاء، بل يطيح بهم! ولا تنسوا أننا خير أمة أخرجت للناس، كرمنا الله فلنحافظ على نعمه علينا!.
رابط دائم: